قرين ميّت البارت التاسع عشر

"قرين ميّت" "البارت التاسع عشر"

كان آدم يستشيط غضباً وما إن التفت إلى الخلف حتى فوجيء بالضابط جمال.
ارتعد آدم وقال بتلعثم:
_أيها الضابط لقد أخفتني.
فقال الضابط جمال بنبرة يملؤها الجمود:
_هل تبحث عن شيء؟.

تسارعت أنفاس آدم وقال:
_لا لم أكن أبحث عن شيء.
فقال الضابط جمال بابتسامة ساخرة:
_جيد، أحدهم يبحث عنك بالخارج.
فسرعان ما هرع آدم إلى الخارج فقد شعر بأنه إن لبث أمام الضابط جمال دقيقة أخرى سيعترف بجريمته!.

...

على صعيد آخر، عاد النمر إلى منزله حيث تمكث زوجته وأبنائه.
ما إن دلف النمر إلى المنزل حتى هرولت زوجته نحوه وقالت بذعر:
_عزيزي ما الذي أصابك؟
فقال النمر بنبرة هادئة:
_لا شيء يا ماريا أنا بخير، لا تقلقي.

تنهدت ماريا وقال بتساؤل:
_فقط أخبرني ما الذي حدث؟
زفر النمر وقال بنبرة غاضبة بعض الشيء:
_عزيزتي أنا بخير فقط دعيني بمفردي لبعض الوقت.

أومأت ماريا برأسها ثم ذهبت لكي تتفقد الصغار بينما إتجه النمر نحو غرفة نومه وأوصد الباب جيداً.
فكر النمر قليلاً ثم اتجه نحو النافذة التي تطل على الشارع فرأى السيارة التي تراقبه أينما ذهب.

زفر النمر بقوة ثم أخرج هاتفه وقام بالإتصال بشخص ما، بعد قليل تم قبول مكالمته فسرعان ما قال النمر:
_مرحباً يا سيد رشيد، كيق حالك.
فقال السيد رشيد بنبرة تملؤها الدهشة:
_النمر! لا أصدق أنا بخير ماذا عنك، سعيد بأنك اتصلت بي.

تنهد النمر وقال بنبرة يملؤها الغضب والغل:
_هل تذكر الأمر الذي تحدثنا عنه من قبل؟
فقال السيد رشيد بعدما قهقه بلا مبالاه:
_لقد تحدثنا عن الكثير من الأمور، أيهما تقصد؟
زفر النمر بقوة وقال:
_لقد عرضت عليّ عرضاً بأن أعمل لصالحك وسأحصل على ضعف الأجر الذي كان يعطيني إياه الأنصاري.

فقال السيد رشيد بسعادة:
_يا إلهي! لا أصدق هل أنت جاد؟
فقال النمر بنبرة يملؤها الغل:
_أنا جاد بكل ما أوتيت الكلمة من معنى.
تنهد السيد رشيد وقال بسعادة:
_لنلتقي إذاً.

فسرعان ما قال النمر:
_بالطبع سنلتقي، لكن هناك عائق يردعني من لقاؤك.
فقال السيد رشيد بتساؤل:
_وما هو ذلك الشيء الذي يرد النمر!!؟

تنهد النمر وقال:
_هناك أمور لا يمكن التحدث بشأنها عبر الهاتف، كل ما يمكنني إخبارك به أن الأنصاري بعث رجال لمراقبتي، بالطبع سيعلم إن التقيت بك ولن نتمكن من فعل شيء حينها!.

تنهد السيد رشيد وقال:
_ليس هناك داعي لأن تقلق، سأتخلص منهم على الفور، متى سنلتقي؟
لاحت ابتسامة يملؤها الخبث أعلى شفتي النمر وقال:
_متى تشاء يا سيدي.

فقال السيد رشيد بنبرة جادة:
_سأتصل بك حالما أتخلص من أولائك الذين يراقبوك وأخبرك أين سنلتقي.
اتسعت ابتسامة النمر وقال:
_سأكون في انتظارك.

...

الحب شيء جميل يجعل الإنسان قادراً على مجابهة الحياة بكل الصعاب التي تكمن فيها، لكن إن رحل ذلك الحب جعل المرء باهتاً لا يقوى على شيء، فحينها حتى الرياح تكون قادرة على الفتك به!.

كثير من الأشخاص يظنون أن الحب يموت بموت صاحبه لأنهم لا يدركون كيف يكون الحب حينما يبلغ أقصى درجاته ومنتهاها.
فحتى بعد الموت يظل هناك ظل يحمي الطرف الآخر يوجّهه، يعتني به، يحذره، ويخبره بما عليه إخباره به!.

كانت وهج تسير في أرض خضراء بها الكثير والكثير من الزهور خاصةً الأنواع التي تفضلها، كانت ترتدي ثوب أبيض ناصع البياض به نقوش باللون الأصفر.
اقتطفت زهرة واشتمت رحيقها وهتفت قائلةً:
_مُهاب!.

فأتى مُهاب باسم الثغر قائلاً:
_هنا حيث أردتِ أن نقضي عطلة نهاية الأسبوع بعد الزواج أليس كذلك؟
أومأت وهج برأسها بسعادة وقالت:
_أجل.
فأمسك مُهاب بيدها وقال بعد أن طبع قُبلة عليها:
_لكِ ذلك.

أجفلت وهج جفنيها بسعادة فقد أرادت أن تستشعر تلك السعادة في أعماق قلبها ولكن ارتعد جسدها إثر صوت الرعد وما إن فتحت عينيها حتى فوجئت بالغيوم المتكدسة قاتمة اللون، زحف نظرها للأمام ففوجئت بعدم وجود مُهاب! وكذلك الخضرة والزهور! حتى الثوب التي كانت ترتديه لم يكن هو!.

كل شيء صار رماد تذروه الرياح، تحول كل شيء في غضون عدة ثوان فقط!.
صاحت وهج بأعلى طبقات صوتها قائلةً:
_مُهاب أين أنت؟ أنا خائفة.
فجائها صوت مُهاب من خلفها قائلاً:
_لقد أخبرتكِ بأنني لن أدعكِ يا وهج.

فسرعان ما التفتت وهج للخلف ولكنها شهقت بفزع حينما رأت جسده وقد تجلّت جلوده عن عظامه، مدّت يدها لكي تلامسه ولكنه أبى ذلك وقال:
_والدكِ يا وهج.

ضمت وهج حاجبيها وقالت بتساؤل:
_ماذا به أبي؟
فقال مُهاب بنبرة يملؤها الحزن:
_كان ليبقى معكِ مزيداً من الوقت، لكن شاء الله بأن يُقتل.

جحظت عيني وهج وقالت بعدما شهقت بهلع:
_يُقتل؟
فقال مُهاب بينما كان يبتعد عنها وكأن الأرض امتدت بينهما:
_لن يرضى عنكِ والدكِ إن لم تمسكي بالقاتل.
صاحت وهج ببكاء وقال:
_من هو القاتل؟.

استيقظت وهج بفزع فوجدت والدها لا يزال ساكناً لكن لون أذنيه بدأ يتغير!، نظرت نحو الشرفة فرأت أشعة الشمس قد تسللت إلى الداخل.
قبّلت وهج جبهة والدها ثم نهضت متجهةً نحو باب الغرفة ثم خرجت.

بعد قليل من الوقت جاء رجل لكي يقوم بتكفين السيد عثمان بينما بدأت أعداد الناس بالتزايد.
تم إدخال السيد عثمان إلى قبره في مدافن العائلة بينما كانت وهج تشعر وكأنها ستتقيأ أحشائها حزناً على فراق والدها.

كانت حور بجانب وهج تشدد بأذرها، فهي لم تتركها أبداً ولن تفعل.
بعدما انتهت مراسم توديع المتوفى كلٌ عاد من حيث أتى.
لم ترد وهج أن تعود إلى المنزل لأنها تخشى أن تطأه قدمها دون أن يكون والدها في الداخل.

آثرت حور أن تصطحب وهج إلى الشاطيء فريما يجعلها تتحسن قليلاً.
كانت وهج تحدق في أمواج البحر، كم كانت تود أن تبتلعها تلك الأمواج.

انتبهت وهج من شرودها حينما ربتت حور فوق رأسها وقالت بنبرة يملؤها الحزن:
_عزيزتي وهج، أعلم أنه لا بد أن احزني على فراق والدكِ، لكن هذا ما أراده الله، والله لا يفعل شيء عبثا.

تنهدت وهج وقالت:
_أشعر أن جزء بداخلي تم دفنه بجانب أبي، كيف حدث ذلك؟ لقد تحدث إليّ قبل ذلك وكان بخير، كيف قضى نحبه هكذا؟ لم أكن بجانبه حينها، لا بد أنه أراد أن يودعني على الأقل.

انهمرت دموع حور فجذبت وهج نحوها واحتضنتها قائلة:
_له في ذلك حكمة، يمكنكِ فعل شيء له أليس كذلك؟
فقالت وهج بنبرة يكسوها الحزن والكمد:
_بالطبع، فالصدقات تساعد الميت وكذلك الدعاء.

فقالت حور بابتسامة:
_إذاً فلتتصدقي بنية أن يجعله الله في الفردوس الأعلى، لقد كان والدكِ رجل عظيم وسيتغمده الله برحمته، فقط أكثري من الدعاء له.

...

غفى النمر دون أن يشعر ثم استيقظ على صوت رنين الهاتف، فضعط على زر قبول المكالمة وقبل أن يتفوه بكلمة واحدة جاءه صوت السيد رشيد وهو يقول:
_لقد تم التخلص من أولائك الرجال الذب يزعجونك، سأكون بانتظارك بعد ساعتين في المزرعة التي أملكها، تلك التي التقينا فيها في المرة الماضية لا تتأخر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي