2

الساعه الواحدة صباحاً وها هي تعود إلى المنزل بعد
قضاءها الوقت رفقة أصدقائها في ذلك الملهى، أيقنت أن كل من بالمنزل في سباتٍ عدا حراسها، فلا
أحد سيظل مستيقظاً من الخدم بالذات في هذه الساعة من الوقت، ما إن دلفت بهو المنزل وإن صح
التعبير قصر روتشيلد الفخم، حتى عقدت العزم لتهرول ناحية السلالم تجاه غرفتها، ولكن ذاك الصوت كان له رأيٌ آخر في قرارها.



"توقفي عندك زيلدوڤيا!!"


استوقفها ذلك النداء من وسط الصالة المظلمة قليلاً
لا ينيرها سوى قمر منتصف الشهر، على إحدى تلك
الأرائك كانت تضجع سيدةٌ حسنة الخلق والمظهر،
تجلس عليها لم يزرها النوم وابنتها الوحيدة تقبع
خارجاً حتى هذا الوقت المتأخر من الليل، ما إن لمحت الأخرى تتسحب من البوابة حتى استوقفتها
تمنعها من إكمال طريقها.

لتلبي الأخرى ذلك رغماً عنها دون الإلتفات لها مطلقتاً
زفير التأفف من شفتيها، فهي لا تطيق تصرفات والدتها التي باتت مبالغةً فيها على حسب اعتقادها
هي، وما يزيد ذلك كرهها للاسم الذي نادتها به
الأن.

"كم مرةٍ أخبرتك ألا تنادي بهذا الاسم سيدة روتشيلد؟!"

"مهما حاولتي الإنكار فهذا هو إسمك والذي سيرافقك حتى مماتك، زيلدوڤيا وما عليكِ إلا أن تتقبليه شئتي أم أبيتي، تعيشين وتتحركين به لا
أحد يعترف باسمك الأخر سوانا وأصدقائك، لذا تقبليه لأنه اسمك القانوني زيلدوڤيا روبن روتشيلد!
وأنا أمك توقفي عن معاملتي وكأنني زوجة والدك،
على الأقل قولي لي أمي هل هذا صعبٌ عليكِ حتى؟!"

"هل ستستمرين على هذا المنوال دائماً فلتخلصي علي وقولي ماذا تريدين؟ أنا متعبةٌ ولدي جامعةٌ
غداً وأريد النوم!"

"فلتتأدبي يا فتاة معي!! هل تعلمين كم الساعة الآن؟!"


دحرجت زيلدوڤيا عينيها بمللٍ وأخذت تنظر إلى ساعة هاتفها وتجيبها بكل برودٍ ودون مبالاةٍ حتى
لمشاعر الواقفة أمامها، والتي كادت أن تموت قلقاً
عليها كل يومٍ بسبب طيش الصغرى التي لا تهتم
ولا تكترث.


"الساعة الواحدة صباحاً ماذا في ذلك؟!"

"زيلدوڤيا!!"

"بريا هو اسمي أيتها السيدة وكفي عن التدخل في
شؤوني، والتظاهر بمثاليةٍ أمامي فلقد سئمت حرفياً
وتصبحين على خير إن شئتي"



تجاهلتها وصعدت إلى غرفتها تاركةً تلك السيدة
المسكينة في حسرتها، وقهرها وهي تراقب ظهر
ابنتها حتى اختفت عن مرأى أنظارها، تنهدت بألم
وهي تمسح تلك الدمعة التي تمردت على خدها
صاعدةً إلى غرفتها بعدما تمتمت بتلك الكلمات
لنفسها.


"هلاكي سيكون على يدكما انتي ووالدك يوماً ما"



دلفت زيلدوڤيا غرفتها وتقفل على نفسها بابها، وترتمي على أريكتها بإهمالٍ، لم تكلف على نفسها عناء خلع حذائها منها تمدد ساقيها عالياً تأرجحهما
في الهواء بعد اتخاءها وضعيةً مقلوبة على الأريكة،
أخذت بعدها تتأمل سقف غرفتها تخرج نوتاتٍ ملحنةٍ
من صفيرها تفكر بأمرٍ ما.


"الوضع بات مملاً وبشدةٍ هذه الأيام، هذا الروتين سيقتلتي إذا استمريت على هذا المنوال لابد من
طريقةٍ لكسر كل هذا"



قُطع تمتمتها لنفسها ضوء هاتفها يعلن عن إتصالٍ ما،
التقطته وتلك الإبتسامة التي ارتسمت على محياها
عندما علمت بهوية المتصل لتسارع بالإجابة.

"يافتاة هل اشتقتي إلي بهذه السرعة؟! لقد كنا مع بعضنا قبل ساعةٍ من الأن!"

"تباً لكِ أيتها النرجسية لقد اتصلت بك لإطلاعك على
أمرٍ ما، لكن يبدوا أن لا مزاج لديكِ، لذا إلى اللقاء!"

"تعلمين ماذا سيحصل لكِ في الغد عند رؤيتك إذا
فعلتها صحيح؟!'

" وانتي تعلمين كم أحبك لذلك لن يطاوعك قلبك
بفعل ما تردين بصديقتك الوحيدة، أليس كذلك؟!"

"الخلاصه!!!"

"حسناً، حسناً لقد كنت أمزح فحسب، ألا تملكين حس الدعابة ولو قليلاً؟! المهم هاري سيقيم حفلاً
صاخباً في منزله نهاية هذا الاسبوع ما رأيك في
الأمر؟!"


"أووه!! وكالعادة إحتفالٌ من دون مناسبةٍ صحيح؟!"

"لا حاجة للإجابة تعلمين ذلك الفاسق ينتهز فرصة
غياب والديه دائماً ليقيم حفلاته الماجنة في منزل
عائلته، لكن هذه المرة سيكون الأمر مختلفٌ نوعاً
ما"

"وما الإختلاف فيه؟" 

"لنقل حفلةً للبالغين من نوعٍ خاص كالحلويات وغيرها لا حاجة لذكرها الأن فوالدتي قريبةٌ مني!!"




همست نيكي بآخر حديثها تحاول إيصال المعلومة
لصديقتها، وكما هو المتوقع فهمت زيلدوڤيا الأمر
مما جعلها تفرج محجريها بدهشةٍ وهي تبتسم و
تعتدل في جلستها، حتى يتسنى لها التوغل أكثر
داخل تلك المحادثة.





"واو ذلك السافل سيقع حتماً بمشكلةٍ كبيرةٍ إن وصل
الخبر إلى والده بالذات، لكن لا يهم ما سيحصل له
المهم أن نستمتع بالأمر حسناً أنا موافقة لنذهب"

"لكن بشرط دون الإقتراب من تلك الحلويات! رجاءً
بيري لا تقربيها أبداً فأنا على علمٍ بمدى جرأتك!"


دحرجت المعنية بالأمر عينيها بضجر لما تفوهت به
صديقتها، لتتأفف قبل أن تجيبها موافقةً لطلبها فهي
تعلم بمدى درامية الأخرى في هذه الأمور، وأيضاً
بسبب عائلتها المحافظة أو بالأخص والدتها
المتزمتة فهي تقريباً تتدخل بحياة إبنتها بكل شيءٍ
تفعله، عدا تلك الحفلات التي تذهب إليها برفقتها
دون علمها ومن تخطيط بطلتنا.




"لا تقلقي لست مغفلةً حتى أقلدهم فيما يفعلونه،
ولست مستعدةً لمحضرات والدتي بالذات التي
لن تتوقف ما إن تبدأ"

"حسناً إذاً نلتقي غداً بالجامعة ونكمل حديثنا هناك،
تصبحين على خير"

"تصبحين على خير"



تنهدت زيلدوڤيا وهي تنظر لسواد شاشة هاتفها
المظلمة إثر إنتهاء المحادثة، أخذت تتأمل جوانب
غرفتها بذهنٍ شاردٍ تفكر في كلام صديقتها،
على إثرها زارها طيف والدتها بسبب الحوار الذي دار
بينهما، لتطلق زفيراً طويلاً وهي تلقي بنفسها على
فراشها ألقت نظرةٍ على الساعة المركونة بجانب
سربرها وتعيد بصرها تتأمل سقف غرفتها بشرود.



"هل ما زالت مستيقظةً للأن بانتظاره؟! تشه..حمقاء!!"


انتفظت نهاية حديثها عن مكانها لتهم بخلع ملابسها
بإهمالٍ ناثرةً إياه في أرجاء الغرفة، وتتوجه لأخذ حمامٍ دافئ قبل دلوفها للنوم فغداً يومٌ جديد، دوامٌ
دراسيٌ جديد بروتينٍ مملٍ قديم.






(الساعة الرابعة فجراً)


"حريق!! حرق!!"

"مسكينٌ السيد كالڤن خسر عائلته ونفسه وكل شيء"

"إنها حية!! ..بل ستموت لا أمل لها"

"إبنتي خذي بالثأر لك ولنا!!"

"بريااا!!"




شهقةٌ قويةٌ أطلقتها حال استيقاظها فجاءةً بسبب
ذلك الكابوس الذي يراودها دائماً، تلهث بشدة وقد
اغتسلت بعرقها مازالت تشعر بتلك النيران التي
كانت تلتهب جسدها في ذلك الكابوس، أخذت تتفحص جسدها كالمجنونة تبحث عن أثرٍ لذلك
الجحيم على بدنها ولكن لا من أثرٍ للحروق أو الندوب
ولكنها ما زالت تشعر بألمه.

مازالت تشعر بالرعب من تلك الصرخات التي منها
النجاة، وتستغيث بها طلباً للحياة بلا أمل، مازال
جسدها يرتعش ويرج من هول ما رأته وشعرت به
داخل ذاك الكابوس، نفضت عنها غطاءها لتهرول
ناحية الحمام وتصعد للحوض وتفتح على نفسها
المياه الباردة.

وهي تضم نفسها ترتعش وترتجف وتبكي بصمتٍ تام
تنظر للفراغ، لم تهتم بملابسها التي ابتلت ولا لبرودة
الجو بسبب حرارة الألم الذي تشعر به ولسعات اللهيب التي لفحتها هناك، ولم تشعر بنفسها حتى
غفت بنفس وضعيتها حتى الصباح.

استيقظت على ذلك الآلم الطفيف الذي اصابها بسبب
وضعية نومها طوال الليل، وبرودة المياه التي انغمرت بداخلها أخذت تنظر حولها بشرودٍ وضياع
حتى استعادة وعيها أخيراً وتتذكر أحداث الليلة
الماضية، لتزفر أنفاسها بضيق تتم روتينها المعتاد
استعداداً لجامعتها.





"أنستي الإفطار جاهز ووالديك بانتظارك على المائدة"


تلك كانت الخادمة التي دخلت ٱليها بعد طرقها لباب
غرفة زيلدوڤيا تخبرها بضرورة إنضمامها لمائدة
الإفطار رفقة والديها، لتهمهم لها تأمرها بالمغادرة
فهي ستلحقها قريباً الى هناك.




"صباح الخير"




ألقت تحيتها تزامناً مع نزولها من السلالم وجلوسها
في مكانها على المائدة، وكالعادة لم تتلقى رداً سوى
من والدتها التي تساعد الخادمة في ترتيب الأطباق
على الطاولة، أما والدها فتجاهل الأمر كعادته يترأس
المائدة غارقاً بين سطور تلك الصحيفة التي وقعت
أسيرة قبضتيه ويرتشف كوب قهوته التي يدمنها.






"أنا مدعوةٌ لحفلةٍ ما نهاية هذا الأسبوع عند أحد الأصدقاء"


تحدثت وهي منغمسةٌ بتناول إفطارها لم تنظر ناحية
والديها أبداً، لم تكن في نيتها أخذ الإذن منهما فهي
في كل الأحوال ستفعل ما تريده سواءً شاؤوا أم
أبوا، بل كانت راغبةً في كسر ذاك الصمت المريب
الذي يحوم حولهم ولا يسمع سوى تضارب الملاعق
والشوك على الأطباق، وكذلك همهمات والدها الذي
أعطاها الموافقة دون إهتمامٍ لما تفعله.


طبعاً ذلك لم يعجب السيدة بيلا على الإطلاق، فهي
تكره مدى تهاون زوجها في تعامله مع إبنته الوحيدة
ولا يهتم بأفعالها بل يؤيدها ويساعدها ما إن وقعت
بمشكلةٍ ما، لذا لن تسكت وتتفرج على ما يحدث
بفمٍ مغلق.






"وأين سيكون هذا الحفل؟!"



وكان هذا سؤال بيلا لإبنتها التي تعرف بتمردها و
طيشها، والتي لن تهتم او تكترث لها لكن لا ضرر
في المحاولة في كل مرةٍ تقلق على وحيدتها.





"في منزل السيد أناند"



"ماذا؟!! ذلك الصبي المعتوه مرةً أخرى! لا تقولي أيضاً هذا الحفل دون علم والديه ككل مرة!"


"نعم هو كذلك، وان يكن"



"مالذي تقصدينه وان يكن؟! لن تذهبي الى هذا
الحفل ماذا إن حصل شيءٌ هناك ذلك الصبي
سيدشن حفلته بالممنوعات وعندها ستحدث المصائب، لذلك لن تذهبي أبداً!"


"وكأنني سأرضخ لكِ ولأوامرك لست هنا لأستئذنك
أنا أخبرتك فقط ولا يهمني رأيك ولا تمثلي القلق
أمام زوجك فهذا لا يناسبك البته!"




دفعت بكرسيها تلقي ما بيدها نهاية حديثها اللاذع
ناحية والدتها وتمسك بحقيبتها وكتبها تتجه نحو
سيارتها وتنطلق لوجهتها، هنا ابتلعت بلا غصتها
وهي تراقب غبار ابنتها وتنظر نحو زوجها الذي لم
يتحرك ساكنا لوقاحة ابنته اتجاهها، ليلقي الاخر صحيفته ويرتدي نظارته يتوجه هو الاخر ناحية
عمله.











يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي