4

بعد إنتهاء الإستراحة عاد الجميع إلى قاعاتهم،
بإنتظار المحاضرة التاليه المكان في حالة فوضى
نسبيا فالكل التهى بالحديث مع زميله او صديقه،
يتبادول النكات واستكمال شرب قهوتهم أو شرابهم
إلا زيلدوڤيا، فقد كانت تجلس وحيدةً بمكانها وبمللٍ
شديد تراقب حولها وتطلق أنفاسها الضجرة.

فقد تركتها ڤيكي للحديث مع هاري وبعض الزملاء
بشأن الحفل، فقد إشتعلت حماساً ولا يسعها الإنتظار
ليوم آخر لم ينتبه أحدٌ سوى زيلدوڤيا على دخول
المعلم وتوجه إلى مكانه ينظر الطلاب من حوله
ولم يشعروا بدخوله، عدا بطلتنا التي لا تعلم لما
شردت به وجذبها وجعلها تسرح بخيالها بعيداً.

ليس هياماً لا ولكن ملامحه وهيئته وعينيه بالذات
قد رأتهما في مكانٍ ما، تقسم بداخلها أنها تعرفه
لديها شعورٌ غريب نحوه بأنهما على صلةٍ هي تجهلها
لم تشعر بنفسها عندما تلاقت أبصارهما معاً، وأخذا
يحدقان ببعضهما بصمتٍ وذهول كلٌ منهما يشعر
بصلته الغريبة بالأخر ولكن لا يعلمان ما هي تلك.



"أوه! إنه برفسور الأدب الجديد!!"

إنتبه بقية الطلاب بعد تنبيه أحد زملائهم بدلوف المحاضر، وأخذوا يتوجهون كلٌّ لمكانه وقد قُطع
التواصل البصري بين الإثنين آنفاً، ليتحمحم الأستاذ
يعدل من ربطة عنقه وينتظر هدوء الجميع حتى يعرف عن نفسه، وزيلدوڤيا أعادة نظرها نحوه وبدت
شاردةً تماماً به تحاول التذكر أين وكيف رأته ومن
يكون.

"مرحباً جميعاً أنا أستاذ الأدب الإنجليزي الجديد،
وأدعى بابلو!"

"بابلو"

دون أن تشعر زيلدوڤيا نطقت بإسمه تزامناً مع نطق
الآخر، لم يسمعها سوى صديقتها ڤيكي التي نظرت
نحوها بذهولٍ ودهشة، لتقوم بنغز الأخرى من
ذراعها جعلتها تستفيق من شرودها وتنظر ناحيتها
وهي مذهولةٌ مما تفوهت به وصديقتها اقتربت منها
تهمس لها عن الأمر.


"ياااا أنتي كيف عرفتي بإسمه؟!"

"من أنا؟!"

"ومن غيرك لقد ذكرتي إسمه معه هل تعرفينه من
قبل مع أنني سمعت أنه لم يطأ البلاد، منذ عشرين
عاماً كيف تعرفينه؟!"

"أنا لا أعرفه ولم أره في حياتي، أنا لا أعلم أو كيف
تطقت بإسمه حتى!"

تحدثت ڤي بتوتر تبعد عينيها عن صديقتها وتعيده على المعلم الذي مازال يعرف عن نفسه، ويتعرف على الجميع زمت الأخرى شفتيها في حيرةٍ من الأمر
لم تشأ أن تصدقها وأخذت تظن أنها تكذب عليها
وهي بمعرفةٍ تامةٍ به، ولكنها ترفض الإفصاح عنه
لذلك قررت تأجيل جلسة التحقيق هذه حتى نهاية
الدوام.


"حسناً يارفاق أتمنى لكم التوفيق وأن نكون على وفاقٍ معاً، لن أتردد في تقديم المساعدة إن إحتجتم لذلك يمكنكم التواصل معي بأي وقت، اتفقنا"


"شكراً لك بروفيسور"

"والآن من فضلكم الطلاب الذين طلبتهم بالإجتماع
في المكتبة ليتوجهوا إليه حالاً، لن أخذ من وقتكم
الكثير نلتقي هناك"


بعد مغادرة أستاذهم إلتفتت ڤيكي ناحية صديقتها
واقتربت منها بغتةٌ، مما جعل الأخرى ترجع براسها
للخلف تلقائياً بسبب تصرف صديقتها وهي منذهلةٌ
من منظرها المتهجم وهي تنظر لها بحاجبٌ مرفوع
تنتظر تفسيراً لموقفها السابق.

"مابكِ لما هذا الوجه وهذه النظرات؟!"

"هل تستغبين علي الآن؟!"

"لم أفهم!"

"بريا!!'

" ماذا؟!!"

"اللعنة عليك أنا أسألك عما حدث قبل سويعات مع
المعلم الجديد، ما علاقتك به لا تنكري إياكي ولا تقولي لي إستدعائك مع تلك المجموعة المطلوبة
هي محض مصادفةٍ فقط لأنني لن أقتنع أبداً!"

"رويدك يا فتاة أسميتها فوراً علاقة؟! أنتي وتفكريك
السفلي المنحط مثلك..آخخ تباً لكِ!!"


ضربةٌ غير متوقعة تلقتها على رأسها من الثور
الهائج التي تقبع أمامها، زيلدوڤيا رغم صرامتها
إلا أنها تخشى غضب وتقلبات صديقتها لذلك تحاول
أن تتفادى تلك المواقف بشتى الطرق.


"لا أحد منحطٌ هنا غيرك لم يكن قصدي العلاقة التي
فسرها عقلك الفاسد! قصدت ما الرابط الذي يجمعك
به؟!"

"وما أدراني أنا لم أره في حياتي حتى، ولم يستدعيني لوحدي أيتها المغفله هناك خمسة طلابٍ
أخرون غيري"

"فلتقسمي على ذلك!"

"أقسم بحياتك"

"ساقطه لما حياتي دعيها وشأنها فلتقسمي بحياتك
أنتي!"

"ابتعدي ڤيكي ليس لدي وقت فالنقاش معك عقيم،
الجميع ذهب عداي"

"حسناً فلتذهبي ولكن تأكدي لن أترككِ حتى أعرف
الحقيقة وكل شيء أسمعتني؟!"

أخرجت أنفاسها وهي تقوم بدفع صديقتها من أمامها
لتخرج وتتوجه نحو المكتبة، تحت سيل الشتائم
التي تلقيها الأخرى حتى وصلت للممر الذي تقبع
به المكتبة، ما إن وقفت أمام الباب حتى طرقته تستأذن للدخول وقد سمعت صوت معلمها وهو يأذن
لها بذلك.



"أعتذر على تأخري لقد طرأ شيئاً ما بطريقي إلى
هنا"

"لا بأس في هذا، تفضلي يا آنسة..؟"

"زيلدوڤيا روتشيلد سيدي"

"تشرفت بمعرفتك آنسة روتشيلد، فلتأخذي مكاناً حتى نتحدث قليلاً"

أومئت له وتوجهت نحو مقعدٍ فارغ، لتوها أنتبهت
أن هناك طلاباً آخرون من أقسامٍ أخرى يتواجدون
معها، وبعد القليل من حوار تبين أنه المشرف على
صحيفة الجامعة قسم الآداب، والطلاب الذين
اختارهم وجمعهم لم يكونوا سوى من النخبة.

وقد كانت هي معهم رغم برودها واللامبالاة التي
تظهرها، فهي من المتفوقين والنخبة المرموقة داخل
جامعتها ولا ننسى إسم والدها الذي بات معروفاً في
كل مكان، ومن يسمع اسم والدها يتولد لديه الرهبة
والخوف هي نفسها تجهل سبب ذاك.

"اتفقنا إذاً علينا أن نعمل كفريقٍ واحد ونبلي جيداً
حتى نرفع سمعة الجامعة غداً سيجهز زميلكم كل
ما تحتاجونه، ويمكنكم العودة إلى فيما أستصعب
عليكم شيئاً ما، والان سررت بمعرفتكم جميعاً
يمكنكم الذهاب الآن"

"نحن أيضاً أيها البريفسور سعدنا بالتعرف عليك
وسنكون عند حسن ظنك بنا"

بعد ذلك نهض الطلاب ليغادروا وقبل مغادرتهم
صافحوا معلمهم، يشكرونه على تعاونه معهم حتى
جاء دور زيلدوڤيا من إقتربت منه نية المغادرة
ابتسم لها ومد يده رغبة بمصافحتها.

"سعدت بلقائك آنسة روتشيلد"

ترددت في مبادلته ولكنها خجلت من أن تتجاهله لذا
مدت يدها لتبادله التحيه، ما إن تلامست أياديهم
ظهر أمامها فجاءة شريط سريع من لقطاتٍ مبهمة
لاشخاص يبدوا عليهم السعادة، يتمازحون ويركضون
هنا وهناك دون أن تتضح لها الصورة وبعدها ظهرت
لها مقاطع تبدوا لها من جنازةٍ ما وأحدهم يبكي
ويصرخ بحرقه.

"آنسة روتشيلد هل أنتي بخير؟!"

لاحظ إنتفاض الأخرى وارتعاشها وتنفسها الذي
تكاد تستطيع أن تلتقطه، وقد كانت في اللاوعي
حتى أمسكها من كتفيها يهزها وينادي بإسمها
عاليا، إلى أن استطاعت أن تعود للواقع نظرت
بذهولٍ حولها وكأنها تبحث عن شيءٍ ما.

وقد لاحظ معلمها حالة الهلع الذي تمر به، حاول
إمساكها مرةً أخرى بنية ٱسنادها على أحد المقاعد
ولكنها نفضت يده عنها وركضت خارجاً تحت صدمة
الأخر وهو يراقبها إلى أن اختفت ناحية دورة المياه
لتدخل إلى إحداها وتقفل على نفسها تجلس على
المرحاض تبكي بصمتٍ حارق.





(في مكانٍ آخر)


"يا أوم أين أنت لما هاتفك مغلق؟!"

"مالذي تريده؟"

"أيها السافل أحتاج لمن يوصلني هل نسيت أنك
سحبت مني الرخصة والمفاتيح، تحمل ذلك وتعال
إلي أريد الذهاب لمكانٍ ما!"

"عشر دقائق وأكون عندك لكن إن كان ملهى أو ٱحدى
بيوت الدعارة فتأكد أنني سأسلمك للمصحة بنفسي
ووالدك له علمٌ بذلك أيضاً"


"اللعنة عليك وعليه لقد غيرت رأي، لا تأتي لم أعد
بحاجةٍ إليك يا كلب ستيفن!!"



صرخ بغضب بغد إغلاق الخط في وجه صديقه، وعزم على كسره في الحائط ولكن إتصالاً منعه من
فعل ما نوى عليه، ابتسم بخبثٍ عندما علم بهوية
المتصل ليهم بالرد سريعاً.




"وأخيراً تذكرتني يا فاجر؟! لابد أن جيوبك باتت
خاويةً واتصلت لتعبئتها!"

"مُكيش صديقي العزيز أنت تعلم بوضعي بالكاد أستطيع إيجاد وقتٍ للنوم، على عاتقي مسؤولية
زوجة وأطفال"


"أيها الخبيث هل تظنني مغفل أخبارك تصلني أولاً
بأول وأعرف تماماً مالذي تفعله الآن!"

"مالذي تعنيه؟!"



"دعنا نرى هل نبدأ بزوجتك التي أنفصلت عنك، لانك
فاشل وارتبطت بشخص أغنى منك؟ أم بأطفالك
الذين انتُزعت منك حضانتهم بسبب عهرك وادمانك؟"



"فهمت، أستسلم، معك حق أنا في طريقي إلى التشرد طُردت من منزلي وعملي ولم أجد مكاناً
أو عملاً، يخفف عني هذا الجحيم ولم يوافق أحدٌ
لمساعدتي، وتذكرتك كم كنت عطوفاً و طيباً معي
لذا أريد أن.."


"لا تكمل سأمنحك منزلاً وعملاً والمال أيضاً، بشرط
أن تعمل لدي وبسريةٍ تامة ما رأيك توم؟!"


"يا صاح هل تسألني ما عليك إلا أن تأمر، موافق
موافقٌ بالطبع!!!"



"عشر دقائق وأنت أمامي"



"سأطير إليك في دقائق أنا قادم"




"لنرى الآن كيف ستقف في طريقي ياسيد ستيف
انت ومساعدك المخلص!!"




(في اليوم الموالي)


"أسرعي بيري سينقضي النهار كله ونحن لم نجد شيئاً يناسب الحفل"


"إنها مشكلتك، لا يعجبك شيء ليست حفلةً رسمية
أو تنكريةٌ مجرد حفلٌ صاخبٌ عادي"


"وإن يكن سيجتمع شباب الجامعة هناك هل تردينني
أن أبقى عزباء طوال حياتي؟!"


"فهمت اختصري وخلصينا الوقت يداهمنا مازال لدينا
أعمالٌ أخرى غير التسوق"




(العودة إلى مُكيش)



"لم أتوقع أن تتنازل بهذا الشكل فقط لإشباع رغباتك
لم تذل نفسك من أجل التفاهات؟!"



"هذه التفاهات هي التي تغنيك أيها التافه، لو رضخت لوالدي ومساعده لما استدعيتك وملأت بطنك قبل قليل"


"لم أقصد شيء لكن ما قصدته أنك رجلٌ واعيٍ ستدخل عقدك الرابع قريباً، لما لا يكون لك حياتك
الخاصة بدلاً من هذه المذلة وتحت أقدام والدك،
أنت لك الحق في العيش كما تريد لست طفلاً او
شاباً صغيراً يسيرونك كيفما شاءوا"



"معك حق يا رفيقي، معك حق فيما قلته"




تكلم نهاية حديثه وهو يزفر أنفاسه ويعيد نظره خارج إطار نافذة السيارة التي تعود لصديقه توم،
لم تكن بالمستوى التي تليق بمكانته ولكنه أفضل
من أن يبقى تحت رحمة صديقه المخلص لوالده
الحقير.





(في مكانٍ مجهول)



"مرحباً"


"كيف تسير الأمور معك"


"لا تقلق بقي أن نجدها ونجعلها تتذكر وحينها يبدأ
اللعب الحقيقي"


"لقد تقابلنا ولكنها لم تتعرف علي لنقل اختلطت عليها الأمور"


"قريباً ستعرف كل شيء ويندثر السر والمثالية
التي يعيشون بها"

"المهم كن حذراً فأنت داخل وكر الذئاب لا نريد أن يضيع تعب تلك السنين الطوال سداً"


"إن كانوا هم الذئاب فأنا الأسد بعينه سأخذهم لحماً
وأرميهم عظاماً باليةً أجعلها حطباً لجهنم وهلاكهم جميعاً على يديها هي نفسها زيلدوڤيا أو لنصحح الإسم بريا كالڤن!!"




افترقا الإثنان المجهولان كلٌّ في طريقه، رغم بعد
المسافات التي بينهما لا يجمعهما سوى هدفٌ واحد
على يد شخصٍ واحد بنفس المكان، وبنفس الطريقة
ألم تسمع بالمقولة كما تدين تدان لذا من يلعب بالنار
يحترق، وبالفعل هم سيحترقون بنفس النار التي
استخدموها لحرق غيرهم لذا سيسعون لتحقيق
ما كانوا يجرون خلفه لمدة عشرين عاماً وهو
الإنتقام.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي