19

من بين الظلام والركام والرماد والحطام ينبعث
رائحة العذاب والموت، منظر المكان يجعلك تتخيل
مدى فظاعة الموقف التي مر بها سكانه، وتسأل ما
مقدار الألم والعذاب الذي قاسوه قبل رحيلهم تتسأل
ما مقاس جرعة الخوف والرعب الذي مروا به.



"ساندي إلى ستظلين سارحةً في المكان أين هو
حماسك الذي كنتِ تتحدثين عنه من أجل هذه اللحظة، هل تراجعتي عن كل هذا؟"


"كلا دوللي لم ولن أتراجع أنا فقط أتخيل مدى المعاناة التي تلقوها قبل وبعد الموت، أحاول أن أتذكر كيف كان يبدوا المكان قبل أن يناله جحيم
روبن روتشيلد و ستيڤن وابنه موكيش، كيف حولوا
المكان من جنة إلى جحيمٍ سابع!"




"ساندي فقط كوني بخير والباقي سنحاول إحياؤه
تكريما للموتى "




"أنا بخير إطمئني دوللي دعينا ندخل ارجوك هيا"


شعرت زيلدوڤيا بثقلٍ في ساقيها أثناء دخولها فقط من حطام باب البيت، بالكاد تجاوزتا السلالم المحطمة والزجاج المتناثر في المكان لتتمكنا أخيراً
من الدلوف والتوغل داخل المكان.





"ياإلهي المكان مازال رائحة الوقود تنبعث في هذا
المكان حتى بعد كل تلك السنوات!"



"هذه الرائحة ألم يتحققوا منها رجال الشرطة ؟!"



بعد صمتها لثواني وتأملها للمكان بشرود طرحت سؤالها على دوللي صديقتها، تريد أن تعرف ماكان
ردة فعل الشرطة والمحققين حول هذا المكان.



"ساندي إذا كنا سنستعين بالشرطة والمحققين في
ذلك الوقت فقد كان الجميع يستخدم سياسته القذرة
في التغطية على الأمور، ناهيك عن الأموال التي
دفعت لهم كرشاوي لأجل إغلاق القضية وإلصاق
التهمة على ظهر السيد كالڤن وهو بريءٌ أصلاً،
لقد أُغلقت القضية وقتها على أنها قتل السيد كالڤن
لعائلته وانتحاره حتى لا يتعاقب على يد القانون"




زيلدوڤيا كانت تنصت لحديث دوللي بإهتمام دون أن
ترد عليها، فقد كانت شاردةٌ بالتفاصيل وتأمل المكان
حتى وصلت للسلالم التي تؤدي للطابق الثاني، ولكنه
في حالةٍ سيئةٍ نوعاً ما بسبب تلك النيران التي حصلت في المكان لتقف أمامه لبرهةٍ تتأمله، اقتربت
لحظتها دوللي منها تتأمل هي الآخرى أعلى السلالم
المظلمة معها بصمت.




"هل ستصعدين إلى الأعلى ساندي؟!"



أومأت لها زيلدوڤيا دون أن تنظر نحوها لكن دوللي
أرادة أن تمنعها في قرارة نفسها بسبب قلقها على
وضع الصغرى هنا، ولكنها في ذات الوقت لا تريد
أن تمنعها من رؤية وكشف الحقيقة التي لا طالما
انتظروها منذ سنوات وإن كان سيتخللها الكثير
من الذكريات الموجعة لذلك اليوم.




"حسناً ساندي اعذريني إلى هنا ويكفي لا أرغب
أبداً بالصعود إلى الأعلى، بالكاد أضبط نفسي
من البكاء والإنهيار لذا سامحيني لعدم مرافقتي
لك!"



أنزلت زيلدوڤيا أنظارها عن أعلى السلالم لترتكز
على دوللي وتبتسم لها بدفئ، اقتربت منها بغتةً تأخذها في عناقٍ دام لثواني والأخرى تكاد تختنق
بعبرتها لوجودها في هذا المكان المشؤوم.



"لا بأس سأكون بخير اطمئني فقط انتظريني هنا
لن أتأخر عليك!"



"حظٌا موفقاً ساندي وكوني حذرةً أرجوكِ!"


"شكراً على كل شيء دوللي لن أنسى جميلك هذا
ما حييت أبداً"




ختمت حديثها لتأخذ بخطواتها ركضاً فوق السلالم
متلهفةً لمعرفة المزيد عن حياتها السابقه، ففي
هذا المكان نبع منه الميلاد والموت والمعجزات
كلها معاً، من أجل عدالةٍ لم يحققها لها قاضي
الأرض لكن قاضي السماء قد حكم عليها مسبقاً
وسيعلن عنها في القريب العاجل على يديها هي.







"لما عدتِ ساندي؟!"



استوقفها صوت همسٍ من منبع ظلام هذا المكان المهجور دون معرفة صاحبه، لكن تلك الهمسات لم
تتوقف عن الحديث بلومٍ وعتاب وحثٍ على الرحيل
من هنا فهي باتت مقبرةٌ الآن لأصحابها.




"اهربي!!!"


"لا تتوقفي فالحياة قدرت لها أن تقابل ظل موتها
لتُفهم القاتل جرمه ومحاسبته!!"



"الفتاة التي تعلم قاتلها عادت للحياة مرةً أخرى
لتنتقم، انتقمي منهم جميعاً ساندي!!"





الهمسات أصبحت متداخلةٌ مع بعضها ولكنها مفهومه
همساتٌ تحثها على الإكمال وكشف الحقيقة، وهمسات تمنعها عن الٱقتراب مما قد يؤذيها ولكن
هنا نتحدث عن زيلدوڤيا، فهي لن تتخلى عما بدأت
عن البحث عنه وهي الحقيقة.




"فلتهمسوا كما تشاؤون فلن أتراجع عما صممت له
وإن كان ذلك سيكلف حياتي ثمناً لذلك!!"




توقفت عند إحدى الغرف المحترقه بابها بات رماداً
تحت أقدامها ما إن وطئت به حتى أصبحت تشاهد
مشاهد من الماضي يخيل لها البيت قد عاد من جديد
إلى سابق عهده، تنبض به الحياة والدفئ.




"عزيزي كم مرةً أخبرتك ألا تلقي بملابسك المتسخة
على أرضية الحمام، أنظر أبنائك باتوا مثلك في
التصرفات إلى متى سأبقى أتحدث معك كالأطفال!!"






"ليس وقتك بريا عندما أنتهي سألبي لك ما تريدين
الآن أعمالي متراكمةٌ كما ترين!"



في تلك اللحظة زيلدوڤيا تشاهدهم أمامها كما لو أنهم مازالوا أحياء وكأنهم حقيقية لا خيال من
صنع عقلها، حاولت أن تبتلع غصتها تلك اللحظة
وهي تراقب والدتها السابقة تسير هنا وهناك في
سبيل تنظيم الغرفه، عندما اقترب طيف بريا
منها حاولت أن تمد حياتها تريد لمسها.

ولكنها عبرت من خلال جسدها وكأنها غير
مرئيه مدت يدها تحاول لمسها لكنها خانتها ولم
يكن سوى السراب، جعلت دمعةٌ يتيمه تنساب
على خدها.





"أمي بريا وأبي كالڤن اشتقت لكما حد الموت!"

خرجت من الغرفة التي تبين أنها لوالدي ساندي تتجول وتبحث في الغرف الأخرى، دخلت إحداها
وقد كانت محترقةً تماماً بالكاد تعرفت أنها غرفة
لصبي في الثالثة او الرابعة عشر من عمره، دخلت
الغرفه وحاولت أن تتذكر لمن تكون تلك الغرفة
بسبب الدمى او الروسومات المحترقة ولكنها
لم تفلح في معرفة هوية صاحب الغرفة.


لكن فجاءةً اجتاحها ألمٌ فظيعٌ في الرأس جعلها تصرخ بخفةٍ وهي تقبض على رأسها بكفيها تضغط
عليه لعل هذا الألم الفظيع يختفي ولكن..



"أختي دي!! اشتقت لكم لقد تركتموني وحيداً أنا
خائف أختي دي أمسكي بيدي أختي لا تتركيها!!"



طيف طفلٍ مرًّ من أمامها يبكي بحرقةٍ يمد يده إليها
يطلب منها أن تضمه إلى صدره ويناديها بأختي،
بيدٍ مرتعشةٍ خائفة ودموعٍ تهطل ألماً مدته له تحاول
أن تحتضن كفه بيدها لكن ما تلاقت الأنامل حتى
تلاشى طيفه من أمامها هنا احتضنت نفسها
بإحدى الزوايا تبكي بحرقةٍ بعد تذكرها لأخيها
الصغير.






(من جهةٍ أخرى)



"مرحباً أين أنتما لقد وصلنا منذ برهةٍ طويلة!"



"أهلاً دوللي نحن في الطريق، هاتي ما عندك ماهي
الأخبار؟!"



"لقد صعدت لوحدها إلى الأعلى وقد سمعت صرختها
وبكاءها ولكنني لم اصعد إليها كما طلبت مني ومع
هذا قلقي عليها يزيد لا ينقص!"


"لا تقلقي هي قوية فقط دفعةٌ صغيرةٌ أخرى وتبدأ
المهمة التي لا طالما انتظرناها، راقبيها عن بعد
عشر دقائق ونصل عندك دوللي!"


"لا تتأخرا أرجوكما"


"لا تقلقي نحن في الطريق"


أقفلت المكالمة وأخذت تنظر أعلى السلالم لا تلمح
سوى سواد الظلام والقلق لم يخف منها على تلك
التي تماسكت أخيراً، لتنهض وتبحث عن الغرفة
المنشودة الغرفة التي وقعت بها جحيمها فيه.

اقتربت زيلدوڤيا من الغرفة المنشودة ما صدمها
أن الغرفة ما زالت بمعالمها لم تصلها النيران كثيراً
سوى القليل والكثير من سواد دخانها.





"لا تدخليها إنها تفيض برائحة دماء الجريمة!!"



انتفضت بسبب صراخ أحدهم بوجهها يمنعها من دخول الغرفة، تلفتت حولها تبحث عن هذا الطيف
الذي صرخ بها لكنها لم تجد شيئاً انتابها الهلع لوهلة
كادت بسببه أن تنسحب ولكنها عزمت أمرها
أخيراً ودخلت الغرفه، لكن بمجرد دخولها الغرفه
وجدت نفسها في غرفةٍ تطالها ألسنة اللهب بعد.



"من أنت ومالذي تفعله هنا في غرفتي؟!"

استدارت زيلدوڤيا نحو مصدر الصوت ظناً منها أن السؤال موجهاً إليها، لكن هنا كانت صدمتها وجدت
نفسها في زمنٍ أرادها أن تكون شاهدةً لما حدث في
تلك الليلة رأت ساندي نفسها فوق السرير، التصقت
رعباً برأس السرير تنظر بخوفٍ كبير نحو من يقف خلف زيلدوڤيا نفسها.


"جئت من أجلك صغيرتي يامن أتعبتي قلبي وجوارحي فقط من أجل الحصول عليك!!"


وسعت زيلدوڤيا عينيها لسماع صوته خلفها
استدارت لتجد موكيش قبل عشرون عاماً يقف خلفها
وينظر نحو ساندي، نظراتٍ ملئها الشر والشهوة و
القسوة، شهقة أخرجتها زيلدوڤيا ما إن سار وعبر
من خلالها وكأنها سراب يقترب من ساندي ببطء.


"ابتعد لا تقترب!! أمي!! أبي!!"


"فلتصرخي قدر ما تشائين لن ينقذك أحد من بين
يدي عزيزتي!!"


زيلدوڤيا لم تتحمل منظر ساندي التي تصرخ تستنجد
والآخر يمزق ملابسها ليعتدي عليها، جعلها تلقائياً
تغطي وجهها بذراعيها لكن كياناً ألقى بها خارج الغرفة جعلها ترتطم بالسور ويغلق باب الغرفة
من تلقاء نفسه يمنعها من مشاهدة ما يحصل
داخلها.




"أرجوك اقتلني لكن لا تقترب من أبنائي دعوهم
يعيشون لا علاقة لهم بالخلاف الذي بينكم وبين والدهم، يمكنني أن أقنعه أن يسلمكم ما تشاءون
لكن لا تضروا أطفالي!!"



"للأسف سيدة كالڤن عندما يتعطش ستيڤن للدماء
لا يمكنه التراجع الآن، زوجك ارتكب خطأً وعليه
أن يدفع الثمن وهو أنتم لا تقلقي سأكون رحيماً
بك وأجعل أبنائك يلحقون بك بعد قليل لا تقلقي!!"




بعدها دوي صوت رصاصة اخترقت رأس تلك المرأة
ولم تكن سوى بريا والدة ساندي، تجمدت الدماء في
عروقها عند سقوط الجثة بين قدميها تنظر في
عيني زيلدوڤيا وكأنها تراها فعلاً، أرادت الهروب
ولكن قدميها تجمدت في مكانها تقول لها انتظري
هناك المزيد.



حيث أخرج ستيڤ سكينه يقبض بعنف على شعر
بريا يرفع رأسها ويمرر السكين بعنقها يفصله عن
جسدها، جاعلاً دماءها تتناثر وتتصبغ بجدران
المكان وكان لوجه زيلدوڤيا النصيب منه، لا إراديا
منها جعلها تغطي وجهها الملطخ بدماء بريا
بكفيها تغمض عينيها من هول المنظر.





"لست آسفاً على موتك آمييت سأقتلك وأحرق جثتك
رفقة عائلتك تحت سقف بيتك"






هذا الحوار جعلها تبعد يديها عن وجهها بسرعةٌ مدهوشة تنظر بوسع للمشهد التالي الذي ظهر أمامها،
والدها الحالي روبن يصوب مسدسه أمام السيد كالڤن والد ساندي والذي بدوره يتلوى أرضاً مضرجاً
بدماءه يصارع الحياة بآخر أنفاسه.



"المشاهد ستعاد ياروبن، كل ساقٍ سيسقى بما سقى،
ستحتحرقون بنفس النار التي أحرقتمونا به وهذا
وعدي لكم ياابن روتشيلد!"




"لنرى كيف ستبقى حياً أولاً حتى تستطيع العودة
وتنتقم مني آمييت، أنت لست نداً لإبن روتشيلد
مهما فعلت أيها الآسيوي النكرة!!"



أفرجت زيلدوڤيا عن محجريها تنظر برعب نحو أبيها
روبن يرفع سلاحه مجدداً نحو والد ساندي يستعد
لأطلاق النار عليه، هي دون شعورٍ منها صرخت
بإسم والدها روبن لتهرع إليه تقف امام سلاحه تصده
عن السيد كالڤن ولكن زيلدوڤيا هنا غير مرئيةٌ
للجميع اخترقها الرصاص واستقرت بجسد آمييت.




"أبي توقف أرجوك!!"



أخذت تصرخ به تحاول لمس طيفه تمنع من رمي
قداحته وسط تلك النيران ولكنها نست أن ما تراه
هي حكاية تقصها عليها حطام هذا المكان، اشتعلت
النيران وحاصرتها وحاصرت السيد آمييت ولكنها
لم تشعر بحرارة الجحيم الذي تراه أمامها تتبعت
زحف السيد آمييت يبحث عن جثامين عائلته.

وكم آلمها عندما رأت وجعه وحرقة قلبه على جثة
زوجته المنحورة، تتبعت زحف خطاه نحو غرفة
ابنته ورات صدمته مما تراه عيناه لحالة ابنته
الوحيدة.




"أنتي هي أملنا يا صغيرتي فلتنتقمي لنا ولنفسك
عودي للحياة لتكملي مالم أستطع إكماله، إجعلي
ثارك دماءاً تجردي مثلهم من العاطفة والرحمة
اطعني قلبك ودعيه حجراً عليهم وعلى أبناءهم!!"




"لا!!! لا تفعل توقف!!"




أطلقت زيلدوڤيا صرختها تزامنا مع إلقاء آمييت
بجسد ابنته من النافذة، ليختفي هو بعدها خلف
ألسنة اللهب وهنا يختفي كل شيء ويعود كل شيءٍ
إلى سابق عهده فقد إنتهت القصة بموت العائلة
ظلماً على يد والدها روبن وصديقه الحقير ستيڤ
وابنه النجس موكيش.







يتبع.....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي