17

مرت الأيام شعرت بها زيلدوڤيا وكأنها تمر مر السلحفاة، لإنتظارها لليوم الموعد على أحر من
الجمر ما إن أتى اليوم الموعود اشتعل جسدها
وفكرها حماساً، فقد ذهبت للسوق قبلها بيوم
وابتاعت حاجياتها وهاهي ترتب حقيبة رحلتها.

"أشعر بالنقص من دون ڤيكي لقد اعتدت أن أتسوق
وأجهز للرحلات برفقتها، أشعر بالغرابة لأنني سأكون
وحيدةً من دونها هذه المرة"

بتذمر حادثت نفسها وهي تستعد وتأخذ ما تحتاجه
حتى طرق باب غرفتها وكالعادة الخادمة تستدعيها
على الإفطار، لم تكن لديها شهيةٌ لذلك ولكنها سترغم
نفسها حتى يتسنى لها الرحيل دون مشاكلٍ مع
والدتها بالذات.

"صباح الخير"

"صباح الخير عزيزتي تعالي تناولي شيئاً قبل ذهابك
أنتِ الأخرى!"

"لما، أين والدي؟!"

"أتته مكالمةٌ فجر اليوم وقد غادر في رحلة عملٍ
كالعادة وقد يتأخر لبضعة أسابيع أخرى"

هنا وجدتها زيلدوڤيا فرصةً لها للتعمق أكثر في
خطتها، لن تكون مضمون الرحلة فقط استكشاف
المكان بل أيضاً ستبحث وراء أبيها وتحاول كشف
خباياه ونواياه، لن تقلق لو أخذت رحلتها أكثر
من يومين فوالدتها تستطيع أن تظللها بحججها
ليس كوالدها.

"متى تحين وقت رحلتك أنتِ أيضاً"

سؤال والدتها أخرجها من شرودها لتنتبه لها
وتجيبها.

"بعد ساعةٍ من الآن لقد اتصلت بي صديقتي
تطلب مني الإستعداد لذلك لذا علي الذهاب وتجميع
حاجياتي لقد شبعت شكراً"

"لكنك لم تتناولي شيئاً صغيرتي!"

"ليس لدي شهية علي أن أنتهي من أغراضي"

صعدت إلى غرفتها مسرعةً تقفل على نفسها
وترتمي على سريرها تمسك بهاتفها تتصل بدوللي،
شعرت بالحماس لسماعها الرنين تنتظر ردها وهاهي
فعلت ذلك.

"مرحباً ساندي صباح الخير"

"صباح الخير دوللي ما آخر الأخبار؟!"

"الأخبار هي أنني قادمةٌ في الطريق خمس دقائق
وسترينني أمامك!"

"تمزحين صحيح؟!"

"هل تعتقدين ذلك بدأ العد التنازلي يا حلوتي!!"

"سحقاً سأكون بالخارج حالاً لا تصدري صوتاً صاخباً!"

"بانتظارك إذاً"

أقفلت الخط لتهرع بأخذ ما تبقى لها من ضرورياتها
وتهرول أسفل السلالم، قابلتها والدتها ولكنها تجاهلتها بداية الأمر، تحت نظرات والدتها الخائبة
لكنها فجأةً وسعت عينيها دهشةً حينما عادت ابنتها
أدراجها وتختطفها في عناقٍ قوي وتطبع قبلةً على
خدها، والمدهش انها سحبت منها علبة الغداء الذي
اعدته لها وخرجت.

"سيدتي يبدو أن العلاقة بينكما بدأت تعود أدراجها
كأمٍ وابنتها"

"أتمنى ذلك من كل قلبي روزي! لو تعلمين كيف
رفرف قلبي لمجرد اتضانها لي، هذا وحده كبيرٌ
بالنسبة إلي وجميلٌ أيضاً"

"سترين أيضاً كيف ستتحدث إليكِ كباقي البنات
مع أمهاتهن وتضحك وتبتسم لك فقط عليك
إعطاءها بعض الوقت"

أومات لها وهي شاردةً بطيف ابنتها الذي اختفى
خلف ذاك الباب وبقلبها المريض الكثير والكثير
من الأمنيات، تتمنى لو يتحقق منها القليل فقط
قبل أن يدق ناقوس رحيلها، من جهةٍ أخرى
كانت دوللي قد وصلت بسيارتها وركبت معها
زيلدوڤيا.

"ساندي أخبريني ما نسبة حماسك لهذه الرحلة؟!"

تكلمت دوللي بعلو بسبب صوت الموسيقى الصاخب
يصدع به داخل السيارة، و الآخرى اندمجت معا الألحان وأخذت تدندن بها إلى أن انتبهت لسؤالها.

"لن أكذب عليك إن قلت هناك حماسٌ وخوف وقلق
لقد اختلطت المشاعر كلها في هذه اللحظة، حقاً لا
أعلم كيف أصفها لك!"

"هذا طبيعي لأنك تجهلين ما ينتظرك هناك لكن حالما
تصلين وتتواجهين مع ماضيك وحاضرك عندها ستحددين ماهية مشاعرك بالضبط!"

أخذت تفكر بكلام دوللي بصمت فعلاً هي لا تعلم
ماذا ينتظرها هناك، ومالذي ستواجهه أو ستراه
رغم خوفها وقلقها إلا أن حماسها لم يقل أبداً،
استغرقت الرحلة عدة ساعات غفت فيها زيلدوڤيا
داخل السيارة.

"ساندي استيقظي، يا دب الباندة أفيقي!"

"هل وصلنا؟"

تكلمت زيلدوڤيا ببحتها وهي تمسح آثار النوم من
عينيها، تتلفت حولها تستكشف المكان من داخل
سيارة دوللي.

"كلا لم نصل بعد ولكننا سنأخذ قسطاً من الراحة
ونتناول شيئاً قبل إستئناف الرحلة"

"لا بأس دوللي يمكنني القيادة أنا سأخذ دورك
بعد الإستراحة"

"لن أرفض كتفاي تشنجتا وأرغب في غفوةٍ كذلك
لنفعلها بعد أن نتناول شيئاً"

"على ذكر الطعام والدتي أعدت هذه العلبة لم أفتحها
ولم أرغب في كسرها بعدما تعبت في إعدادها لأجلي!"

"إذا لنشتري فقط الماء والمشروبات ونجلس في
أقرب حديقةٍ نرتاح"

أومأت لها تنطلقان إلى أقرب محل تجدانه ما إن وصلتا نزلتا للتبضع وشراء مايلزم، وبعدها اتجهتا
إلى حديقةٍ صغيرة يكاد الناس يدخلونها لتأخذا
ما تحتاجانه في استراحتمها ودخلتا إليها،
تتناولان وتشربان وتسترخيان لبضع دقائق قبل
العودة للقيادة.

"المكان جميل رغم بساطته ويبعث للهدوء والراحة"

"لطالما الأغنياء يعتقدون أن الراحة في الأموال
وبذخها، جاهلين بالأشياء البسيطة التافهة والتي
تبهجك وتسعدك وإن كانت صغيرة!"

"لديك خبرةٌ واسعةٌ في الحياة دوللي أنا حتى لا
أعلم كيف يعيشون ذوي الطبقات التي أقل مني،
وكيف هو أكلهم لكن معك رأيت العجائب وكم
هي لطيفةٌ حتى"

"ساندي حياتك السابقة كانت تقريباً هكذا ولكنك
ذو مستوى لا بأس به، ولكنكِ كنت تختلطين مع
من هم أدنى وأدنى منكِ ولم تتذمري بل
كنتِ محبوبة الجميع وقتها!"

"تشه!! والآن أصبحت شخصاً من المكروهين إبنة
قاتل، ولا أحد يرغب بالتقرب منها أو السؤال عنها"

"لا ذنب لك فيما يقترفونه من حولك كل مرءٍ بما
كسبت يداه يحاسب عليه لا دخل لك بهم"

ضمت زيلدوڤيا ركبتيها إليها تقيدها بذراعيها وتستند
بذقنها عليه تراقب طيور الحمام وهي تقتات بما
تقذفه لهم دوللي، سرحت بتفكيرها قليلاً تفكر
بالقادم وبالأشخاص المرتبطين بها من لا ذنب
لهم بما فعله والدها ترا هل ستطالهم الأذية
هم أيضاً.

"بما سرحتِ؟!"

فرقعة أصابع دوللي أمام وجهها بغتةً أخرجها من دوامة تفكيرها على سؤال دوللي لها.

"أفكر بوالدتي دوللي!"

"والدتك بريا؟"

"لا بل بيلا، لا أعلم إن كانت تستحق هي الأخرى إن
طالها إنتقامي من زوجها وأصدقاءه، هل يجب أن
أشملها معهم مع أنني أشك إن كانت تعلم بالأمر
من الأساس"

"ساندي عليك حسب حساب لكل شيئ لا يجب أن
تتهوري وبعدها تعضي على أصابعك ندماً، لا تتسرعي
في أحكامك وأفعالك"

أخذت تفكر في كلامها وقد اقتنعت نوعاً ما لا يجب
أن تحكم على المجرم من دون دليل وإلا يكون في
تلك اللحظه ظلماً وبهتاناً، انتفضت من مكانها تزيل
الغبار العالق بملابسها وتتجه نحو السيارة بعدما
حثت الأخرى على النهوض واستكمال الرحلة وهي
من ستقود هذه المرة.






(في مكانٌ آخر مكتب ستيف)

يعمل ويقلب في تلك الأوراق بتركيزٍ واهتمامٍ كبير
يعدل نظارته الطبية فوق جسر أنفه بين كل لحظةٍ
وأخرى، بملامحه المجعدة يتفحص محتوى
الملفات التي تقبع أمامه غير مدركٍ بالإثنان اللذان
يتقاتلان خفيةً خلف باب مكتبه، يتنزاعان على
أمر الإعتذار منه من قبل موكيش ابنه.

"موكيش كف عن حركات المراهقين وادخل إليه لن
يلتهمك على أية حال، فقط تناقش معه بهدوءٍ ولا
تجادله تحرك!"

"تتحدث وكأنك لا تعرفه أوم هو فعلاً سينقض
علي حالما ينتبه لطيفي، لذا أريد منك أن تمهد لي
الطريق فقط وتتحدث إليه حتى لا يثور بوجهي،
أنت تعرفه لا يعطيني فرصةً للتحدث حتى!"

تأفف أوم بملأ فاه ليعدل من هندامه ينظف حلقه
ويبتلع ريقه قبل أن يذهب، وقبل دخوله بعد قرعه
الباب سدد لكمةً خفيفة بكوعه اتجاه معدة الآخر
جاعلاً إياه ينحني ألما يكتمه صوته كي لا يلاحظه
والده، والآخر ينظر اليه بابتسامته المنتصرة و
يذلف بعدها.


"اعتذر سيدي على المقاطعة ولكن إن لديك وقت
هلا أمهلتني منه بعضه من فضلك؟"

"مالأمر أوم ليس من عادتك أن تقطع علي خلوتي
وأنت أكثر شخصٍ عالمٍ بعدم تقبل ذلك مهما كان"

"اعتذاري مجدداً سيدي ولكنني مجبرٌ على ذلك
فلدي شيءٌ أطلبه منك قبل سفرك إلى ألمانيا"



رفع بصره أخيرا ستيڤن نحو مساعده أوم يوليه
إهتمامه بعدما خلع نظارته الطبية، عاقداً كفيه
فوق سطح مكتبه.

"تكلم أيها الفتى أنت ترهقني بإخلاصك الزائد هذا
ألم أنبهك ألا تصغي لأحدهم ولا تكون الوسيط من
أجله؟!"

ابتلع ريقه أوم هنا بتوتر إنه يعلم بمدى فطنة
سيده ستيڤن، فقد فهم الآن ممن هو مرسول،
لا غير ابنه موكيش.

"سيدي الحقيقة أن السيد موكيش يرغب بالتحدث
إليك، من أجل أن يعتذر ويصلح حاله لذا سيدي
أرجوك أن تستمع إليه ولك الحق بعد ذلك في
إعطاءه فرصةً أم لا!"

"أوم أنا أقدر لك مجهودك وتضحياتك في كل مرةٍ
تساعد فيها موكيش وتنقذه مني، لكن ذلك المخنث
لا يقدر ولا حتى لو القليل رجلٌ أربعيني يتصرف
كالمراهقين لا يولي لوالده أي اهتمام، كيف تريدني
أن أسامحه وأأمنه على حلي وحلالي!'

" سيدي أعلم بمدى معانتك معه وكم من مرةٍ تعاركت
معه في سبيل إصلاح حاله ومازلت أفعل، لأنني على
يقين بأنه سيصلح غلطته وسيدرك سوء أفعاله ويقدر
من مكانتك لديه، لذا أرجوك أن تسمع له وتتحدث
إليه والقرار يعود لك في الأخير"


تنهد ستيڤ وهو يفكر في كلام مساعده لبضع ثواني
حتى يعطيه إشارته تدل على الموافقة، اغتبط أوم
لذلك يحني رأسه لسيده يشكره فيها ويهرع لإعلام
الآخر حتى يدخل إلى والده ويتحدث إليه.

"مرحباً والدي العزيز!"

"أفصح ما عندك وبسرعه لا وقت لدي" ،


أخذت موكيش بالتلعثم والتردد فيما سيقوله للآخر،
يبتلع ريقه بين كل دقيقةٍ وأخرى، وستيڤ ينظر إليه
بين تلك الدقائق ويتنهد بضجر حتى انفجر بالأخرى
جاعلاً منه يقفز رعباً من مكانه.


"هل ستظل طوال اليوم تؤدي حركات القردة أمامي
أم ستنطق؟!"


"حسناً، سأتكلم أنت وحدك تشعرني بالرعب وتجعل
الأحرف تتبعثر داخل حلقي!"


"يشرفني ذلك وتستحق أيضاً!"


"أبي أرجوك!!'

"تكلم واخلص علي"


"حسناً سأتكلم دفعةً واحدة، والدي العزيز  أنا أعتذر
عن كل شيء خاصة ما حصل مع ابنة السيد روتشيلد، أنا حقيقة لا أذكر أنني فعلت لها شيئاً ولكن
ربما كنت فاقداً وعي مخموراً وانا مستعدٌ عن تعويضها وتلقي اي نوع من العقاب سواء منك أو
أو من السيد روتشيلد!!"



بعد كلامه نظر نحو والده وحل الصمت لعدة ثواني
وهما مازالان ينظران في أعين بعضهما، حتى فصله
ستيڤن واعاد نظارته فوق عينيه يعود إلى أوراقه
تحت صدمة إبنه موكيش.




"لم ترد علي والدي، اسمعني يمكنني أن اتوسل إلى
السيد روتشيلد أن يفض الخصام الذي بينكما وسأرضى بأي شيءٍ يطلبه مني وإن كان رأسي!"




نظر إليه ستيڤن من فوق نظارته لثواني ليعود
إلى عمله متجاهلاً إياه، ولكنه رد عليه أخيراً، فقد شعر بكمية الخوف داخل كلمات ابنه فهو يعلم مالذي
سيفعله به روتشيلد فلن يتردد بقتله فعلاً.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي