لصة ولكن

Milly mohsen`بقلم

  • أعمال مشتقة

    النوع
  • 2023-12-30ضع على الرف
  • 81.9K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول المقابلة الأول

داخل إحدى الفلل بالتجمع.

تتحدث السيدة صاحبة الخصلات البنية الطويلة، والعينان البنيتان كذلك، والتي تعد في الثلاثة والأربعون من عمرها.

تتحدث إلى زوجها الذي يكبرها بعامين فقط، والذي يحتفظ بوسامته رغم بلوغه هذا العمر:
  -في حاجة ولا أيه؟ مش طبيعي بابا فريد يجي في وقت زي ده، أكيد في حاجة.

اجابها فيروز صاحب الحدقتان الزرقواتين والذان يتمتعان بلون ساحر، يتناسبوا مع خصلاته الصفراء كونه أشقر:
  -مقاليش حاجة، كل اللي قاله هاجي أفطر معاكوا، أنا بردو حسيت أن في حاجة؛ هو عارف أننا بنروح الشغل في الوقت ده، فأكيد اللي عايزنا فيه مهم.

تنهدت شمس في قلق وتمني، قائلة:
  -ربنا يستر وميكونش في مصيبة، لأني بقيت اتشائم.

اجابها فيروز قائل:
  -قولي للطباخين يزودوا الفطار وصحي أنور علشان يجهز.

أومأت شمس قائلة:
  -طيب.

وبالفعل ذهبت لغرفة الطهي حتى تخبرهم عن صنع من الطعام مايكفي لفطورهم.

ما إن اخبرتهم ذهبت لغرفة أنور، طرقت باب الغرفة طرقات خافتة، يتبعها مرورها للداخل.

تطلعت إلى هذا الفراش الفارغ، لتتفقد الغرفة بنظراتها، والتي توقفت ما إن استمعت لصوت باب دورة المياه يفتح.

ارتسمت البسمة فوق ثغرها ما إن وقعت عيناها صوب عريض البنية، والذي يرتدي بنطال عاري الصدر، تتسلل قطرات المياه عبر جسده من خصلاته السوداء التي يجففها، دلالة على استحمامه للتو.

ذهبت لتغلق المكيف، قائلة:
  -سايب التكييف مفتوح وخارج جسمك مية كده!

تبسم أنور مصوب نظراته اتجاهها، قائل:
  -صباح الخير الأول طيب.

عادت البسمة في الارتسام فوق ثغرها، لتقترب منه قائلة:
  -صباح النور يا نور عيوني.

تبسم أنور الذي قبل وجنتها واقف أمام خزانته؛ ليخرج ملابس عمله، والتي هي عبارة عن بنطال أسود اللون، وقميص من ذات اللون الأسود، مستمع لكلمات شمس التي دفعته للتوقف عن ما يفعله، حين قالت:
  -جدك فريد أتصل بباباك وقال أنه هيجي يفطر معانا.

التفت أنور ليتحدث في تعجب وقلق، سائل:
  -يفطر معانا! بس دي أول مرة يعني، في حاجة؟!

اجابته شمس، قائلة:
  -والله محدش عارف حاجة، هو يمكن عايز يكلمنا في موضوع، أو بخصوص الورث اللي مفيش موضوع غيره وعن قرب معاد موته، مفيش موضوع غيره بيتكلم فيه.

استمر أنور في مطالعتها بعض الوقت، ليقول وقد يأس عقله من ايجاد سبب أخر لمجيئه، قائل:
  -ربنا يديله طولة العمر، هو عايز يأمن كل حاجة في كل وقت، عنده حق بس كلامه بيقلقنا عليه، أنا لو لقدر الله حصله حاجة أنا معرفش أيه اللي ممكن يجرالي.

استمرت شمس في مطالعته لتقترب محتضناه ببسمة خافتة تظهر حزنها ومواساتها له، قائلة:
  -ربنا يديله طولة العمر، وميضرنيش فيك بحاجة وحشة، بس مش عيزاك تنسى أن الأعمار بيد الله، لازم تكون حاطت ده قدامك دايمًا، لأني مش هقدر أعيش من غيرك.

تبسم أنور بخفوت محتضنها؛ فهي تعلم كم يحبه، وبذات الوقت يخشى حدوث مكروه لجده الذي أهتم دائمًا بتربيته منذ صغره.

لم تمر سوى ثواني قليلة، ليبتعد أنور الذي لا يستطيع الانسجام بهذه اللحظات الحانية، قائل:
  -هغير هدومي واحصلك.

أومأت شمس تاركاه، لتخرج من الغرفة.

تنهد بعمق ليعيد نظراته صوب ملابسه، وقد عاد ذهنه في الأنشغال لما سيأتي جده لأجله.

عقب مرور الوقت، ووصول هذا الجد الذي يمسك بعصاة غير متكيئ عليها، يرتدي بذلته كالمعتاد والتجاعيد تصمم تفاصيل ملامحه، تطلع إلى شمس التي تحدثت عقب اقترابها مقبلة يده، قائلة:
  -نورت البيت بابا فريد.

استمر فريد بمطالعتها مصوب حدقتاه الزرقواتين صوبها، فقد ورثهم أبنه عز عنه، كما ورثه أنور كذلك.

تبسم بخفوت قائل:
  -تسلمي يا شمس.

تبسمت مشيرة إلى الداخل، قائلة:
  -اتفضل يا بابا السفرة جاهزة.

ذهب ليجلس تزامنًا مع خروج فيروز الذي قال:
  -وأنا بقول البيت نور ليه، حمدالله على السلامة.

تبسم فريد الذي اقترب فيروز لتقبيل يده، كذلك خرج أنور مقترب عقب قوله:
  -صباح الخير.

تبسم فريد، مقترب أنور لتقبيل يده يعقبها احتضانه له، مستمع لقوله:
   -عامل أيه، وأيه اخبار شغلك؟

أومأ أنور ببسمة هادئة، قائل:
  -الحمدالله كل حاجة تمام.

ازدادت بسمة فريد والذي انتبه لحديث فيروز أثناء قوله:
  -يلا علشان الأكل ميفضلش محطوط كده.

وبالفعل جلسوا حول الطاولة، ما إن انتهوا من تناول طعامهم، وضعت شمس القهوة امامهم.

تحدث فريد سائل في ترقب:
  -في حاجة حاصلة معاك؟ مش من عادتك تيجي بادري كده!

طالعه أنور كما فعل فريد الذي اعتدل أكثر بجلسته، قائل:
  -أنا فعلًا جيت اكلمكوا في موضوع مهم، أخوك عزت هيجي من السفر النهارده، وأنا اللي قولتله يجي.

تبدلت ملامح فيروز إلى الضيق والغضب الذي يتملك ملامحه فور سماعه لأسمه، ليقول ببغض منه:
  -مش فاهم يعني ليه طلبت منه يجي؟!

اجابه فريد مكمل حديثه ونظراته تتفقد أنور بين الحين والأخر، والذي يستمع لحديثهم ببعض التعجب الذي يتملك ملامحه:
  -أنا قولتله يرجع علشان تصلحوا علاقتكوا ببعض.

اجابه فيروز منفعل بجانب نفيه، قائل:
  -أنا مش هصلح علاقتي بالبني أدم ده ومش عايز اعرفه تاني، فياريت متحاولش يا بابا ولو عايز أنت تصلح علاقتك بيه يبقى بعيد عني.

اجابه فريد منفعل:
  -مفيش حاجة اسمها مش عايز، ده أخوك، وأي خلافات هتتصلح، وهيعتزرلك زي ما غلط في حقك، كمان في حاجة تانيه، بس مش هتعرفوها دلوقت، هما على وصول وأنا قولتلهم أننا هنتقابل عندك هنا.

أغمض فيروز عيناه بضيق وغضب كابح يتملكه، فماذا يقول والفاعل والده؟!

نهض تاركهم عقب قوله:
  -أنا رايح على الشغل.

اجابه فريد الذي يعلم تمامًا بشأن غضبه:
  -بقولك على وصول تقولي رايح الشغل؟! خدوا اجازة النهارده مش لازم تروح.

اجابه فيروز في ضيق قائل:
  -بابا أنت عارف أن شغلي مش هينفع ائجله.

تحدث فريد بأصرار قائل:
  -أسمع الكلام وبطل مناهدة، تقدر تاخد اجازة وأنت عارف كده، قولهم أي حاجة المهم تكون موجود وقت ما أخوك يجي.

استمر فيروز في مطالعته والغضب يتملك كل أنش به، أومأ محاول منه في أن لا يغضبه، قائل:
  -طيب، هعمل اللي أنت عايزه، حاضر يا بابا.

تطلع فريد إلى أنور قائل:
  -دي أول مرة من وقت مكنت صغير تشوف عمك، وبنته أيجى كمان، سيبك من الخلافات اللي بينه وبين أبوك، أنت وبنت عمك كنتوا قريبن جدًا وأنتوا صغيرين.

استمر أنور في مطالعته، ليقول عقب فشل ذاكرته في تذكر ما قال:
  -أنا مش فاكرها، بس أكيد عارف الخلافات اللي بينه وبين بابا، أزاي اتجاهلها وهو اساءله ومش مجرد اساءة، ده اتهمه بسرقته ورفع عليه قضية وهو عارف أنه كذاب، لا وكمان كان بيتهمه أنه بيبص لمراته!

قاطعه فريد قائل:
  -أنور قولت ملكش علاقة، ده عمك والخلافات اللي بينهم هتتحل، غلط واتجازة على غلطه وقاطعناه كمان، أنا مش هعيشلهم العمر كله ومش هرتاح لما اتحاسب على الخلافات اللي بينهم واللي كنت سبب رئيسي فيها.

أغمض فيروز عيناه في ضيق لحديثه الدائم عن سببه الذي لا يرأه بالأمر.

تحدث أنور قائل:
  -ربنا يديك طولة العمر.

اجابه فريد قائل:
  -يديني طولة العمر بس وأنا شايف الكل علاقته حلوة ببعضه، وأبقى عايش مرتاح.

أومأ فيروز رغم الغضب بداخله قائل:
  -تمام، وأنا هعمل اللي أنت عايزه يا بابا.

تبسم فريد قائل:
  -أنا مش هعمل حاجة تضركوا، أنا كل اللي عايزه تبقى عيالي حواليا.

في إحدى الطائرات من لندن والوشيكة على الوصول إلى مصر.

تتطلع أيجى عبر النافذة بجانبها إلى تلك المدن التي تبعد عنها بعد كبير، فهذه المرة الأولى التي ترى بها مصر منذ أن كان عمرها سنوات قليلة، حتى غابت عن ذاكرتها ولم تعد تتذكرها.

تحدثت والدتها سهر الجالسة في المقعد خلفها، صاحبة الشعر الأصفر القصير كذلك العينان العسليتان المتناسبتان مع بياض بشرتها الناصع، كذلك تحتفظ بجسد ممشوق لا يظهر سنها الحقيقي.

انتبهت أيجى لها حين قالت:
  -عيزاكِ تكوني لطيفة خصوصًا مع جدك فريد، لأن ده لو كسبتيه وحبك هيعمل أي حاجة علشانك.

رفعت أيجى عيناها في ملل، قائلة:
  -أحنا مش رايحين لعيلة، أحنا رايحين نحارب بقى.

اجابها مفيد والدها قائل:
  -سهر عندها حق، هناك محدش هيعاملك حلو؛ لأن كل اللي هناك قلوبهم حاقدة اتجاهنا، وكلهم عايزين يكونوا أحسن مننا دايمًا وبيكرهوا يكون في حد ناجح، وأنتِ لازم تكوني وعاية وفاهمة مين اللي تكسبيه ومين اللي مش فارق.

اجابته أيجى في تعجب وتسائل:
  -هو فيروز ده وحش للدرجة!

قابلها حديث مفيد قائل:
  -وأكتر، وكمان بلاش فيروز هناك، قولي عمي فيروز، هناك كل حاجة بحساب ومش عايز من اولها حد ياخد انطباع وحش عليكِ.

عادت أيجى في التطلع من النافذة، لم يمر وقت كبير حتى وصلت صاحبة الخصلات الحمراء والعينان الفيروزتان والشفاه الممتلئة بعض الشيء إلى مصر هي وعائلتها.

قاموا بالنزول من الطائرة، تخطي خطواتها بهذا الشورت القصير الذي يصل لمنتصف فخذها يعلوه هذا التوب، ممسكة بجاكيت طويل بيدها يشبه البالطو ما إذا احتاجت له كذلك تجر حقيبة سفرها من خلفها، وتحجب رؤية عيناها هذه النظارة الشمسية.

ما إن خرجوا من المطار، قامت سيارة بأقلالهم حتى فلة فيروز، وهي من ارسلها فريد لهم حين اخبروه بوصولهم إلى مطار مصر.

بالتجمع تحديدًا بفلة فيروز..

يتحدث أنور عبر الهاتف، قائل:
  -مروحتش الشغل النهارده جدي عندنا وعمي جاي من السفر فلازم أكون موجود.

اجابته هلال هذه الفتاة البسيطة صاحبة الحجاب الأنيق كحال ملابسها الواسعة، تمتلك عينان بنيتان كحال خصلاتها، وشفاه متوسطة الحجم، وبرغم بساطتها إلا أنها تمتلك جمال فريد:
  -أمم فهمتك.

تبسم أنور قائل:
  -روحتي المستشفى؟

اجابته هلال ببسمة كذلك، قائلة:
  -اه هناك.

أومأ أنور حين استمع لصوت باب المنزل، قائل:
  -شكلهم جوم، طيب هبقى اكلمك تاني، هسيبك تشتغلي دلوقت.

اجابته هلال ببسمة هادئة، قائلة:
  -طيب خلص وكلمني.

أومأ أنور ببسمة هادئة قائل:
  -سلام يا بندقتي.

ازدادت بسمة هلال التي تحدثت بخجل لكلمته المحببة لقلبها:
  -سلام.

اغلقت الخط مستعيدة شرودها حتى تستكمل عملها كطبيبة بمصحة للإدمان.

خرج أنور من غرفته متطلع إلى دخول كلًا من مفيد وزوجته سهر مرحبين بهم، لتتبدل نظراته إلى الصدمة ما إن رأى أيجى؛ فملابسها كانت صدمة كبيرة له، خاصة أنها لا تناسب عاداتهم لتكون بالفعل قريبته.

طالعها فيروز الذي شعر بذات الصدمة ما إن رأها، بل كان في ضيق دون شيء مثل هذا في كلا الأحوال.

تحدثت أيجى فور نزعها النظارات، وببسمة قالت:
   -هالو جدو.

مدت له يدها ليصافحها ببسمة هادئة متنحنح في ضيق تملكه من ملابسها، ولكن علمه بشأن اقامتها بدولة كلندن يجعله يأخذ الأمر على محمل البداية فقط:
  -بسم الله ماشاء الله، كبرتي يا أيجى وبقيتي عروسة.

تبسمت أيجى لتقول بتلقائة منها:
  -قولي جيجي، وأنا هقولك فيرو.

ضحك فريد الذي شعر بلطفها، عقب حديث فيروز الذي يظهر الضيق بملامحه رغم محاولته في كبحه:
  -حمدالله على السلامة.

اقترب مصافحهم مطالع أيجى حين قال:
  -حمدالله على السلمة با أيجى، نورتي بيت عمك.

تبسمت أيجى بخفوت مصافحاه، لتقول:
  -شكرًا.

التفت فريد باحث عن أنور الذي رأه واقف أمام غرفته، فلم يعجبه الوضع منذ البداية، ليشير له أن بتقدم قائل:
  -أهو أنور كمان جي.

أبعد أنور نظراته عنه ليتقدم برغم الضيق الذي يتملكه.

ما إن اقترب أبعد نظراته عن أيجى الذي يتفاده النظر لها، ليقول:
  -أهلا.

طالعه فريد الذي شعر ببغضه أثناء الحديث.

صافحه مفيد ببسمة رغم علمه التام ببغضهم له:
  -أهلا بيك يا أنور، كبرت أنت كمان وبقيت راجل.

تجاهل أنور حديثه مصافح سهر التي تبسمت رغمً عنها، قائلة:
  -أهلا يا أنور.

تحدث فريد قائل:
  -بنت عمك، أيجى.

تبسمت أيجى التي لم تبعد نظراتها عنه، بل كانت تتفحصه بخفاء كل أنش به بداية من خصلاته الفحمية التي تتداخل بها خصلات بيضاء اللون كحال ذقنه الخفيفة، إلى جسده الممشوق.

طالعها بنظرات تذهب وتأتي عليها، ماد يده لها قائل:
  -أهلا بيكِ.

ازدادت بسمة أيجى، لتصافحه بنظرات جريئة، قائلة:
  -حكولي عنك كتير وعن طفولتنا مع بعض.

استمر أنور في مطالعتها، ليبعد نظراته عنها عقب ثواني من استمراره في مطالعتها، ليتنحنح في حرج من ثيابها مبعد يده التي مازالت تمسك بها، قائل:
  -أنا مش فاكر حاجة.

رفعت أيجى حاجبيها ليتحدث فريد حين شعر بتوتر الأجواء، قائل:
  -يلا اتفضلوا ارتاحوا، انتوا جايين من سفر وأكيد تعبانين.

وبالفعل مروا إلى الداخل، ما إن ذهبوا رفقة شمس تحدث فريد إلى أنور بحذر قائل:
  -أنور خلي طريقتك ألطف من كده.

اجابه أنور بغضب وصوت منخفض قائل:
  -أنت مش شايف هي لابسة أيه؟! دي مش لابسة أصلًا.

اجابه فريد متفهم شعوره:
  -شايف، بس دي واحدة عاشت في لندن طول حياتها طبيعي تكون كده، بس وجودها هنا هيغير حاجات كتير من ضمنهم لبسها، وده اللي هتساعدها تعمله بس بالراحة.

عقد أنور حاجبيها في تعجب من كلماته الأخيرة، سائل:
  -مش فاهم اساعدها ليه؟ أنا أيه علاقتي بيها علشان اساعدها أو لا؟

اجابه فريد عقب مروره ذاهب اتجاه غرفة الطعام، قائل:
  -هتعرف، بس تعالى دلوقت نقعد معاهم.

استمر أنور في مطالعته أثناء ذهابه، فهناك مالا يريح قلبه!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي