الفصل الرابع والعشرين القبض على الطرف الأخر

بالمشفى.

يقف الجميع حول فريد الفاقد للوعي، والذي يتصل بأجهزة.

تحدث أنور إلى الطبيب وحالته تظهر ما بداخله:
  -هو عامل أيه دلوقت؟

اجابه الطبيب يطمأنه:
  -متقلقش هو بقى كويس بس مينفعش يتعرض لأي ضغط أو تضايقوه، لأن دي نتيجة زعله.

طالع فيروز مفيد ليقل بغضب كابح:
  -أنت السبب في كل ده، من ساعة ما جيت وأحنا حياتنا كلها اتقلبت.

تحدث أنور بضيق، قائل:
  -باباااا مش وقته الكلام ده ولا مكانه، لسه بيقول ميتعرضش لضغط.

تطلع فيروز إلى مفيد بغضب لا يستطيع اخفائه.

ليقل أنور ويبدو عليه التعب:
  -هروح القسم أشوف أيه النظام هناك، لو فاق كلموني.

أومأت شمس التي اقتربت قائلة:
  -أنور عايزة اتكلم معاك دقيقة قبل ما تمشي.

خرجوا من الغرفة، لتتحدث إليه قائلة:
  -عارفة إن اللي حصل كان صدمة كبيرة، وأن البنت غلطت بأللي عملته، بس بتحبك.

طالعها أنور الذي تعجب من حديثها؛ فقد ظن أنها أول من سيغضب من أيجى!

تحدث في تعجب سائل:
  -ليه بتقولي كده؟ أنتِ عارفة هي عملت أيه؟

أومأت شمس متفهمة، ولكن لم تظهر عليها الصدمة كما ظن:
  -هي قالتلي كل حاجة من فترة، وقالت أنها مش هتمشي في الموضوع ده تاني وهتسيب كل حاجة علشانك، علشان بتحبك، بس مقالتليش أنها مدمنة.

استمر أنور في تصويب نظراته المتعجلة اتجاهها:
  -كنتي عارفة! ومقلتليش ليه؟!

اجابته شمس ببساطة قائلة:
  -علشان متبعدش عنها، لأني عرفت قد أيه البنت دي مجنونة بيك، وقتها هي حكتلي كل حاجة وقالت هتعرفك في الوقت المناسب.

لم يبعد أنور نظراته عنها بل كان في دهشة من ما يحدث؛ فهل بالفعل تتخلى عن كل شيء لأجل هذا العشق؟

بالسجن.

ذهبت ليل إلى زنزانة شاكر والخوف يتملكها، تفكر ما الذي ستفعله إذا ابتعد عنها؟!

ما إن قاموا بفتح باب الزنزانة، وفور دخولها، ذهب شاكر لها في تسرع ليحتضنها كما فعلت هي، رافعها من الأرض، لتتحدث دافنة وجهها داخل عنقه بدموع وخوف يتملكها:
  -شاكر أنت هتعمل أيه؟ لسه مقلتلهمش الحقيقة؟

أغمض شاكر عينه وهو الأخر يدفن وجه بها، فما الذي سيقوله وكل ما اخبرها به كان كذب؟!

تحدث أسفل احتضانه وتمسكه بها، ليقل:
  -أسف يا روحي، هحاول أخرج، هعمل اللي أقدر عليه علشان أخرج.

ابتعدت ليل قليلًا مملكة وجهه بين يديها بدموع لا تتوقف عن التساقط، وبنبرة خائفة:
  -أنا مش هقدر أعيش مش غيرك، أنت عارف أنا مش هعرف اتصرف ولا أعمل حاجة، أنا مليش غيرك يا شاكر، أنت قلت إن ملكش ذنب وإنك معملتش أي حاجة، قلهم كده، قلهم إنك اتضغط عليك.

استمر شاكر في مطالعتها بحزن؛ فلا يود أن يشوه صورته بنظرها:
  -مش هيصدقوا يا ليل.

اجابته ليل ببكاء، قائلة:
  -أزاي مش هيصدقوا؟ أنت مظلوم، أنا أنا هقلهم، هقلهم إني حامل في أبنك وإني مليش حد غيرك.

أمسك شاكر بيدها التي تضعها فوق وجنته، ليقبلها قائل:
  -أهدي يا روحي، أهدي علشان البيبي كل حاجة هتتحل أمم؟

أومأت ليل ودموعها لا تتوقف، لتقل:
  -طب هتخرج أمتى؟

اجابها شاكر وهو يقبل وجهها والدموع تجتاح عيونه:
  -أنا سايب الفلوس تحت السرير يا ليل، خلي بالك من نفسك، من هنا لحد ما أطلع خلي بالك منه.

اقترب من بطنها ليقبلها مغمض عيناه أسفل بكائها، لتملك وجهه بين يديها قائلة:
  -شاكر..

قاطعها شاكر مطمئنها:
  -هطلع، بوعدك هطلع.

في هذا الوقت فتح العسكري الزنزانة، ليقل:
  -يلا انتهت معاد الزيارة.

أغمض شاكر عيناه بتنهيد، كأنه يصبر نفسه على غيابها، ليعيد مطالعتها بحنو مقبل وجنتها، قائل:
  -خلي بالك من نفسك يا زهرتي.

طالعته ليل ببكاء مرير؛ فكيف ستفعل وهو سيكون بعيد عنها؟!

اقترب العسكري ليأخذها خارج من الزنزانة.

لم تقف عن البكاء والنطق بكلمات تظهر خوفها وجهلها للعيش بدونه.

في هذا الوقت رأها علي الذي شعر بنغزة تجثوا قلبه، لا يدري لما يحدث هذا كلما يراها، ولكن ما يعلمه جيدًا هو أن حاله يتبدل حينما يرى هذه الرقيقة.

اقترب منها وكان من السهل العلم لما تبكي، ولكن بكائها يعز على قلبه:
  -أزيك.

طالعته ليل، بالكاد تذكرته، لكن بذات الوقت تذكرت حديث شاكر وهو أنه ليس صديقه ولا يقرب له.

تبسم علي بخفوت، كأنه يود أن يخفف عنها:
  -لينا نصيب نتقابل تاني، تعالي.

قدم على الذهاب ولكن توقفها دون الذهاب خلفه، دفعه للتوقف ومطالعتها بحنو ونظراته تطمأنها:
  -متقلقيش أنا ظابط هنا.

تبدلت نظراتها له لنظرات متعجبة؛ فلم يخبرها منذ بداية مقابلته لها.

بزنزانة أيجى.

تجلس كحالها منذ أن احتجزت، تحتضن جسدها بذاوية في الغرفة، لم تتوقف عن البكاء، كان الألم يزداد بطريقة تدفعها لزيادة بكائها، فمن المفترض أن تأخذ جرعتها.

تذكرت أمر هاتفها، لتخرجه ولكن لم تكن هناك اشارة لتتصل بأحد، فقد أضاءت مصباحه؛ حتى لا تجلس في هذه العتمة.

استمعت لصوت فتح باب الزنزانة، هذا ما دفع لنظراتها في التصويب نحوها، طالعت ملاك التي مرت إلى الداخل مطالعاها بنظرات لم توضح ما بداخلها.

وضعت الطعام امامها، لتقل:
  -مكلتيش حاجة من الصبح.

تحدثت أيجى وسط بكائها، متجاهلة الطعام:
  -أنور فين؟ عايزة اشوفه.

طالعتها ملاك صامتة بعض الوقت، لتتحدث عقب قليل من الوقت:
  -أنتِ خنتي أنور، وملكيش حق تسألي عليه.

اجابتها أيجى ببكاء والألم يأكل رأسها:
  -طب عايزة برشامة صداع.

أومأت ملاك التي لاحظت تعبها بالفعل، قائلة:
  -هروح اجيبلك.

وبالفعل ذهبت لتملك أيجى رأسها بين يديها ببكاء وصراخ من الألم الذي يزداد، بل جسدها بأكمله أصبح أسير تعبها.

ما إن احضرتها ملاك، وقدمت على الدخول لها، توقفت حينما تحدث أنور سائلها:
  -في حاجة؟

طالعته ملاك لتحرك رأسها نافية، مادة يدها بالدواء حتى يراه:
  -طلبت برشامة صداع، شكلها تعبان.

حرك أنور رأسها نافي بملامح ثابتة متهالكة من الحزن، فكان واضح عليه هذا:
  -مش هديها مسكنات، ده علشان اللي كانت بتتنيل تاخده، كلت؟

حركت ملاك رأسها نافية:
  -حطتلها الأكل بس مش عارفة كلته ولا لا.

أومأ أنور ليمر هو إلى الداخل.

طالعته لتنهض ما إن رأته، كادت تسقط ولكنها استندت بالحائط تزامنًا مع اقترابه لسندها.

قال بجفاء يحاول اظهاره:
  -اقعدي ملوش لازمة وقوفك.

طالع الطعام بالأرض قائل:
  -مكلتيش ليه؟

اجابته أيجى بذات دموعها:
  -مش عايزة أكل، أنا تعبانة.

صوب أنور نظراته اتجاهها، فو يعلم أن هذا ما سيحدث.

قالت برجاء مطالعاه بدموع:
  -أنا مش هستحمل الوجع ده، بجد حاسة إني هموت، أنا عايزة مخدر.

رفع أنور حاجبيه ليتحدث بسخرية، قائل:
  -أمم وأنا المفروض ادخلك مخدرات هنا، صح كده؟

حركت أيجى رأسها نافية ببكاء، فهي تعلم أنه لن يفعل، قائلة:
  -مش قصدي، أنا بس عيزاك تعمل أي حاجة تخلصني من الوجع ده، أنور أنت هتسيبني هنا؟ أنا هتحبس؟

اجابها أنور ببساطة ونظراته متوجهة نحوها بجفاء عكس ما بداخله:
  -هو مش أنتِ تاجرة بردو؟ ولا حرام عليكِ وحلال على غيرك؟

اغمضت أيجى عيناها باكية، لتقل برجاء والألم يزداد عليها:
  -طب هاتلي أي حاجة، هات أي حاجة تخلصني من الوجع ده.

أشار أنور صوب الطعام يظهر تجاهله لحديثها:
  -اطفحي، أنا مروح.

تمسكت بقميصه حتى لا يذهب، لتقل باكية:
  -لا بالله عليك، أنور أنا والله مش هقدر استحمل الألم ده، أنت متعرفش أنا بسمع أيه، أنا في مليون صوت في دماغي هتجنن لو فضلت كده، أعمل أي حاجة بس متسيبنيش كده.

استمر أنور في مطالعتها وقد لاحظ بالفعل أن حالتها لا تحتمل انتظار:
  -هوديكِ تتعالجي.

حركت أيجى رأسها نافية ببكاء:
  -مش هقدر، والله ما هقدر أقعد كده بالوجع ده.

اجابها أنور بقلة حيلة قائل:
  -أعمل أيه أنا؟ أنتِ اللي عملتي في نفسك كده، أزاي تبوظي حياتك بالشكل ده؟! كسبتي أيه دلوقت؟

اغمضت أيجى عيناها بأنهيار، قائلة:
  -والله مخدته من فراغ، أنا لما خدت المخدرات دي، علشان بس محسش بالأصوات اللي بتتكلم في دماغي، أنا كان في حد بيتكلم معايا وفي حاجات غريبة بتحصلي كلها اختفت لما جربت أخده.

توقفت نظراته صوبها متذكر حديث مفيد الذي قال له أنها مريضة نفسيًا!

وجد أن حالتها لن تصمد ببكائها والمها هكذا حتى الصباح، مما دفعه للتحدث بهدوء، عكس طريقته بالبداية:
  -مجربتيش تروحي لدكتور نفساني؟

طالعته أيجى بذات بكائها، قائلة:
  -أنا مش مريضة يا أنور.

اجابها أنور الذي يلطف الكلمة:
  -مش لازم تبقي مريضة علشان تروحيله، عمتًا أنا مش هساعدك تاخدي الحاجات دي، يعني لو عايزة تتعالجي هعمل كده.

طالعته أيجى بذات بكائها وحزنها:
  -هتعالج ليه؟ علشان أعيش وموت لوحدي؟ حتى أنت طلقتني، عارف أني روحي فيك، بس بعدت عني، ليك حق بس أنا مش هقدر أعيش من غيرك يا أنور، أنا حتى معنديش عيلة علشان اروحلها.

استمر أنور في مطالعتها، لا يدري ما الذي يقوله، فقد دمرت حياتها بأكملها، بل منذ اختطافها من عائلتها وقد دُمرت حياتها.

بغرفة التحقيقات.

يتحدث مليح إلى حبيب، قائل:
  -يعني أنت بتنكر أن اللي قاله شاكر صح؟

أومأ حبيب قائل:
  -أكيد بنكر، أنا ليا شركة محترمة.

أومأ مليح الذي قال ساخر:
  -لا منا عارف.

أخرج هذا الفيديو والذي يظهر به حديث شاكر لدى أيجى، بل ويتضح به حبيب كذلك.

تبدل وجه حبيب ليتحدث مليح ببسمة ساخرة:
  -لا يكون مش أنت ده!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي