الفصل التاسع انفصال

تحدثت شمس إلى أنور بنظرات تظهر تأثرها وضيقها من ما سيحدث اليوم من أمر تتمنى أن لا يكتمل:
  -قلت لهلال؟

حرك أنور رأسه نافي، ليقل:
  -لا، مقلتلهاش.

عقدت شمس حاجبيها بخفوت وحزن؛ فهي تعلم تمامًا حجم الحزن بداخله:
  -وبعدين؟

طالعها أنور قائل:
  -مش هينفع اكلمها النهارده، واقلها أني هتجوز النهارده.

أومأت شمس قائلة:
  -يعني اللي ينفع أنك تتجوز وبعدين تعرفها؟ حاول تقابلها النهارده وتفهمها الحكاية ومتقلهاش حتى إن كتب الكتاب النهارده.

تنهد أنور بعمق، ليومأ قائل:
  -هقابلها.

أومأت شمس بهدوء صامتة؛ فماذا ستقل ولا تود هذا الزواج بالأساس.

بغرفة تواجد سهر ومفيد.

كانوا يتحدثان حول اليوم وكيف سيسير.

تحدثت سهر قائلة:
  -أنت لازم تخلي أبوك يكتب الورث والأملاك بأسمك علشان أي ظروف.

أومأ مفيد قائل:
  -هعمل كده بس مش دلوقت.

في هذا الوقت اقتحمت أيجى الغرفة، قائلة بغضب وعينيها الحمرواتين تظهر حالتها السيئة:
  -حد منكوا دخل اوضتي وأنا نايمة مش كده؟

فهمت سهر عن ماذا تتحدث، هذا ما دفعها لقول:
  -النهارده كتب كتابك لازم تكوني فايقة، بعد كتي الكتاب خدي اللي تاخديه.

تحدثت أيجى مقتربة لتقف امامها بغضب كايح قائلة:
  -هاتي البرشام وإلا هلغي الجوازة كلها.

تحدث مفيد بغضب مغلق باب الغرفة:
  -وطي صوتك وبطلي جنان، عايزة كمان تاخديه يوم كتب كتابك؟

صرخت أيجى به لتريه أن الأمر لا يفرق معها بالأساس:
  -أنا مش هوطي صوتي ولو مجبتوش الحاجة وقسمًا بالله لكون مبوظة كل حاجة.

تحدثت سهر في غبض عقب نهوضها:
  -خلاص اسكتي بقى، هجيبلك القرف بتاعك.

ذهبت لتحضر الحقيبة لها، ما إن اخذتها تحدثت بتحذير لكل منهم قائلة:
  -لو حد دخل اوضتي أو الموضوع ده اتكرر تاني صدقوني هتزعلوا.

تركت الغرفة عائدة إلى غؤفتها أسفل حديث سهر الغاضب:
  -البت بقت تتعامل معانا على أننا اعدائها!

تحدث مفيد بغضب لما سمع منها:
  -المهم اللي هناخده من وراها، وبعد كده تغور مترح ما هي عايزة، وتعمل اللي تعمله.

انتهت أيجى من تبديل ملابسها وأخذ دوائها، لتنزل إلى الأسفل.

تحدثت فور نزولها ببسمة قائلة:
  -صباح الخير.

تبسم فريد عكس البقية، ليقل:
  -صباح الجمال على أجمل بنوته.

تبسمت أيجى لتتطلع حولها في تسائل؛
  -هو أنور فين؟

اجابتها شمس بضيق من سؤالها عليه:
  -مش هنا راح يقابل صحابه.

طالعتها أيجى لتفهم من سيقابل، فمؤكد الأمر ليس اصدقائه.

تحدث فريد في ضيق قائل:
  -هما اللي كانوا المفروض يجوله، بس ماشي كلها حبة ويرجع أكيد، قوليلهم يحضروا الفطار لأيجى يا شمس.

نهضت شمس أسفل ضيقها، ولكنها لا تود لأحد أن يتعامل كصاحب منزل، فهي من تعطي الأوامر هنا فقط لخدمها.

داخل إحدى المقاهي.

تحدثت هلال بطريقة تظهر حزنها، قائلة:
  -أخيرًا قدرت اشوفك.

يطالعها أنور قائل:
  -أنا عارف إني مقصر معاكِ، بس ده مش بأيدي.

أومأت هلال بقلة حيلة قائلة:
  -زي العادة، بس عمتًا أنا مش زعلانة منك؛ لأن طلبك تشوفني يعني يهمك زعلي.

استمر أنور في مطالعتها بعقل شارد؛ فحديثها صعب الأمور أكثر عليه.

بدأت بشرب عصيرها أسفل مطالعته الشاردة لها، لتعقد حاجبيها بخفوت وتسائل حين لاحظت شروده المبالغ به:
  -مالك يا أنور؟

أبعد أنور نظراته عنها، ليتنهد بعمق، قائل:
  -عايز اكلمك في موضوع، مش عارف هتشوفيه أزاي، ولا هتشوفيني أزاي، بس أنا اللي هقوله ده علشان بحبك، واللهي مفيش سبب تاني.

استمرت نظراتها تتجه نحوه، وقد تملك قلبها القلق لما قال؛ فتمهيده للحديث لم يكون يدل على خير.

أكمل أنور قائل:
  -عمي رجع من لندن هو وبنته ومراته، جدي هو اللي طلب منه كده، ولما رجعوا اتكلم عن قوة العلاقة وأزاي عايز يرجعها زي ما كانت، واتفاجئت أنه متفق على جوازي من أيجى.

تبدلت ملامح هلال، فحديثه كان يظهر موافقته على ما قال جده، وإلا لم يكون ليقل لها مقدمة كتلك.

أكمل أنور حديثه وقد لاحظ تبدل ملامحها:
  -أنا موافقتش طبعًا، بس هو هددنا بالأملاك وكل حاجة لينا بأسمه، علشان كده وافقت بس ده هيكون مجرد جواز على ورق، ده غير إني هطلقها بعد..

قاطعته هلال قائلة:
  -هتتجوزها! أنت فضلت الأملاك عليا وبالسهولة دي كان عندك استعداد تبعد عني!

حرك أنور رأسه نافي ليقل موضحًا:
  -هلال أنا بقلك كل ده لأن معنديش أي استعداد اخسرك، وإلا ممكنتش بدأت كلام بالطريقة دي، ومكنتش طلبت اشوفك علشان احكيلك كل ده، كنت ممكن اتجوزها ولا تحسي بحاجة عن الموضوع، بس أنا معملتش كده؛ علشان بحبك بجد ومحبتش ولا هحب غيرك، هلال أنا..

نهضت هلال لتقل:
  -مش عايزى أسمع حاجة، وخلاص يا أنور لحد دلوقت وكفاية.

قامت بنزع دبلتها، لتضعها امامه فوق الطاولة، لينهض ممسك بذراعها قبل أن تذهب، وبضيق قال:
  -أنتِ سهل عليكِ تتخلي عني كده؟

اجابته هلال ساخرة:
  -أنا اللي عادي اتخلى عنك؟! واللي كنت بتعمله من شوية ده كان أيه؟!

اجابها أنور بعصبية، قائل:
  -أنا كده اتخلبت عنك؟! أمال كلامي ده أيه؟ أنا بقولك اللي حصل واللي هعمله لأني مش عايز اخسرك، وزي ما هتتم الجوازة هطلقها بس مش هبقى عارضت جدي، مش هكون ضيعت من أهلي أهم حاجة مش هكون خليت دول ينتصروا، قراري مش من قليل، وأنتِ قدام الكل خطيبتي ومش هبعد عنك.

ابعدت هلال ذراعها من يده، قائلة:
  -سلام يا أنور.

تركته وذهبت دون كلمة أخرى أسفل نظراته وضيقه؛ فهو يعلم أن الأمر ليس بهين عليها، ولكن لا خبار امامه سوى منحها فرصة لتهداء.

في هذا الوقت تلقى أنور اتصال، تطلع إلى الهاتف، ليغلق الخط ذاهب إلى منزله، وكأنه لم يعد يستطيع التحدث إلى جده، برغم موافقته على ما قال، إلا أنه مازال غاضب من فعلته، وتهديداته الصريحة له.

ما إن عاد للمنزل.

تحدث فريد إليه قائل:
  -اتصلت بيك، مردتش عليا ليه؟

اجابه أنور بوجه مقتضب:
  -مكنتش فاضي.

قدم على الصعود إلى غرفته، ولكن حديث فريد اوقفه حين قال:
  -جهز نفسك لكتب الكتاب، أيجى راحت تجهز هي كمان.

لم يبدي أي ردة فعل ليكمل صعوده للأعلى.

كان يشعر بتخبط كبير لا يدري ماذا يفعل ليتخلص منه، هل يغضب عائلته الذي لا يملك سواهم؟ أم حبيبة قلبه؟

في كلا الأحوال هناك طرف عليه أن يحزن، ولا داري لحزنه هو.

مر الوقت وكان يتجاهل جميع الأتصالات التي تأتي له، من اتصالات اصدقائه، وغيرهم فقط لا يود أن يستمع لأحد أسفل أي مسمى، عمل أو غيره.

حيث مكان عمل أنور والباقية.

تحدث علي بقلق وتعجب قائل:
  -أنور مبيردش من الصبح! مش فاهم أيه السبب مش من عادته يهمل شغله وميردش على حد.

اجابه مليح مقترح:
  -نروحله؟

تحدثت ملاك قائلة:
  -أنا معايا رقم هلال خطيبته، ممكن اكلمها يمكن تعرف توصله.

أومأ علي قائل:
  -فكرة بردو، اتصلي بيها وشوفي هتقلك أيه.

وبالفعل قانمت بالأتصال بهلال، والتي اجابت عقب عدة اتصالات، قائلة بصوت يظهر بكائها:
  -نعم يا ملاك؟

تبدلت ملامح ملاك والتي توققت نظراتها اتجاه علي في تعجب وقلق، لتقل:
  -اا هلال أنتِ كويسة؟

اجابتها هلال منفعلة، فقد كانت تنتظر شكة صغيرة لتنفجر وتبوح بما يؤلم قلبها:
  -أكيد كنتوا عارفين أنتوا كمان، ما هو كلكوا مع بعض لا وعلى مين عليا أنا!

تحدثت ملاك متعجبة من حديثها:
  -هلال أنا مش فاهمة قصدك أيه، عارفين أيه ولبه بتعيطي.

صرخت هلال بها، قائلة:
  -عارفة أن أنور هبتجوز، ولا دي محدش بعرفها؟

أومأت ملاك ببساطة ونظراتها لا تبتعد عن علي:
  -عارفين أنه هيتجوزك.

ضحكت هلال ضحكات ساخرة:
  -هيتجوزني! يعني أنتوا تعرفوش بحكاية بنت عمه وكل اللي حصل مش كده؟

أخذ علي من يد ملاك الهاتف، ليقل:
  -هلال في أيه؟ أنور ضايقك؟

تحدثت هلال بذات بكائها:
  -أنور هيتجوز بنت عمه يا علي، ومتقليش أنك متعرفش.

جحظت عينا علي الذي تعجب بل لم يصدق حديثها؛ فكيف يتزوج أخرى والجميع يعلم بمعشوقته؟!

تحدث علي نافي:
  -هلال أكيد أنتِ فاهمة غلط، مستحيل يكون عايز يتجوز واحدة تانيه حتى لو بنت عمه، وكمان هو كان بيكلمنا من زمان على عمه ده والخلافات اللي بينهم وبين أبوه، فأزاي هيتجوز بنته؟

تحدثت هلال ببكاء قائلة:
  -اسأله أنت بقى.

أومأ علي محاول أن يهدأها:
  -طيب هلال أهدي أنا هكلمه وهشوف في أيه.

اجابته هلال نافية ونبرتها توضح بكائها:
  -متكلمهوش ومش عايزى منه حاجة، أنا سبتله الدبلة ومش عايزة اتكلم معاه تاني.

أومأ علي بتفهم وضيق لما يحدث؛ فعلاقتهم ليست بالهينة لتنكسر بسهولة:
  -طيب أهدي.

تحدثت هلال، قائلة:
  -سلام يا علي.

اغلقت الخط لتتحدث لها والدتها قائلة:
  -هلال أنا هروحلهم وهشوف أيه اللي حصل، أصل دي مش طريقة.

حركت هلال رأسها نافية، لتقل:
  -متروحيش لحد ومش عايزة كلام في الموضوع ده تاني، علاقتي بأنور انتهت، وهو اللي قابلني وقالي كده، يعني خلاص.

استمرت والدتها بمطالعتها وقد عم الحزن بعيناها.

تحدث علي في دهشة وتعجب قأئل:
-أنا مش فاهم، مش فاهم أيه اللي بتقوله، وأزاي أنور يتجوز واحدة غير هلال؟!

اجابته ملاك بذات تعجبها ودهشتها من الأمر:
-أكيد في حاجة غلط، أحنا عارفين أنور بيحب هلال قد أيه، وأكيد هي كمان عارفة كده، اللي بتقوله ده مش معقول.

أمسك علي بهاتفه ليتصل بأمنور منتظر أن يجيب، ولكن لا جدوى.

لذا قال:
-أنا هروحله، أنور أصلا بقاله فترة مش طبيعي والنهارده مجاش الشغل فأكيد بسبب اللي حصل، هروح اشوفه واهتموا أنتوا بالشغل، صح فين مليح؟

اجابته ملاك قائلة:
-راح يجيب أكل وراجع.

أومأ علي قائل:
-طيب.

ذهب متجه إلى منزل أنور.

عند مرور الوقت.

يقف أنور ببذلته أمام المرأة، يتطلع امامه شارد الذهن، يتذكر حديثه رفقة هلال وكيف كانت وعودهم في البداية، كيف أخلف هو بتلك الوعود ولم يكون متوقع أن يفعل هو هذا، فكيف يفعل؟

كاد عقله ينفجر من التفكير في الأمر، ولكن قاطعه صوت شمس التي قامت بالدخول للغرفة، قائلة:
-عملت أيه مع هلال؟

التفت أنور ليطالعها بذات وجهه العابس، ليفتح ذراعيه ببساطة وسخرية، قائل:
-ادتني دبلتها، تفتكري كانت هتتصرف أزاي؟

استمرت شمس في مطالعته بدهشة وحزن، قائلة:
-يعني، يعني نهيتوا علاقتكوا؟

التفت أنور من جديد صامت تمامًا، فأي حديث يهديئ قلبه وهناك ما كسره؟

في هذا الوقت تحدثت الخادمة والتي صعدت لغرفة أنور، قائلة:
-فريد بيه بيقول أيجى هانم وصلت، ومستنيك تحت.

أغمض أنور عيناه متنهد بعمق، كأنه يستعد لنهاية حياته!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي