الفصل الثالث والعشرين كشف كل شيء

تحدث شاكر عقب تقبيله لجبين ليل، كذلك بطنها التي اعلمته منذ يومان أنها تحمل داخلها طفل صغير، كما أنها تتمنى أن تكون فتاة!

تحدث شاكر بعشق وهو يقبل يدها، قائل:
  -عايزة حاجة اجبهالك معايا يا قلب شاكر؟

حركت ليل رأسها نافية، لتقبل وجنته، قائلة:
  -عيزاك ترجعلي بالسلامة.

تبسم شاكر ليومأ عقب تقبيله لوجنتها:
  -هرجع علشان اميراتي.

تبسمت ليل، فقد اخبرها أنه ذاهب لإنهاء أمور السفر!

بعمل أنور.

تحدث علي إلى أنور بتسرع، قائل:
  -بلغوني إن شاكر بيتحرك، شكله كده هينفز العملية اللي اتفق عليها من اسبوع مع حبيب.

تحدث أنور بذات التسرع، قائل:
  -يلا هنتحرك أحنا كمان، لازم نقبض عليه.

أومأ علي وبالفعل نظموا انفسهم ليذهبوا متتبعين ذهاب قوات الشرطة رفقة شاكر، فما علموه خلال الأيام الماضية، هو أنهم سيقوموا بعملية كبيرة.

ما إن وصلت أيجى إلى هناك، تحدث شاكر لها قائل:
  -كويس أنك جيتي، الاجانب اللي متعاقدين معاهم مقبلوش ياخدوا البضاعة إلا لما يشوفوا أنها تبعك.

وبالفعل وافقوا ما إن علموا أنها وراء البضاعة، فهم من لندن، ومنهم من تعامل مع أيفا من قبل.

تحدثت أيجى سائلة:
  -البضاعة دي استوردتها منين؟

اجابها شاكر قائل:
  -فرنسا، حبيب استورد كمية بكيرة هربها من وقت، كانت بأسم الناس دي يعني.

رفعت أيجى حاجبيها متفهم، ما إن بدئوا في الرحيل بالبضاعة، لنقل السيارة إلى السفينة، ولكن هجوم الشرطة جعل الأجواء بأكملها تنقلب.

أصبح الجميع يركض ومنهم من قاموا بإصابته؛ فقد حاولوا أن يهربوا.

جحظت عينا أيجى التي قبض عليها علي، مطالعها في صدمة وتعجب عقب امساك أنور لشاكر، فلم يراها بالأصل لتركيذه على شاكر الذي كاد يهرب:
  -أيجى!

طالعته أيجى والحديث توقف بحلقها، فما الذي ستقوله؟!

بالسجن.

تجلس أيجى بغرفة التحقيقات، غرفة منفردة كما يحدث مع شاكر.

تحرك قدمها بتسرع والتوتر والخوف يكاد يقتلها.

توقفت ما إن استمعت لصوت باب الغرفة يُفتح، ليعقبه دخول أنور، الذي طالعها والصدمة تتملك قلبه، لا يود أن يصدق ما يرى، بل لا يستطيع هذا:
  -أيه اللي وداكِ هناك يا أيجى؟

وقفت أيجى امامه والدموع تتملك عيناها، لتمسك بيده قائلة:
  -هقلك هقلك كل حاجة بس بالله عليك يا أنور متسيبنيش، هو هو اللي خلاني أروح، هو...

قاطعها أنور صارخ من تقطعها بالحديث:
  -أيجى أيه اللي عرفك بشاكر يا أيجى من الأول؟

توقفت نظرات أيجى اتجاهه، وقد ازدادت الدموع بعيناها، فلا مفر الأن.

اغمضت عيناها باكية ولا تستطيع التحدث؛ فلا حديث لينهي الأمر ككل مرة.

في هذا الوقت قام علي بالدخول ومطالعة أنور، ليمد له الهاتف أسفل مطالعته لأيجى:
  -شاكر اعترف عليه وعليها، وعلى حبيب، علشان نخفف الحكم عنه، واداني الفيديو ده.

أخذ أنور الهاتف، لتغمض عيناها باكية أكثر.

رأى أنور الفيديو والذي كان يصوره لها أثناء وجودها بفلة حبيب، والذي اعطاها به الحقن.

فما سمعته كان صادم؛ لجهلها بتصويره لها.

تحدث أنور عقب نظره لها بصدمة تتملكه؛ فكيف تكون بكل هذا السوء:
  -أيه ده؟! أنا مش قادر أصدق.

تحدثت أيجى بإنهيار لتملك وجهه بين يديها قائلة:
  -هقلك هقلك واللهي، أنا أنا اشتغلت مع أيفا في لندن من عشر سنين، من وأنا عندي عشر سنين هما اللي خلوني أعمل كده، مفيد و وسهر، هما اللي وصلوني لأيفا علشان اجيبلهم فلوس.

صمتت والبكاء يزداد، بل تحول إلى انهيار لا تستطيع التحدث لأجله.

أبعد أنور يدها عنه، ليقل وعيناه قد ازدادت حمرة من صدمته وغضبه الكابح:
  -كملي.

طالعته أيجى من جديد وهي تتحدث بشهق:
  -أنا، أنا كنت بسرق، كنت بسرق الأول بعد كده بقيت اشتغل في، في مساعدته في بيع المخدرات، أنا كنت عايزة أقلك، كنت هقلك والله بس خوفت لتسيبني، ولما جيت هنا وقلت لأيفا إني مش هرجع دلوقت، فقال إن حبيب راجع من السفر، وهشتغل معاه.

استمر أنور في مطالعتها صامت تمامًا، فيبدو أنه مازال أسفل صدمة كابحة.

امسكت أيجى بيده برجاء خوفًا من تركها، لتقل:
  -والله ما كان قصدي اخونك، أو أخبي عليك، أنا كنت خايفة لتسيبني، و، ودي كانت أخر عملية، واللهي قلت هبطل بعدها ونعيش سوا، أنا أسفة يا أنور، أسفة سامحني.

يصوب أنور نظراته وعيناه الحمرواتين اتجاهها، ليقل أسفل صدمته وسخريته:
  -وكمان بتتعاطي، نسيتي تقولي دي.

اغمضت أيجى عيناها بشهق وبكاء يصل لخارج الغرفة.

ليكمل وقد كان يحارب حتى لا تتساقط الدموع من عينه:
  -أزاي كنتي كده؟! أزاي كنت شايفك بريئة ومختلفة، عفوية واللي في قلبك على لسانك، وأنتِ قلبك طلع أسود أوي!

اعادت مطالعته أثناء تمليكها لوجهه بين يديها قائلة:
  -والله كان غصب عني، هما اللي خلوني كده، وكنت مستعدة أعمل أي حاجة أي حاجة علشانك، من وأنا صغيرة مستنيه اليوم اللي هقابلك فيه، من وأنا صغيرة منستكش، كان كل همي متعرفش حاجة علشان متبعدش عني، مش علشان أنت ظابط.

أبعد نظراته عنها مجفف دموعه التي تتساقط، بل ابتعد تمامًا عنها ليقل إلى الحارس خارج الغرفة:
  -خودها على زنزانة انفرايه.

اقترب العسكري ليأخذها، ولكن تمسكت بذراعه والخوف والبكاء يزداد، قائلة برجاء وبكاء مرتفع:
  -لا بالله عليك يا أنور متسيبنيش، بالله عليك يا أنور، أنا مليش غيرك، والله مليش غيرك.

لم ينظرلها وكانت ملامحه تظهر غضبه منها، بل كانت صلبة لحد ازداد من خوفها، أبعد ذراعه عنها حتى اقترب العسكري اخذها أسفل بكائها وصراخها رافضة الذهاب معه، فهي ستبتعد عنه، بل عن كل شيء الأن!

رفع أنور رأسه ليركل الطاولة من امامه، رفع خصلاته بغضب كابح وصدمة تسيطر عليه، ليلقي بأي شيء امامه، صارخ بغضب وحرقة:
  -ليه يا أيجى، ليه يا أيجى تكوني وجع ليا وأنا اللي حببت نفسي فيكِ علشانك؟!

ذهب علي له والذي كان يعلم تمامًا حالته، أمسك به محاول تهدئته، قائل:
  -أنور أهدي، أنت مكنتش بتحبها، أنت اجبرت تتجوزها وأديك خلصت منها.

طالعه أنور الذي تذكر لحظاتها معه، وكأن قلبه يكذب حديث علي!

ما إن وضع العسكري أيجى بالزنزانة، اصبحت تضرب باب الزنزانة بقوة وبصراخ باكية، لم تتوقف عن ركله والصراخ بكلمات متألمة، كأنها طير جريح ينوح ليداوي أحد جراحه!

بغرفة تواجد شاكر.

تحدث إلى مليح والقلق يجتاحه على معشوقته:
  -أنتوا قلتوا لو اعترفت هتخففوا العقوبة.

طالعه مليح بتأكيد قال:
  -أمم أكيد.

تحدث شاكر من جديد وقلبه يتأكل عليها:
  -طيب أنا عايز أشوف ليل، أنتوا هتحبسوني، عايز اشوفها قبل ما اتعرض على المحكمة.

استمر مليح بمطالعته شارد الذهن، ليقل:
  -لو وافقوا هجيبهالك.

في الليل.

تحدث فيروز فور وصوله للقسم وفور علمه بأمر قبضهم على شاكر:
  -علي أيه اللي حصل؟ أنتوا فعلًا قبضتوا على شاكر؟

طالعه علي ليومأ قائل:
  -قبضنا عليه، وعلى أيجى كمان.

عقد فيروز حاجبيه في تسائل وتعجب، قائل:
  -على أيجى؟!

بزنزانة أيجى.

تجلس أيجى محتضنه جسدها بإحدى زاويات الزنزانة يعم بالزنزانة بأكملها، لم تتوقف عن البكاء والخوف يسيطر عليها؛ فهي تخشى الظلام الكاحل هذا.

تتحدث بكلمات باكية، برغم أنها تعلم أن لا سامع لها:
  -أنا، أنا بخاف من الضلمة، افتحوا النور.

تطلعت إلى باب الزنزانة الذي قام احدهم بفتحه، ليتقدم رفقة أنور الذي لم يطالعها بذات ملامحه الصلبة.

وهنا أضاءت اضاءة خافته، تجعلهم يروا بعضهم البعض.

وقفت أيجى أسفل بكائها المرير ونظراتها لهم.

تحدث فيروز بصدمة تسيطر عليه؛ فقد علم كل شيء:
  -أنتِ أزاي كنتي شغالة في حاجة زي كده؟!

طالعته أيجى أسفل بكائها صامتة تمامًا.

أكمل فيروز ولا يصدق بعد ما يحدث:
  -أزاي مفيد يوافق تكوني كده؟!

تحدثت أيجى باكية، فلا شيء أخر لتخسره:
  -علشان ده مش هيهمه في حاجة، بالعكس كنت بجيبله فلوس.

طالعها أنور ليتحدث فيروز في تعجب ولم يفهم حديثها:
  -مش هيهمه أزاي وأنتِ بنته؟!

اجابته أيجى ضاحكة رغم بكائها، لتقل بأسى:
  -أنا مش بنته.

صدم كل منهم، بل كان الأسوء بالفعل!

اكملت أيجى حديثها وبكائها يزداد:
  -سهر مبتخلفش، وعلشان يجيبوا حفيد وياخد ورث الجد فريد، هما خطفوني لما اتولدت، واهتموا بيا وكل ده، في نفس الوقت اللي كانت بتمثل عليكوا أنها حامل فيا، وفضلت الكذبة تكبر لحد ما فكروا إنهم يخلوني اجبلهم فلوس، وهما مش خصرانين حاجة.

كان كل أملي أرجع مصر واشوف أنور، اللي اتعلقت بيه وأنا صغيرة وكان أحن من الدنيا عليا، أنا عارفة إني وحشة، ونصابة بالنسبالكوا، بس أنا مليش حد غيركوا، والله مليش حد هما كانوا هيقتلوني بسبب الفلوس دي، بعد ما الجد فريد كتبلي نص ثروته، كانوا عايزني احولهم الفلوس بأسمهم، بس أنا حسيت إني مستحقهاش، علشان كده قطعت الورقة، لأنهم أكيد كانوا هيدوروا عليها.

كان كلًا منهم يطالعها والصدمة تجتاحه، فكيف كل هذا بمن استخفوا بحياتها!

اقتربت أيجى ممسكة بيد فيروز ببكاء مرير ورجاء، قائلة:
  -سامحني يا عمي فيروز، سامحني.

قبلت يده تزامنًا مع ابعاده لها تارك الزنزانة بأكملها، فلم يستطيع السماع أكثر، بل تملكت الدموع عيناه صدمة لما يحدث.
طالعت أيجى الواقف امامها والذي يطالعها بنظرات لم تفهمها، فقد كانت مزيج بين الكثير من الأشياء، حزن عتاب، شفقة، الكثير من الاشياء.

لتقف امامه مملكة يدها التي ترتعش، قائلة أثناء بكائها:
  -سامحني، سامحني يا أنور، سامحني بالله عليك.

قدم أنور هو الأخر على الذهاب، ولكن امساكها لذراعه بقوة، والوقوف امامه من جديد باكية برجاء:
  -لا يا أنور بالله عليك متعاملنيش كده، عارفة إني وحشة وغلطانه ومستاهلكش، بس والله بحبك، أنت الوحيد اللي ليا في الدنيا، أنا بخاف من الضلمة، والله بخاف أوي، متسيبنيش لوحدي يا أنور بالله عليك.

طالعها أنور ولا يدري ما الذي يقوله، فلم يعد يدري أهي أيضًا ظلمت؟

تحدث أنور أثناء مطالعته لها بثبات تام:
  -أنتِ طالق.

توقفت نظراتها عنه بل العالم بأكمله؛ فقد خسرت كل شيء الأن!

حركت أيجى رأسها نافية صارخة ببكاء:
  -لا لا والله بحبك والله العظيم بحبك يا أنور، أنا مليش غيرك.

أبعد أنور يدها ذاهب من الزنزانة، أسفل ركلها لباب الزنزانة باكية بصراخ وحرقة:
  -لاااا أنور أنور.

بفلة فيروز، ما إن عاد إلى هناك.

تحدث بغضب كابح وبصوت مرتفع:
  -فين استاذ مفيد؟

طالعه فريد ليتحدث في تعجب:
  -راح هو وسهر على بيتهم، في أيه؟

اجابه فيروز راوي كل ما حدث، فقد كانت صدمة لا تعقل لهم، بل ظهرت صدمة فريد على هيئة نوبة قلبية، أدت إلى نقله للمشفى!

بمنزل ليل.

تجلس فوق السرير تحتضن جسدها متطلع إلى الاشيء امامها تنتظر عودته، تبسمت واضعة يدها فوق بطنها، كلما تشعر بالملل تتذكر هذه الصغيرة التي تحملها داخل احشائها، فهي جزء منه وهذا ما يسعدها أكثر.

طرق احدهم باب المنزل، لتذهب مسرعة حتى تقوم بفتحه، ولكن توقفت فجأة فور رؤيتها لهذا الضابط الذي قال:
  -أنتِ ليل؟

اجابته ليل بتوتر وخوف، قائلة:
  -اا أيوه.

أكمل الضابط، قائل:
  -شاكر اتقبض عليه، وطالب يشوفك.

جحظت عينا ليل بصدمة وقد شعرت بألم جثى قلبها، فكيف يبتعد عنها فجأة وببساطة هكذا؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي