الفصل الثاني الموافقة على الزواج

جلس الجميع حول مائدة الطعام عادة أنور الذي رفض تناول الطعام بل وبقى في الخارج أيضًا.

تحدثت سهر إلى شمس ببسمة تظهر ودها المصطنع، قائلة:
  -كان واحشني أوي الأكل المصري، في لندن مكناش بناكل غير أكل معين اتعودنا عليه بس ده ميمنعش أننا لسه بنحب الأكل للمصري.

تبسمت شمس قائلة:
  -الطباخين هنا كمان بيعملوه بطريقة حلوة تحببك فيه أكتر، صح أنتوا ناويين ترجعوا لندن تاني؟

اجابها فريد نافي:
  -لا أنا قولت أنهم هيقعدوا هنا وكفاية غربة، ولا أيه؟ مش ده كان اتفاقنا.

أومأ مفيد ببسمة هادئة، ليسبقه فيروز في الحديث حين قال:
  -الواضح أن في حاجات كتير اتفقتوا عليها منعرفهاش.

تتطلع أيجى لهم تتناول طعامها في هدوء ونظراتها تتفقد خارج الغرفة بين الحين والأخر؛ كأنها تبحث عن أحد ما!

ما إن انتهوا من تناول الطعام، قاموا بوضع العصير امامهم حين جلوسهم بغرفة الاستقبال.

وعينا أيجى لم تبتعد عن أنور الذي يتجاهل النظر لها.

تحدث فريد مطالع كلًا منهم، قائل:
  -أنا عارف أنكوا متعرفوش كتير عن بعض، ويمكن نسيتوا أنكوا قرايب أصلًا، بس زي مقولت الخلافات اللي بين عيلتكوا هتتصلح، وكمان هنقوي العلاقات بينا أكتر.

طالعه كلًا منهم كحال فيروز و مفيد، ليكمل حديثه متفقد كلًا من مفيد وفيروز، قائل:
  -أحنا هنطلب أيد أيجى لأنور.

تبدلت ملامح الجميع إلى الصدمة، ليتحدث أنور عقب نهوضه منفعل:
  -أيه؟! أنا خاطب جدي أنت بتقول أيه؟

طالعته أيجى ثم طالعت اهلها والصدمة تتملكها، كأنها تتسائل عن ما يحدث.

من لم يصدم في الأمر هو مفيد، كأنه يعلم سبب قدومهم إلى مصر منذ البداية.

تحدث فيروز إلى فريد والصدمة تتملكه:
  -ده مستحيل يحصل، وأنور زي ما قال هو خاطب وهيتجوز قريب، أنت عارف كده أيه لزمته الكلام ده؟

تحدث فريد بصراخ لأنفعالهم ورفضهم التام، قائل:
  -اقعدوا واتكلموا زي البني ادمين ممكن؟

تحدث أنور بذات انفعاله:
  -مفيش حاجة من الكلام ده هتحصل، مفيش كلام يتقال أصلًا علشان اقوله، طلبت مني أقعد وقعدت كفاية لحد كده.

قدم على الذهاب من الغرفة، ولكن ما إن التفت نهض فريد ليتحدث بغضب كابح وصراخ، قائل:
  -أنور لو طلعت من الأوضة دي مش هتقرب للفلة تاني واعتبر ملكش عيلة من الأساس.

توقف أنور ما إن استمع كلماته التي تساقطت عليه كالصاعقة كما حدث مع شمس وفيروز.

تحدث فيروز في دهشة وتعجب من كلماته التي لم يسبق له وإن تفوه بها:
  -بابا..

رفع فريد يده من امامه دلالة على رفضه لسماع شيء، محذره:
  -مش عايز أسمع كلمة من حد، مفيد أنا قولتلك عن الموضوع، وأكيد بلغت أيجى مش كده؟

تتطلع أيجى بين كلًا منهم والدهشة تتملك نظراتها، خاصة حين أومأ مفيد قائل:
  -أنور مش غريب علينا علشان ترفض، ده أبن عمها.

تبسم فريد بخفوت ليعيد مطالعة أنور قائل:
  -عايزك.

تركهم ذاهب أسفل وقوف أنور الذي تبعه والغضب يملأ، كحال فيروز الذي تبعهم.

تطلعت شمس إلى ذهابه مطالعهاهم بنظرات تفسر الضيق الذي بداخلها، قائلة:
  -خدوا راحتكوا.

تركتهم وذهبت للحاق بهم أسفل نظر الجميع.

لتتحدث أيجى ناهضة في تعجب ودهشة قائلة:
  -أنا مش فاهمة أيه اللي اتقال من شوية ده، واتفاق أيه اللي محدش قالي عليه ده؟!

اجابها مفيد بصوت منخفض قائل:
  -أنتِ هتتجوزي أنور، وده حسب كلام جدك اللي عايز يرجع العلاقات معاهم زي ما كانت، وطبعًا بما إني عايز اكسبه وعارف ردة فعل فيروز، فوافقت ومش كده وبس، أحنا هيطلعلنا نصيب حلو من الميراث، كمان هما لازم يوافقوا وإلا الفلة الحلوة دي هتتاخد منهم وهيتحرموا من الميراث، وفي الحالتين أحنا كسبانين، لأن جدك ناوي يكتبلك نصيب حلو من املاكه.

استمرت أيجى في مطالعته مستمعة لما يقول في شرود منها، فهو يبلغها الأن عن زواج لم تضعه في الحسبان، هذا ما دفعها لتقول:
  -أنا مش في دماغي موضوع الجواز، وميناسبنيش علشان اوافق.

اجابها مفيد يقنعها بالأمر:
  -أنتِ شيفاه موافق أوي؟ يعني مش هيكون جواز عن حب، ده مجرد شكل بس قدام الكل، وموافقتنا هتفرق، غير إن هيبقى ليكِ نصيب كبير من الفلوس، تقدري تحققي اللي أنتِ عيزاه بيه.

استمرت أيجى في مطالعته شاردة بما يقول، فبرغم اعجابها بهيئة وشخصية أنور، إلا أنها لا تعتاد الإنصات لأحد.

بمكتب فريد.

تحدث أنور بغضب كابح وللمرة الأولى يحادث جده به:
  -أنت عايزني اتجوز دي؟ أنا حقيقي مش قادر استوعب، يعني عايزني أسيب خطيبتي هلال علشان دي؟! واسيبها ليه أصلًا؟ ليه أفسخ خطوبتي من بنت بحبها علشان واحدة زي دي؟

تحدث فريد بضيق من انفعاله وصراخه، قائل:
  -علشان دي بنت عمك، وعلشان أنا عايز كده.

تحدث فيروز في نفي قائل:
  -بس أحنا مش موافقين يا بابا ومش هنوافق على البت دي.

اكملت شمس الحديث تلطف الأجواء حين لاحظت غضب فريد، قائلة:
  -وكمان هلال بنت كويسة، متستاهلش يكسر قلبها كده.

تحدث فريد حاسم الأمر حين قال:
  -خلاص يبقى اتجوز بنت عمك، ولو عايز تتجوز هلال بعدها معندناش مانع.

رفع أنور حاجبيه في صدمة وقد بدت ظاهرة بوضوح بعيناه، ليقول:
  -أنت بتتكلم أزاي؟! أنا مش هتجوز حد غير هلال، ومش عايز ورث ولا عايز أي حاجة.

تحدث فريد صارخ عقب نهوضه بكلمات يقول بها:
  -يبقى هتتسحب منكوا الفلة دي، وهتعيشوا في شقة بعد عن هنا، وهيجوا هما يقعدوا هنا؛ بدل ما حدش فيهم خالفلي كلمة يبقى اشيلهم على راسي، غير إن مفيش ميراث ولا أي حد منكوا هياخد أي حاجة من الأملاك.

رفع فيروز حاجبيه في سخرية ليقول:
  -أنت عايز تسحب مننا الأملاك علشان دول؟!

طالعه فريد ليتحدث بوضوح:
  -دول يبقوا زيكوا، هو بردو أبني ودي حفيديتي، وأنا بعمل اللي فيه مصلحتكوا، أنتوا مش هتعرفوا ده دلوقت بس لما أنور يرفض كلمتي ويعلي صوته عليا، يبقى ليا حق أعمل كده، أنور مش بس حفيدي هو أكتر من أبن بالنسبالي يعني مش هعمل حاجة تضره، وياريته عارف كده.

يتجاهل أنور النظر له والحزن والضيق بذات الوقت يجتاحوا ملامحه.

أكمل فريد حديثه قائل:
  -أنا مش عايز أعمل حاجة تضايقكوا مني، فلو أنت مش موافق يا أنور تقدر تتجوز هلال من غير وجودي طول حياتك، ولو عايزني أموت غضبان عليك وقتها أرفض.

تركهم وأخذ طريقه للخارج أسفل ضيق الجميع.

ليوجهوا نظراتهم صوب أنور الذي يشرد في الاشيء، يجتاح الغضب ملامحه وعيناه تظهر هذا الكم من الحيرة والضيق بداخله، فكيف يصبح في خيار حاد بين حبيبته وجده؟!

اقتربت شمس لتضع يدها فوق ذراعه بحزن وضيق يتملكها، قائلة بمعاتبة:
  -هو عارف أنك بتحبه علشان كده  حطك في المقارنة دي، أنا مش فاهمة أزاي عايز يجوزك البنت دي؟! دي مش شبهك في أي حاجة، ومعندهاش حاجة اسمها تربية!

تحدث فيروز في غضب، قائل:
  -هو عايز يبعد عننا هو حر، أحنا هنمشي من هنا ونشوفلنا شقة بدل مانقعد تحت املاكه، مش عايز حاجة منه وهو اللي هيعرف غلطه.

تحدث أنور نافي عقب تصويب نظراته اتجاهه:
  -لا، مش بعد كل ده هيجوا هما على الجاهز يخدوا مكانا، أنا هوافق بس هما اللي يستحملوا بقى.

طالعته شمس في دهشة كما فعل فيروز، لتقول:
  -أنور و هلال؟

اجابها أنور عقب تنهده بعمق، كأنه يحاول أن يوصل الهواء إلى رأتيه:
  -هقولها أن ده جواز مؤقت، وإني مش هفضل معاها، هحاول اقنعها تصدقني لأني مش هسيبها.

تحدث فيروز بلطف يخشى به حزن أبنه الوحيد:
  -ده مستقبلك وأنا مش عايزك تتسرع وتوافق على كلام حد وبعدها تندم، عارف أنك بتحبه ومش عايز تزعله بس هو مفرقش معاه، يعني زي مبص لكل الأطراف خليك أنت باصص لنفسك وملكش دعوة بينا، أحنا هنبقى كويسين هنا أو في مكان تاني.

أومأ أنور الذي يخشى خسارة عائلته كل شيء دون تضحية منه، وبذات الوقت يفكر في كيف سيكون تعامله معها، وكيف سيحول الزواج إلى طلب صريح منها للإنفصال عنه.

ما إن ذهبوا لغرفة تواجدهم.

طالعه فريد اثناء حديث أنور الذي قال به:
  -أنا أسف يا جدي، بس أنت مكنتش قايلي حاجة قبلها، وأكيد موافق على الجوازة.

رفعت أيجى حاجبيها في تعجب ودهشة من تبدل حديثه، بل موافقته السريعة رغم عصبيته ورفضه التام منذ قليل!

تبسم فريد أسفل مطالعة سهر إلى مفيد الذي يعلم تمامًا سبب موافقه أنور، وهو أنه لا يرغب بخسارة جده حتى لا يكون بصفهم.

تحدث فريد ببسمة ترتسم فوق ثغره:
  -على بركة الله، نقراء الفاتحة بقى.

طالعته شمس وملامحها غاضبة تمامًا لا تبدي أي سعادة أو شيء من هذا القبيل.

داخل إحدى الأماكن السرية..

ما إن قامت ملاك بالدخول تحدثت إلى الموجودون في تسرع قائلة:
  -أنور مجاش لسه؟

اجابها علي صاحب الخصلات السوداء المحلوقة، والمتناسبة مع جسده شديد العضلات، كذلك عيناه سوداء اللون رفقد كان فريد وذات وسامة مميزة:
  -قال أنه مش جاي النهارده، في حاجة جديدة.

اجابته ملاك بذات تسرعها بالحديث، قائلة:
  -عرفت شاكر فين، هو ناوي يهرب برا البلد ولازم نلحقه.

رفع مليح صاحب الخصلات البنية كحال عيناه، والجسد المعتدل، قائل:
  -أحنا لازم نبلغ أنور حالًا.

أومأت ملاك، قائلة:
  -صح، هتصل بيه.

امسكت هاتفها لتتصل به، ما إن أجاب تحدثت قائلة:
  -أنور أحنا عرفنا فين شاكر.

تحدث أنور بتسرع قائل:
  -حلو حلو أوي، أنا جاي.

أغلق الخط لينهض مطالع من حوله، قائل:
  -أنا لازم أمشي.

طالعته أيجى كحال فريد الذي قال متعجب:
  -أنور أنت مش لغيت شغلك النهارده؟

اجابه أنور بذات عجلته:
  -لغيته بس في حاجة مهمة مينفعش اتأخر عنها.

تركهم وذهب ليتبعه فيروز الذي قال:
   -أنور في أيه؟

توقف أنور ليلتفت مطالعه بجدية:
  -عرفوا مكان شاكر، هو الوحيد اللي هيوصلنا لرجل الأعمال اللبناني شيفان يعني بداية الخيط.

أومأ فيروز بذات جديته، فبالعمل يختلف امرهم تمامًا:
  -برافو لو احتجت أي حاجة قولي.

أومأ أنور مكمل طريقه نحو الخارج.

ليعود فيروز إلى الجالسين مستمع لحديث مفيد يقول:
  -نروح أحنا بقى، نجيلكوا في وقت تاني.

تحدث فريد نافي:
  -أنتوا شقتكوا محتاجة وقت عقبال ماتجهز، طبيعي مقفولة بقالها فترة هتحتاج توضيب، وأنا بعت ناس يوضبوها ولحد ماتتوضب أخوك هيستضيقك في بيته أكيد.

أغمض فيروز عيناه بغضب وضيق لما يفعله والده.

تحدثت سهر نافيه:
  -لا يا بابا فريد أكيد مش هنتقل عليهم أكتر من كده.

تحدثت شمس نافية رغم الضيق الذي يتملكها اتجاههم:
  -لا أكيد مفيش تقل ولا حاجة، أنتوا منورينا.

تبسمت سهر بلطف مصطنع قائلة:
  -ده نوركوا.

تتناول أيجى العلكة ببرود تام مطالعة كلًا منهم، فهذه الأبتسامات التي توزع من حولها غير صادقة تمامًا.

ما إن وصل أنور لمكان تجمع كتيبته.

تحدثت ملاك مشيرة صوب الورقة امامها:
  -ده العنوان اللي هيروح عليه شاكر، والساعة خمسة الفجر هيبداء يتحرك للمطار.

طالعها أنور ليعيد مطالعة الجميع قائل:
  -يبقى ناخد احتياطاتنا ونتحرك أحنا النهارده وقبل مياخد أي خطوة.

أومأ علي قائل:
  -هنتحرك على بيته؟

طالعه أنور يفكر، ليعيد مطالعة ملاك سائل:
  -هو فين حاليًا؟

اجابته صاحبة الخصلات الصفراء القصيرة والعينان الخضرواتين، والشفاه الممتلئة قائلة:
  -حاليًا هو في المستشفى، بس معرفش أيه السبب مفيش أي معلومات جاتلنا عن سبب مرواحه لهناك.

أومأ أنور قائل:
  -يبقى مليح هتروح على المستشفى تراقب الاوضاع هناك وتبلغنا بأي تحرك، وعلي والقوات هيكونوا وراك، وأنتِ يا ملاك هتفضلي معايا نراقب الوضع علشان لو احتاجنا نتحرك أحنا كمان.

أومأت ملاك متفهمة:
  -مفهوم يا قائد.

داخل إحدى المدريات.

تتحدث أيلان البالغة من العمر خمسة واربعون عامًا، إلى سيف قائلة:
  -شاكر ظهر بس الغريب أنه في مستشفى! أكيد دلوقت أنور و القوات اللي معاه هيتحركوا أول مايعرفوا، علشان كده لازم أحنا نتحرك قبلهم.

أومأ سيف صاحب الخصلات الحمراء بالفطرة، فقد كان شاب أصهب:
  -هنروح كلنا؟

حركت أيلان رأسها نافية، لتقول:
  -لا هتروح أنت و سامح، والباقي هيفضل معايا في العربية، مش عيزاكوا تلفتوا الأنتباه.

أومأ سيف متفهم، ليقول:
  -تمام يا قائدة، هبلغ سامح ونروح أنا وهو.

أومأت أيلان قائلة:
  -وأنا هفضل وراكوا، بالتوفيق.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي