الفصل الثاني عشر اتهام

تحدث أنور حينما رفضت بل وعاندت معه أنها لن تبدل ملابسها إذا كان الأمر ليس غيرة:
  -لو مش هتسمعي الكلام يبقى ادخلي.

اقتربت أيجى لتدفن جسدها داخل احضانه، قائلة:
  -خلاص خبيني أنت جوا حضنك لو مش عايز حد يشوفني.

تطلع أنور أمامه وقد شعر بتصمر جسده بطريقة لا يشعر بها سوى بجانبها.

فبهذا الوقت وقبل أن يبعدها استمع لصوت دقات فوق باب الغرفة، لتبتعد هي الأخرى كما فعل هو، ذاهب ليقل:
  -مين؟

اجابته الخادمة قائلة:
  -أيجى هانم هندك يا أنور بيه؟

اجابها أنور قائل:
  -عيزاها ليه؟

قالت الخادمة:
  -سهر هانم طلباها تحت، في شاب شكله غريب جي وبيتكلم انجليزي، شكله تبعها.

عقد أنور حاجبيه في تعجب قائل:
  -طيب روحي أنتِ.

وبالفعل ذهبت ليطالع أنور أيجى في تعجب سائل:
  -في حد رجع معاكِ من لندن؟

اجابته أيجى نافية:
  -لا، أنا هنزل أشوف في أيه.

خرجت من الغرفة، ليتبع خروجها هو الأخر مطالعها من أعلى الدرج.

تحدثت سهر فور نزولها قائلة:
  -أهي أيجى جات.

طالعتها أيجى لتصوب نظراتها اتجاه الواقف من امامها، وهنا كانت صدمتها؛ فهي تعلمه جيدًا بل لم تتوقع مجيئه بالأساس.

مما دفعها لقول:
  -موستي!

عقد أنور حاجبيه بخفوت في تعجب؛ فقد كان يتسائل، من موستي؟! كما أنه نسى منعها من النزول بهذا الرداء.

قام بفتح ذراعيه لها قائل:
  -وحشتني شوفتك يا جيجي.

ارتسمت البسمة فوق ثغرها لتركض محتضناه بقوة، مما صدم أنور بل دفعه للنزول والغضب يجتاحه، ليقل بصوت حاد:
  -أيجى.

ابتعدت أيجى عن موستي لتطالعه في تعجب من علو نطقه بأسها، قائل:
  -مين ده؟

اجابته ببساطة قائلة:
  -ده موستي، صاحبي من لندن.

رفع أنور حاجبيه بسخرية قائل:
  -صاحبك!

تطلع إلى سهر والغضب يجتاحه قائل:
  -يعني أنتِ سيباها تحضن واحد غريب وواقفة عادي!

طالعته سهر، فلم تستطيع التحدث ولا قول شيء، وماذا تقل وهي بالفعل اخطأت.

تحدث موستي في تعجب هامس إلى أيجى:
  -مين ده؟

اجابته بذات همسه:
  -أنور.

رفع موستي حاجبيه بتفهم، ليسحب أنور ذراعها بغضب قائل:
  -وأنت بقى أيه اللي جابك؟!

اجابه موستي قائل:
  -جيت أشوف أيجى.

اجابه أنور ببرود:
  -وشوفتها، يبقى تتكل.

طالعته أيجى فقد كانت تسأل نفسها، احديثه حقًا ليس له علاقة بغيرته عليها؟!

تحدث موستي قائل:
  -أنا هقعد معاها هنا يومين وهرجع لندن.

تحدث أنور ساخر:
  -أهو ده اللي ناقصنا! أنت اتجننت ولا أيه؟ عايز تقعد معاها فبيت واحد!

اجابه موستي ببساطة:
  -ما هي كانت قاعدة معايا في لندن.

طالعها أنور بدهشة لما قال ومازالت معالم الغضب تتملك وجهه، ليقل:
  -كانت قاعدة معاك! ونعمة التربيه.

تحدثت سهر محاولة توضيح الأمر:
  -أنور أيجى وموستي متربيين مع بعض، وهما زي الأخوات بالظبط.

اجابها أنور غاضب:
  -مفيش حاجة اسمها زي الأخوات، ده مجرد تبرير ملوش لازمة علشان تحللي كلامهم.

في هذا الوقت قامت شمس بالدخول من باب الفلة، لتطالع وقوفهم في تعجب، قائلة:
  -أنتوا واقفين كده ليه؟ ومين ده؟!

اجابها أنور بنبرة ساخرة:
  -الأستاذ موستي، صاحب الهانم وجاي يقعد معاها هنا لحد ما يرجع لندن.

طالعته شمس لتصوب نظراتها اتجاه أيجى التي قالت:
  -ماما شمس أحنا مع بعض من وأحنا اطفال، لو سمحت موستي ملوش أي مكان في مصر وهو جي علشان يباركلي، فبعد أذنك يقعد يومين هنا لحد ما يرجع لندن، بليييز.

تحدث أنور بغضب نافي:
  -لا قلت لا يعني لا.

تحدثت شمس بقلة حيلة قائلة:
  -خلاص يا أنور مهما كان بردو هو ضيف عندنا، خليه يقعد يومين مش هتحصل حاجة.

طالعها أنور بضيق وغضب ساحب أيجى معه إلى الغرفة.

عقدت سهر حاجبيها بضيق مصطنه قائلة:
  -ما بالراحة على البنت، هو ماسكها كده ليه؟!

تحدثت شمس قائلة:
  -اتفضل معايا يا.. أسمك أيه؟

اجابها موستي قائل:
  -موستي.

تحدثت شمس قائلة:
  -طب تعالى معايا يا موستي.

اخذته وذهبت أسفل نظرات سهر الغاضبة؛ فهم يعطفوا عليهم الأن من وجهة نظرها.

ما إن قاموا بالدخول إلى الغرفة واغلق بابها، أمسك ذراعها بعنف أكبر لكنها لم تتألم، كأنها لا تشعر بما يقوم به، قام بسحبها اتجاهه بغضب يملاء عيناه التي تتصوب نحو عيناها:
  -أزاي تحضنيه وأنتِ بقيتي على زمة واحد تاني؟!

تطالعه أيجى التي توترت من غضبه الكابح، والذي أفاق مستوى غضبه في المرات السابقة.

أكمل حديثه بذات غضبه وصوته المرتفع وبيد تزداد صلابة على ذراعها، قال:
  -ردي، مش كان لسانك طول كده ولو سمحت يا ماما شمس يقعد عندنا لحد ما يرجع لندن، وبعدين أيه الاشكال دي؟! أيه شعره ده!

تحدثت أيجى محاولة في كسر سكوتها، قائلة:
  -هو هو شخص مهم عندي، وأنا..

قاطعها أنور بغضب كابح، قائل:
  -متعصبيش أهلي، أنتِ مش مستوعبة لسة إنك اتنيلتي بقيتي على زمتي؟! ولا في لندن قلة الأدب متاحة؟

اجابته أيجى بضيق قائلة:
  -أيه قلة الأدب في كده؟! أنا بقولك الحقيقة هو معايا من فترة كبيرة وكنا بنساعد بعض دايمًا، أيه المشكلة؟

صرخ أنور بها دفع جسدها للإنتفاض خاصة أنه كان يقف على بعد ليس بكبير منها:
  -أنتِ طبعًا مش هتشوفي دي حاجة غلط أو قلة أدب، ما أنتِ كنتي مقضياها هناك طبعًا، حتى أمك بتداري عليكِ وبتحاول تبرر القرف اللي بتعمليه، والله أعلم أيه اللي بينك وبينه يخليه يسافر مخصوص علشان بس يشوفك، وميهموش كلام حد ولا يبقى عنده حبة دم ويمشي، لا بيصر يقعد.

تطالعه أيجى التي قالت بتعجب وتوتر يتملكها:
  -ق قصدك أيه ببيني وبينه؟ أحنا صحاب.

ضحك أنور ضحكات ساخرة على حديثها الذي يشك بصحته:
  -صحاب! الكلام ده تقوليه لأهلي لأهلك مش ليا، مش بعيد تكوني حامل منه علشان كده جالك.

جحظت عينا أيجى من حديثه، فهي تتصرف بعفوية بالغة ولكن ليس لدرجة أن يشك بها بتلك الطريقة.

تحدثت والصدمة تسيطر عليها:
  -اا أنت بتقول أيه، ده مستحيل، أنت مصدق كلامك؟

اجابها أنور وكأنه بتعمد جرحها حتى ينتهي الغضب بقلبه:
  -روحي غيري هدومك ويلا، هنروح نعمل تحاليل.

استمرت أيجى في مطالعته بصدمة والدموع تملكت عيناها، لتقل أسفل بكائها:
  -أنت بتتكلم بجد؟ أنت عايز تاخدني ونعمل تحاليل علشان تتأكد إني مش حامل منه؟ للدرجة دي معندكش ثقة فيا؟

استمر أنور في مطالعتها بصمت تام وبنظرات ثابتة، فلا يدري لما ولكن حينما رأى دموعها قل غضبه بل ورق قلبه بطريقة لم يعترف بها.

ابعدت نظراتها عنه ببكاء تملكها، لتقل:
  -أنا مستعدة أروح معاك وأعمل التحاليل اللي عايزها، بس متشكش فيا ولا تتهمني بحاجة زي كده، هروح ألبس وهنعمل التحاليل.

قدمت على الذهاب للخروج من الغرفة، ولكن سحبه لها من جديد، ليقل:
  -بطلي عياط.

لم تطالعه بل كانت تبعد نظراتها عنه وبكائها يزداد، لتقلق بصوت باكي:
  -اعتقد حتى في دي مش هتأمرني أبطل عياط.

أغمض أنور عيناه بضيق من بكائها، ليقل عقب تجفيفه لدموعها:
  -أهدي ده مش أمر يا أيجى، أنا أسف مكنش قصدي أقول اللي قلته أنا بس مضايق من اللي حصل.

طالعته أيجى التي لم تتوقف عيونها عن خلق الدموع، لتقل بلهجة تظهر المها من حديثه:
  - الكلام ده مش هيخرج منك إلا لو كان فعلًا في بالك، علشان كده مش مهم تبريرك أنا عرفت اللي جواك.

افلتت يدها من يده، لتذهب دون كلمة أخرى إلى غرفتها.

أغمض أنور عيناه بضيق من ما فعله، ليرفع خصلاته بضيق متطلع إلى باب الغرفة.

حيث علي وفيروز.

روى له علي ما حدث، ثم قال:
  -أحنا بعتنا ندور في المستشفى وحوالينها يمكن رجعت، الغريب اللي عرفناه النهارده حوار خطفها رغم إني لما سألتها تقربيله أيه قالت حبيبته!

استمر فيروز في مطالعته بشرود فيما قال:
  -أكيد في سر.

أومأ علي قائل:
  -ده اللي بنحاول نعرفه.

في الليل المتأخر.

كانت أيجى تجلس بغرفتها تحديدًا بالشرفة، تتطلع إلى الاشيء امامها، شاردة بحديث أنور الذي كلما تذكرته دموعها تتساقط دون سبب.

كما كان حال أنور يجلس بغرفته لا يفعل شيء، أو لا يستطيع فعل شيئ، شعر بحركة ما بشرفتها، هذا ما دفعه لمعرفة أنها بالشرفة، نهض ليخرج هو الأخر إلى شرفته.

تطلع لها فقد كانت تقف مستندة على السور لا تفعل شيء سوى التطلع بشرود.

تنحنح ليلفت انتباهها، طالعته أيجى بأنتباه، ليقل في تسائل:
  -واقفة ليه في البرد ده؟!

ابعدت أيجى مبعدة نظراتها عنه بملامح ليست معتادة الحديث معه بها، قائلة:
  -مش حاسة بالبرد.

استمر أنور في مطالعتها ولا يدري ما الذي يقول، ساد الصمت بضع ثواني، ليعيد التحدث قائل:
  -لسه زعلانة؟

طالعته أيجى وقد صمتت قليلًا، لتقل:
  -مش مهم، أكيد مش هتفرق معاك.

يطالعها أنور الذي قال:
  -أنا فعلًا مكنش قصدي اللي قلته، مفكرتش اصلًا أنا بقول أيه.

أومأت أيجى لتصوب نظراتها اتجاهه متبسمة بطريقة غير معتادة، قائلة:
  -كده كده مش مهم، يعني أنا مش الشخص اللي يهمك تعرف زعل ولا لا، بس عادي، مش أنا اللي هتقلب الدنيا عليك لما تزعل يعني، عمتًا أنا فكرت ولقيت إني هروح أعمل تحاليل لو حابب تيجي معايا لو مش حابب براحتك، وهجيبلك التحاليل لحد عندك، لأن دي حاجة مقبلش تفكر فيها مجرد تفكير بس.

أنت مش بس شايفني تقيلة على قلبك ومش عايز وجودي، أنت أنت كمان شايف إني واحدة شمال!

استمر أنور في مطالعتها وقد كان يشعر بالذنب لما قال لها.

جففت أيجى دموعها عكس البسمة التي ترتسم فوق ثغرها، لتقل:
  -تصبح على خير يا أنور.

قدمت على الدخول من الشرفة، ولكن حديث أنور اوقفها من جديد، حينما قال:
  -تشربي قهوة معايا؟ مش جيلي نوم عملتيها حلوة المرة اللي فاتت.

طالعته أيجى ولا تدري ما الذي تقوله، لتومأ قائلة:
  -هنزل اعملهالك.

تبسم أنور بخفوت محاول أن يحسن الأوضاع من بينهم، ليقل:
  -شكرًا، لو مفيش ازعاج هتهالي هنا.

أومأت أيجى وبالفعل ذهبت لتصنع له القهوة.

ما إن نزلت إلى الأسفل، تطلعت حولها فقد كان الجميع نائم.

استمعت لصوت موستي هذا ما دفعها لمطالعة إحدى الغرف والإقتراب لتقل:
  -موستي أسفة نسيتك خالص.

تحدث موستي قائل:
  -عملك حاجة الحيوان ده؟

حركت أيجى رأسها نافية، لتقل:
  -لا يا موستي، أنت عامل أيه؟ وأيه اللي جابك هنا؟ أزاي عرفت مكان الفلة؟

اجابها موستي ببسمة قائل:
  -تتبعت الرقم، أيه مش سهلة عليا؟

ضحكت أيجى رافعة حاجبيها في دهشة منه:
  -لا ده أحنا اتطورنا أوي.

تبسم موستي الذي تذكر قائل:
  -صح، أيفا قالك على رجل الأعمال؟

تبدلت بسمة أيجى لتومأ متطلعة حولها، قائلة:
  -قالي.

اجابها موستي قائل:
  -أنا هساعدك فيها، قلتله وهو وافق.

أومأت أيجى قائلة:
  -متتكلمش في الموضوع ده قدام حد.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي