الفصل الثامن فقد الممنوعات

بمنزل عائلة أنور.

تحدث فيروز عقب امساكه لهاتفه، قائل:
  -أنور وأيجى اتأخروا أوي، أنا هتصل اشوفهم.

تحدث فريد نافي:
  -دي أول خروجة ليهم مع بعض، سيبهم براحتهم.

تحدث أنور ساخر من حديثه وهو يتصل به:
  -على أساس أنه هيكون مرتاح!

تحدثت سهر ساخرة هي الاخرى:
  -وبنتي نفس الحكاية، لو هو مش مرتاح أكيد بنتي كمان رايحة غصب عنها.

بالمطعم الذان يجلسان به.

قاطع الصمت الذي تملك الأجواء ثواني معدودة رن هاتفه.

تحدث أنور لتكمل هي تناول الأيس كريم بصمت مستمعة لحديثه رفقة والده.

تحدث عقب سماعه لسؤال والده قائل:
  -هنيجي دلوقت، تمام سلام.

أغلق الخط ليقل:
  -خلصتي؟

أومأت أيجى فقد انتهت بالفعل من تناول الأيس كريم:
  -خلصت.

نهض اثنتاهم ليخرجوا من المطعم عقب محاسبته للكاشير.

وأثناء سيرهم للذهاب للسيارة، قالت:
  -مجاوبتنيش على سؤالي!

صوب أنور نظراته اتجاهها، ليقل:
  -أنا مش عارف، مش عارف لأن حاليًا مشاعري مش هتقول غير حاجة واحدة.

استمرت أيجى في مطالعته بقلب يعتصر من حديثه، لتقل:
  -اللي هي أنك مبتحبنيش.

أبعد أنور نظراته عنها، قائل:
  -اسألتك مش هتفيد بحاجة، اللي هيحصل هيحصل سواء كنت راضي أو لا، فبلاش كلام في الموضوع ده، أنا هاخد اللي هاخده مقابل جوازي منك، وهي طبعًا املاكنا اللي جدي هددنا بيها، يعني بردو هستفاد زيي زيك.

استمرت أيجى في مطالعته لبضع ثواني، لتعيد النظر امامها وقد شعرت أن قلبها يعتصر لحديثه؛ فبرغم علمها به إلا أنها كانت تحاول التمسك بأي كلمة جيدة عنها تخرج من فمه.

ساد الصمت حتى وصلوا إلى الفلة.

وكأن كلًا منهم كان يفكر في هذا الأمر.

ما إن قاموا بالدخول من باب المنزل.

ذهب الجميع خاصة شمس وجده ووالده من الشاش الملتف حول الجرح، والذي يظهر به قليل من الدماء.

لتتحدث شمس عقب ذهابها له قائلة:
  -أنور أيه اللي فوق راسك ده؟ أنت عملت حادثة؟

طالعت أيجى كلًا منهم، ليقل محاول تهدئة الجميع لسؤالهم المتلهف:
  -خبطة بسيطة أنا كويس، هطلع ارتاح.

ذهب لتتحدث سهر بلهفة مصطنعة:
  -حبيبتي أنتِ كويسة؟

طالعتها أيجى التي تعلم تمامًا أنها تتصنع الاهتمام، لتومأ قائلة:
  -أنا كمان هطلع استريح.

ذهبت هي الأخرى لغرفتها.

لتصعد شمس خلف أنور هي وفيروز.

تحدثت شمس إلى أنور قائلة:
  -أيه اللي حصل؟ عملت حادثة صح؟

اجابها أنور قائل:
  -كنت هعمل، بس جات سليمة، ملوش لازمة القلق.

بدأت أيجى في تبديل ملابسها إلى تيشيرت طويل يصل لفخذها، استمعت لصوت فيروز يقول:
  -عملت أيه مع البنت دي؟

اجابه أنور وقد تذكر خوفها وحديثها له:
  -جبنا الفستان.

أكمل فيروز ما يود قوله:
  -يعني مش ناوي تعمل حاجة؟ هتتجوزها؟ و هلال؟ قلتلها؟

حرك أنور رأسه نافي ليتنهد بعمق، قائل:
  -مقلتلهاش، مش عارف اجيبهالها أزاي.

اجابه فيروز:
  -طب قلها، مش هتسيبها لحد ما تتفاجئ بجوازك.

أومأ أنور الذي يتهالك قلبه لما يحمل من أمور لا يدري ماذا يفعل بها.

تنهدت أيجى التي تفكر بما يجب عليها فعله، اترفض الزواج وتتخلى عن حبها لأجل سعادته؟ أم تكمل لأجلها هي؟

تلقت اتصال من ذات الرقم الذي دق لها حينما كانت بالسيارة رفقة أنور، مما دفعها للإمساك بالهاتف، قائلة:
  -ألو.

تحدث فان قائل:
  -فينك؟

اجابته أيجى:
  -في مصر، سافرت مع أهلي بس متقلقش مظبطه كل حاجة مع الرجالة هناك، وسايبة البضاعة مع موستي هو اللي هيتصرف فيها.

عقد فان حاجبيه ليقل بضيق:
  -مقلتليش ليه؟

اجابته أيجى قائلة:
  -الموضوع كان فجأة، وقلت لموستي يقلك.

اجابها فان بذات غضبه:
  -متتكررش تاني، هترجعي أمتى؟

قالت أيجى:
  -معرفش بس متقلقش الشغل هيمشي زي ما هو.

اجابها فان نافي:
  -مفيش حاجة اسمها هيمشي زي ماهو، لو مكنش شغلك مختلف، مكنتش هشغلك معانا وتبقي دراعي اليمين، فانجزي ومتطوليش.

أومأت أيجى بقلة حيلة قائلة:
  -حاضر.

اغلقت الخط، لتتنهد بعمق واختناق.

في الليل المتأخر.

يجلس أنور رفقة فريد الذي يطمأن عليه قبل خلوده للنوم:
  -أبقى خلي بالك بعد كده وأنت بتسوق.

أومأ أنور بصمت تام.

ليتحدث فريد قائل:
  -هدخل أنام عايز حاجة؟

حرك أنور رأسه نافي.

وبالفعل ذهب لينهض أنور ذاهب لصنع القهوة؛ ففي منتصف الليل يذهبوا جميع الخدم ويعودوا صباحًا.

أغمض أنور عيناه فجأة بألم مفاجئ مستند بيده فوق الرخامة.

استمع لصوت جعله يفتح عيناه مطالعها:
  -أنت لسه صاحي!

طالعها أنور الذي كان يراها بطريقة غير واضحة، فتحديقه الدائم بها جعلها تعلم أنه مريض.

اقتربت لتقف امامه، قائلة بقلق:
  -أنور أنت كويس؟

أغمض أنور عيناه من جديد يحاول استعادة الرؤية بوضوح، ليقل:
  -لا بس هبقى كويس دلوقت.

ملكت أيجى وجهه بين يدها بلهفة وقلق سائلة:
  -حاسس بأيه طيب؟

اجابها أنور الذي عاد بفتح عيناه ولكن هذه المرة كانت الرؤية تتضح له:
  -كانت شوية دوخة بس أنا بقيت كويس.

اعتدل في وقفته مبتعد عنها حينما اتضحت الرؤية له.

طالعت الكاتيل الخاص بصنع القهوة، لتقل:
  -كنت عايز تعمل قوة؟

أومأ أنور قائل:
  -هعملها دلوقت.

حركت أيجى رأسها نافية:
  -لا روح أنت وأنا هعملك، كنت جاية اعملي أنا كمان فممكن نقعد نشربها سوى، أيه رأيك؟

طالعها أنور الذي تجزبه لها بهذا الرداء القصير، والذي هو عبارة عن قطعة واحدة.

أبعد نظراته عنها، ليقل بتوتر ونحنحة:
  -أحم، لو غيرتي اللي لبساه مفيش مانع.

تطلعت أيجى لردائها ثم له، لتقل في تعجب:
  -بس مفيش حد غريب، الخدم حتى مش هنا!

عقد أنور حاجبيه بخفوت لكلمتها بأن لا يوجد من يمتنع عن رؤيتها برداء كهذا:
  -بس في راجل، أنا مينفعش اشوفك باللبس ده، وقلتلك قبل كده.

أومأت أيجى قائلة:
  -حاضر.

عاد أنور نظراته اليها؛ فقد تعجب من قبولها السريع لحديثه، ليتحدث محاول في تغيير الأمر:
  -هستناكِ برا تعملي القهوة.

أومأت أيجى ببسمة هادئة؛ فهذه هي المرة الأولى التي سيجلسان وحدهما بهدوء بالمنزل.

وبالفعل بدأت في صنع القهوة وقد كانت عيناه عليها بين الحين والأخر، لا يدري لما ولكن عيناه تذهب بتلقائية صوبها.

ما إن انتهت من صنع القهوة ذهبت لتعطيها له ببسمة، قائلة:
  -دوق بقى القهوة من أيدي طعمها عامل أزاي.

تبسم أنور بخفوت ليأخذها، طالع جلوسها بجانبه، ليقل:
  -مش قلتي هتغيري؟

أومأت أيجى بخبث قائلة:
  -هتفرج على الفلم واغيره.

استمر في مطالعتها بعض الوقت؛ فطريقتها دفعته للعلم بما تخفي هذه اللصة، لكنه لم يعترض؛ فلا يود أن يدخل بنقاش حاد لا يتسع عقله له.

أصبح يشاهد كلًا منهم هذا الفلم، بل كانت سعادتها بوجوده جانبها ليس الفلم قط.

مر الوقت لتغفو في هدوء مستنده برأسها فوق كتفه.

طالعها شارد الذهن، فلا يدري لما كل ما تفعله ولكن مالكة قلبه الأولى كيف تجعله يبتعد عنها بتلك الطريقة؟!

هذا ما دفعه القرود بأمر سيعيد علاقته بهلال، والتي لم يراها منذ قدوم أيجى على حياتهم.

في اليوم التالي.

استيقظت أيجى بتعب لا تدري سببه، لتتطلع حولها في ألم وتعب غير مبرر.

نهضت ذاهبة للبحث عن أي شيء يريحها من هذا الشعور الذي تعود به لحياتها الطبيعية، ولكن ما صدمت به هو رؤيتها لفراغ هالك بالنسبة لها؛ فقد فرغت الممنوعات بل اخذها أحد!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي