الفصل الثالث عشر بداية شك

عاد فيروز إلى الفلة، ليقابل أيجى ومعها القهوة خارجة من غرفة الطهي.

تحدث فيروز ما إن رأها، فلم تشعر بقدومه:
  -لسه صاحيه لحد دلوقت!

طالعته أيجى قائلة ببسمة هادئة:
  -حمدالله على السلامة يا عمي، كنت بعمل قهوة لأنور.

رفع فيروز حاجبيه في تعجب سائل:
  -هو أنور لسه صاحي؟

أومأت أيجى لتسأله:
  -عايزه؟

حرك فيروز رأسه نافي؛ حتى لا يزعجه، فهو يعلم سبب غيابه عن العمل، ليقل:
  -لا أنا بسأل بس، طيب تصبحي على خير.

تبسمت أيجى قائلة:
  -وأنت من أهل الخير.

اكملت طريقها إلى غرفة أنور، كما ذهب هو إلى غرفته.

طرقت باب الغرفة ليسمح لها بالدخول.

مرت إلى الداخل لتضع كوب القهوة امامه قائلة:
  -عمي فيروز لسه راجع من برا، وكان بيسأل عليك.

أومأ أنور فقد علم سبب سؤاله عنه، وهو أنه لم يذهب للعمل اليوم، ليقل:
  -تسلم أيدك.

قدمت على الذهاب ولكن حديثه دفعها للتوقف، حين قال:
  -مش هتقعدي معايا؟ أنتِ معملتلكيش قهوة؟

اجابته أيجى نافية على ليس عادتها:
  -مليش مزاج، أنا هروح أنام.

قال أنور اثناء مطالعته لها:
  -يعني مش حابة تقعدي معايا؟

طالعته أيجى ولا تستطيع أن ترفض جلوسها، لذا جلست من امامه فوق الأريكة ليقل:
  -حلوة أوي القهوة النهارده، بس مش معمولة زي بتاعة المرة اللي فاتت.

طالعته أيجى قائلة:
  -عملتها بنفس الطريقة.

حرك أنور رأسه نافي، فهو يعلم تمامًا سبب تغييرها:
  -المرة اللي فاتت كنتي عملاهالي بنفس.

ابعدت نظراتها عنه صامتة، ليعيد التحدث بأسف:
  -أنا مكنش قصدي أقول اللي قلته، بجد أسف.

صوبت أيجى نظراتها اتجاهه، لتعود الدموع في تملك عيناها معبدة نظراتها عنه من جديد، فكلما تذكرت ما قاله عاد البكاء في تملكها.

تنهد أنور حينما تساقطت الدموع من عيناها، لينهض تارك الكوب مقترب للجلوس بجانبها، محتضنها وللمرة الأولى، قائل:
  -أنا زبالة إني قلت كده، حقك عليا يا أيجى.

اغمضت أيجى عيناها دافنة وجهها داخل صدره باكية، كأنها تشكو منه إليه.

أصبح يملس فوق وجنتيها بحنو وأسف قائل:
  -أنا أسف يا أيجى، مكنتش قاصد أنزل دموعك أبدًا، حقك عليا.

ابتعدت أيجى قليلًا ليجفف لها دموعها مستمع لقولها:
  -مش زعلانة منك.

تبسم أنور بهدوء مملس فوق وجنتيها، قائل:
  -حقيقي؟

أومأت أيجى ببعض الدموع المعالقة بعيناها، قائلة:
  -لو فعلًا عارف إن كلامك غلط، وإني مش..

قاطعها أنور رافض أن تكمل ما يحزن لأستماعه:
  -عمري مهصدق عليكِ حاجة زي كده، وعمري ما هقصد إني اقولها.

تطالعه أيجى التي أومأت بهدوء ليتبسم مجفف دموعها من جديد، قائل:
  -صافي يا لبن؟

تبسمت أيجى فهاهو يود صلحها بالفعل ويهمه هذا:
  -حليب يا قشطة.

رفع أنور حاجبيه ببسمة ومزاح، قائل:
  -يااه ده أنتِ طلعتي عارفة حليب يا قشطة كمان.

أومأت أيجى ببسمة وقد نست جميع حزنها منه:
  -مش اتربينا مع بعض؟

تبسم أنور أكثر ولا يدري كيف أصبح يود التعامل معها بلطف هكذا، بل وجد أن اللطف معها هو بالفعل ما توده.

تحدثت أيجى بلطف مصطنع ومساومة لما تود حدوثه:
  -ممكن أطلب منك طلب؟

أومأ أنور وقد كان يود أن يستمع لها حتى يتأكد من مصافاتها اتجاهه:
  -أكيد.

تبسمت أيجى، لتقل بلطف أثناء عبثها بقميصه بطريقة طفولية تساومه بها، ولا تدري أن طريقتها هذه تدفعه لإرادته في تناولها:
  -ممكن أنام هنا النهاردة معاك لأن سريري وقع.

رفع أنور حاجبيه بدهشة مصطنعةقائل:
  -وقع!

أومأت أيجى هامسة عقب اقترابها من اذنه:
  -والله وقع.

تحدث أنور سائل في تعجب مصطنع يظهر به اهتمامه بالأمر:
  -وقع أزاي بقى.

اجابته أيجى أثناء عبثها بأزرار قميصه:
  -يعني مش عارفة جيت أنام عليه وقع.

أومأ أنور بمهاودة قائل:
  -لا وأنتِ تقيلة أوي علشان تيجي تنامي عليه يقع، قولي كلام غير ده.

تحدثت أيجى بملل من مهاودته الطويلة لها:
  -طب موافق؟ هنام على طول ومش هتسمع صوتي خالص خالص.

طالعها أنور بضع ثواني، يفكر في الأمر، فلولا أنه لا يود أن تفكر بحديثه الثقيل الذي قاله، لكام رفض الأمر، حتى هو لم يستطيع الرفض:
  -طيب، النهارده بس لحد ما نشوف حوار السرير، هنام على الكنبة وأنتِ نامي على السرير.

طالعته أيجى بحزن وتعجرف قائلة:
  -أنت مش عايز تنام جانبي ليه؟

أبعد أنور نظراته عنها بتهرب قائل:
  -هو يا كده يا خلاص.

أومأت أيجى ببرود قائلة:
  -طيب مش أنا اللي ضهري هيوجعني أنت حر.

نهضت لتذهب مستلقاه فوق سريره، بل قامت بالقفظ بأريحية وسعادة، ليقل مازح:
  -أهو أنا عرفت دلوقت ليه سريرك وقع.

ضحكت أيجى ولا يدري لما ولكن البسمة ارتسمت فوق ثغره من سماعه لضحكتها.

سحبت الغطاء عليها ببسمة واريحية قائلة:
  -سريرك رحته حلوة أوي، زي ريحة البرفيوم بتاعتك.

تحدث أنور بمزاح رغم علمه معنى كلمتها:
  -ريحة أيه يا ختي.

ضحكت أيجى على سخريته المازحة منها، لتقل:
  -طب سبني أنام بقى.

لتقل بتذكر عقب اخراجها لهاتفها:
  -صح فكرتني.

قامت برفع الهاتف والتقاط صورة لها، ليعقد حاجبيه في تعجب قائل:
  -ده اللي هو ليه؟!

اجابته أيجى ببسمة حماسية:
  -صورة تذكارية يمكن متوافقش أنام على سريرك تاني.

ضحك أنور على عقلها، فكل ما تفعله بالنسبة له عجيب.

تبسمت أيجى لتحتضن وسادته مطالعة صورته العريضة الملتصقة بالحائط، بل كانت عيناها تتفقد كل أنش بالغرفة من امامها قبل أن تغفى.

كما كان يتفقدها دون سبب وقد نسى تمامًا كل شيء وكل ما يجمع زواجهم، كأنه وجد راحته دون أن يعلم!

مر الوقت وقد كان يتجول في الغرفة بعض الوقت وعيناه تطالعها من حين لأخر، لا يدري لما ولكنه يشعر أن هناك شيء عجيب يحدث! وهو وجودها بغرفته.

توقف بضع ثواني ما إن رأى جسدها يتشنج ويدها تتمسك بالوسادة أكثر فأكثر كأنها تحلم بكابوس ما.

اقترب في قلق ليطالعها بترقب متفقد ما إذا كانت بالفعل تتألم كما رأى عن بعد، فلم تتوقف تشنجات جسدها ليملس فوق خصلاتها محاول أن يهديئ من روعها، قائل:
  -أيجى، أيجى أصحي.

كان يزيد من يقظتها حينما تزداد تشنجاتها، حتى افاقت فجأة في فزع ناهضة وهي تصرخ وتبتعد عنه مما اصابه بالصدمة لتصرفها، فلما تهرع منه؟!

كانت تبتعد عنه وتقل بكلمات مهرولة:
  -متلمسنيش متلمسنيش.

أومأ أنور الذي يحاول تهدئتها ظنًا منه أنها رأت كابوس دفعها للخوف:
  -حاضر أهدي أهدي.

طالعته أيجى التي تلتقط انفاسها المتسارعة، كانت تهداء شيء فشيء، حتى هدأت تمامًا ليتحدث بحنو حينما وجدها بالفعل هدأت:
  -نامي أنا جانبك.

اقتربت أيجى أسفل نظراتها الخائفة له، لتحتضنه كأنها تهرب من شيء باتت تخشى النوم لأجله.

تطلع أنور لها وقد أصبح يراها بأرًا من الغموض والأسرار.

ولكن فزعها والخوف الذي رأى بعيناها دفعه لإحتضانها مهدئها، وبالفعل سكن جسدها من جديد داخل احضانه، هذا ما شعر به والذي تعجبه؛ فماذا رأت لتفزع هكذا؟!

تحدثت أسفل الدخول داخل احضانه أكثر، وبصوت باهت قائلة قبل أن تغفو:
  -لو سمحت متمشيش.

صوب أنور نظراته اتجاهها وكان عقله أوشك على الأنفجار من كم التسائلات التي تجتاحه، ولكن ما يملك سوى الإيماء برأسه قائل:
  -مش همشي.

ملس فوق خصلاتها بحنو كأنه ينيم طفلته، ليزداد جسدها سكونًا وراحة.

جلست فوق السرير لتمسك يدها بقميصه رغم سكون جسدها، سحب الغطاء عليه هو الأخر ليبقى بجانبها إلى مدى لا يعلمه، كان يتأمل وجهها والتسائلات تدور بعقله، أهي بالفعل تشعر بالأمان في قربه؟

لم يدري متى غفت عيناه ولكن كل ما يتذكره هو أنه بقى بجانبها طوال الليل!

في الصباح الباكر.

استيقظت أيجى التي كانت عيناها باهتتان، فهاهي انتهت جرعتها التي تبقيها دائمًا بمزاج جيد.

تحركت بألم يجثوا جسدها بأكمله، لتطالع أنور بجانبها حتى يتملكها التعجب عاقدة حاجبيها بخفوت قائلة:
  -أنور!

تطلعت حولها وقد ازداد تعجبها؛ فهي ليست بغرفتها.

صوبت نظراتها اتجاهه من جديد وقد كانت تتفقد ملامحه، فهو يحتضنها وهي على مسافة قريبة منه، أهذا حلم؟!

تبسمت رغم تعبها الذي بالكاد تعلم سببه.

مررت اصابعها بحنو على طول وجنته والبسمة الهادئة ترتسم فوق ثغرها، فكم تحب ملامحه.

ازداد الألم بداخلها مما دفعها في الإبتعاد بخفوت حتى لا يستيقظ، لتنهض من فوق سريره.

ذهبت إلى غرفتها لتتعاطى الشيء المعتاد لها، بل ازدادت من جرعتها هذه المرة؛ فتعبها كان أكبر.

بدلت ملابسها عقب استرخائها بعض الوقت حتى فاتت بعالمها الخاص، والذي لن تستمر في الشعور بلذته كثيرًا.

قامت بوضع مساحيق التجميل التي تخفي السواد أسفل عيناها، وتعب وجهها، لتنزل إلى الأسفل، قائلة بمرح معتاد لها:
  -صباح الخير.

تبسم موستي ليتحدث ناهض فور قدومها له:
  -صباح الجمال.

نهض ليقبل وجنتيها كالمعتاد لهم، ولكن ابتعادها وهمسها له دفعه للتوقف:
  -نو نو، هنا في ناس عندها حساسية من الموضوع ده.

ضحك موستي لفهمه ما تقصد، قائل:
  -طيب يا ست أيجى لما نشوف اخرتها.

ليقترب هامس لها هو الأخر حتى لا يتسمع من حولهم لقوله:
  -لازم النهارده نروح نقابل حبيب.

طالعته أيجى بتردد وتفكير، فقد كانت تقلق من طريقة خروجها من الفلة:
  -هحاول الاقي حجة أخرج بيها من البيت.

أومأ موستي بتأكيد للأمر:
  -ضروري.

أومأت أيجى لتسأله في ترقب:
  -فطرت؟

حرك موستي رأسه نافي:
  -هو حد سائل فيا؟

ضحكت أيجى، فصديقها لا يهمه مع من ولا أين يجلس حتى، فقط يتعامل وكأنه منزله:
  -مش يمكن علشان أنت صاحي بدري؟ هقولهم يحضرولنا الفطار.

وبالفعل ذهبت إلى غرفة الطهي لتخبر الخدم، تذكرت أمر هاتفها والتي صعدت لتحضره من غرفتها.

قلبت الغرفة بأكملها عليه لكنها لم تجده، هذا ما دفعها لتتوقع أن تكون تركته بغرفة أنور، مما دفعها للذهاب إلى غرفته من جديد.

تطلعت إليه بهدوء فقد كان نائم بعد.

لتتطلع حولها باحثة عنه.

استمعت لصوت تلقيها لإتصال ما، لكنها استمرت في البحث بسرعة حتى لا تقلقه على صوت الهاتف، لكن استيقاظه وامساكه للهاتف الذي كان أسفل وسادة نومها، والذي رأها تضعه اسفلها، دفعها لتذهب مسرعة ساحباه منه.

طالعها أنور الذي عقد حاجبيه بخفوت وتسائل، قائل:
  -مين أيفا؟

طالعته أيجى وقد ارتبكت، لتقل محاولة أن لا تظهر هذا:
  -ااا، أنت لسه صاحي، صباح الخير الأول، كويس أنك فوقت الخدم بيحضروا الفطار فوق علشان تفطر معانا.

استمر أنور في مطالعتها وقد لاحظ تهربها من سؤاله، فلم يقل شيء أخر لهروبها من الغرفة.

وبالفعل نهض ليذهب إلى دورة المياه يغتسل كعادته صباحًا، ليرتدي ملابس تناسب عمله، والتي هي عبارة عن قميص أبيض اللون، وبنطال جينز من اللون الأسود.

ما إن نزل إلى الأسفل تبدلت ملامح وجهه الثابتة إلى الضيق فور رؤيته لموستي يجلس رفقة أيجى وحدهم، ليقل:
  -صباح الخير.

تبسمت أيجى مطالعاه قائلة:
  -صباح النور.

طالعها أنور بنظرة فهمتها جيدًا لتجلس بعيدًا عن موستي بل نهضت كذلك، قائلة:
  -ااا، هروح الحمام أغسل وشي، الجو حر.

ذهبت إلى دورة المياه متهربة من أي شجار بينهم، ليتبعها أثناء مطالعته لموستي بغضب يتملكه.

وقفت أمام المرأة متنهدة بعمق وقد كانت تفكر ما الذي تقوله إذا سألها عن الأتصال مرة أخرى.

تزامنًا مع دخوله واغلاقه لباب دورة المياه، لتطالعه وقد سحبها إليه سائل في ترقب:
  -البني أدم ده صاحي من أمتى؟!

طالعته أيجى وقد ازدادت ضربات قلبها من سحبه وقربه لها، قائلة:
  -لسه، لسه صاحي.

أومأ أنور محذرها لما يغضب لحدوثه، بل مجرد التفكير به يضايقه:
   -مش عايز اشوفك قريبة منه.

طالعته أيجى لتومأ بهدوء، كأنها تحاول انهاء الأمر بينهم حتى لا يسألها عن ما تخشاه.

ولكن الأمر لم يذهب من عقله، ليتحدث في ترقب أخر، قائل:
  -ومين أيفا اللي أتصل بيكِ؟

طالعته من جديد وقد ازداد التوتر بقلبها، تفكر ما الذي تقوله، ولكن لا شيء مقنع لتخبره به.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي