الفصل الإحدى عشر امساك طرف الخيط

في اليوم التالي.

تحدثت ملاك إلى علي بصدمة، قائلة:
  -يعني اتجوز فعلًا؟!

أومأ علي قائل:
  -زي محكيتلك كده، ده كل اللي حصل، هي طبيعي تزعل منه وتبعد، بس أنا متأكد أنه بيحبها، غير إن اهماله للشغل الفترة دي أكبر دليل على أنه مش كويس.

في هذا الوقت وصل فيروز الذي قال:
  -صباح الخير.

التفت الجميع ليلقي الصباح عليه، قائلين:
  -صباح النور فيروز بيه.

تحدث فيروز مطالعهم في تسائل:
  -قدرتوا تلاقوا حد من رجاله شاكر؟

حرك مليح رأسه نافي، ليقل:
  -لا يا فيروز بيه، مفيش أي حد قدرنا نوصله، بس في حاجة، البنت اللي معاه واللي أتضح أنها حبيبته، قدرنا نعرف مكان بيت اهلها.

أومأ فيروز قائل:
  -خطوة كويسة، طيب روحوا هناك وحاولوا تلاقوا حاجة تدلنا عليه، أو على الأقل تعرفوا قصة البنت دي يمكن لما يعرف أننا وصلنالهم يظهر.

أومأ علي قائل:
  -هنعمل ده، بقالنا كام يود بندور على البيت ده والنهارده الصبح لسه لاقينه، فهنروح دلوقت، ملاك هتيجي أنتِ معايا، وأنت يا مليح هتفضل هنا تتابع الاوضاع.

أومأ مليح قائل:
  -تمام.

وبالفعل أخذ ملاك وذهب ليتحدث فيروز سائل في ترقب:
  -أنور لسه مجاش؟

أومأ مليح قائل:
  -لسه يا فيروز بيه.

تنهد فيروز الذي يحاول أن يسير عمله بشكل جيد ويكون الأمر بعيد عن عمله، ولكن عقله يؤثر عليه ويعيد له الأمور السيئة.

بالمصحة النفسية، حيث عمل هلال.

تهتم بالمرضى وتستمع لما يرثوا من حديث رغم الألم الذي يجثوا قلبها.

ما إن انتهت خرجت من الغرفة لتذهب إلى مكتبها حتى تستريح، ولكن حديث إحدى الدكاتره معها دفعها للتوقف، حين استمعت لقوله:
  -دكتورة هلال.

طالعته هلال متوقفة، ليكمل قائل:
  -هي في حاجة حاصلة معاكِ أنتِ وأنور؟

عقدت هلال حاجبيها متسائلة؛ فليست من عادتها التحدث حول امورها الشخصية رفقة أحد من زملائها:
  -ليه السؤال؟!

اجابها الطبيب قائل:
  -أصل مش من عادته بجي يراقبك وأنتِ بتشتغلي بعدها يمشي.

توقفت نظراتها اتجاهه وقد تبدلت ملامحها تمامًا، فهو كان هنا منذ قليل!

تحدثت بتوتر انتابها سائلة:
  -كان هنا أمتى؟

اجابها الطبيب قائل:
  -من دقيقتين تقريبًا، أنا قولت يمكن شايفك مشغولة فمحبش يضايقك، أو أنك استنيتي عليه كتير برا فعلشان كده مشي من غير ما يقولك.

استمرت هلال في تصويب نظراتها اتجاهه وقد شعرت بدقات قلبها تتسارع، حاولت أن لا تظهر هذا، لتقل:
  -اا يمكن فعلًا محبش يزعجني، أنا هروح ارتاح.

أومأ الطبيب الذي لم يبعد عيونه عنها؛ فكم يعشق النظر لها دونًا عن أي شخص.

بفلة فيروز.

تحديدًا بغرفة أيجى.

تجلس تتعاطى البودرة والتي تدفعها للذهاب لعالم أخر تمامًا.

كانت تحادث أيفا عبر الهاتف، قائلة:
  -تمام سيبلي الفلوس مع موستي، وأنا هحاول أرجع قريب حتى أشوف الشغل ماشي أزاي.

اجابها أيفا نافي:
  -لا خليكِ عندك، في رجل اعمال مصري كبير، كلمني عنك وعايزك تهربيله بضاعة محترمة، فأنتِ هتقومي بالواجب معاه الفترة دي.

تحدثت أيجى سائلة وهي تأخذ انفاسها بعمق لما تشعر بسلام غير دائم عند اشتمامها لهذه البودرة:
  -اتفقت معاه على سعر؟

اجابها أيفا قائل:
  -اتفقت، وهتطلعي بنصيب حلو المرة دي، وأوي كمان، المهم تشتغلي معاه بضمير كأنك بتشتغلي معايا بالظبط، مش عايزك تخيبي كلامي عنك.

اجابته أيجى قائلة:
  -متقلقش، جيت للشخص الصح.

تبسم أيفا قائل:
  -وأنا متأكد من ده.

أنهت المكالمة لتستمع لصوت شمس التي تتحدث إلى أنور، فقد عاد للمنزل وهذا ما كانت تنتظره.

قامت بتبديل ملابسها إلى أخرى قصيرة حد تعلم أنه سيزعجه، بل كانت ترتدي توب يصل لمنتصف بطنها، وشورط قصير يعلو فخذها.

قامت بتصفيف خصلاتها ووضع بعض من مساحيق التجميل الهادئة والمعتادة لها.

استمرت في التركيذ على صوت باب غرفته حتى تأكدت من دخوله.

هذا ما دفعها للإنتظار دقيقتان تقريبًا والذهاب لدق باب غرفته.

ما إن قام بفتح باب الغرفة لها، عقد حاجبيه بخفوت من ردائهت العاري حد اللعنة، لتقل ببسمة وشقاوة معتادة لها:
  -ممكن أدخل؟

استمع أنور لصوت الخادم يصعد بصحون بيده، يبدو أنها لإحدى الغرف، مما دفعه لسحبها من ذراعها للداخل واغلاق باب الغرفة في تسرع، برغم اوشاكه على الرفض لصدره العاري؛ فقد كان يبدل ملابسه، ليطالعها غير منتبه للمسافة المعدومة بينهم، فقد كان يسند ظهرها صوب باب الغرفة.

قال وهو يطالع حدقتاها بغضب غير مبرر ومازال يمسك بزراعها:
  -أنتِ أيه اللي لبساه ده؟! هو أنا مش قلتلك مبت مرة بلاش تلبسي القرف ده تاني؟! في زفت خدم وطباخين في البيت.

تطالعه أيجى وللمرة الأولى يدق قلبها هذه السرعة، كأنه لا يصرخ عليها.

توقف كل أنش به للحظات لأستيعابه بالمسافة المعدومة بينهم والتي دفعت قلبه للتخبط بطريقة لم ولن يعترف بها.

قدم على الإبتعاد خطوات عنها ولكن وضع يدها حول رقبته واقرابه منها أكثر دفعه لمطالعتها من جديد بل وزيادة دقات قلبه التي هي من المفترض ملك لأخرى!

تحدثت أيجى ونظراتها لم تبتعد عن عيناه:
  -وحشتني.

تبدلت نظرات أنور الذي شعر بسخونة تسري بكامل جسده، كان عقله يسأله في هذه اللحظات كيف تؤثر عليه هكذا؟!

طالعت شفتاه لتقترب موشكة على تقبيلة ولكن ابتعاده فجأة وابعادها عنه جعلها تتوقف مطالعاه، فقد التفت رافع خصلاته وكأنه يحاول أن يهديئ من روعه أو يعود لطبيعته على الأقل.

تحدث محاول أن يتخلص من توتره دون أن بنظر لها، قائل:
  -عايزة أيه؟!

استمرت أيجى في تصويب نظراتها اتجاهه، لتقل:
  -عايزة أقعد معاك أنا وأنت هنا.

التفت أنور ليطالعها سائل رغم حرارة جسده التي ارتفعت بطريقة ملحوظة:
  -عندك حاجة تقوليها؟ لو عندك قولي وأمشي.

اقتربت من جديد منه لتضع يداها الاثنتان فوق صدره العاري، قائلة وعيناها تتصوب اتجاه حدقتيه الزرقواتين:
  -هو أنت ليه مش عايز تدي قلبك فرصة يمكن حياتنا مع بعض تختلف؟ ليه بتبعد عني كأني حاجة خطر تقرب منها؟

أومأ أنور قائل:
  -علشان دي الحقيقة، علشان قلبي ملك بنت تانيه، وده اللي قولته من الأول.

لاحظ نظراتها الغير معتادة أو بالأصح كانت نظرات نابعة من جرعة حديثة، فقد كانت عيناها باهتتان ووجهها ليس طبيعي وكان من الملحوظ هذا.

أكملت أيجى مملكة وجهه بين يدها، لتقل:
  -طب وأنا؟ وأيجى؟

استمر في مطالعتها وقد شعر بأن وجهها الشاحب قليلًا وعيناها لهم علاقة بحديثها، فأي أحد أخر لكان ابتعد ما إن اخبره أن هناك من تتملك قلبه! لكنها تحاول معه على أن بعطيها فرصة ليحبها!

اكملت أيجى عقب التفاف ذراعيها حول رقبته، ودفن وجهها داخل عنقه مغمضة عيناها، كأنها تأخذ رائحة الورد من غصونها:
  -أنا مش هبعد عنك يا أنور، ومش هسيبك لأني مصدقت رجعت شوفتك تاني، ورجعت ليك، أنا مش هقدر أبعد عنك، أنت بقيت جوزي، وأنا مش عايزة أكتر من كده.

استمر أنور في التطلع امامه وهناك من الأفكار ما تدور بعقله؛ فتصرفاتها لم تكون طبيعية له، أو الأصح مظهرها لم يكون بالسليم، كأنها تتعاطى ما يؤثر عليها!

ابتعد عنها ليتحدث وقد شعر بتوتر لا يدري سببه، قائل:
  -اا أنا عايز أغير هدومي.

طالعته لتومأ قائلة:
  -هستناك في البلاكونة.

لم تننظر موافقته، لتذهب إلى الشرفة أسفل نظراته، فهيئتها قد مرت عليه كضايط، وهذا ما يحير عقله ويجعله لا يستطيع التصديق.

بمنزل عائلة ليل.

ما إن وصلوا هناك وقد كان المنزل يقع بحي بسيط.

تتطلع ملاك إلى المنزل المتهالك وللعنوان بالورقة بيدها، قائلة:
  -هو ده البيت.

أومأ علي ليقتربوا داقين باب المنزل.

استمروا على هذا الوضع دقيقة تقريبًا على أمل أن يخرج أحد، ولكن لا جدوى.

لتقترب إحدى السيدات قائلة:
  -أنتوا عايزين صحاب البيت؟

أومأ علي قائل:
  -هما مبيفتحوش ليه؟

اجابته السيدة، قائلة:
  -الناس دي مرجعتش بيتها بقالها يجي عشر سنين.

عقد علب حاجبيه بخفوت سائل:
  -يعني عزلوا؟

اجابته السيدة في جهل:
  -معرفش والله يابني، بس هما غايبين عن المكان بقالهم فترة كبيرة.

أومأ علي بضيق لما خسروا من أمر كاد يوصلهم للقضية، قائل:
  -شكرًا يا أمي.

تحدثت ملاك سائلة:
  -طب هما كان عندهم بنت، أسمها ليل؟

طالعتها السيدة قائلة:
  -ليل دي فقدناها وهي عندها عشر سنين، وشاكر اللي اتربت معاه هو اللي خطفها من وهي صغيرة واهلها كانوا قالبين الدنيا عليها، لحد ما اختفوا هما كمان بعدها بيجي شعر.

عقدت ملاك حاجبيها في تعجب لما سمعت؛ فكيف اختطفها وهي تبدو عاشقة له؟!

تحدث علي عقب تصويب نظراته اتجاه ملاك، ليعيدها لها قائل:
  -أزاي خاطفها! أحنا شوفناها وهي كانت بتقول أنها حبيبته!

تحدثت السيدة في تعجب قائلة:
  -حبيبته! شوفتوها فين؟ أنتوا تعرفوها أصلًا؟

اجابها علي قائل:
  -كانت في المستشفى، أحنا شرطة وبندور على شاكر لأنه متورط في كذه عملية غير قانونية، وبالصدفة اتعرفنا عليها واتفاجئنا أنها حبيبته، وده اللي خلانا جينا لبيت اهلها علشان نشوف أيه حكايتهم، ونحاول نتوصل لمكانهم.

قالت السيدة وقد بدا لها الأمر كرواية غير مكتملة:
  -معرفش والله يابني، كل اللي اعرفه قولتهولك، عمتًا لو عرفت مكانهم وقدرت تلاقيهم أبقى قولي، أنا ساكنة هنا، لو جيت قولت الحجة أم أحمد هيدلوك عليا، أبقى طمني عليها يمكن نوضل لأهلها.

أومأ علي الذي كان مصدوم من ما يحدث كحالها، بل كحال كلًا منهم، ليقل:
  -حاضر يا أمي.

ذهب هو وملاك، لتقل في تعجب وعدم استيعاب:
  -أنا مش فاهمة أزاي هو خاطفها من وقت مكان عندها عشر سنين، وأنت بتقول أنهم بيحبوا بعض؟! أزاي خاطفها وهتحبه؟

اجابها علي نافي:
  -مش عارف أنا اللي حصل معايا قولته، غير كده زيي زيك أنا بجد حاسس أن عقلي مش قادر يشتغل.

تحدثت ملاك قائلة:
  -طب والعمل؟ هنعمل أيه دلوقت؟

تنهد علي بقلة حيلة قائل:
  -مفيش قدامنا غير إننا ندور عليهم، ونحاول نعرف أيه حكاية البنت دي.

بفلة فيروز.

وضع أنور هذا الغطاء فوق جسد أيجى من خلفها، قائل:
  -أخر مرة هقولك متطلعيش كده تاني من اوضتك.

كالعته أيجى التي قالت بعند وخبث بداخلها:
  -وهو أنا بهمك علشان تغير عليا؟

اجابها أنور قائل:
  -أنا قلتهالك قبل كده، في فرق بين الأصول والعيب والحرام، والغيرة.

أومأت أيجى تاركة الغطاء يسقط أرضًا لتقل:
  -وأنا مش هلتزم بكلامك، إلا لما يكون غيرة.

طالعها أنور ليضحك بسخرية قائل:
  -يعني مش مهم لا عيب ولا حرام ولا الاصول، والمهم الغيرة؟!

أومأت أيجى هامسة بأذنه عقب قربها الزائد منه:
  -أه، هو كده.

استمر أنور في التطلع امامه، فهي بالنسبة له شيء جديد بطريقة تعامل مختلفة لم يرى مثلها بحياته.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي