الفصل العشرون بداية حب

تبسمت بخفوت لتلتفت مطالعاه، اقتربت بخطوات هادئة حتى استراحت بجانبه أسفل الغطاء الذي كان يضعه من فوقه، فيبدو أن هو الأخر اعتاد النوم بجانبها.

اقتربت منه أكثر لتدخل جسدها داخل احضانه الدافئة، شعر بثلوجة جسدها مما دفعه لسحب الغطاء عليها أكثر، قائل في تعجب وضيق منه؛ فمن المحتمل أن تمرض مجددًا:
-طب بدل منتي بردانه وجسمك ساقع ما تلبسي هدوم عدلة.

وضعت أيجى يدها فوق صدره وقد كان الهواء غير مسموح بالمرور بينهم؛ فليست هناك أي مسافة.

رفعت وجهها الذي كان مقابل تمامًا لوجهه والبسمة لا تتوقف عن الأرتسام فوق ثغرها، لتقل:
-بحب اتدفه في حضنك.

رفع أنور حاجبيه ليتحدث مازح رغم الحزن الذي كان يتملكه قبل أن تأتي:
-أمم ده بيسموه دلع.

تبسمت أيجى أكثر واضعة يدها فوق ذقنه المنمقة، لتقل بعشق مطالعة عيناه:
-سميه زي ما تسميه.

استمر هو الأخر في مطالعتها بعض الوقت، ويبدو هكذا أنه نسى أمر مطالعته لها.

لتتسائل بصوت حاني ومازالت يدها تداعب ذقنه:
-ليه اتعاملت معايا كده الصبح؟

تنهد أنور بعمق، ليعيد مطالعتها قائل بحزن منه:
-حياتي انتهت.

عقدت أيجى حاجبيها، لتقل بترقب وحزن:
-ليه بتقول كده؟

اجابها أنور بذات حزنه ونظراته شردت فيما حدث صباحًا:
-يعني، كل ترتيباتي باظت، كل اللي كنت عايزه محصلش، فجأة كل حاجة راحت، حياتي باظت.

استمرت أيجى في مطالعته وقد علمت عن ماذا يتحدث، فمن نبرته ونظرته الشاردة علمت أنه يقصد هلال.

تحدثت والحزن اجتاحها هي الأخرى؛ فكم تمنت لو يحبها بذات مقدار حبه لهلال:
-قصدك هلال، صح؟

طالعها بإنتباه، لتكمل حديثها مبعدة نظراتها عنه حتى لا يلحظ حزنها:
-أنا مكنتش متخيلة إنك بتحبها كده، يعني أنت بتعتبرها حياتك.

استمر أنور في مطالعتها وقد شعر أنه ألم مشاعرها، فلم يكن عليه قول هذا امامها.

تحدثت أيجى والحزن يجتاح نظراتها، لتقل:
-أنا عارفة أن لو جاتلك الفرصة هتطلقني ومش هيهمك حاجة وقتها؛ لأن كده كده أنت مبتحبنيش، بس أنا مش هقدر اقولك أبعد عني وروح اتجوز واحدة، أنا مش هقدر اشوفك مع بنت تانيه ولو حصل هقتلها.

استمر أنور في مطالعتها وقد صدمه حديثها، فيبدو أنها لا تحبه بل تعشقه حد الجنون!

وضعت يدها فوق وجنته، لتقل بحزن أسفل مطالعتها له:
-أنا بحبك أوي، وكل اللي عيزاه هو إني أفضل جنبك وأنام كل ليلة جوا حضنك.

تملكت الدموع عيناها، فليس لقلبها سواه، وحتى هو لا تعني له شيء على حسب علمها، احتضنته من جديد دافنة جسدها ووجهها داخل احضانه ودموعها تنهمر بصمت، فلم ترد قول شيء أخر حتى لا تتساقط دموعها امامه.

شعر بدموعها من انفاسها، ليبتعد قليلًا عنها رافع وجهها له مجفف دموعها بيده، ليقل :
-أنا مش عارف أنا عايز أيه، بس اللي عارفه إني مش هبقى كويس ولا هبقى مبسوط لو بعدتي عني، شكلي كده اتعودت وجودك، ونومتك في حضني بالليل، اتعودت على جنانك وشقاوتك اللي ابتليت بيها دي.

ضحك بخفوت وكان يود تلطيف الأجواء بينهم، فقد شعر أن حديثه دائمًا ما يحزنها ويكون ثقيل عليها.

تحدثت أيجى فور اعتدالها أثناء مطالعتها له بصدمة:
-أنت بتتكلم بجد؟ يعني يعني أنت مبقتش تكرهني؟

جفف دموعها بيده ليتحدث ببسمة حانية وقد شعر بتشوش كبير، فلم يعد يدري ما الذي يريده:
-شكلي كده.

استمرت أيجى في مطالعته لتضحك بسعادة دفعته للضحك عليها، لتقل بسعادة لا تسيعها عقب اخراجها لهاتفها قائلة:
-أنا مش عايزة أنسى الكلام ده، مش عايزة أنسى اللي قلته، علشان كده قوله تاني.

عقد أنور حاجبيه بتعجب والبسمة مازالت ترتسم فوق ثغره، قائل:
-وليه هتنسيه؟!

اجابته أيجى بإصرار قائلة:
-قلها بس، قول اللي قلته.

استمر أنور في مطالعتها وقد سجلت فيديوا لهم، ليقل خلاله:
-أنا مش عارف ليه مطاوع جنونك، بس صدقيني حببتيني في العبط ده، لا ومش بس كده خليتي رائد زيي يراوض عقل طفلة، بدلتي الكره اللي جوايا بتعلق، أنا حتى مش عارف أمتى بس كل اللي عارفه إني حسيت بيه.

تبسمت أيجى لتغلق الفيديو ملتفتة لتحتضنه بقوة وسعادة قائلة:
-في أمل صح؟ في أمل تحبني.

تبسم أنور الذي تشعره دائمًا بحديثها أنه شيء كبير، خاصة بالنسبة لها، ليملس فوق خصلاتها التي دفن وجهه بها يشتم عنبرها، فلا حديث أخر ليقوله فقط قلبه يشعر بالراحة لقربها.

في الليل المتأخر.

قامت شمس بالدخول إلى غرفة أنور التي كانت تعتاد تفقده حينما تقلق؛ فبرغم أنه أصبح ناضج، إلا أنها تعامله كطفل صغير.

ما إن قامت بفتح غرفته، مرت إلى الداخل بهدوء، لتتفقد الشرفة وما إذا كان يضع غطاء، لتعقد حاجبيها في تعجب ما إن رأت أيجى تنم داخل احضانه!

فلم تكن تعلم أنهم يناما معًا!

قلق أنور ساحب الغطاء عليهم أكثر، محتضن أيجى كأنه يدفأها داخل احضانه برغم نومه.

ازداد تعجب شمس بل وضيقها كذلك؛ فهي ليست من تتمنى له الوقوع بحبها!

خرجت من الغرفة حتى لا تقلقه، وقد كان عقلها هو الذي يفكر.

بغرفة سهر ومفيد.

تحدث مفيد إلى سهر قائل:
-أنا روحت الشقة اللي بابا جبهالنا وهي حلوة وكبيرة جدًا، هننتقل فيها بكرا بس أشوف أيجى عملت أيه؛ مش عايز نمشي وتعمل حاجة من ورا ضهرنا.

أومأ سهر قائل:
-صح أنا معاك في كده، شوفت كانت بتهددنا أزاي؟ دي مش مضمونة.

بمنزل شاكر.

يحتضن ليل التي تحاول أن تنم منذ وقت، ولكن يبدو أن هناك ما يشغل عقلها.

ليقل شاكر الذي شعر بها مازالت مستيقظة:
-بتفكري في أيه يا روحي؟

طالعته ليل قائلة:
-ليه مسافرناش؟

طالعها شاكر، فقد علم أنها قلقة من ما يمكنه الحدوث، ليقل:
-برتب للموضوع بس عايز وقت علشان تبقى كل حاجة أمان.

وضعت ليل يدها فوق وجنته بحنو، قائلة:
-أمم.

تبسم شاكر لقطته التي يعشق لمسها له، اقترب ليقبلها بعشق مما دفعها لإغماض عيناها بذوبان، مبتعدى قليلًا لتطالعه بأنفاس مرتفعة، قائلة:
-شاكر هو أنا ممكن أشوف أهلي تاني؟

توقفت نظراته اتجاهها وقد تبدلت نظراته لها، بل حاول أن لا يظهر هذا ولكن الأمر يجعل الشرود يعم بعقله:
-ليه بتقولي كده؟ عايزة تقابليهم؟

حركت ليل رأسها نافية، لتقت:
-أنا بسأل بس يعني بفكر يا ترى ممكن يبقوا عايزين يقابلوني، ووحشتهم.

قلق قلب شاكر من حنوها لهم، هذا ما دفعه للتحدث أسفل ضيقه، قائل:
-ليل حتى لو وحشتيهم وعازوا أنك ترجعي فأنا مش هوافق؛ مستحيل اوافق بعد مكسروا قلبك واتخلوا عنك.

أومأت ليل بحزن جثى قلبها، فهي ترى أنه يخشى أذية مشاعرها، لكن هم لم يأبوا.

تمدد شاكر أكثر فوق السرير ليكون مقابل لها، ليضع يده فوق وجنتها بحنو وبسمة هادئة، ليقل:
-طول منا جانبك مش هخليكِ محتاجة لحد، مش هخلي حد يقربلك يا نور عيوني، اتفقنا؟

تبسمت ليل التي احتضنته بدفئ مغمضة عيناها.

في اليوم التالي.

تتحدث أيجى بالهاتف وهناك من يستمع لها خارج باب الغرفة؛ فحينما قدمت على الدخول استمعت لحديثها رفقة حبيب وهذا ما دفعها للتوقف.

كانت تتحدث بضيق من اصراره على مقابلتها له، لتقل في تعجب وتسائل:
-مين اللي عايز تعرفني عليه؟!

قال حبيب ولا يود أن يحرق كرته الأخير حتى تقبل مقابلته:
-أيجى قلتلك حد مهم، هستناكِ بعد ساعة وهتتقابلوا عندي.

تنهدت أيجى بقلة حيلة، فقد كانت تفكر ماذا ستقل هذه المرة، ولكن إذا لم تستطيع الذهاب ستنهي الأمر:
-لو عرفت هاجي.

اغلقت الخط تزامنًا مع طرق شمس لباب الغرفة، ما إن سمحت لها قامت بالدخول.

طالعتها ولا تظهر تعجبها وتسائلها عن ما سمعت للتو:
-أيجى الأكل جاهز.

أومأت أيجى ببسمة قائلة:
-أنور صحي؟

اجابتها نافية ونظراتها تظهر شعورها الذي لم يعد يستريح لها:
-أه، وقاعد تحت.

ذهبت أيجى مسرعة إلى الأسفل حتى تراه، فقد كانت ترتدي بنطال من الجلد ذات اللون الأسود، يعلوه سترة قصيرة كعادتها تكاد تكون جزء من جسدها لضيقها.

ما إن وصلت لهم، تحدثت ببسمة فور مطالعتها لهذا الوسيم الجالس حول الطاولة كحال الجميع، فقد كان يرتدي قميص ذات اللون الأسود يبرز عضلات جسده، وبنطال جينز أسود اللون كذلك.

تحدثت ببسمة وعيناها قد توسعت عشقًا فور رؤيتها له:
-صباح الخبر.

تبسم الجميع ليطالعها كحال أنور الذي قال:
-صباح النور.

جلست بجانبه، لتطالعه ببسمة وعيناها تظهر ما بداخلها، فليلة أمس كانت الأفضل لما سمعت من حديث عشقته.

تحدث بهمس وبسمة هادئة، قائل:
-كده تسيبني نايم وتسرح.

ضحكت أيجى بخفوت ونظرات الجميع لم تبتعد عنهم، فمنهم من سعد لحالتها التي تطورت للأفضل، كحال فريد ومنهم من بغت هذا، كحال عائلتها ومنهم من كان له رأي أخر، ولكنه بصف لا يعجبه ما يحدث.

بدئوا في تناول الطعام لينهض أنور فور تناوله بعض اللقم، قائل:
-هروح على الشغل.

تحدث فيروز ناهض هو الأخر، ليقل:
-وأنا كمان جاي معاك.

طالعت أيجى التي نهضت ويبدو عليها الحزن:
-هودعك قبل ما تمشي.

عقد أنور حاجبيه بخفوت، وببسمة مازحة:
-هو أنا رايح اجاهد؟!

ضحكت أيجى لتحرك رأسها قائلة:
-الود ودي متمشيش خالص.

تطالعها شمس متناولة طعامها بهدوء تام، ولكن الكثير من الأمور تدور بعقلها؛ فقد ظنت من حديثها أنها تخون أنور!

وبالفعل اوصلته حتى باب المنزل رفقة فيروز الذي ذهب لقيادة السيارة، ولكن توقف أنور أمام باب الفلة، مطالعها ببسمة قائل:
-سلام.

وقفت على اطراف اصابعها، لتقبله أسفل صدمته من جرأتها أمام الحراس، ليبعدها بهمس ودهشة قائل:
-أنتِ اتجننتي؟

تبسمت أيجى بعند قائلة:
-أيه مش جوزي؟!

تطلع أنور حوله للحراس الذين يبعدوو نظراتهم عنهم بخجل وهناك منهم من يبتسم، ليقل ببسمة ارتسمت رغم عنه عقب مطالعته لها، قائل:
-أياك تكرريها تاني، فاهمة؟

وضعت أيجى كلتا يداها فوق صدره لتطالعه ببسمة ودلع، قائلة:
-هتعمل أيه لو قررتها؟

رفع أنور حاجبيه لسؤالها، ليقترب من اذنها ولأنها تقصره بمراحل، ليقل هامس بأذنها:
-هوريكِ لما أرجع من الشغل.

قدم على الذهاب، ولكنها امسكت قميصه من جديد بتسرع قائلة:
-استنى، نسيت اقولك، أنا كنت مواعدة صاحبتي هقالها النهارده علشان عايزة فلوس، ممكن أخرج اقابلها والسواق هيكون معايا، ولو عايز أخد موستي.

عقد أنور حاجبيه بغضب، قائل:
-أياك تخرجي مع الولد ده، وبعدين هو فين صح مشوفتوش من الصبح؟!

اجابته أيجى بنفي:
-مش عارفة، هو أصلًا كان بيشوف شقة، المهم سيبك من موستي، موافق أروح اقابلها؟

طالعها أنور بتفكير وتردد، ليقل:
-طيب، لو السواق هيروح معاكِ ماشي.

تبسمت أيجى بسعادة لتحتضنه بقوة، قائلة:
-أحسن نوري في الدنيا.

تبسم أنور لهذه العفوية التي يعشقها، ليبتعد قائل:
-سلام.

تبسمت أيجى أكثر قائلة:
-سلام.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي