الفصل الواحد والعشرون تهديد

ما إن رحل أنور، ذهبت أيجى دون اخبار أحد.

اتصلت بموستي لتطمأن عن ما دار أثناء تسليم البضاعة، قائلة:
-أيه سلمت البضاعة للتاجر؟

اجابها موستي قائل:
-اماال، بقولك أنا خدت أوضة في فندق لأن شكل أنور جوزك على أخره مني، لكن طبعًا هاجي أقعد معاكِ.

اجابته أيجى ضاحكة:
-لا وأنت الصادق، لسه مكلمني عليك قبل ما يروح الشغل.

ضحك موستي على حدوث ما توقعه، فليس هدفه هو ايقاعها بمأزق معه، وإنما تحقيق ما رتبوا له من عمل يجني المال حتى عودتهم للندن:
-كأن قلبي حاسس، فينك دلوقت؟

اجابته أيجى متطلعة إلى فلة حبيب:
-وصلت عند حبيب، هقابله وأتصل اقولك اللي حصل.

اجابها موستي قائل:
-تمام سلام.

اغلقت الخط لتبداء في طرق الباب على استعداد في مقابلته.

ما إن قامت بالدخول إلى مكتب حبيب كما تأخذها سكرتيرته دومًا.

تطلعت لكلًا منهم، فلم بكون وحده، بل جالس رفقة شاكر.

تطلع شاكر لها بترقب عقب مصافحة حبيب لها، قائل:
-اعرفك شاكر شريكِ في الشغل، أيجى مفيد.

تطلعت أيجى له لتصافحه أسفل نظراته المتفحصة ولؤمه الخفي:
-أهلًا أيجى هانم، أنا زي مقال حبيب شريكه في الشغل وليا نسبة كبيرة في البضاعة اللي بتبيعيها، علشان كده حبيت اشوفك واستفيد من خبرتك في كشف جودة البضاعة.

استمرت أيجى في مطالعته لتومأ برسمية، قائلة:
-مفيش مانع.

جلس اثنتاهم ليقوم شاكر بإخراج كيسان من الممنوعات، افرغهم فوق الطاولة الزجاجية في جانبين معاكسين، ليقل:
-تسمحي تقيميلي النوعين.

طالعته أيجى التي اقتربت بالفعل لتتذوق كلتا البودرة.

طالعته ما إن تذوقت اثنتاهم، لتقل مشيرة إلى حداهم:
-دي اصلية وجودتها ممتازة، أنت بتبيع النوع ده هنا في مصر؟

حرك شاكر رأسه نافي، فهاهي تسير خطته كما رتب لها تمامًا:
-لا النوع ده بصدره ايطاليا، هو مستورد من فرنسا يعني الأنواع اللي بتتصدر لمصر زي اللي بتبيعيها كده.

طالعته أيجى وحديثها يظهر اعجابها بجودة البودرة:
-ممكن أخد من النوع ده؟ حابة اشتري منك.

اجابها شاكر في ترقب لتوضح قصدها:
-هتصدريهم فين؟

قالت أيجى نافية، لتوضح ما تقصد:
-لا أنا مش هتاجر فيهم، هاخد كمية صغيرة استعمال شخصي.

رفع شاكر حاجبيه فقد تأكد من ما كان يشك به الأن:
-اااه فهمتك، استعمال ليكِ يعني، لا لو ليكِ فأنا هديلك حاجة جودتها أحسن بكتير.

نهض ليخرج بعض الحقن المجموعة بحقيبة ما، ليقل عقب وضعها أمام الطاولة:
-دي حاجة بتخرج لينا كتجار.

طالعت أيجى الحقيبة بتردد، لتقل نافية عقب أخذ قرارها:
-لا أنا مبستعملش حقن.

اجابها شاكر الذي يحاول اقناعها:
-خدي دول على ضمنتي جربيهم، ولو ما حبتيش النوع تقدري ترجعهوملي، أو تتاجري فيهم، اعتبريهم هدية مني وأنا متأكد أنك هتكلميني بعد أول تجربة علشان اجيبلك تاني.

استمرت أيجى في مكالعته وحديثه شجعها لتجربة شيء مختلف.

أومأت قائلة:
-طيب، هجرب.

تبسم شاكر وهناك من الأمور ما تدور بعقله، فخطته تسير أفضل مما رتب لها.

بعمل أنور.

تحدث أنور في دهشة وتعجب عقب مشاهدة لفيديو الحفلة، قائل:
-بس أبه علاقة عزت بحبيب؟! يعني الحفلة بتبين علاقتهم الكويسة.

اجابته ملاك قائلة:
-ده اللي الكل كان مستغربه، يعني ليه يدعوا ظباط للحفلة وهو بيحيي شخص معروف أنه فاسد! محدش فهم هدفه.

استمر أنور في مطالعتها يفكر في ايجاد سبب لتصرفه، وبالفعل هناك ما توصل إليه:
-اعتقد عزت عمل كده علشان ناخد بالنا من رجوع حبيب على مصر، عزت مش بس رجل اعمال كبير، هو كمان يهمه نخلص من الاشكال دي، وعلشان نراقب حبيب جابه على الحفلة، أنتوا كده كده بتراقبوا فلته مش كده؟

أومأ علي الذي أكد له قائل:
-من فترة، بس قلنالهم يصورولنا أي حد يدخل عنده من النهارده.

تحدث مليح لينتبه له الجميع، قائل:
-في صور واحد من قواتنا بعتها لبنت وشاب طالعين من عنده! بس الصور من بعيد وواقفين قدام بعضهم.

اقترب الجميع ليطالع الصورة، فقد كان شاكر يرتدي معطفه والقبعة خاصته كذلك النظارة فلم يظهر منه شيء، وأيجى كانت تضع قبعة معطفها كذلك.

تحدث أنور قائل:
-بلغهم يجيبوا صور عدلة نعرف نعرف مين اللي بيدخل وبيخرجله.

أومأ علي الذي بالفعل أخذ الهاتف واخبرهم.

فب اللبل.
تحدث علي إلى ملاك سائل بترقب وهو يخفي غيرته:
-لا قلتله إني هروح متأخر فميجيش فقال نتقابل بكرا.

تحدث علي بذات ضيقه والغيرة التي تسكن بداخله:
-على فكرة مينفعش تتقربي من الشخص ده أكتر من كده؛ لأنه منافس لينا في الشغل، مانسيش حاجة زي كده.

تحدثت ملاك مطالعاه ببساطة، فهي لا تعبم بشأن هذه المشاعر التي يكنها لها بداخله:
-مش مستنياك تنبه عليا، هتوصلني؟

طالعها علي بقرف مصطنع، قائل:
-دلوقت هتيجي توصلني؟!

أخذت ملاك حقيبتها، لتقل:
-أنجززز.

اجابها علي الذي تبعها بقلة حيلة قائل:
-بتعاملني على أساس إني السواق بتاعها.

بفلة فيروز.

تحدث مفيد إلى أيجى في صدمة قائل:
-كتبلك نص املاكه؟! ده أمتى؟

اجابته أيجى التي لم تكون تود أن تخبرهم بالأمر الأن، ولأن بعقلها شيء أخر حيال تلك النقود، ولكن اصرارهم وضغطهم عليها في محادثة فريد دفعها لإخبارهم الحقيقة:
-امبارح، بس أنا شايفة إننا منستحقش الفلوس دي، أحنا كنا عصابة حرفيًا عليهم!

ضحكت سهر ساخرة من حديثها الذي لا يهز لهم جفن، لتقل:
-معلش يا روحي ضميرك تعبك متاخديش من الفلوس، يلا نكتب ورقة بتنازلك عن الأملاك دي وهنديكي نصيبك.

طالعتها أيجى التي تحدثت نافية:
-قلتلكوا مش هناخدها، أنا هرجعهاله واعملوا اللي تعملوه معاه.

تحدث مفيد ضاحك بسخرية لحديثها رغم انتظارهم هذه اللحظة منذ سنوات:
-ده في المشمش يا أيجى هانم، سهر هاتي ورقة وقلم.

تحدثت أيجى ساخرة من اصرارهم عقب اقترابها لمغادرة الغرفة:
-ده أنتوا شكلكوا مبتفهموش بقى.

سحبها مفيد من خصلاتها بعنف جعلها تصرخ، ولكن كتمه لفمها بذات اللحظة منع صوتها من الوصول لأحد بالأسفل.

تحدث مفيد محذرها وهو يزداد قوة على خصلاتها وكتمه لفمها:
-تعرفي لو ما عملتيش اللي عايزينه هيحصل أيه؟ مش محتاج اقولك.

سحبت سهر المطوة من جيبها حتى لا تهدده بها كالمرة السابقة، لتقل:
-بت أنتِ أحنا سكتنا عليكِ كتير وخلاص مبقاش عندنا صبر تاني.

حاولت أيجى دفع مفيد بإختناق والذي تركها بعنف دافعها على الارض، ليذهب أخذ إحدى الاوراق وقلم كاتب ما يود امضتها عليه.

وضعه امامها على الأرض ليمسك وجهها بعنف قائل:
-اتنيلي أمضي.

طالعته أيجى بغضب ودموع تتملك عيناها الحمرواتين، لتقل:
-مش ماضيه، واللي عندك اعمله، هتقول اللي تعرفه عليا، هقول مين السبب في كده، وهقول أنا كمان كل حاجة، وأن مراتك الحلوة مبتخلفش.

رفع مفيد حاجبيه بسخرية وغضب كابح من عندها وتهديدها لهم، ليقل:
-أمم، بقى كده؟

استمرت أيجى في مطالعته ببرود قائلة:
-ولو مديت أيدك عليا هقول لأنور، وهحكيلهم ضربتني ليه.

طالعتها سهر بغضب وغل يملأها اتجاهها:
-يا بجاحتك.

أومأ مفيد بهدوء وتواعد، قائل:
-زي ما انتي عايزة يا أيجى، اعملي اللي تعوزيه، وأحنا كمان نعمل اللي عايزينه.

تركوها وذهبوا أسفل نظراتها الغاضبة لهم.

نهضت لتذهب حتى تخرج هذه الحقيبة التي يتواجد بها حقن من المخدر.

ملأت واحدة لتأخذها بزراعها مغمضة عيناها ول ما حدث ويحدث معها يدور بذاكرتها، تفكر ما نهاية هذا الطريق؟ ما نهاية علاقتها بأنور؟ ما نهاية مشوار تعاطيها؟ هل ستقابل تابوت بنهاية المطاف يا ترى؟!

وقعت السرنجة من يدها وقد شعرت بالدوار الكابح برغم جلوسها.

ارجعت ظهرها للوراء تاركة العنان لجسدها يأخذ قصته من الراحة، تتطلع إلى الا شيء بسقف الغرفة، ولكن هناك سيناريو يدور امامها.

ترى نفسها رفقة أنور حينما كانوا صغار، لعبهم سويًا وكل لحظاتهم، تتذكر احتضانه لها ليدفأها ليلة أمس، بات الحديث يحتجز في عقلها، كيف تقتحم حياته مبعدة من أحب قلبه لتأخذ مكان ليس مكانها، بل وتصنع به الخدوش أيضًا؟!

ما إن عاد أنور للفلة.

تحدث إلى سهر سائل:
-فين أيجى.

اجابته سهر ببغصب لتلك الفتاة، لكنها لم تظهر هذا:
-فوق في اوضتها.

أومأ أنور صاعد لغرفته، ليتبعه مفيد الذي يبدو أنه يفكر في شيء ما.

طرق باب غرفته، ما إن علم أنه الطارق قبل دخوله.

فور تقدمه للغرفة تحدث مفيد قائل:
-أبني أنا كنت عايز اتكلم معاك في حاجة مهمة.

طالعه أنور وهناك من التعجب ما تملكه، ليقل:
-حاجة أيه؟

نهضت أيجى التي لا تدري ما الذي حدث ولكن كل شيء من حولها كان ذات لون مختلف، كأنها فاتت بعالم مبهج!

نهضت ذاهبة لتبدل ملابسها إلى بجامة مريحة ولكنها لم تكون بالطويلة.

خرجت من الغرفة لتطالع غرفة أنور كعادتها ليلًا، كأنه المأوى التي تهرب إليه من كل شيء!

طرقت فوق الباب طرقات خافتة يعقبها مرورها، كان أنور يقف بالشرفة ولم يلتفت حتى؛ فهو يعلم كل العلم من الذي مر للداخل.

طالعته أيجى عقب اغلاقها لباب الغرفة مقتربة بهدوء محتضناه من ظهره عقب وصولها له، والبسمة ترتسم فوق ثغرها بحنو لتقل بدء لا تشعر به سوى بحضنه:
-وحشتني، مجيتش تشوفني ليه أول ما وصلت؟

تطلع أنور امامها لقف من امامه حتى يكون ظهرها لسور الشرفة، قائلة وهي تتعلق برقبته:
-موحشتكش؟

استمر أنور في مطالعتها ليرفعها من خصرها حتى يجلسها فوق السور مما دفعها للتمسك به والشهق فجأة؛ ففعلته كانت مفاجئة لها.

تحدث مطالعها ببسمة وقد كان وجهه قريب كثيرًا منها:
-خايفة اوقعك؟

تبسمت أيجى التي أرخت يدها المتمسكة به، لتستند جبينها فوق جبينه، قائلة:
-أنا اتخضيت، بس لو مت على أيدك مش هسأل عملت كده ليه.

تبسم أنور الذي ارجعها كأنه يجس نبضها ماذا سيكون تصرفها إذا كاد يفعلها، لكن هذه المرة بالفعل لم يتحرك لها جفن، بل فردت ذراعيها مرجعة رأسها للوراء.

ازدادت بسمة أنور الذي شعر بقوة قلبها لأنه فقط معها.

اعتدلت أيجى مطالعاه ببسمة لتعود في اسناد جبينها فوق جبينه، لتقل:
-بحبك يا كل دنيتي.

تبسم أنور لهذه الكلمة التي حركت قلبه بالفعل، ولكن سرعان ما تبدلت بسمته إلى تسائل وحزن تملكه:
-أيجى، ليه دايمًا عمي ومامتك بيحاولوا يشوهوا صورتك في نظري؟

تبدلت ملامح أيجى هي الأخرى لتطالعه في تسائل:
-أزاي؟

اجابها أنور واضع يده فوق وجنتها بحنو؛ كأنه لا يود أن يحزنها الأمر:
-يعني في أي كلام وخلاص.

اجابته أيجى بذات تسائلها ممسكة بيده الأخرى:
-هما قالولك أيه؟

طالعها أنور وقد شرد عقله بحديث مفيد.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي