الفصل الثالث فتاة غامضة

داخل مشفى تواجد شاكر.

يجلس مليح فوق إحدى مقاعد الانتظار داخل المشفى ينتظر ظهور شاكر.

تحدث علي الذي يجلس على بعد منه فوق إحدى المقاعد المجاورة، وبصوت هامس ليستمع له من سماعة أذنه الخفية، وقد كانوا يرتدون قبعات وملابس طبيعية غير ملابس عملهم حتى لا يتعرف عليهم شاكر أو أحد من رجاله:
  -شوفته؟

اجابه مليح بذات الهمس، قائل:
  -ولا الهوى.

داخل إحدى الغرف بذات الطابق الذان يجلسان به.

نهضت المريضة التي تتمدد فوق السرير لتجلس بلهفة ما إن رأت شاكر عند استفاقتها من النوم.

تبسم صاحب الخصلات البيضاء بالفطرة والتي تتناسب مع لحيته المنمقة التي يتضارب لونها بين الأسود والأبيض، فقد كان شاب ممشوق القوام يملك جسد رياضي ملفت، كما أنه في السابعة والعشرون من عمره.

نهض ليقترب للجلوس فوق السرير امامها مستمع لقولها المتلهف عقب تمليكها لوجهه بين يدها، تقول:
  -شاكر، شاكر أنت فعلًا موجود هنا ولا أنا بحلم؟

ازدادت بسمة شاكر الذي وضع يده فوق يدها مقبلها بحنو وعشق، قائل:
  -وحشتيني يا ليلي، وحشتيني أوي.

تبسمت ليل صاحبة الخصلات السوداء الطويلة المنسدلة حتى خصرها، والعينان العسليتان، فقد كانت هادئة كبياض بشرتها، لتقول أسفل تساقط الدموع من عيناها:
  -أنت اللي وحشتني أوي، وحشتني لدرجة أني لو مكنتش شوفتك النهارده كان هيحصلي حاجة، أنا بفكر فيك طول الوقت.

احتضنته بقوة محببة لقلبه، ليقول أسفل احتضانه المتبادل لها، والحزن يعم بملامح وجهه:
  -أنا أسف يا ليلي، كل ده بسببي لو مكنتيش معايا وقتها، ولو مكنتيش اتصابتي مكنش حصل كل ده، أنا أسف يا عيوني.

قبل وجنتها بحزن وأسف يملاء قلبه.

لتحرك رأسها نافية وهي تحتضنه بقوة رافضة الأبتعاد عنه:
  -متتأسفش، أنت ملكش ذنب في حاجة، كل اللي عيزاه أنك تفضل معايا يا شاكر، حتى لو هموت على أيدك مش عايزة غير إني أحس أنك جانبي، علشان خاطري لو بتحبني متمشيش وتسيبني هنا تاني، لو بتحبني.

أبعد وجهها قليلًا عنه، مملكه بين يده ليقول في تسائل وحنو محبب لها:
  -حد عملك حاجة هنا؟

حركت ليل رأسها نافية، قائلة:
  -لا بس أنا عايزة أفضل معاك.

تبسم شاكر بخفوت يحاول أن يخفي به حزنه:
  -بس أنتِ لازم تفضلي هنا لحد ماتتعالجي يا ليلي، وبعدها هحاول الاقي طريقة نكون بيها سوى.

حركت ليل رأسها نافية، وقد ازدادت دموعها تساقطًا وكأنها طفلة صغيرة تترجى والدتها أن لا تتركها وترحل:
  -لا أنا مش عايزة أفضل هنا، أنا كويسة وهكون أحسن لو فضلت معاك، صدقني أنا كويسة.

أغمض شاكر عيناه بضعف متنهد؛ فهو لا يستطيع الصمود أمام دموعها، ليعاود النظر لها أسفل تمليكه لوجهها وتجفيفه دموعها، قائل:
  -طيب يا نور عيوني، هشوف الدكتور وأظبط اموري ولو كده هاجي أخدك.

حركت رأسها نافية باكية قائلة من وسط بكائها:
  -لا مش هتيجي، أنت بتضحك عليا.

حرك شاكر رأسه نافي مقبل وجنتها بمهاودة تناسب حالتها:
  -عمري ما ضحك عليكِ، تعرفي عن شكورة حبيبك كده بردو؟

طالعته ليل بنظرات بريئة تملأها الدموع، وقد توردت وجنتيها وانفها من البكاء، لتحرك رأسها نافية متمسكة بيده أكثر:
  -مش عايزة أبعد عنك، أنت عارف إني مليش غيرك في الدنيا، حاسة إني محبوسة هنا ومنفصلة عن العالم.

أومأ شاكر بتفهم مملس فوق خصلاتها بحنو:
  -علشان كده هاخدك من هنا يا اميرتي، أنا مسافر الصبح، يعني هنسافر أنا وأنتِ ونكمل حياتنا برا بعيد عن أي خطر وأي مشاكل.

تبسمت ليل بحنو وأثر الدموع تتوسط وجنتيها، لتحتضنه بذات بسمتها قائلة:
  -أنا بحبك أوي، أنت كل حاجة ليا.

تبسم شاكر مقبل وجنتها من جديد كأنه يشتاق لها في كل لحظة، ليقرب يدها من فمه مقبلها بعشق، قائل:
  -هروح اسأل الدكتور واخرجك.

أومأت ليل مقبلة وجنته، قائلة:
  -مش هتسيبني، أنا واثقة فيك.

تبسم شاكر بخفوت ليومأ لها مطمأنها.

في هذا الوقت خرج شاكر من الغرفة التي تتواجد بنهاية الممر متحدث إلى الطبيب الذي قدم على الدخول لذات الغرفة، قائل:
  -دكتور أيه حالة ليل؟ في تحسن؟

اجابه الطبيب تزامنًا مع انتباه علي لصوت شاكر الذي يعلمه جيدًا والذي دفعه للإنتباه لهم:
  - وقت مبتزورها هي بتتحسن وبتتكلم كمان، بس لما بتقعد فترة متجيش بتفضل ساكته تمامًا ومبتستجبش لأي علاج، غير إن حالة الأغماء والتغيب المفاجئة دي هي المشكلة حاليًا، وزي مقولتلك الأحسن تسفرها برة تعمل العملية في راسها.

تنهد شاكر بقلق يتملك قلبه على معشوقته، ليقول بصوت منخفض:
  -طيب أنا ممكن أطلب منك طلب؟

أومأ الطبيب قائل:
  -أكيد. 

تحدث علي دون النظر إلى شاكر، ليستمع مليح لقوله:
  -أهو أنا شوفته، واقف مع الدكتور.

اجابه مليح متطلع حوله بعفوية سائل:
  -فين فيين؟

أغمض علي عيناه بضيق، قائل:
  -متبصش حواليك يا زكي أنت هتلفت انتباهه.

تحدث مليح متطلع امامه، قائل:
  -خلاص شوفته، وبعدين هنعمل أيه؟

تحدث علي وهو يفكر، قائل:
  -أنا عايز أعرف كان بيزور مين جوا، غير أننا لو قبضنا عليه دلوقت فأكيد مش هيتحبس، وأكيد كمان السفر ده وراه حاجة، علشان كده ممكن نقبض عليه متلبس وقت ما يجي يسافر.

تحدثت ملاك إلى أنور لما تستمع من حديث علي عن طريق سماعة أذنه الخفية:
  -علي لقى شاكر، هو الواضح أنه لوحده ممعهوش حاجة، هقولهم يراقبوه يمكن يوصلنا للبضاعة، أو نهجم على مكان بيته يمكن مخبي البضاعة فيه، أحنا معندناش دليل نقبض عليه نهائي.

تحدث أنور الذي يطالعها عقب شرود ذهنه، قائل:
  -قولي لمليح يراقبه و علي يعرف سبب وجوده في المستشفى.

تحدثت ملاك إلى كلًا منهم عبر السماعة بأذنها، قائلة:
  -مليح روح ورا شاكر، وعلي أعرف سبب وجود شاكر في المستشفى.

اجابها علي بصوت منخفض:
  -اعتبروني عرفت.

بفلة فيروز.

تحدثت شمس عقب اوصال أيجى لغرفتها، قائلة:
  -دي هتبقى اوضتك.

تطلعت أيجى حولها متفقدة الغرفة بنظراتها، قائلة:
  -شكرًا.

استمرت شمس في مطالعتها بضع ثواني، كأنها تقول بذاتها كيف ستكون هذه الفتاة هي زوجة أبنها؟! فهي لاتناسبه بتاتًا.

افاقت من شرودها ذاهبة دون كلمة أخرى.

استمرت أيجى في السير داخل الغرفة؛ متفقدة الأجواء من حولها، تذكرت شيء وهذا ما دفعها لإمساك هاتفها حتى تجري مكالمة.

ما إن اجابها، ألقت بجسدها فوق السرير، لتتحدث قائلة:
  -موستي.

تحدث موستي صاحب الخصلات الملونة، والعينين الزرقواتين، فيبدو غريب الاطوار كحال ثيابه الغنائية واكسسوار رقبته ويده:
  -يويو كده تسيبيني وتسافري، ألاقي مين ادلعه أنا دلوقت؟!

اجابته أيجى قائلة:
  -موستي أنت عارف أنه غصب عني، متعرفش أيه اللي بيحصل هنا، بيولعوا النار في بعض.

رفع موستي حاجبيه في دهشة قائل:
  -فعلًا؟!

أومأت أيجى لتجلس بعفوية، قائلة:
  -وحاجة كمان، عايزين يجوزوني لأبن عمي فيروز، تخيل.

شهق موستي في دهشة من ما سمع، وبذات عفويته قال:
  -لا، بتهزري مستحيل توافقي طبعًا.

رفعت أيجى اكتافها بأسف، قائلة:
  -اضطريت يا موستي، تعرف لو الجوازة دي تمت هناخد جزء كبير من املاك جدي، أنا لوحدي هاخد جزء حلو.

تحدث موستي برفض لتلك الفكرة، قائل:
  -بس تتجوزي يا يويو؟! ده ولا الحلم، يعني خلاص مش هيبقى فيه خروج تاني ولا سهر ولا رجوع لندن.

اجابته أيجى نافية:
  -موستييي متقولش كده، أكيد أنا مش هتخلى عنك ولا عن حياتي، هو شكله خاطب يعني جواز لفترة وده اللي أهلي قالوه، يعني متقلقش كلها شهرين وهتلاقي يويو جاتلك من تاني.

اجابها موستي بتمني قائل:
  -بتمنى متحصلش حاجة تانيه، أكيد أبن عمك ده مش حلو، يعني روحتي تتجوزي مصري مش في لندن حتى.

اجابته أيجى التي سرحت بملامح أنور الصارمة، والحادة، فقد كان يمتلك قوة رجالية بالغة.

تحدث موستي من جديد في تسائل عن سبب صمتها، قائل:
  -يويو، أنتِ معايا؟

اجابته أيجى التي قالت بشرود ذهن:
  -هو مختلف عن كل اللي شوفتهم، حاد في تعامله معايا، بس حاسة أنه مش قاسي، حتى ملامحه حادة بس حلوة، حلوة أوي وجزابة.

عقد موستي حاجبيه بتعجرف قائل:
  -أيجى أنتِ بتشكري فيه!

تحدثت أيجى نافية الأمر:
  -لا أكيد لا، أنا بس بقولك الحقيقة، موستي أنا هروح أخد شاور.

اجابها موستي قائل:
  -طيب يا يويو، هكلمك تاني.

اغلقت أيجى الخط لتنهض بادئة في أخذ شاورها.

بمشفى تواجد علي..

تحدثت أيلان إلى سيف عبر الهاتف والتي تجلس بالسيارة الكبيرة خارج المشفى، قائلة:
  -ها لقيته؟

اجابه سيف الذي يترقب ما حوله في نفي:
  -لا لسه.

رأى علي وهذا ما دفعه ليقول:
  -بس شوفت علي، هو بيكلم الدكتور!

اجابته أيلان قائلة:
  -حاول تعرف بيقوله أيه.

طالعهم سيف الذي اقترب بطريقة يحاول اظهارها طبيعية.

ليستمع إلى علي يقول:
  -شاكر بلغني أوصل العصير ده للمريض، وأنا جاي أطمن عليه.

اجابه الطبيب في توضيح قائل:
  -قصدك المريضة ليل؟

توقف علي عن التحدث ثواني، ليعيد القول:
  -اا أه هي المريضة ليل.

أومأ الطبيب مشير صوب الغرفة:
  -طيب اتفضل.

وبالفعل قام بالدخول إلى غرفتها في حذر وبطئ منه.

تطلعت إليه ليل صاحبة العسلتان، لتقول في تعجب وبعض الخوف الذي انتابها:
  -أنت مين؟!

توقف علي ونظراته تتفقدها في توتر منه؛ فماذا سيقول وقد وجد فتاة بكامل يقظتها امامه!

حاول ايجاد حجة تجعلها تصدق من يكون، ليرفع علبة العصير قائل:
  -شاكر طلب مني اوصلك العصير ده، أنا صاحبه.

ارتسمت بسمة هادئة فوق ثغرها وقد لانت ملامحها، لتمد يدها له حتى يقترب ويعطيها العلبة.

طالعته ليل قائلة:
  -شكرًا.

لم تبتعد نظرات علي عنها، فيبدو أن هناك من انجزب قلبه لها!

تحدث أثناء مطالعته لها، قائل:
  -هو أنتِ تقربي أيه لشاكر؟ يعني أنا صاحبه بس هو كان بيعرف بنات كتير، فأنتي واحدة من البنات دول؟

عقدت ليل حاجبيها في دهشة، قائلة:
  -بيعرف بنات كتير؟! هو ميعرفش غيري، مين قالك أنه يعرف بنات كتير؟

استمر علي في مطالعتها قائل:
  -أنتِ حد من عيلته؟

اجابته ليل قائلة:
  -أنا حبيبته، أنت قولت أنه بيعرف بنات، بس أنا واثقة أن شاكر ميعرفش غيري، أزاي بتقول عليه كده؟!

مازال يصوب علي نظراته اتجاهها، ليقول وقد تملكه التعجب من ما سمعه، فكيف لشاكر أن يكون له حبيبة!

هذا شيء لم يسمع أحد عنه من قبل:
  -اا أنا كنت بشوفه مع بنات.

استمرت ليل في مطالعته بعقل شارد وقد ازدادت الغيرة والغضب في تملكها، لتقول محاولة منها في نفي الأمر:
  -أكيد تبع شغل، أو حاجة تانيه، بس هو مش هيخوني، أنا متأكدة.

استمر علي في تصويب نظراته اتجاهها، ليتذكر أمر شاكر، هذا ما دفعه لقول:
  -أنا هخرج أشوف شاكر.

خرج دون سماع كلمة منها أسفل شرودها بما قال، لتنهض هي الأخرى بهذا الرداء أبيض اللون.

خرجت من الغرفة تتطلع حولها ليتحدث الطبيب ملفت انتباهها:
  -أنسة ليل أيه اللي خرجك من الأوضة؟

طالعته ليل التي قالت:
  -فين شاكر؟

اجابها الطبيب، قائل:
  -هو راح يجهز عربيته وجاي، ادخلي الأوضة لحد مايرجع.

ابتعدت ليل عنه قائلة:
  -أنا مش هدخل في حتة وهستنى لما شاكر يرجع.

طالعها سيف الذي تحدث في تعجب إلى أيلان بصوت منخفض، قائل:
  -المريضة اللي كان شاكر بيزورها طلعت من الأوضة وبتدور عليه بعد ما علي دخل زارها، لا وكمان خرج على طول من المستشفى!

تحدثت أيلان في تعجب لما يحدث، قائلة:
  -مريضة مين؟! شاكر ملوش حد من أهله هنا حسب معرفتنا!

اجابها سيف قائل:
  -هحاول أعرف تقربله أيه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي