الفصل السابع المطاردة

حيث بروفة تبديل الملابس.

يجلس أنور خارج البروفة بملل من انتظاره وضيق، فقد كان ينتظر انتهاء ايجى من تبديل ملابسها.

صوب نظراته فجأة اتجاه التي خرجت من البروفة وهي ترتدي فستان أقل ما يقال عنه مذهل.

تبسمت اثناء مطالعتها له، لتقول بحماس، فهذه المرة الأولى التي يذهب أحد معها لشراء ملابس:
  -أيه رأيك؟ تحفة صح.

عقد أنور حاجبيه في تعجرف برغم رؤيته له رائع عليها؛ فقد كان قصير حد فخذها:
  -أيه القرف ده؟! هاتي حاجة عدلة.

رفعت أيجى حاجبيها بعند قائلة:
  -على فكرة حلو، وبعدين مش أنت اللي قلتلي هاتي اللي عيزاه وحتى مرضتش تشوف أنا جايبة أيه؟

اجابها أنور بإصرار وغضب:
  -هتروحي ولا نمشي؟

تحدثت أيجى في ضيق وملل قائلة:
  -أنت كل حاجة تعمل كده؟ هو ده ذوقي ولو عايز نروح يلا نروح، وهقول لجدي اللي حصل.

كاد يسحق أنور اسنانه من شدة غضبه، فهاهي تهدده بجده.

نهض مما دفعها للإبتعاد خطوة للخلف بتلقائية؛ فغضبه كان يضح لها.

تحدث عقب امساكه لوجهها بعنف يخرج به غضبه:
  -ماشي يا أيجى، علشان الكلام الحلو ده مش هنمشي، وهختارلك أنا فستان.

استمرت أيجى بمطالعته متفقدة عيناه التي تسحرها دائمًا، لتقول بكلمات تظهر كأنها مغيبة:
  -م، ماشي.

تركها أنور بغضب ذاهب لأخذ فستان قد لفت نظره حين دخولهم.

لم تبتعد عيناها عنه، لتتحدث بعقلها التي كادت تفقده:
  -أزاي ممكن استغرب أني بنجزبله ومن وأنا صغيرة وبحلم باليوم اللي هرجع اشوفه فيه؟ كان سر كبير في حياتي ميعرفش عنه حاجة، كان سر ومازال، بس هو مكنش مستني يشوفني، حتى مفتكرنيش!

عادت لشرودها تزامنًا مع عودته بإحدى الفساتين الهادئة والرائعة، قائل:
  -قيسيه ويلا.

اخذته أيجى لتدخل إلى البروفة، ما إن انتهت من ارتدائه خرجت تحدثت ملتفتة:
  -أنور مش طايله السوسته، اقفلها.

تنهد أنور بنفاذ صبر، ليقترب مغلقها وعيناه تتصوب اتجاه الاشيء حتى لا يرى ظهرها.

التفتت أيجى عارضة الفستان له، لتقل ببسمة حماسية:
  -حلو عليا؟

أومأ أنور بملل مشير اتجاه البروفة:
  -كويس، روحي غيري،  شكله مظبوط هناخده.

التفتت أيجى قائلة:
  -افتح السوسته.

اقترب أنور ليقوم بفتحها لها.

بدلت ملابسها ليخرجوا حتى يحاسبوا على الفستان الذي احضروه.

تحدثت أيجى ما إن خرجوا من الاتيليه، قائلة:
  -دلوقت هنروح نختار بدلتك.

اجابها أنور غير مطالعها:
  -عندي بدل مش هشتري تاني.

عقدت أيجى حاجبيها بخفوت قائلة:
  -بس اللي عندك قدام، يعني ده كتب كتابك و..

قاطعها أنور بإصرار لما يقول عقب فتحه لباب السيارة:
  -كلامي واضح ومش هغيره.

استمرت أيجى في مطالعته بعجرفة لتصرفاته معها، ولكن ما يجعلها تأخذ الأمور على محمل بعيد عن حزنها، ما قامت بتعاطيه.

طالعت هذا المطعم الخاص بالأيس كريم، لتقل بحماس:
  -أنور عايزة أيس كريم.

تحدث أنور متجاهل حديثها:
  -هتركبي ولا اسيبك وامشي؟

اجابته أيجى في رجاء قائلة:
  -جدي قالك هاتلها اللي عيزاه هو قالي كده، هاتي اللي عيزاه كمان، وأنا عايزة أيس كريم.

قام أنور بركوب السيارة متجاهل حديثها، ليقل:
  -هعد لحد تلاته، مجتيش هقول أنك مرضتيش تروحي معايا.

اقتربت أيجى لتجلس بجانبه والحزن والضيق يتملك وجهها.

أدار أنور السيارة، لتتحدث أيجى بتعجرف لرفضه كل شيء قائلة:
  -كل حاجة لا، كل حاجة يلا وانجزي.

لم يأبى أنور لحديثها، أو تظاهر بهذا.

عادت في التحدث بتعجرف من جديد دون أن تنظر له قائلة:
  -كل حاجة يتجاهلها، حتى الاغنية، كنت هتخسر أيه يعني لو وافقت؟ كنت هتموت؟

أومأ أنور بسخرية، قائل:
  -أه كنت هموت.

طالعته أيجى بضيق، لتدير وجهها إلى النافذة بصمت لم يدوم سوى دقيقة واحدة.

لتمسك الحقيبة تخرج الفستان مما دفعه للتسائل:
  -بتعملي أيه؟!

اجابته أيجى ببرود قائلة:
  -بشوفه، أيه هترفض كمان؟

ضحك أنور بسخرية من تصرفها، ليقل:
  -على أساس إنك مش لسه لبساه!

طالعته أيجى التي تبسمت لضحكته، برغم سخريته منها.

قاطع شرودها به صوت هاتفها التي اخرجته من حقيبتها، لتتبدل ملامحها فور رؤيتها لأسم المتصل.

تطلعت امامها بتوتر وقلق انتابها، لتطالع أنور الذي نظرلها وقد تعجب من تبدل ملامحها.

اغلقت الخط لتعيد الهاتف بحقيبتها وقد ساد الصمت بعدها.

تحدث أنور في فضول لم يظهره حينما صمتت عقب تلقيها لهذا الأتصال:
  -مين؟

طالعته أيجى وقد حاولت أن لا تظهر توترها:
  -ااا صحبتي من لندن، بس أنا مش حابة أرد دلوقت.

استمر أنور في مطالعتها بترقب؛ فبرغم أنه لا يهتم لها، إلا أن عمله كضابط جعله يستطيع معرفة ما إذا كان يحاول أحد الكذب أم لا.

ادارت وجهها محاولة أن لا تستمر في النظر له؛ فتوترها يكاد يفضح امرها.

ولكن التوتر الذي ساد بالأجواء لم يستمر طويلًا؛ فهناك أمر لفت انتباههم وهو مطاردة إحدى السيارات لهم!

عقد أنور حاجبه في تعجب حينما حجزت عليه سيارة ضخمة، تتعمد انحراف سواقته.

تحدثت أيجى في تعجب مطالعة السيارة بجانبهم:
  -أيه اللي بيحصل؟!

ابتعد أنور عن السيارة، ليقل:
  -استني.

فقد كان يشك بأمر ما، واقتراب السيارة منهم من جديد وخبطها لهم، دفعه للتأكد أنها بالفعل مطاردة.

تألمت أيجى؛ فقد كان الصدام قوي بعض الشي.

ليتحدث أنور بضيق وقلق عليها قائل:
  -انزلي تحت، متقلقيش متعود على كده المهم تحمي نفسك.

طالعته أيجى لتتحدث في تعجب وتسائل:
  -متعود على كده؟! هي العربية قصدها تطاردك؟

أومأ أنور وقد كان يزيد من سرعة قيادته كما فعلت السيارة:
  -انزلي تحت بس.

فعلت أيجى مثلما قال وانحنت لتجلس أسفل الكرسي.

أصبح يتطلع أنور إلى السيارة عبر المرأه، والتي اقتربت منه من جديد.

تحدثت أيجى بقلق قائلة:
  -وبعدين بقى؟

أصبح يبتعد عنه ليقترب الأخر من جديد صادم سيارتهم من الجانب، مما دفعها للصراخ ووضع يدها فوق فخذه متمسكة به.

تحدث أنور يطمأنها برغم غضبه وقلقه من ما يحدث:
  -أهدي هلاقي مخرج متقلقيش.

ابطاء أنور من سرعته حتى سبقته السيارة، ليتوقف مما دفعها لفعل المثل، فقد كانت ضخمة لحد يجعلها تحتاج لوقت حتى تفعل مثله.

أدار سيارته ليتجه في الطريق المضاد لها، ازداد من سرعة سيارته وهو يراقب تحركه فقد كانت مازالت تلتفت حتى سارت هي الأخرى.

التفتت أيجى لتطالعها قائلة:
  -جاية ورانا.

استمرت المطاردة بعض الوقت وقد كان أنور يسير بين الزقاق حتى يتفاده مقابلته، ولكن في نهاية الأمر كان يلقى به، وكأنه يعلم كل مخرج من حولهم.

تتمسك أيجى بقدم أنور وهي تراقب تحرك السيارة التي فقدتهم بالفعل.

لتتحدث قائلة:
  -مبقتش ورانا.

تطلع أنور خلفه ليعاود التطلع امامه في أقل من ثانيتان، ولكن صدم سيارة أخرى لهم من الأمام دفعه للتألم وصراخ أيجى.

ما إن صدمت بهم لم تبقى حينما وجدته يتألم والدماء تتسلل من جبينه!

طالعته أيجى التي اجتاحتها الصدمة والقلق ما إن رأت الدماء تتساقط بالسيارة من امامه، وعبر وجهه.

بمنزل تواجد شاكر.

يتحدث شاكر عبر الهاتف، ليقل:
  -نفزت اللي قولتلك عليه؟

اجابه الطرف الأخر:
  -كل حاجة حصلت زي ما أنت طلبت، ولو نجى هتبقى قرصة ودن ليه، أكيد هيعرف أنك السبب في كده.

اجابه شاكر بغضب قائل:
  -ياريت يتعلم بقى، ويبعد عن سكتي خالص.

حيث أنور وأيجى، داخل هذا الحي المهجور.

خرج أنور من السيارة أسفل طلب ولهفة أيجى عليه.

والتي كانت مزعورة خوفًا عليه لما تتساقط من دماء غزيرة.

بحثت بالسيارة بتسرع ولكنها لم تجد شيء تكتم به الجرح.

تحدثت في خوف ودموع تجتاح عيناها، قائلة:
  -مفيش حاجة، مفيش أي حاجة.

تحدث أنور الذي يحاول أن لا يظهر ألمه حتى لا يخيفها أكثر، قائل:
  -أهدي أنا كويس.

اقتربت أيجى منه لتقدم على نزع القميص ولكن تحدثه دفعها في التوقف:
  -أنتِ بتعملي أيه؟

طالعته أيجى بصدق ودموع قائلة:
  -هقلعه واكتملك بيه الجرح.

عقد أنور حاجبيه، وقد كان يحاول كتم الدماء بالمناديل، ليقل بمزاح وللمرة الأولى:
  -أنتِ مبتصدقي تقلعي!

تذكرت أيجى أمر الفستان لتحضره في تسرع حتى تقطع جزًا منه، لتعود له.

ما إن رأى القطعة بيدها، تحدث في تسائل وصدمة قائل:
  -أنتِ قطعتي الفستان؟

اقتربت أيجى منه لتربط هذا الجزء حول جببنه عقب مسحها للدماء، قائلة:
  -مش مهم، مش مهم الفستان.

استمر في تصويب نظراته اتجاهها في دهشة من فعلتها، فإن كان أحد غيرها لم يفعل! يتعجب من خوفها المبالغ عليه رغم البغض الذي يعاملها بها!

اصبحت تبلل المناديل وتمسح وجهه من الدماء، لتقل أسفل مطالعتها له بخوف تظهره عيناها:
  -هروح بسرعة أدور على تاكسي يودينا المستشفى وهرجع بسرعة، خليك هنا.

أمسك أنور بذراعها بحنو عكس المرات السابقة، ليقل بلطف غير مسبق:
  -أنا كويس، واللهي كويس.

طالعته أيجى وقد انطلقت الدموع من عيناها، كأنها كانت تود الذهاب حتى لا تخونها دموعها امامه.

احتضنته بطريقة مفاجئة ازدادت من صدمته.

تلف زراعيها حول رقبته وطرف قدمها فقط يلامس الأرض، لتقل وقد ذهبت بنوبة بكاء كانت صدمة أخرى بالنسبة له:
  -أنا أسفة، لو مكناش خرجنا ولو مكنتش وافقت وضغطنا عليك مكنش كل ده حصل.

ابعدها أنور عنه قليلًا ليملك وجهها بين يده بنظرات حانيه يحاول تهدئتها بها أسفل دهشته من انهيارها وخوفها الكابح عليه:
  -أنتِ ملكيش ذنب في حاجة، قلتلك إن دي مش أول مرة، بس اللي وترني إنك معايا وكنت حريص علشان متتأذيش، ليه العياط ده كله طيب ما أنا كويس أهو.

تطالعه أيجى بدموع تنهمر فوق وجنتيها وقد هدأت قليلًا، امسكت بيده الموضوعة فوق وجنتها، لتقل بحنو يظهر خوفها عليه:
  -كنت هموت من الخوف عليك، أنت حاسس بأي دوخة؟

حرك أنور رأسه نافي، وهناك من التسائلات ما تدور بعقله، ليقل:
  -مش حاسس بدوخه ولا بأي تعب، الدم وقف وهنروح الصيدليه كمان نشوفه علشان تصدقي أني كويس.

تبسمت أيجى رغم بقايه الدموع بعيناها وفوق وجنتيها، لتومأ قائلة:
  -الحمدالله، يلا طيب يلا نروح الصيدليه علشان لو هيربطلك الجرح.

أومأ أنور الذي ذهب رغم عدم ارادته، ولكن خوفها الكابح دفعه للذهاب حتى يؤكد أنه بخير، ولا يدري لما لامس الأمر قلبه بتلك الطريقة، فما فعلته كان صدمة بالنسبة له.

وبالفعل قام الطبيب بتضميد الجرح له ليمنع من تساقط الدماء نهائيًا.

تحدثت أيجى عقب خروجهم، لتقل ببسمة مازحة:
  -الدكتور بيقولي أنتِ اللي ضربتيه كده! على أساس مش شايف الدموع لسه منشفتش على وشي.

تبسم أنور من حديثها، ليطالعها بنظرات تسأل الكثير، ولم يستطع كبح كل تلك التسائلات بداخله:
  -ليه خوفتى عليا أوي كده؟!

طالعته أيجى ببسمة هادئة، لتقل:
  -يعني، أنت قريبي، وقضينا طفولتنا اللي مش فاكرها سوى، وهتبقى جوزي، يعني ليا حق أخاف عليك.

استمر أنور في مطالعتها، ليقل:
  -يعني علشان كده؟

أومأت أيجى ببسمة كذلك، قائلة:
  -وسر تاني، بس مش هقلك عليه.

أكمل أنور سير كما فعلت هي الأخرى، ليقل ببسمة خافتة:
  -شكرًا يا أيجى.

سألته أيجى في تعجب قائلة:
  -على أيه؟ أنت بتتريق عليا؟

ضحك أنور من حديثها، نافي:
  -بتكلم بجد، شكرًا لأنك ساعدتيني، وخوفتي عليا.

تبسمت أيجى لصدق حديثه، قائلة:
  -لو عايز تشكرني ناكل أيس كريم.

تبسم أنور لأنتهازها الأمر، قائل:
  -طيب، مفيش مانع.

تحدثت أيجى بحماس وسعادة، قائلة:
  -يسسسس.

وبالفعل ذهبوا لتناول الأيس كريم داخل إحدى المطاعم.

كان يزيل الدماء من فوق دبلته، بل ينظفها جيدًا أسفل نظرات أيجى التي بدلت ملامحها بالكامل، فأهتمامه بدبلته إلى تلك الدرجة دفعها للغيرة والحزن على قلبه الذي اخذته أخرى.

رفع نظراته ليطالعها عقب انتهائه من تنظيفها، لتبعد نظراتها عنه بتسرع قد لاحظه.

اكملت تناول الأيس كريم ولكن هذه المرة كانت لا تود تناوله.

بداء هو الأخر في تناوله ليتوقف ما إن استمع لسؤالها:
  -هو في أمل تشوفني بطريقة تانيه؟

طالعها أنور من جديد ليعقد حاجبيه بخفوت، متسائل:
  -بطريقة تانيه أزاي؟!

اجابته أيجى ببسمة كاذبة تلطف بها حديثها:
  -يعني، مش حد متطفل قلب حياتك، وبتكرهه بدل ما تبقى عايزه يبعد، تطلب منه يقرب.

استمر أنور في مطالعتها، فقد كانت تود قولها صريحة هل هناك أمل أن يحبها؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي