الفصل العاشر عقد القران

ما إن قام أنور بالنزول من غرفته.

طالعته أيجى صاحبة الفستان الأبيض الذي تتلألاء حبات اللؤلؤ من فوقه.

ارتسمت البسمة فوق ثغرها ما إن رأته، فقد كان وسيم بالبذلة كما كانت جميلة بالفستان، لكن مؤكد لن يعترف بهذا.

طالعها بنظرات ثابتة كملامحه، ليقف امامها أسفل حديث بعض من حولهم بالمباركة وسعادتهم، ولكن ملامحه كانت تظهر العكس.

تحدثت أيجى ببسمة عقب اقترابها من أذنه قائلة:
  -مبروك.

ضحك أنور ضحكة ساخرة تظهر الكثير من ما بداخله.

تحدث بذات نبرته الساخرة قائل:
  -بلاها، كلنا عارفين الجوازة دي ليه.

طالعته أيجى ليذهب إلى إحدى الغرف والتي سيتم بها عقد القران.

تطلعت أيجى امامها، فقد تركها وذهب!

طالعها فريد والضيق يتملكه من تصرف أنور، فهو يرى أن أيجى لا دخل لها بإجباره على الزواج ليعاملها بطريقة تكسر قلبها.

تحدث مفيد قائل:
  -شكل أنور مستعجل، يلا نكتب الكتاب.

وبالفعل ذهب الجميع إلى غرفة عقد القران، لتجلس أيجى بجانب أنور، هامسة له من جديد:
  -بما أنك مش حابب تتكلم معايا فأنا مش هضايقك، بس على الأقل عاملني كويس قدام الناس.

طالعها أنور صامت تمامًا، ليبعد نظىاته عنها عقب تحدث المأذون والذي بداء بعقد قرانهم.

ما إن انتهوا بدأت المباركات دون أهل أنور الذان لم يسعدوا لشيء من هذا.

في هذا الوقت قام علي بالدخول إلى المنزل حينما فتحت له الخادمة، ليتطلع حوله إلى هذه الزينة والاجواء الاحتفالية، واستماعهم للموسيقى، فهذا بالكاد مسكن أنور.

تحدث علي إلى إحدى الخادمات بتعجب، سائل:
  -هما بيحتفلوا بأيه هنا؟

تحدثت الخادمة قائلة:
  -كتب كتاب أنور بيه وأيجى هانم.

تبدلت ملامح علي من التعجب والتسائل إلى الصدمة، فكيف كل ما كذبه كان صحيح؟!

في هذا الوقت خرج أنور من الغرفة التي تم بها عقد القران، ليوشك على الصعود لغرفته، ولكن ايقاف علي له دفعه يلتفت ويذهب له في تعجب:
  -علي!

تحدث علي متعجب، سائل:
  -أنت كتب كتابك النهارده؟! أنا مش فاهم طب وهلال؟

تحدث أنور بتفهم لصدمته، قائل:
  -هحكيلك بعدين، أنت عملت أيه في حوار العربية؟

تحدث علي بسخرية قائل:
  -أنت بتسائل عن الشغل في وقت زي ده! أنور ده كتب كتابك، يعني بتتجوز، يعني علاقتك بهلال انتهت، غير أمك مجبتلناش سيرة عن الموضوع، ده لو كنت بتعتبرنا صحاب يعني.

اجابه أنور منفعل؛ فهو لم يعد يحتمل حديث أخر:
  -أنا مبتجوزش بمزاجي، تعالى معايا.

أخذه وخرجوا من الفلة تارك الجميع.

بمنزل تواجد شاكر وليل.

تتطلع ليل إلى الا شيء من امامها ويبدو عليها الشرود.

اقترب شاكر ليجلس فوق السرير من امامها سائل:
  -مالك يا ليلي؟ سرحانة وساكته طول الوقت ليه؟

تحدثت ليل عقب مطالعتها له وهناك ما يشغل عقلها من تفكير بجتاحه:
  -اا أنا، مفيش حاجة، سرحت بس شوية.

حرك شاكر رأسه نافي، قائل:
  -أكيد فيه، أنا عارفك كويس، قولي في أيه يا ليل.

طالعته ليل من جديد بصمت ولا تدري كيف تقولها له:
  -أنا سمعتك بتتكلم في التليفون امبارح، وبتقول كلام غريب عن تنفيذ حاجة، مش أنت قلت أنك وقفت الكلام ده؟

استمر شاكر في مطالعتها، فقد فهم سبب تبدلها اليوم، ممادفعه ليومأ قائل:
  -وفقته ولو كانت حاجة عايز اخبيها عليكِ مكنتش اتكلمت هنا وأنا عارف أن ممكن تسمعيني.

استمرت ليل في تصويب نظراتها اتجاهه وهناك ما لا يريح قلبها تلك المرة:
  -طب كنت بتتكلم عن أيه؟

اجابها شاكر الذي يظهر ثباته عكس التوتر بداخله:
  -كنت بتكلم عن مراقبة الظابط اللي كان بيحاول يمسك عليا دليل، علشان لو اتعرضلي تاني أعرف الاقي حاجة اخوفه بيها.

لم تقتنع ليل لأجابته، مما دفعها لقول:
  -يعني مأذتهوش؟

كاد الضمت يحل به، لولا نطق لسانه الذي كاد يسير الشكوك نحوه، قائل:
  -أكيد مش هعمل حاجة زي كده يا ليلي، أنا صفحة بيضة قدامك، اتأكدي من ده، يعني مستحيل أعمل حاجة تضايقك، ومستحيل اخوفك مني لأني مش كده.

استراح قلب ليل من جديد، فأجابته على كل شيء تسأله له كان يريحها أكثر.

شعر بهذا من تلدل نظرتها له، مما دفعه للإقتراب واخذها داخل احضانه، قائل:
  -أي حاجة تضايقك مني بعد كده تيجي تقوليلي، أمم؟

أومأت ليل محتضناه لتقل:
  -حاضر.

تبسم شاكر الذي ابتعد قليلًا حتى يقابل وجهه وجهها، مما دفعه لوضع يده خلف رأسها مقترب ليقبلها.

فقد تسبب هذا لصدمتها؛ فهذه هي المرة الأولى التي يفعل بها شيء كهذا.

ابعدت وجهها عنه خجلة من تصرفة وقد تورد وجهها بالكامل، بل تسارعت انفاسها كحالته، قائلة:
  -ش شاكر..

وضع شاكر يده فوق وجنتها ببسمة عاشقة، قائل:
  -عيونه.

طالعته ليل من جديد لتلبتلع ريقها بهخجل وتوتر تملكها:
  -اا ده غلط.

حرك شاكر رأسه نافي ليقل:
  -هو مش أنا وأنتِ كتبنا ورقة أول ما جينا هنا؟

أومأت ليل ليكمل قائل:
  -يبقى بقيتي مراتي، صح ولا لا؟

طالعته ليل من جديد، سائلة في تعجب:
  -بس المفروض يكون في أهلي وأهلك و، وناس.

تبسم شاكر الذي ملس فوق وجنتها بحنو، قائل:
  -أنتِ مكملتيش تعليمك واتربيتي على أيدي وعارف أنك متعرفيش كفاية، بس أحنا كده اتجوزنا، رسمي اتجوزنا، وأنا مش هقربلك ولا هعمل حاجة تخوفك مني.

استمرت ليل في مطالعته ولا تدري لما تشعر بعدم ارتياح داخلها، لكن حديث شاكر وثقتها به، جعلها تقل:
  -يعني أنا بقيت مراتك رسمي كده، صح؟

أومأ شاكر ببسمة مقبل وجنتها:
  -وأجمل عروسة.

تبسمت ليل لكن سرعان ما تبدلت بسمتها لحزن قائلة:
  -بس أنا كنت عايزة ألبس فستان أبيض وأنت تلبس بدله، والناس كلها تعرف أننا اتجوزنا.

أومأ شاكر ببسمة عاشقة قائل:
  -من عيون شاكر، هحققلك حلمك يا ليلي.

رفعت ليل حاجبيها ببسمة قائلة:
  -بجد؟ طب أزاي؟

اجابها شاكر مملس فوق وجنتها بحنو:
  -أول ما نخرج من هنا، هنروح نجسب فستان وبدله، ونعمل فرح يكسر الدنيا.

ازدادت بسمة ليل التي اختضنته بقوة وسعادة قائلة:
  -ربنا يخليك ليا.

تبسم شاكر محتضنها ليقبل وجنتها قائل:
  -تحبي نريح شوية؟

أومأت ليل بذات بسمتها، ليتمدد فوق السرير فاتح ذراعيه لها حتى اقتربت لتحتضنه ممدتة هي الأخرى، ليضع الغطاء فوق كلًا منهم مقبل رأسها، ليقل:
  -بحبك يا ليلي.

ازدادت بسمة ليل كحال سعادتها، لتحتضنه أكثر دافنة جدسها ووجهها داخل احضانه.

في الليل.

يجلس أنور بالحديقة الخارجية من الفلة.

يحتسي قهوته بهدوء تام وكأن ما بداخله ليس بسراب.

اقتربت أيجى لتجلس بجانبه مما دفعه لمطالعتها.

تحدثت أيجى ببسمة هادئة، لتقل:
  -اختفيت وقت كتب الكتاب!

أبعد أنور نظراته عنها ليقل:
  -أيجى أنا مش الشخص اللي هبقعد يتكلم معاكِ ويشاركك تفاصيل يومه وسبب تصرفاته، فالأحسن متسأليش عن كل حاجة.

اجابته أيجى قائلة:
  -هو مش أنا بقيت مراتك؟

تحدث أنور عقب مطالعتها من جديد في ضيق من كلمتها:
  -أيجى أنتِ عارفة كويس سبب جوازنا، أنا مش فاهم ليه الاستعباط؟

طالعت أيجى الجرح الذي ينزف من جديد، لتقل عاقدة حاجببها بخفوت:
  -الجرح بينزف!

نهضت مسرعة لتقل:
  -هروح بسرعة اجيب الشاش والقطن.

ذهبت دون سماع رد منه، ما إن عادت بدأت بالتغيير على جرجه.

استمر في مطالعتها شارد الذهن يفكر بهلال وبرغم غضبها واعترافه بأنه يستحق، إلا أنها أنهت علاقتهم بأقل من دقيقة رغم تمسكه بها.

صوبت أيجى نظراتها اتجاه عيناه؛ فقد كان يطالعها بثبات شارد:
  -مالك؟

أبعد أنور نظراته عنها، ليقل:
  -مش لازم تمثلي الخوف عليا، مفيش حد معانا.

أبعد وجهه ليكمل لف الشاش هو.

تحدثت أيجى اثناء مطالعتها له، قائلة:
  -بس أنا مبمثلش.

طالعها أنور من جديد؛ فقد أصبح يحتار بأمرها وبتصرفاتها معه، لا يدري ما سبب تصرفاتها سوى ما يعتقده، وها هي تنفيه!

اكملت أيجى حديثها قائلة:
  -أنا عايزة اوريك حاجة.

اخرجت هاتفها لتحضر صورة تظهر تهالك الزمن عليها، فقد كانت لأثنتاهم:
  -دول أحنا وأحنا صغيرين، أنت مش فاكر طبعًا، بس أنا فاكرة، واتحكالي كتير عنك، حتى قبل ما يتحكيلي أنا كان معايا الصورة دي يعني منستكش، يمكن اتجوزنا غلط ويمكن مكنش في بالي، بس الأكيد إني مش همثل خوفي علبك يا أنور، لو كنت فاكر زمان كنت هتعرف كده، وللعلم هلال مش أول واحدة في حياتك، أنا اللي كنت المفروض أبقى مكانها، وأول حد يدخل حياتك.

استمر أنور في تصويب نظراته اتجاهها شارد بحديثها، فهل تحبه لتقل هذا؟!

تحدثت من جديد قائلة:
  -تصبح على خير.

ذهبت إلى غرفتها دون كلمة أخرى تاركاه يعم في شروده.

بمنزل هلال.

تحدثت شمس إلى والدتها راوية كل ما حدث معهم منذ قدوم أيجى وعائلتها:
  -ده كل اللي حصل، أنور بيحب هلال ومتمسك بيها قدام الكل برغم أي حاجة، مينفعش تتخلى عنه ببساطة كده.

في هذا الوقت خرجت هلال من الغرفة لتتحدث منفعلة، قائلة:
  -مين اللي اتخلى عن مين؟! أنور اتخلى عني ومن بدري، اللي يخليه يجي يبلغني بجوازته من واحدة تانيه، لا ومش خيار ده بيقلي اللي هيحصل، لو أنتِ مكاني هتقبلي بحاجة زي كده؟!

اجابتها شمس قائلة:
  -هلال أنا عارفة أنتِ بتفكري أزاي وحقك، بس أنور اتحط تحت ضغط وقدام أمر واقع وإلا هيخسر كل حاجة، حتى أنتٓ كان هيخسرك، علشان كده فكر يقرفهم ويخليها هي اللي عايزة تطلق منه، وطبعًا هي مكنتش هتستحمل تشوفه بيحب واحدة تانيه غيرها ومتمسك بيها ومصر بتجوزها، وقتها هيبقى كسب جده وكسب الأملاك وكسبك.

حركت هلال رأسها نافية لتقل:
  -أسفة يا شمس هانم بس أنا مش هقبل حاجة زي كده، ومش هستنى بعد الجواز لما جده يضغط عليه تاني ويتجوز عليا تاني، أنا علاقتي بأنور انتهت.

تركتهم وعادت إلى غرفتها أسفل نظرات شمس الحزينة والتي تظهر كم حزنها؛ فهي تعلم حجم حب أنور لها.

تحدثت إلى والدة أيجى قائلة:
  -حاولي تقنعيها، أنور بيحبها والله.

اجابتها والدتها بحزن مماثل لحزنها، قائلة:
  -عارفة وعارفة كمان إن أنور شاب كويس وأبن ناس، بس أنتِ شوفتي بنفسك، هي رافضة حتى تتكلم في الموضوع معايا، ده غير إني مش هقدر اقنعها بحاجة زي دي، مش عايزة تاخد قرار وبعد كده تندم وتقولي يا ماما أنتِ اللي خلتيني اوافق.

اجابتها شمس قائلة:
  -وأيه اللي هيندمها بس؟ أنتِ بتقولي أنور كويس وأبن ناس أهو، أيه اللي هيخليها تندم وتحط الحق عليكِ؟

اجابتها والدتها قائلة:
  -أنا هتكلم معاها.

أومأت شمس قائلة:
  -ربنا يصلح حالها ويهديهم على بعض، ويقدم اللي فيه الخير يارب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي