الفصل 6 لوعة عاشق

في قصر الملك الأشهب.

"ألورا" ببراءة:

-"راكان"، لِمَ تتحامل على "صفوان"؟!
-ماذا فيها إذا أحب؟!

"راكان" ببلادة:

-تلك التراهات إذا تمكنت من قلب أي ذكر أضعفته أياً كان جنسه، بشري كان أو من الجان.

قلبت "ألورا" عينيها بضجرٍ، فمع مَن تتحدث؟! هذا هو الملك "راكان" على قدر عطفه وحنانه معها، إلا أن قلبه المتحجر لم ولن يلِن، فلتحط لعنة الله على مَن كان السبب.

"ألورا" موجهة حديثها إلى من أطرق رأسه يغض بصره عن أميرة الجان الضوئي، وهي وإن كانت أميرة لعشيرتهم فهي سلطانة قلب "صفوان":

-"صفوان".

لبى "صفوان" النداء، وقلبه يهدر بحدة كقرع طبول الحرب؛ فهو في قمة نشواه الآن إذ استمع لاسمه تنبث به شفاهها:

-خادمكِ مولاتي الأميرة.

"ألورا" بتواضعٍ:

-أنا "ألورا" "صفوان"، فلا داعٍ للألقاب طالما لا يوجد سوانا، أنا وأنت و"راكان" ربينا معاً كأخوة.

-وحتى إذا اختلفت أنت و"راكان" على أمر يخص المملكة والرعية، فهذا لا يعني أن تتأثر صداقتكما.

توقف نبض القلب يأساً، فطالما عاملته "ألورا" كأخٍ ليس إلا، ولم ولن تنظر له أبداً بعين الحب، هو يلتمس لها العذر.
فكيف لملاكٍ مثلها أن يرق قلبها ل"صفوان"!!

العقل ينهر قلباً مبتلى، يسلخه لوماً على ما جرى:
-ماذا تظن أيها الأبله؟! إذا أعتقدت أن الأميرة "ألورا" ستنظر إلى منبوذ مثلك، نسل لجني وشيطانة أغوته فأنت معتوه!!
-وإذا أعطتك أكثر مما تستحق ووصفت علاقتها بك بالأخوة، فكن شاكراً ممتناً لما فاضت به إليك من فضلها.
وكان هذا حديثه مع الذات.

خطفته "ألورا" من شروده جبراً، كما أسرت عقله وقلبه بخفة ظلها:

-هاااي "صفوان"!! لم تنظر أرضاً، هل أضعت شيئاً ما؟!

صرخت روحه تجيب:

-كلي وما في ضائع بكِ يا سلطانة الروح ونبض الفؤاد.

بينما نطق اللسان، مستفسراً:

-عذراً مولاتي، لا أفهمكِ!!

تأففت "ألورا" من هذا التحفظ، فهي لا تحب هذه الحياة المليئة بالرياء، تمنت لو تعايشت هناك بنصفها البشري، ولكنها لا تعرف إلى مَن ستذهب ولا مع مَن ستعيش، فبين البشر متاهة، ووسط الجان قيود وهي مشتتة ما بين هذا وذاك.

"ألورا" بامتعاضٍ:

-كف عن تملقك هذا، لقد سئِمت.

قذفته باستهجانها، وابتعدت حيث "راكان" الذي يقف بشموخ مع وزير مجلس المملكة "سامر" يلقي عليه الأمر التالي، بعد أن ناوله مخطوطةً مطوية، سرد بها ما يرغب سراً فما من أحد يستطيع رؤية ما بها سوى المرسل إليه، وكيف لمتطفل أن يفعلها؟!
فما من قلمٍ خط وما من فضولي يمكنه أن يتطلع:

-"سامر" اذهب إلى الشرق، حيث الملك "طلخان" ملك عشيرة الجان القمري.

- وأخبر خدام التحصين أنك رسول من الملك "راكان" ملك الجان الضوئي، ومعك رسالة تريد إيصالها لملِكهم باليد.

"سامر" بامتثال:

-سمعاً وطاعة مولاي الملك "راكان".
-ومتى عليَّ الرحيل مولاي؟

"راكان" بأمرٍ اختفى على أثره الوزير "سامر":

-تواً.

"راكان" ل"ألورا" دون أن يلتفت، فهي ليست بحاجةٍ لتفصح.

ولِم لا؟! فعقلها وأفكارها هي ومن سواها كتابٌ مفتوحٌ، وتلك المَلَكة وغيرها من القدرات الخارقة ورثها عن أبيه الملك "الأشهب":

-ليس اليوم "ألورا"، فما إن يأتني "سامر" بخبرٍ، سأذهب اليوم إلى حضرة الملك "طلخان".

"ألورا" بتذمرٍ:

-لقد وعدتني "راكان".

الضياع المعشش بداخلها يعانيه ولا تشعر، فهو أيضاً لا يعرف لمَن ينتمي، ولكنه اختار بالأخير.

فإذا تخلت عنه الإنسية بحجة أنها خُدِعت بمن تهيئ لها في صورة بشري وهو الملك "الأشهب"، وتزوجها بعد أن مال إليها.

وعندما علمت بماهيته طالبته بالرحيل هو وابنه الذي رفضته.

وذلك بعد أن خيَّرها الملك "الأشهب" ما بين خلودها معه هو ونسلهما وانتقالها لتعش حياته، وما بين الفراق، ولكنها اختارت التخلي بجحودٍ وكأن "راكان" نقمة ابتلاها الله بها.

أما بالنسبة إليه فما فعلته لم يكن آدامياً ولا حتى من شيم الجان.


التفت إليها "راكان" رافعاً راحته، يداعب وجنتها بمحبةٍ أخوية، يقول بحنانٍ بعد تلك الدموع التي تلألأت بمقلتيها:

-"ألورا" لا أريد أن أرى حبات اللؤلؤ خاصتك، ولا الخواء الذي يحتل روحك، هنا مكاننا ولابد وأن تتأقلمي.

ومن ثَّمَ استكمل بودٍ:

-ويا أميرة عشيرتكِ، سأجعل "صفوان" يصطحبك إلى أي مكان ترغبين، وسيعلمك ركوب الخيل.

-فلو كنا وسط هؤلاء البشر فمَن أفضل من قائد الجيوش يمكنه أن يعلمك الفروسية؟!

ترى سيتحالف القدر مع هذا العاشق أم للأميرة رأي آخر؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي