الفصل 19 لحظات ممتعة

عند الزعيم وسمرائه
ارتقى درجات سُلم اليخت المسدل أعلى رصيف الميناء يحملها بين يديه وما بحملها ثقل عليه بل هو الآن في أقصى درجات المتعة يتمنى أن يتوقف بهما الزمن ليسجنها بين أحضانه أبد الدهر.

قلبه يضج بصخبٍ، وروحه هائمة بها، وقوة لا يعلمها تسري بأوردته صاعقة قلباً كان قبل لقياها متحجراً وكأنه لم يعرف الحب يوماً.

داخله يرعد نقماً ناهراً إياه، فما كان لم يكن حباً ما انجلى كان متعة لحظية ،رغبةٌ وغريزةٌ فطرية:

أجل "ريكا" ما مضى لم يكن سوى محطة انتظار؛ حتى تأتيك من خر الفؤاد صريع لهواها.

وكان هذا حديثه مع الأنا خاصته عن قناعة فسمرائه هي العشق ورمز الغرام أما من رفقهن فليذهبن بعدها إلى أسافل سچين.

انحنى بجذعه، فلامست قدميها أرضية اليخت، واستقام جسدها، ومَن كانت ترتجف بين يديه ضعفاً ورهبة، هدأت حدة خوفها؛ إذ قد تخطها، يجلس بإهمالٍ على أحد المقاعد الوثيرة المكسوة بقماش جلدي لامع باللون الأبيض، تلك المقاعد التي تحاوط من الداخل مقصورة اليخت الأشبه بغرفة استقبال.

بينما استدارت عيناها بمحجريهما وهي تمعن النظر فيما حولها فقد كان المكان معد وكأنه قاعة احتفال بأرقى الفنادق الفارهة.

ارتفعت زاوية بصرها لتجد أن سقف المقصورة أعلاها مزين بالأضواء المتراقصة بألوانها الخاطفة للأنظار، وبالونات باللوني الأحمر والأبيض ممتلئة بغاز الهيليوم تطفو بأربطة متشابكة تجمع كل حزمة منها لتثبتها في كل ركن من الأركان.

وهناك بالمنتصف طاولة مستديرة ذات قوائم بيضاء يعلوها زجاج مصقول مزدان بمفرش أرجواني من قماش الأورجانزا الفاخرة، يتوسط هذه الطاولة قالب من حلوى "الڤادج" بحشوة الشيكولاته التي تعشقها لتبتلع سيل لعابها النهم لتذوق حلواها المفضلة.

بينما الجالس يتابع تأملاتها وتعبيراتها بكل دقة، ترتسم على ثغره ابتسامة جذابة كلما ظهر سنها، يقطب جبينه إذا فعلت دهشةً وتفاجئ.

يميل رأسه بانعكاس لزاوية ميل خاصتها وكأنه صورة تعبيرية ترسم خصيصاً لها لتجسد كل لمحة منها.

اعتدل يضغط على زر جهاز التحكم الخاص بتشغيل الموسيقى المسند على طاولة صغيرة إلى جوار مقعده لتصدح نغمات أغنية رومانسية للمطربة العالمية "بريتني سيبرس".

اتسعت حدقتيها بإعجاب وهي تقترب من ذلك ال"بورتريه" المرسوم بريشة فنان ملهم خَطَّ بدقة ملامح وجهها.

ذهول يعلو معالمها؛ فاللوحة تنبض بالحياة وكأن الخالق بث فيها من روحه!!

ولكن كيف هذا؟!
فما من أحد يمكنه مهما كان محترفاً ومهما منحه الله من موهبة أن يصنع هكذا تحفة دون وجودٍ لمصدر الإلهام؛ حتى لو بقى شاخصاً بصورتها لساعاتٍ!!
فإذا أتقن الرسام الوصف، فكيف جَسَّد روح وتعبيرات الموصوف بإجادة إلى هذا الحد؟!

إذ أن الرسمة تبرز معالمها بدقة، وخجلها بإلمامٍ، وهيئتها ببراعةٍ وكأنها أمام مرآة.

وبينما هي على تلك الحالة من الشرود في التفاصيل والألوان، شعرت به خلفها، وهو يبسط ذراعه أعلى كتفها، وإبهامه يتلمس شفاهها المرسومة أمامها؛ فالتفتت ترمقه أعلى كتفها بنظرات تفيض حباً، فوجدته يطالع صورتها بزهوٍ وعينيه تراقب بشغفٍ حركة إصبعه فعاودت النظر إلى اللوحة.

همس بالقرب من مسامعها، وكأنه يتحدث إلى حاله:

-أحببتكِ منذ أن وقعت عيناي عليك أول مرة سمرائي، قبل أن أعرف حتى اسمكِ، ولا مَن أنتِ، قبل أن أسمع صوتكِ؛ حتى وإن لم يكن هناك وعد منكِ بأنكِ ستكونين لي.

-الغريب أنني لم أفكر بوعود بل أقريتُ بأنكِ لي، فلِم العجب؟! إذا عشق الداهية إلى هذا الحد فيمكنه استحضار الهيئة وإن لم يتقن الوصف ولكن خلد اللحظة.

قالها ممرراً أنامله على ملامحها المشخصة أمامهما بداية من جبينها، فعينيها، أنفها، وجنتيها، ثغرها، غمازتيها، وإبهامه استقر يحركه على طابع الحسن خاصتها، لمساته لم تَطَلْها ولكنها ترتجف استجابةً.

أسدل يده ولم يمسها ولكن دفء أنفاسه اخترقت روحها، ليستكمل مردفاً:

-حلمي الذي استمت في الوصول إليه غادتي، هو أنتِ.

التفت إليه تسأله بعدم تصديق:

-هل أنت من رسمت هذه اللوحة؟!

أومأ بتأكيد وعينيه تتآكل تفاصيلها بوله ونظراته حائرة بصبو تتنقل بين معالم وجهها وكأنه مسحورٌ أو مسلوب الإرادة.

ولكن ما هو متمسك به وحريص عليه حتى الآن أنه لن يقدم على أي فعلة تجعلها تهابه مهما كلفه هذا الأمر من صراع بين ما يريده بكل جوارحه "قربها"، وما بين ما يجب أن يحدث وهو "قربها" أيضاً ولكن بإرادتها، راغبةً، مشتاقةً كشوقه لها فإن لم يشق الشوق شوقها فلا معنى لما يمليه عليه شوقه.

لذا استوجب عليه تلجيم جوارح لو أجمع كل المنجمين وقارئي الطالع أنه سيأتي اليوم الذي يجتمع فيه الداهية زير النساء بامرأةٍ أحبها أو حتى لو لم يقع لها، سيقيد داخله غرائز لو حررها ستفتك بكتيبة من بنات حواء، فقط حتى لا تهابه، فقط لتمنحه ما تجود به قليل كان أو كثير ولكن طواعية بالحب وليس عنوة أو رياء.

صرف نظراته عنها جبراً مصوباً إياها مرةً أخرى إلى صورتها، يقول وكأنه عاد بالزمن:

-هذه النظرة التي بعينيكِ وتلك الخفارة التي بدت على ملامحكِ في الصورة، هي أول ما لمحته عيناي عندما فتحتهما بعد محاولة ذاك السجين في قتلي وكان السبب في أن ألقاكِ عن قرب يومها.

-وما ظننته سبباً في صعود روحي إلى بارئها كان مانحي لنعيم لم يستوعبه عقلي بعد.

ابتسم مستكملاً:

-يبدو أن الله أحبني فهداني إليكِ وكانت الواسطة أعدائي، وبمحض الصدفة كان أول ما تلقنته على يدي "سام" والعم "زايد" هو قوله تعالى "عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم".

تنهدت بهيام وبرودة اجتاحت أوصالها وكأن هناك جليد غلف المكان حولهما وبالرغم من هذا إلا أنها اكتشفت مدى حبها للفحة هذا الصقيع؛ إذ مال إلى أذنها يقول بصوت هامسٍ ذو بحة رجولية آمراً إياها:

-اخلعي حذائكِ غادة.

قطبت جبينها بعدم فهم وعندما لم تستجب، حط بجسده على ركبة ونصف وهو لازال خلفها يعبث بعقدة حذائها ذو الأربطة المتسلقة، تلتف بالتبادل حول ساقها يخلعه عنها ببطئ مهلك وهي ثابتة كثبوت الرواسي إذ تجمد عقلها وتيبست أطرافها.

أما هو فلم يتكبد العناء فبعد أن استقام تخلى عن حذائه الكلاسيكي بكل سهولة ويسر، ويده تشبثت بخصرها على كلا الجانبين ودون إنذار دفعها بكلا راحتيه  في الاتجاه المعاكس فأدار جسدها إليه بخفة ومهارة راقص "باليه" محترف وساعده على ذلك أرضية اليخت المصنوعة من الزجاج، وبضغطة من إبهامه على زر بلوحة التحكم الكهربائية خلفها إلى جانب اللوحة هدأت الإضاءة بالمقصورة.

وبأخرى توهج ضوء أسفل قدميهما عائدة إلى كشافات مثبتة بأرضية اليخت الزجاجية تكشف ما بقاع المحيط من أسماك وكائنات بحرية جذبها الضوء لتصعد متراقصة باستكشاف لما يلمع في منظر خلاب يسلب العقول.

أطرقت رأسها تنظر بانبهارٍ لما تدعس عليه قدماها، بينما رفع "عبد الله" كلا راحتيه إلى كتفيها يتحسسهما هبوطاً إلى كفيها وهو يحتضنهما بخاصتيه، رافعاً إياهما ليحاوطا عنقه، وهو يحط بيده مكبلا خصرها بنعومةٍ، ولم يختزل المسافة بينهما بل ترك لها المساحة؛ لتستمتع بالمنظر، وتلك الفرحة الطفولية البادية على وجهها جعلته يشعر بأن ما أقدم على تكبده من عناء احتفالاً بهذا اليوم لهو أعظم انتصاراته.

رفعت بصرها إليه تقول بامتنانٍ:

-أفعلت كل هذا لأجلي؟!

قلب عينيه بتذمرٍ، وهو يقول بضيق مصطنع:

-يا الله "غادة"!! وهل يوجد غيركِ هنا؟!

ومن ثم غمزها بوقاحة، قائلاً بمكر محبب:

-كما أنني لم أفعل شيئاً بعد، ما هو آتٍ هلاك "غادة"، هلاك.

تدرجت وجنتيها بحمرة الخجل وهي تنتفض مبتعدة، ولم يجادل، تحمحمت تجلي صوتها وهي تعيد خصلة متمردة من شعرها خلف أذنها، تقول بتأتأة:

-ل... لِمَ تحرك اليخت؟! يجب ألا نبتعد عن الشاطئ؛ حتى لا أتأخر في العودة.

رمقها بخيبةٍ، وهو يتقدم بخطى مهزومة نحو باب المقصورة ومنه إلى ظهر اليخت يقف خلف السياج المعدني المحاوط له، يستند إليه بمرفقيه موالياً ظهره إليها، فتبعته إلى الخارج، تلوم حالها على سبب لا تعرفه بعد.

بينما قلبه ينبض كآلة موسيقى إيقاعية توافقاً مع وقع أقدامها الحافية وهي تقترب وذلك بالرغم من ارتفاع صوت الدفع لمحرك اليخت إلا أن صوت خطاها لا يصل إلى مسامعه فقط ولكن كما تغنى القيصر "فاتنتي ترقص حافية القدمين بمدخل شرياني".

تلاشى الصوت وبقيت الأنفاس تَصْدُر مضطربة، وتردد استشعره وهي تدنو إليه فتحجب عنه رياح كانت تلفحه برودتها ويحل محله نسيمها العليل، فيؤخذ بسحر عطرها الهادئ، فيسكن غضبه منها ويموج الشوق عاصفاً بنواجزه، ومن ثَمَّ تتراجع فيضرب قلبه لقسوة بُعدها المتخاذل عنه، وتعود دفعات الهواء إلى ظهره مجدداً، وكأنها تخرج لسانها إليه قائلةً "حبيبتك تحرمك القرب".

يشعر باختناق بالرغم من رحابة واتساع مرمى البصر ولكنه يعاني الضيق، خلع عنه سترته يلقيها بإهمالٍ على مقعد إلى يمينه، وهو يحل وثاق أول زرين من قميصه الأبيض يشمر عن ساعديه ولم يلتفت إليها.

أما عنها فبالأخير حسمت أمرها ورفعت راحتها تحط بها أعلى ظهره؛ فتصلبت عضلات جسده تلهفاً ظنته نفوراً، لذا أسدلت ذراعها سريعاً فالتفت يقابلها، قائلاً بصوتٍ معذب:

-بُعدكِ هلاكٌ سمرائي.

بسط راحة يده إليها بنظراتٍ متوسلة، فاستجابت تضع كفها الرقيق بخاصته، ولكنها ظلت ثابتة بأرضها ولم تقترب، فدنا إليها يقول متألماً:

-أتخشين على حالك مني "غادة"؟!

-هل تعتقدين أنه بإمكاني إيذائك؟!

-أموت ولا أفعلها، أنت الآن زوجتي أمام الله والجميع، ومع هذا لن أجبركِ على شيء، لا الآن ولا حتى بعد أن تزفي إليَّ أميرتي.

أطرقت رأسها بخجل، فبماذا سترد بعد عباراته التي تطيب القلب وتنعش الروح؟!

فخرجت تنهيدة راحة مصدرها هي، تغمض عينيها بانتشاء.

قرَّب يدها الممسك بها إلى شفاهه يلثم باطنها بعمقٍ وتمهل، ومَن سكن قلبه لملمس راحتها على شفاهه، اهتز ثباته المزعوم عندما حطت هي براحتها الحرة على وجنته تتلمسها برقة، رفع يده يصقل كفها على صفحة وجهه يطبق جفنيه محاولاً التماسك حتى لا تهول سكينتها مما يرغبه الآن؛ فهي بالكاد بدأت تبادله.

لا سمرائي!! لا تتلاعبي بي!! زعيمك ما عاد يقوى على مقاومتكِ!!

وذلك كان لسان حاله عندما همست إليه تقول :

-أنت الحياة بالنسبة لي "عبد الله".

اضطربت أنفاسه وجفت عروقه مُطالباً بحقه فيها، وها قد نزل الغيث ولو قطرة ولكنه مكتفٍ قانع، أسدل ذراعيهما معاً وهو يدنو أكثر حتى لامس أنفه خاصتها، يقول بأنفاس حارة هامساً:

-أريد أن آخذكِ إلى عالمي سمرائي، ولو في الخيال، فقط تعالي ولا تتهربي.

أي لعنة تلك حبيبي!! وهل تمنحني رفاهية الفرار؟! فأنا مكبلة بك وبإرادتي!! همست وعيناها تتأمله بِتيهٍ:

-كيف؟!

"عبدالله" بهمسٍ مماثل ونظراته تلتهم ملامحها القريبة إليه حد اللعنة:

-اغمضي عينيكِ غادتي.

امتثلت لأمره، ولكن أنفاسها التي تداعب شفاهه أشعلت حرائق رجولة معذبة، رجل مارس العلاقة دون حب فقط للمتعة، وعندما تولد الحب لا مجال الآن للعلاقة.

تحدث إليها عن قربٍ، يبثها ما به قائلاً:

-كل ليلةٍ أحلمُ بكِ سمرائي، أحلامي وقحة أعرف، ولكن اتركيني أشرككِ بها فقط، سأفضي إليكِ بها ولن اقترب، لا أريد منكِ تعقيب ولا استجابة، ولكن لأجلي لا تقاطعيني.

بالكاد شفتاه تلامس خاصتها تلامس طفيف وجسديهما المتعطشين صبواً لم يتعانقا، فقط تلامس.

مَن ظفر بعناقٍ هما راحتيهما اللتان يحتضن كلاً منهما الآخرى بأصابع متشابكة.

أومأت ولا تعي علام وافقت، ولكنها تثق به، وإن كانت ثقتها بمحلها، فهي لا تعلم مشقة جهاده لنفسه وخاصة بعد إيماءتها التي جعلت الأدرينالين يتدفق بأوردته جراء احتكاك شفاهها الكرزية المكتنزة بسفلته وذقنه، فزفر على إثر هذا أنفاساً متهدجة، وهو يقول بهمسٍ متحشرجٍ:

-بالأمس كنتِ معي، تتزينين لي بثوب العرس الأبيض، وبرغم وقاره وحشمته إلا إنك كنتِ جد مغوية، بل فاتنة، فتنة صارت ملك لشخص رأى وعَبَر، ولكنه تعرقل بكِ فهوى.

-كنتِ وبرغم خجلكِ هذا، ولكن في حلمي جريئة وماكرة.

- تتوددين وتتمنعين، رقصنا معاً على أنغام موسيقى هادئة.
-لم ننتبه للخطوات الإيقاعية؛ فكلانا يتغزل بالآخر دون حديث عيناي هائمة بكِ، ونظراتكِ تتأملني، كما أفعل أنا الآن.

-ولكن حياءكِ يمنعكِ من الاستمتاع باللحظة؛ لذلك طلبت منكِ أن تغمضي عيناكِ.

شعر بيدها التي زادت تشبثاً بخاصته في إشارة تنم عن استجابة لذا بدأ العد، فها قد ألقى الطعم والتقطته مرجانته وعليه التمهل لبضع ثوانٍ، واحد، اثنان، ثلا.......

أثمرت حيله وهي ترمش بأهدابها لتظهر أمواج محيط عينيها الثائرة بعشقها له.

والآن عليه أن يطرق على الحديد وهو ساخن، فانبلجت أساريره وهو يهديها ابتسامة ساحرة، ومن ثَمَّ عض على شفته السفلى يحجب عنها استحالة الإغواء إلى ابتسامة النصر، إذ يعلم هذا الخبيث كم تعشق هذه الحركة، وحدث ما أراد ولقربهما تسلطت نظراتها على ما رغب هو في توجيه بصرها إليه تراقب "ريأكشنه" الصفيق بوقاحة محببة، وقبل أن يفرج عن احتجاز شفتيه من بين أسنانه حرص على ترطيبها، وهو يميل إلى وجهها يقول بهمسٍ لا يُسمع:

-آآآآآه "غادة"، عيناكِ قاتلتان.

وإذا كانت مقلتيها تتابع من قبل احتجاز شفاهه، فالآن تحاول التركيز على حركتهما علها تقرأ من بينهما ما يقول، وهذا ما يسعى إليه، نظرت، فاقتربت، فلمست خاصته برطوبتها، فترجعت.

ولا إرادياً مررت طرف لسانها على شفتيها تتذوق شهده فتذوب شوقاً للمزيد، ولم يقتر بل على قدر ما نزحت عنه أقبل إليها، وهمسة أخرى مصدرها هو:

-لِم فعلتِ هذا؟!

قالها ونظراته مصوبة إلى شفاهها اللامعتين، فقالت بعدم استدراك:

-لم أفعل ش............

قاطعها بعد أن حرر إحدى يديها، يرفع خاصته ممرراً إبهامه على شفتيها ومن ثَمَّ لعقه بتلذذٍ، وهو يهمهم بخفوت واستمتاع، ولم يبعد نظراته المراقبة عن ملامحها، يلاحظ اهتزاز حدقتيها وقد تعالت وتيرة تنفسها، ومع كل تغير يطرأ عليها يتحفز للاقتراب.

أسند جبينه إلى جبهتها، يهمس:

-لا تحبسي أنفاسكِ عني، أريد أن أتنفسكِ سمرائي.

ويده التي أسدلها لم تحتضن كفها كالأخرى، بل حطت على خصرها.

كلماته العذبة أذهبت كل ذرة تعقل، وزادها عليها وهو يلتمسها مردفاً:

-هل لي أن أضمكِ وأنا أكمل لكِ حلمي أم ستضايقين؟

لم تجب وصمتها سماح، فحرر راحتها الأخرى يرفع خاصته يداعب وجنتها برقة، ومن ثم جمع خصلاتها المتمردة على جانب واحد، ويدٍ أحكمت حصار خصرها تجذبها إليه، والأخرى أعلى كتفها تتلمس ظهرها بنعومة ورقة، وهي تائهة ولا تعلم ماذا تفعل.

القلب يرغب، والعقل ينهر، وهي حائرة بين هذا وذاك حتى فض زعيمها هذا الاشتباك، وهو يقول بتوسل:

-عانقيني "غادة"، أرجوكِ.

رفعت كلا ذراعيها بترددٍ تحاوط خصره، فتأوه بلوعة وهو يضمها إليه بقوة، مردفاً:

-آااااه، أنا في قمة الاستمتاع الآن، سمرائي.

أين غادة؟! غادة في عالمٍ موازٍ، والجاحد لا يرحم؛ إذ همس بالقرب من مسامعها وشفاهه تلامس شحمة أذنها:

-بالأمس كنتِ بين أحضاني، وقتها لم أطلب وأترجى، وكان هناك اختلاف بسيط عن الآن، ولكنه أضفى مزيد من المتعة، أقسم "غادة" إنه النعيم.

همهمت بتيه تملكها جراء عنفوان مشاعر يبثها إياها، وتختبرها لأول مرة:

-ما هو حبيبي؟!

ابتعد مسافة قليلة وهو يطرق رأسه، قائلاً بخيبة مصطنعة:

-أخشى إذا أخبرتكِ، أن تطلبي الرحيل الآن بالرغم من أن هذا الاختلاف ليس به تجاوز من قِبَلكِ.

يسحبها إلى دنياه رويداً رويداً، ولن تنكر فهي متيمة بكل ما فيه، وبرغم نظرات الفضول المطلة من عينيها إلا أنها أبت النطق، فاحتضن راحتها بين خاصته، يقودها معه إلى داخل المقصورة وهي تتبعه كالمغيبة.

"عبد الله" قائلاً بتشجيع:

-هيا؛ كي أطعمكِ بيدي.

قالها وتوقفت خطاه أمام الطاولة التي يوجد أعلاها قالب الحلوى مما أجبرها على التوقف بدورها، ومن ثم أخرج قداحته الذهبية الفاخرة يشعل الشمعة التي تتوسط القالب على هيئة قلب، مردفاً بِوجد:

-هذه حالة قلبي في غيابكِ عني يا ملكة جمال زعيمك.

قالها وابتعد يطفئ ضوء الكشافات الموجودة بقاع اليخت ليضفِ بعض من الشاعرية بالأجواء.

ثوانٍ وأحست به خلفها ويديه تتلمس ظهر خاصتها يمد إحداها إلى السكين الموضوع إلى جوار القالب، ولكنها شهقت بتفاجئ عندما استشعرت حرارة جسده وملمس بشرته على ذراعيها دون حائل.

التفت رأسها إليه تلقائياً ترمقه من أعلى كتفها وإذ به قد خلع عنه قميصه ليصبح عاري الصدر؛ فارتد رأسها سريعاً، وهي تتململ بين يديه، فهمس يطمئنها:

-اهدئي سمرائي، لن أفعل شيئاً، فقط أشعر بالحر.

أجابته بامتعاض متخاذل:

-أريد العودة.

"عبد الله" بمهادنة:

-سنأكل سوياً، وسنعود إلى المرسى، أعدكِ، إلا إذا لم ترغبي أنتِ في ذلك.

يضعها باختبارٍ تعجيزيّ لا عدالة فيه، فكيف لها أن تختار ما بين قربه الذي حلمت به طوال ليالي البعد، وبين العودة إلى شاطئ ليس لها جذر به، صحيح أنها مرتبطة بذلك الصديق الوافي الداعم لأبيها رحمة الله عليه وهو "زايد يعقوب" وكيلها في هذه الزيجة، وأخيها بالرضاعة "سام" ولكن لكل امرءٍ منهما حياته وأموره التي تشغله.

بينما على النقيض فزعيمها يتفانى في ملئ فراغ احتل جميع جوانب حياتها قبل أن يجمعهما القدر؛ حتى أمها لم تكلف نفسها عناء حضور زفاف ابنتها الوحيدة وقد أرجأت "غادة" المانع في قدومها الليلة كونها تنشغل بزوجها الجديد ذلك الشاب الذي يقارب "غادة" في السن، أي جحود هذا!! عبث، على أية حال هي لم تتوقع مجيئها من الأساس.

فحتماً زوجها هذه المرة قد أغراه لمحة الجمال التي لم تمحيها السنون أو ربما يعلم عريس أمها بأن تلك المرأة المتصابية تقتر مالاً ويريد استغلالها واستنزافها كما حدث مع السابقين له الذين ملت" غادة" عدهم من كثرة زيجات وعلاقات هذه المستهترة.

وعلى ما تعتقد أن والدتها هي الأخرى لم تعد تتذكر على كم رجل تعرت سواء برابط وثيق أو بدون، وعند هذه الخواطر التي دارت حول وصمة العار خاصتها أسبلت أهدابها تلملم شتات نفسها توازن بين ما يجوز وما لا ينبغي أن يحدث.

بعد صراع مع النفس قررت أنها لن تُضيِّع عليها أمتع أيامها معه، وكأن قلبها يستشعر فراقاً قريب، فهي قد اعتادت على أن كل فرحة لها لا تتوج بالاكتمال أو الدوام، ولكنها لن تشغل بالاً الآن بما قد يحدث، ستعيش معه كل لحظة وكأنها الأخيرة.

ستسرق الفرحة عنوة من قبضة الزوال؛ لذا سحبت نفساً عميقاً ليغذي هواء زفيرها رئتين سُلبت أنفاسهما في حضرته تحاول تشجيع حالها على إمتاعه قدر المسموح وتقتنص متعة هي أحق بها، فكفاهما حرمان وبالأحرى هي.

وبعد أن كانت قد سلت راحتيها من قبضته بنفورٍ مصطنع، بسطت يمينها إلى يده الممسكة بالسكين، وهو لازال ساكناً ينتظر ردها فإما قبِلت البقاء وتكن بذلك قد أوصلته إلى أعالي قمم السعادة، أو ترفض وحينها لن يستطع منعها من العودة، فالزعيم وإن تخلى عن حياته السابقة لكنه لم يتجرد من كيانه وما دام وعدها فلن يخلف.

ها قد وصله الرد إذ أطلقت فعلتها صافرة السماح بل وتبادر في الاستجابة، فحينما جذبت يدهما معاً باتجاه القالب مال جسده إليها حتى لامس صدره العاري ظهرها، فأصبح قريب إليها حد التهلكة، غمس أنفه ما بين خصلات شعرها يأسر شهيق عبقها بصدره يأبى إخراجه فهوائها طيب، وقربها لذيذٌ ومهيب، وهجرها كربٌ وضيق رهيب.

دنا يهمس إليها، متعمداً أن تلامس شفاهه أذنها، طابعاً قبلات متناثرة على جانب عنقها حتى أصابتها أنفاسه ولثماته بدغدغة حلوة اقشعر لها كامل جسدها، يقول بوله:

-هكذا كنتُ في حلمي سمرائي، هذا هو الاختلاف الذي ذكرته وخشيت البوح به.

-تخيلي، الداهية انتابه الخوف، خوف من أن تغضبي فترحلي عني، تاركة خلفك أنين جسدي المشتاق لضمك، فكل خلية بي ترغب بكِ يا ملكة جمال زعيمك.

-أريدكِ "غادة"، وحبي لكِ يشعل بداخلي رغبة مُوحشة، ارحمي "غادتي"، ارحمي عذاب قلبي ورجولتي التي تصرخ اشتياقاً لكِ، فقط عناق "غادة".

يا الله!! ترجو وأنا اتمنع!! آه لو تعلم قدر حاجتي إلى هذا العناق.
هذا كان جلد الذات الطاحن داخلها، ولكنها لم تُلبِ بالكلمات بل خلصت السكين القابضة عليها راحتيهما معاً من يده ولكنها لم تبعد يدها عن خاصته.

وإنما رفعتها لتحاوط بها خصرها ليستكن باطن كفه أعلى بطنها المتسطح وهي تضغط جسدها إليه فرفع ذراعه الحر يكبلها، آسراً إياها بين أحضانه يجذبها إليه أكثر فأكثر حتى اتحدت أجسادهما كما تعانقت أرواحهما منذ أمد.

قبلات كرفرفة الفراشات نالتها وجنتها حتى قرب ثغرها ولكنه لم يتمادى فاستمتاعه الآن باستنزاف مقاومتها أشد من هجوم ينفض على إثره التحامهما الأكثر من مرضي بالنسبة إليه فظل يتقدم ومن ثم يتراجع حتى تكف عن دلالها وتَطْلُب.

الزعيم وبرغم عشقه الفائق لها ولكنه أبداً لا يسامح في إخضاع كبريائه لأي من كان حتى ولو كان المقصود هنا "غادة"، سيناورها؛ كي تتنازل عن دفاعتها حصن يلو الآخر.

وها أحس بذوبانها بين يديه، ولكنه يريد أن يرَ ضعفها وحاجتها إليه بأم عينيه؛ لينتشِ بفرحة النصر، يرغب في توسلها لوصاله حتى لو لاح بزرقتيها دون أن تنطق بها مخارجها، فأدارها بين يديه؛ لتقابله وجهاً لوجه، ولكن تلك العنيدة مغمضة العينين بتيهٍ.

مال إليها يلثم جبينها بقبلة مطولة عميقة، بينما ارتاح كفيها أعلى صدره العاري، وهو يحاوط خصرها بذراعيه، ومن ثم ألقى على مسامعها آخر طلب وبعدها سيترك الكرة بملعبها ويكتفي بدور صانع الألعاب سيمرر ولكنه أبداً لن يصوِّب على المرمى.

"عبد الله" قائلاً بمكر:

-لا سمرائي، لا تحجبي عينيكِ عني.

رمشت بأهدابها وهي ترفع بصرها إليه نظراً لفارق الطول بينهما، ومقلتيها تفيض ولعاً وهياماً.

حسناً "عبد الله" لا تبتأس فها قد زُلَّت قدماها، صبراً يا رجل، سيحالفك النصر.

ذراعيه المحاوطان لخصرها رفعت جسدها إليه قليلاً، فارتقت راحتيها تلقائياً تستند بهما إلى كتفيه العريضين، وهي تشهق بتفاجئٍ، وعيناه الآسرتين لم تطلق صراح أسر خاصتها فإذا انخفض بصره إلى ثغرها وشفاهها المغوية.

انجذبت نظراتها إلى مثيل خاصتها وهو يمرر طرف لسانه على شفتيه بجوعٍ لشهدها ولكنه لم ولن يبادر، فهو القريب البعيد، يدنو حتى تتلامس شفاههما ولكنه لم يخترق، ينتظرها تفعل ولكن ترددها يضجره.

تمتم عن قرب:

-أعشقكِ، عشقٌ لحبيبة ورفيقة وابنة.

-زوجكِ مجنونٌ بكِ،يعشقكِ كما لم تُعْشَق غيركِ من رجل، فأنا أكثرهم شغفاً بامرأتي.

كوبت وجهه براحتيها تُسند جبينها إلى جبهته وأنفاسها المتلاحقة أجابته على قدر أعظم مما باح به، ولكن ليس هذا فقط ما ينتظ....

مات الحديث ونال الصابر مرجاه، إذ اقتربت هي تلك المرة إثر تذكيره لها بشرعية ما يحدث، نعم فهو زوجها، لِم خجل إذاً!!

بدأت بقلة خبرة تلثم جانب ثغره ففعل المثل وكأنه يحثها لتتمادى، قبلة مترددة طبعتها بتسرع على شفته السفلية فأسر علويتها لثانية، وأفرج عن حصارها.

تشبثت يداها المطوقتان لعنقه كرجاءٍ منها ليستلم هو زمام الأمر ولكنه يتمنع.

بينما يَجْبِرها هي على الإقدام بأن شدد على حصار خصرها يضمها إليه أكثر بعناد، وكأنه يتحداها في أن تبتعد، عن أي إقصاء يفكر لقد وقعت بفخه!!

همست له عن قرب بضعفٍ، وما أحلى ما أطربت به مسامعه حين قالت:

-قبلني حبيب...

لم تكمل ولم تكن بحاجة للرجاء يناوشها ثأراً لرجولته المهانة لا عداءٍ، فهو قد بلغ به الصبر منتهاه فقط لتخضع عشقاً.

بتر عبارتها يلتهم شفتيها بنهم وتعطش ينهل ما انتظر ليحظَ به وها قد طلبت، عذراءه الخجول بدأت تستجيب.

طالت قبلتهما، ولا يعلما كم مر من الوقت، لا الزمن علامة فارقة، ولا للساعات معنى بين أحضان الزعيم.

حنونٌ مراعي، ولكنه وقح أيضاً إذ استغل تغيبها يتحرك بها في اتجاه أحد المقاعد ويده أثقلت أسفل ظهرها تجبرها على التعلق به، ولم يدع لها فرصة كي تعترض، فكلما فصلت قبلتهما عاود يقتنص شفاهها برقةٍ يجذبها مرةً أخرى إلى دوامة عشقه.

و إذا به يحتل ذاك المقعد الرحب يجلسها على فخذيه بحيث حاوطت ساقيها جسده على كلا الجانبين.

استفاقة، تبعها تململ واعتراض بزمجرة وهي تحاول الإبتعاد، فحل تشبثه القوي بها تاركاً لها المساحة، وللعجب لم تنأى بحالها عنه ولا تعلم السبب، أليست هي ذاتها نفس الشخص الذي دفعه بعيداً عنها؟!
إذاً لِم هي مثبتة مكانها، وعندما تفهمها وسمح امتنعت عن الرحيل؟!

حملق بها بتيهٍ وشرود يحاول أن يستشف ما بها ولكنها حقاً مُحيرة، إنها تريده بقدر ما يتوق إليها، ألا تثق به للآن!؟!
لقد وعدها بألا يخذلها، رفع يمينه يداعب وجنتها برقة، ويساره تربت على ظهرها بطمئنة، قائلاً بألم:

-ألازلت لا تأمنينني "غادة"؟!

هزت رأسها بنفي، تقول بصدق:

-أنا لا آمن غيرك يا زعيم.

ابتسم بصفوٍ يأسر شفته السفلى بين أسنانه، وعينيه تشع بوهج الكبرياء والعظمة إثر تعقيبها، يقول بمشاكسة:

-لم أعد زعيماًً.

رفعت راحتيها تتلامس خديه بنعومة وهي تناظره بعشق، قائلة بتأكيد بنبرة تدليل:

-بلى، أنت زعيم قلبي سواء أكنت "ريكا" أو "عبد الله".

لك الله يا زعيم.

فضلاً رفع الفصل ب20 تعليق.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي