الفصل 12 غيرة محرقة

في بيت "تميم".
بعد احتدام غيرة لا قِبَل له بها، اختفت "يامور" بلمح البصر، لتظهر أمامه مباشرةً في طرفة عين، تهدر فيه بحدة، وهي ترفع سبابتها في وجهه بتحذير.

"يامور" قائلة بجفاء:

-لم تستطع إحراجها ولكن أستطعت جرحي بسكوتك!!

رفع يديه المحاوطة لجسدها يكوب وجهها، قائلاً:

-لم أكن أعرف أنكِ هنا حبيبي، وجرحكِ أبدا لا يهون عليَّ.

واستكمل بمشاكسة:
-ولكن طالما لازالتِ غاضبة، فيجب عليَّ مراضاتك.

وساعده على الاسترسال أن خيم الصمت على المكان إلا من همسات العاشقيْن، وهدوء نوبة غضب "يامور" وإن بقت الغيرة تحتدم بداخلها كالمراجل المشتعلة ولكن رومانسية "تميم" ومعسول كلماته جعلتها تنفض كل الغضب عن رأسها، فماذا سيحدث؟!

من عليها الخوف هي تلك الإنسية، لا الأميرة "يامور"، وحتى وإن تجرأ أحدٌ وحاول سلبها حقها به سيكون قد حفر قبره بيده.

قال ما قال، وهو يميل برأسه إليها، ممرراً طرف لسانه على شفتيه بتعطشٍ لمذاق شهد خاصتها، وأنفاسه الحارة تداعب ملامح وجهها الملائكي وحرصه على مراضاتها أشعلت لهيب عشقها له المشتعل من الأساس.

أما عن "تميم" فهو بعالمٍ موازٍ يملأه الشوق المغلف بالفضول.

فهو لم يخض التجربة من قبل.
"تميم" وبرغم جاذبيته ووسامته وتطلع العديد من الفتيات للفت انتباهه ولكن العاشق لا يرى سواها، حتى اتهمه بعضهن بالغرور، لم يتقرب من فتاة قط.

مال رأسه إليها ويديه المكوبة لرأسها انسدلت ببطءٍ مهلك إحداها تدعم ظهرها إليه، والأخرى أمسكت براحة يدها اليمنى، يرفعها ليحط بها على صدره الذي ينبض بعنف، يثقل بكفه ظهر يدها إلى مضغته الخافقة لها وبها.
نعم!! لها وبها ومنها وإليها نبض قلبه.

شهقة متعة خافتة بدرت منه عندما رفعت يدها اليسرى تتلمس خده الأيمن تداعب شعيرات ذقنه النامية، وهي تقول بهمسٍ:

-عشقتك "تميم"، منذ خمسة عشر عاماً، وأنت بقلبي كالوتين الذي يروي شراييني.

رفع بصره الذي يراقب عن كثب حركة شفاهها، يسلط انتباه جم على ما قالته الآن.

فهي لم تظهر بأحلامه إلا منذ ما يقارب الخمس سنوات، وفي بداية ظهورها ظن أن عقله باللاوعي شخصها في منامه مثله مثل أي شاب يتخيل هيئة فتاة أحلامه.

وتطورت مراحل أحلامه بها ففي اللقاءات الأولى بينهما في عالم الأحلام كانت صورة مشوشة أعجبته، ويوماً بعد يوم أخذت معالمها تتضح شيئاً فشيء.
ومن ثم ظهرت وكأنها طيف يراقبه، وبالأخير أصبح يحدثها وتحدثه، نعم لم تقل شيئاً عن نفسها فقط الاسم لا غير.

ولكنها كانت مستمعة جيدة، يفضي إليها بأحلامه وطموحاته، تشاكسه ويشاكسها، تغضب ويراضيها كأنهما يتحدثان عن بعد صورة وصوت.
لم يلمسها ولم يستشعرها حقيقة كالآن، ومع جمال تلك العلاقة الغريبة وصاحبتها توقف العقل عن تساؤلاته، خاصةً عندما كان يسألها عن نفسها وتتهرب من الإجابة.

ورغم دهشته الآن بتصريحها الأخير عن طول قصة العشق هذه وهو غافل.

إلا أن حركة يدها المداعبة أسكتت صوت العقل وهي تتلمس بإغواء جانب صفحة وجهه وعنقه، ونظراتها تتابع حركة يدها المتمهلة حد اللعنة، وافتتانها به الجلي بمقلتيها روى ظمأ ذكورة معذبة بحب ظنه خيال، فمنذ سنوات وهو يريد أن يشعر باستجابتها إليه، بتأثيره عليها كما الآن.

فبعد أن استكان لعلاقة القرب البعيد تلك التي تعايش معاها، إلا إنه بعد أن وقع لطيفها تمنى قرب كهذا، تمناه ولم يطلبه، ولم يكن يعرف أنه يمكن أن يحدث، ولم يتطرق عقله إلى لذة حدوثه كالآن.

حبيبته الجاحدة لا ترحم، إذ بدأت أناملها تعبث بأزرار قميصه تفتح أولها، وهي تلتقط الخاتم المدلى بسلسال فضي معلق إلى رقبة "تميم" منقوش عليه بعض الرسوم التي تعلم معناها ولكنها بالطبع مبهمة بالنسبة إليه، تقول بعد أن خفض بصره إلى ما تعبث به يدها:

-أتذكر أين وجدت هذا الخاتم؟!

أومأ بالإيجاب ولا يعلم إلام ترنو!! أو علام أومأ!!
فقط لمسة يدها شوشت على مراكز الإدراك بل على كل خلايا المخ، وأنفاسه بدأت بالتهدج حرفياً، وهي تستكمل حل وثاق بقية الأزرار واحد يلو الآخر، وكل مكان ينعم بملمس يدها ينتفض لمتعة الإحساس بها كل الخلايا المجاورة، ويبدأ الدم بالتدافع إلى القلب يزيد من لهاجه

وعندما أعاقها أحد تلك الأزار العنيدة عن استكمال جولتها الممتعة، وكذلك الانقباض المترقب لعضلات بطنه لتوقف مسار يدها عند هذا اللعين جعله يحرر يدها التي يثقلها إلى صدره؛ لترفع نظراتها إليه تجده شاخص بها وبما تفعل، وهو يبتلع مبللاً شفاهه التي جفت بسبب لهيب الأنفاس الحائرة شوقاً ولهفة.

ومع ارتفاع يدها لتستكمل ما تفعل حطت يده، تستقر على خصرها، ضاغطاً عليه لا إرادياً مع آخر زر حُرِر قيده من هذه الأزرار، لاعناً رتابة الصنع، فلِمَ لم يبتكروا قمصان تُفك أزرارها بالإشارة أو بالإحساس؟!

"تميم" وحالته يصعب وصفها، قائلاً بصوت متحشرج:

-ارحمي "يامور"، قلبي لا يتوقف عن النبض.

رفعت بصرها إليه تقول بابتهاج:

-ها قد انتهيت.

تجعد جبينه بدهشة، وهو يردد:

-انتهيتِ!! تعني بدأتِ، لا انتهيتِ؟!

هزت رأسها بنفي، وهي تزيح الطرف الأيسر للقميص تؤشر بسبابتها على موضع جرح قديم بجانب قلبه:

-أتذكر اليوم الذي أُصبت فيه بهذا الجرح؟!

ازداد تعجب "تميم"، ولم يفهم ما علاقة هذه الندبة التي تركها جرحٌ أصيب به وهو صبي بعمر السابعة عشر بما كان على وشك الحدوث!!

"تميم" وقد تملكت منه الحيرة، يسأل باستفسار قائلاً وهو يقلب عينيه باستنكار:

-ما به اليوم؟! وما علاقة الجرح بما نحن به الآن يا فصيلة كهرباء مشاعر "تميم"؟!

احتل الحزن معالم وجهها، وهي تتسائل بينها وبين نفسها -كيف له أن ينس أول لقاء بينهما؟!

حرر "تميم" خصرها، يضع يده أسفل ذقنها يرفع رأسها إليه، وذلك عندما لاحظ الوجوم على معالم وجهها، يقول:

-ما بكِ حبيبي؟!

"يامور":

-أشعر بالحزن فأنا تلك الفتاة التي تلقيت عنها هذا العيار الناري وكدت تخسر حياتك بسببها، فأعطتك من عمرها لتبقَ على قيد الحياة.

-لقد نُقِلت إلى المشفى وأنت شبه فاقد للروح، فالطلقة التي تلقيتها عني لم تكن باروداً، وهذا ليس خاتم عادي.

-إنه صك التحصين خاصتي.

هل ستقبل "يامور" بزواجها من "راكان"؟!

وترى ماذا حدث مع من قتله العشق "صفوان"؟!
انتظروا منبع الغرام، الخجول "صفوان" بالبارت القادم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي