الفصل 17 اتهام

عند "تميم" و"يامور".
تقاذفته الأفكار من بحر حيرةٍ إلى شاطئ الضياع، فبعد اعتقاده باستدراكه لما ترمي إليه، ها هو يقف أمامها بتشتت، وماهيتها هي شغله الشاغل.
هل هي طيفٌ من نسج خياله المريض؟!
أم شبحٍ لشخصٍ فارق الحياة وظلت روحه معلقةٌ بصانع جميل؟!
أو ربما تريده ليقتص من قاتليها ؟!
وإن لم يكن كل هذا فهل كما ظن مسبقاً أنها جنيته العاشقة؟!

وإن كانت هذه أو تلك، من هو ذاك الذي يرغب بحضورها؟!
وماذا يعني لها لتتركه هو في غياهب الضياع ووحشة الغيرة التي تتآكله؟!

بينما من بُعِثوا من ثباتهم ينظرون إليه بدهشةٍ واستغراب.
فاجتسته "عفاف" من دوامة ظنونه، قائلة بتعجبٍ:

-ما بك "تميم"؟!
-لم تقف هكذا كالصنم؟!

زفر "تميم" أنفاسه بنزقٍ، يقول بتساؤلٍ:

-لا شيء أمي، هل أنتِ بخير؟!

زادت دهشة "عفاف"؛ لتُجِب عن سؤاله بسؤال:

-مَن منا يجب أن يسأل هذا السؤال؟!

قطب "تميم" جبينه، متسائلاً:

-هل تشعرين بألمٍ في الرقبة أو فقرات العنق؟!

رفعت "عفاف" يمينها إلى عنقها باستكشافٍ، قائلة:

-ما به عنقي؟!

"تميم" موجهاً حديثه إلى "أكرم"، قائلاً:

-وأنت أبي ألن تتحدث إلى العم "سليمان" بشأن "همس"؟!

"أكرم" وقد جلس إلى طاولة الطعام، وبدأ في تناول فطوره بالفعل، مجيباً وهو يلوك الطعام الذي في فمه:

-لا أفهم ما تعني!! هل هناك شيئاً لا أعرفه بخصوص "همس"؟!

بينما ناظرته "همس" زاويةً ما بين حاجبيها بتعجبٍ، فكيف عرف "تميم" أنها حضرت اليوم؛ كي توسط "أكرم" لدى أبيها، كونها ترغب في السفر إلى جنوب أفريقيا؛ لتصوير إعلانٍ تجاري لصالح شركةٍ عالمية معروفة، وقادها اليأس إلى هنا منذ الصباح، وذلك عندنا علمت ليلة أمس أن مخرج الدعاية لديهم قد اختار هذا الموقع تحديداً للتصوير، وهي تعلم علم اليقين أن والدها سيرفض دون نقاش.

لو أتاها هذا الخبر في اليوم السابق فلم تكن لتنتظر طوال ليلتها تعد الدقائق والساعات حتى تبزغ شمس هذا اليوم؛ كي تأتي إلى هنا بل كانت ستفعلها فور قطع المكالمة مع مديرة مكتب صاحب الشركة "أيهم الغازولي"، هذا الشاب الثري الذي وإن كان قد شارف على الأربعين من عمره أو يقل عن ذلك بسنتين أو ثلاثة على الأكثر.
إلا أن من يراه يعتقد بأنه لم يتخط الثلاثين بعد، وبالرغم من وسامته ومكانته المرموقة بسوق المال والتجارة، ولكنه لم يُقبِل على الزواج حتى الآن، ولم يُشاع عنه يوماً أنه ارتبط بفتاة أو على الأقل مجرد إعلان خطبةٍ له بإحداهن، والسبب مجهولٌ حتى الآن.

تأملت "همس" أنه إذا كان "أكرم" هو الوسيط في تلقين الخبر لأبيها فربما تكون لديها فرصة للمشاركة في عمل كهذا إذ يعتبر ظهورها ك"موديل" دعاية لشركة كتلك، لها فروع في كل أنحاء العالم بمثابة جواز مرور للسينما العالمية وبعدها سيصعد نجمها في عالم الفن، وربما تنهال عليها العروض من شركات الإنتاج السينمائي.

تحمحمت "همس" وهي ترمق "تميم" بأعينٍ متوسلة وكأنها تناشده المساندة، تُوجه حديثها إلى العم "أكرم" وما أن يتم مرادها في إقناعه بمساعدة "تميم"، ستستفهم منه فيما بعد كيف علم بما جائت تفضي به إلى "أكرم" :

-أجل عمي "أكرم" لابد وأن تتحدث إلى أبي، فأنا و"تميم" درسنا الأمر جيداً، وهو يؤيدني الرأي، أليس كذلك "تميم"؟!

ارتد بصر "تميم" إليها يرمقها بذهولٍ؛ حتى كاد رأسه أن يستدير كبندول ساعةٍ من الصدمة، قائلاً بتساؤلٍ يشوبه الريبة:

-ماذا؟!

غمزته "همس"؛ ليهادن، فالتقطتها "عفاف" تبتسم ببلاهة، وقد زادت تلك الإيماءات ما بين هذا المصعوق وتلك الغامضة، من تخمر الفكرة ذاتها بعقلها، تلك التي محتها "يامور" من ذاكرة الجميع، عازمة وهي على اعتقادٍ تام بأنه لا يوجد سوى الزواج فهو الحل الأمثل الذي سيصلح من حال وحيدها، لكن ما دام هناك تواصل بينهما لن تتدخل بالوقت الراهن؛ فهي أدرى الناس بعناد "تميم".

وكذلك لن تأخذ دور المتفرج بل ستسعى لخلق الفرص لتقربهما إلى بعضهما؛ حتي يأتِ لحاله حدها يطالبها هي وأبيه بالذهاب لخطبتها إليه من والدها، وهذا الرأي على غرار ما كان منذ قليل وموقف "عفاف" الجديد المناقض لسابقه هو القرار الأصوب وبه خير للجميع مؤقتاً فلا ضامن لردة فعل أميرة الجن خاصته فصادف رشاد الأم ما تشتهيه سفن تلك الغيورة، استفاقت عقل وسداد فكر من قِبَل "عفاف" جائت بوقتها؛ إذ أن اندلاع غيرة كيان ك"يامور" سينجم عنه حرق الأخضر واليابس .

فحتماً لن تقف "يامور" مكتوفة الإيدي، وذلك عندما تنتوي إحداهن مشاركتها به، و بالطبع سيسود قانون الغابة ألا وهو "البقاء للأقوى" وهنا المبارة محسومة من أول جولة  لصالح أميرة الجن القمري "يامور".

بينما زادت "همس" الأمر سوءاً، عندما قالت:

-هل ستتراجع الآن "تميم"؟!
-لقد وعدتني إنك لن تتخاذل!!

كل فردٍ من المستمعين حلل الأمر من منظوره، فقد ظنت "عفاف" أن ابنها الذي عمدت على تنشأته نشأة صحيحة تزرع به الأخلاق القويمة وتقوى الله، غرر بالفتاة وسلبها أغلى ما تملك مستنبطة هذا من كلمتين "وعدتني _ تتخاذل"، بينما أخذ "تميم" يدور حول نفسه بعدم استيعاب متسائلاً:

-أفقد عقله حقاً؛ إذ يتوهم أشياءً، ويتناسى الأخرى؟!
-إنه لا يتذكر شيئاً مما تقوله "همس"!!
-أ من الممكن أن يكن قد انمحت من ذاكرة والديه ما دار منذ قليل، بينما "همس" وحدها مَن تتذكر؟!
-حتى ولو هذا ما حدث هل الفتاة هي من تخ....

انقطعت حبائل أفكاره ليزداد العجب، وذلك عندما استكملت "همس" حديثها الموجه إلى "أكرم":

-عمي "أكرم"، إذا لم تتحدث إلى أبي وتقنعه، أنا سأفعل حتى وإن قتلني بعدها.

"أكرم" بدهشة، وبدأت مسار أفكاره تأخذ نهج زوجته، قائلاً:

-اهدئي "همس"، أنا لا أفهم منكِ شيئاً.

ومن ثَمَّ وجه حديثه اللاذع هذا إلى "تميم"، متسائلاً بنبرة حادة:

-انطق وافهمني، ماذا حدث؟!

هنا ولم تستطع "عفاف" منع حالها من الحديث، بينما تصنم "تميم" بموضعه بعد أن كان هائماً على وجهه يقطع الغرفة ذهاباً وإياباً، ولم يستوعب بعد، هل الفتاة هي من تتقدم لخطبة الشاب أم العكس؟!

"عفاف" بإتهام:

-وهل ما تقوله "همس" بحاجةٍ إلى التوضيح؟!
-ابنك المحترم، اعتدى على شرفها وشرف صديق عمرك بكل خسة.

"تميم" و"همس" بأعينٍ جاحظة، يرددان ببلاهة، وكأنهما فريق كورال:

-ماذاااا؟!

انفصلت "همس" عن هذا "الدويتو" الثنائي، تقول باستياء :

-ماذا تقولين سيدة "عفاف"؟! بالطبع لا أخلاقي ولا أخلاق "تميم" ولا ما ربينا عليه يجعلنا نخون ثقتكم؟!
-أنسيتي أنكِ مَن كنتِ تهتمين بي منذ وفاة والدتي أي منذ عشر سنوات، كان حينها "تميم" بالسابعة عشر، وكنت وقتها في العاشرة من عمري.

-كان يعاملني كطفلته بالرغم من أن الفارق بيننا في العمر لم يكن كبيراً إلى هذا الحد.

-وعندما بلغت السادسة عشر وأصبحت قادرة على الاعتماد على نفسي، أنتِ مَن علمتني كيف أحافظ على نفسي.

-وأفهمتيني أنه لا يصح أن أعيش معكم هنا وفي البيت شاب أعزب؛ لذا عدت للمبيت في بيت والدي، لقد عشت معكم أكثر مما عشت معه، وعاشرتك وتعلمت منكِ ما لم أحظَ بفرصةٍ لأتعلمه على يد أمي رحمها الله.

-لقد كنت عما قريب أدعوه ب"أبيه تميم"؛ حتى طلبتي مني أن أتوقف عن مخاطبته بهذا اللقب.

أطرقت "عفاف" رأسها بخزي عندما لاحت الدموع بعيني "همس" العسليتين، بينما زجرها "أكرم" بنظراته على سوء تخمينهما معاً، فإذا ظنا السوء بهذه اليتيمة فكيف لهما أن يشككوا بأخلاق ولدهما، لذا هم "أكرم" يقول بمواساة:

-أعتذر لك ابنت........

ولكن انقطع حديثه، عندما انتفضت "همس" من جلستها تهرول إلى الخارج باتجاه باب الشقة، ولم يستطع "تميم" سوى أن يتبعها.

"أكرم" بلوم:

-ما الذي قولته هذا "عفاف"؟!
-لقد أحرجت الفتاة؟!
-واتهمت ابنك بالباطل؟!
-ولو سردتُ ما حدث على "سليمان" سيقاطعني فيها.

"عفاف" بتبرير:

-ألم تستمع إلى ما دار؟! أنت ذاتك قد شرد عقلك بهذا الاتجاه، وظهر هذا جلياً على تعبيرات وجهك .

-ولكن ما يحيرني، ماذا كان مقصدها وراء ما قالت!!

هب "أكرم" من مقعده هو الآخر يلقي المحرمة التي بيديه على الطاولة بنزق، يعقب باستهجان:

-فضولك واندفاعك هذا، أصبح شيء مبالغ به "عفاف".

بينما خرجت "همس" مسرعة، تاركةً باب الشقة مفتوحٌ عن غير عمد، قاطعة الممر الخاص بالشقق المتواجدة في الدور برؤية مشوشة؛ إثر غيمة الدموع التي فاضت بها مقلتيها، خُطاها مذبذبة واجتاحتها حالة من القهر أدت إلى عدم اتزان ملحوظ حتى كادت أن تتعثر عدة مرات لولا استنادها في كل مرة على أقرب جدار، ولا تعلم كيف وصلت حتى باب المصعد الكهربائي.

أما من يتبعها وهو "تميم" قد آلمه قلبه عليها، نعم فهي كما قالت بالداخل "ابنته" ، إنه لم يشعر تجاهها في السابق سوى بالمسئولية والحماية وتلك هي أحاسيسه نحوها للآن.

حتى بعد أن كبرت أمام أعينه لم يُكِن لها ما هو أبعد من ذلك، يتقابلا، يتحدثا، ولكن دوماً ما كانت "يامور" هي حلمه منذ أن عرف قلبه معنى الحب.

أما عن "همس" فمن الممكن أن تُكن قد أُعجبت في مراهقتها ب"تميم"، كما أنها لن تنكر إنه لو كان قد تقدم راغباً في خطبتها سابقاً لفكرت جدياً بالأمر، لكن الآن تغيرت نظرتها للحياة، فهي تريد أن تصبح "امرأة مسئولة" تشق طريقها لحالها، لا أن تعش حياة رتيبة تقليدية في كنف رجل.

طموحها أبعد من الزواج بل تأخذها الأحلام على جناحي طائر رخ إلى العالمية، فالشهرة و الأضواء هما شغلها الشاغل، وبعد أن تصل إلى ما تريد من نجاحات، ربما ستفكر في وقت لاحق بفكرة الارتباط وتكوين أسرة.

لِم العجلة؟! على أية حال فهي لم تتم الحادية والعشرين من عمرها بعد.

بالنسبة إليه الموقف محرج للغاية، أما هي ففي موقف لا تحسد عليه، ازداد نشيجها عندما تذكرت والدتها المتوفاة، ربما لو كانت على قيد الحياة ما وُضعت بموقفٍ مسيء كهذا، ولم تتجرأ "عفاف" على إهانتها بهذا الشكل، ولو أقدمت على فعلها أخرى غير "عفاف" صاحبة الفضل عليها ما أضطرت لبلع لسانها الطويل في الحق كما يقول والدها ف"همس" صاحبة التطلعات من مواليد برج الجدي.

عملية وأخلاقها رزينة، دوما ما تسعى وراء مرادها، فإذا كان المبتغى هو الزواج، فحتماً ستختار الرجل المناسب الذى سيصبح ذا شأن اجتماعى ومادى وأباً متكاملاً لأولادها هذا إذا رغبت بالارتباط، امرأة ملفتة ورغم جمالها لا تفرض نفسها أو تدفع بذاتها إلى الانتقادات، لا تتكلم أو تضحك بصوت مرتفع، قد تجلس فى آخر مقعد بالغرفة منطوية.

ولكن انتظر فهى تراقب لترى من أين تبدأ رحلتها إلى قمة جبلها، تعرف ما تريد ولن يعوقها شيئاً للوصول إليه.

دوماً ما تظن أنها سلالة أرقى وأعلى الأشخاص قدراً، وقد تكون امرأة الجدي من أسرة فقيرة تكدح من أجل قوت يومها، ومع ذلك تنطق تصرفاتها وتحركاتها بأصول الذوق والإتيكيت والبروتوكول وما إلى ذلك، وهذا ليس كبراً ولكنها أنثى الجدي يا سادة، فما بالنا بمَن ربت على العز والثراء، قطعاً ستكون أكثرهن ذوقاً ورقي.

ليست باردة كما تبدو، بل يمكنها أن تكون حساسة ودافئة جداً وخجولة ومتحفظة كما هي بطلتنا الآن.

ويمكنها أن تعطي أفضل ما عندها، للشخص المناسب، ولكنها أبداً لا تظهر ضعفها أمام آدم فإما أن تكون مقداماً وتمتلكها وإلا فلتنسَ الأمر.

لا تحاول عزيزي الرجل فكي تلفت انتباهها، يشترط أن تتحلى بصفتين أساسيتين:

الإخلاص والصدق. فالحب لديها لا يندرج تحت بند الألعاب أو تمضية الوقت، بل هو ارتباط عميق وجدّي على مدى العمر.

فهي محبة للأمور الجسدية والحسية، بحيث يشعر كل من حولها بحبها هذا، وحاجتها الى التواصل.
قيادية وتحب أن تكن الأمور تحت سيطرتها، لكنها قادرة على استباق رغبات الآخر والشعور بها بحدسها، فلك أن تتخيل تلك الخاصية إن أسرتها وجعلتها امرأتك.

إنها أنثى الجدي جنة الله على الأرض إذا أحبتك، ونار الله الموقدة إذا سقطت من نظرها.
فرس يحتاج إلى خيال.

يعلمها "تميم جيداً، ودوما ما كان يتحفظ بشأن عنادها، ويعرف أيضاً أنه إذا اقترب منها الآن سيزداد الأمر سوءاً، ولكن حالتها غير مطمئنة على الإطلاق، ربت على كتفها فتوقفت عن النشيج تكف عن البكاء، رافعةً يدها تزيل عن وجنتيها آثار الدموع العالقة بين أهدابها الكثيفة، سحبت نفس عميق ومن ثم أخرجته بتمهل.

واستدارت لتقابله بهيئة توحي ببراعتها في التمثيل وتقمص الأدوار؛ لذا يجب ألا تتوانى عن الكفاح من أجل الوصول إلى حلمها.

فشخصيتها الجديوية تساعدها على ذلك وموهبتها الفريدة ستجعلها الأفضل على الإطلاق، وهذا استناداً إلى ما حباها الله به من جمال شرقي ينضح بأنوثة طاغية، فبرغم قوتها إلا إنها فاتنة حد اللعنة.

وبرغم مميزاتها العديدة، ولكن ما حاجة "تميم" إلى قوتها تلك؟!
وما "تميم" بقادر على تلجيمها، وهذا ليس ضعفاً منه، وإنما تناقض بينهما فهما أشبه بقضبان القطار الحديدة لن يجتمعا مهما امتد بهما العمر، وإن حدث ستكن الطامة الكبرى.

"تميم" بمؤازرة، احتسبتها شفقة:

-"همس" لا تذهبي وأنت على هذه الحالة.

رفعت رأسها إليه بأنف شامخ، تقول مدعيةً القوة والصلابة وهي الآن أبعد ما يكون عن ذلك:

-ما بها حالتي؟! أنا على خير ما يرام.

هز "تميم" رأسه بيأس منها، فهي أبداً لن تعترف بكسر ولن تخضع لقهر، قال بمراوغة فمما دار بالداخل يستشف أنها بحاجة للدعم وهناك شيء ما تريد مساعدته لها به، ولكن بعد ما حدث لن تطلبها:

-أوف أشعر بالملل، هلا ذهبنا إلى أي مقهى نحتسي فنجاني قهوة؟!

-أم لم تعودي تحتسيها مثل بقية الفتيات؟! فجميعهن يفضلن المثلجات.

يتحدها فانساقت لعنادها، أثار حفيظتها بمكر فقبلت التحدي برحابة، تقول بامتعاض:

-لست كالأخريات.

ابتسم "تميم"، ضاغطاً على زر المصعد، يفتح بابه يشير إليها بالتقدم قائلاً:

-النساء أولاً.

"همس" وقد استحضرت روح الدعابة:

-سأعتبرها من آداب اللياقة، وليس تقليلاً، لذا سأتقدم.

خُلِقت لتعترض وربما هذا ميزة وليس عيب من وجهة نظر البعض ولكن "تميم" ليس منهم، على أية حال لكل جامح لجام، ولكنها لم تقابل لَجَّامها بعد.

استقلا المصعد، هو مضطر وهي آملة، نخوته أبت تركها على تلك الحالة، وطموحها يجعلها تفعل المستحيل كي تصل إلى ما ترغب.

ومن خلال عشرتها ل"تميم" تعلم أنه لن يتخلَ عنها وتعرف أيضاً أن أباها يقدره ويعتبره ابناً له، وحتماً سيؤثر عليه وربما ستطلب من "تميم" أن يجعل العم "أكرم" يؤيد موقفها فبالطبع سيستشيره والدها بخصوص الأمر فلا أحد منهما يخفي شيئاً عن صديقه.

غادرا البناية بعد توقف المصعد بالدور الأرضي، قاصدان أقرب مقهى، ولجا إليه يتجالسان على طاولة ثنائية، وعندما اقترب النادل ليلبي طالباتهم بادرت "همس" بالحديث مما أزعج "تميم"، ولكنه لم يعقب.

"همس" إلى النادل:

-فنجاني قهوة من فضلك.

ترى ماذا ستكون ردة فعل جنيته على مقابلتهما تلك؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي