الفصل 23 عاشق في مأزق

ضيعها بغبائه أو هكذا ظن؛ لذا ظل أعماراً يجلد ذاته ويُحَمِّل حاله ذنب فقدانها، وليفته وخليلته وحب تملك منه حد النخاع، وما إن صار أسيرها هجرته إلى الأبد وهو السبب.
إنه "دي إتش مان".

أما عنها فقد جرفتها أحلامها الوصولية إلى فنائها، إذ قادتها آمالها وما وعدها به البابا خاصتهم، إلى التخلي عنه هذا ما إذا كانت قد أحبته بالفعل، ولكنه عما قريب بدأ يشك في ذلك، وبالرغم مما وصله إلا إنه حبيس ماضيه معها ولا يقوى على طرد ذكراها.
                     ---------------
في عهد سابق عقد إبليس جلسةً، ضم فيها جميع أفراد مجلس الوزراء الخاص به،وذلك في مكمنه الذي نصب عليه عرشه أعلى منطقة كانت ولا زالت محور نقاش وخلاف وتناقض في بعض الأحيان.

إنها منطقة مثلث برمودا تلك المنطقة التي أُشِيعت مؤخراً خرافات وحقائق بشأنها، قصص وأساطير نُسِجت حول المثلث البحري الأكثر خطورة وإثارة للجدل بعضها متقن الحبكة وآخر لا يتعدى الأكاذيب.

فعلى الرغم من أن عدد السفن والطائرات التي اختفت في منطقة مثلث برمودا غير معروف.

إلا أن معظم التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن هناك نحو 50 سفينة و 20 طائرة اختفت في هذه المنطقة على مدى السنوات الـمائة الماضية وفُقِد كثيرون على متنها.

في حين أن أقر بعض علماء الچيولوچيا أن لغز مثلث برمودا لا يعدو كونه قصة خيالية، إلا أنه طالما أثار هذا اللغز حيرة العلماء والباحثين وألهب خيال الكتّاب الذين برعوا في كتابات وتأليف قصص خرافية لا حصر لها تُرْجِم بعضها إلى أعمال فنية مؤداة، ومن بينها أفلام سينمائية حققت أعلى الإيرادات.

لكن ما أذاعوه واجتهدوا في صياغته على أي صورة لم يأتِ من فراغ، ففي هذه المساحة الشاسعة من المحيط الأطلسي بمحاذاة الساحل الجنوبي الشرقي من الولايات المتحدة؛ غرقت سفن بطاقمها وربانها ومن استقلها بغرض السفر والتنقل، أو لأغراض ملاحية وما إلى ذلك.

سفن بضخامة ال "تايتنك"، أي مدينة بأكملها ابتلعها المحيط، ولم يُعثر لها على أي أثر.

وكذلك طائرات عملاقة من النوع "چامبو" التي تحمل على متنها العشرات بل المئات من المسافرين، اختفت من على شاشات الرادار وكأنما أُلقيت عليها تعويذة سحرية فأصبحت في خبر كان، وما ذهب مع الريح كان مرصوداً من قِبَل المتابعين ولكنه تلاشى بلمح البصر.

وقيل بما لا يدع مجالاً للشك وذلك من مصادر موثوق بها، في تصريح على ألسنة المسئولين فلا جدال في هذا، ولا ندعي، كلها معلومات موثقة ومسجلة عبر مواقعهم ونحن فقط نعرضها عليكم لنحللها سوياً، وكان ما ورد أن هناك طائرات تحمل فرق إنقاذ غادرت قواعد قوات الإغاثة فور تلقيهم إشارات من المسئولين تأمرهم بالانطلاق للبحث عن تلك الطائرات التي اختفت بأكملها من على شاشات الرصد، ولكن حتى فرق الإنقاذ الجوي غرقت هي الأخرى في المحيط أثناء تحليقها فوق هذا المثلث وكذلك تلاشت ولم يظهر لها أي أثر.

وبالرغم من أن مثلث برمودا يشغل مساحة كبيرة من المحيط الأطلسي، وهذه المنطقة تتخذ شكل مثلث عجيب.

لكن لا توجد أي خرائط رسمية تُعَيّن حدود المنطقة التي يقع بها مثلث برمودا، ولم يُعترف به كمنطقة رسمية في المحيط الأطلسي.

تعود قصص اختفاء السفن والطائرات الغامض في مثلث برمودا إلى القرن التاسع عشر.

ففي عام ألف وثمانمائة وثمانين اختفت سفينة تدريبية أبحرت من جزر برمودا، واختفى كذلك طاقمها ومن هم على متنها.

وفي عام ألف وتسعمائة وأربعة عشر، اختفت سفينة شحن تابعة للبحرية الأميركية، وفُقد على إثر هذا الحادث نحو ثلاثمائة وثمانية شخصاً من طاقم السفينة والركاب كانوا على متنها بعد مغادرة جزيرة بربادوس.

ليس هذا وحسب بل كانت السفينة محملة بآلاف الأطنان من المنجنيز. والعجيب أن السفينة والركاب لم يُعثر لهم على أثر في سابقة لا مثيل لها يحفها الغموض والريبة.

وفي عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين، اختفى سرب من خمس قاذفات طوربيد أميركية، وذلك أثناء تحليقها فوق منطقة مثلث برمودا، وفُقد أربعة عشر طياراً ومساعداً كانوا على متنها.

وما زاد الأمر عجباً أن طائرة الإنقاذ التي أُرسِلت من قِبل المختصين بهذا الشأن للبحث والتحري عن القاذفات الخمسة وكان على متنها ثلاثة عشر شخصاً اختفت أيضا فوق المثلث.

وأرجأ المحققون التابعون للبحرية الأميركية أن سبب الحادثة "مجهول"، ولا يوجد تفسيراً منطقياً لما حدث.

ومنذ ذلك الحين، طفق الكتّاب والعاملين بالصحف الصفراء ينسجون نظريات المؤامرة وتوسيع حجم الخلافات الدولية وهذا فقط لتفسير نمط اختفاء السفن والطائرات في تلك المنطقة.

كما اختلق بعض العلمانيين وآخرين من المستشرقين في كتاباتهم أساطير، تجزم بأن هناك أرواح شريرة تسيطر على المنطقة، وتلك الأرواح عائدة لساكني جزيرة "أطلانتس" المفقودة، وزعموا أن هذه الأرواح هي المسئولة عن حوادث اختفاء السفن والطائرات.
أي هراء هذا!!

ولمزيد من التجويد أثار هذا التفسير مخيلة أخرين، فمنهم من جَوَّد ليشطح خياله إلى الأفق البعيد، وهذا عندما زعم أن هذه المدينة الوهمية يستخدم سكانها في قاع المحيط "الطاقات البلورية" لسحب السفن والطائرات إلى القاع.

وهل يوجد أشباح تتمتع بهذا القدر من العلم لم يسبقهم إليه أحد من العلماء والباحثين، اعتماداً على ما أوتوا من درجات العلم وما يتوفر لديهم من إمكانيات وأجهزة حديثة؟!

وبمرور السنين، انتشرت كثير من النظريات العبثية لتفسير لغز اختفاء السفن والطائرات، مثل نظرية وجود بوابات زمنية تُمكِن المار من خلالها سواء بمحض الصدفة أو عن عمد الانتقال إلى بُعدٍ زمني آخر وذلك يرجع إلى انحراف في نسيج الزمان والمكان على حد قولهم ونظرياتهم غير المنطقية، وتلك البوابات ربما تُفتح في هذه البقعة.

تفسير آخر تعدى أقصى حدود الخيال العلمي المسموح به، فيجب تحري الصدق حتى لا يتلاعب الراوي بعقلية المتلقي فيصبح بعالم مواز، فلا تستهين بعقلية الآخرين.

والتفسير الأكثر فكاهة على الإطلاق، هو زعم فئة من هؤلاء العلمانيين أن هناك كائنات فضائية أقامت قواعدها في قاع المحيط، وتعمل على اصطياد هذه السفن و الطائرات للإيقاع بمَن هم على متنها ليكونوا قرابين لأرواحهم الحائرة فيتغذون على دمائهم لشحن طاقتهم.

أتقصدون مصاصي دماء على ما أظن!!!!!

في حين طفق آخرون يجوِّدون بتبريرات واهية أشباه بسيناريوهات ال "ڤانتازيا" والرعب التي تعرض على الشاشات.

ولكن الفرق أن المعالجة السينمائية لهذه السيناريوهات لولا إقرارها لواقع يريد هؤلاء الدجالين والمشعوذين فرضه عنوة، لرُفعت لمؤلفيه القبعات إشادة بخيالهم الخصب.

وذلك عندما أعربوا أن منطقة مثلث برمودا تسكنها أرواح الرقيق الأفارقة الذين كان البحارة يلقون بهم في المياه في طريقهم إلى الولايات المتحدة، وأن أصوات الأرواح يمكن سماعها أثناء الإبحار في هذه المياه سيئة السمعة.

وعلى صعيدٍ آخر، انتشرت أيضاً تفسيرات جيولوجية وعلمية مقبولة نوعاً ما سجلتها المواقع المختصة بدراسة الطفرات الكونية لاختفاء الطائرات والسفن في هذه المنطقة ولكنها بعيدة الأفق، وذلك كون سببها ظواهر طبيعية شديدة الندرة ولا يعرفها إلا قليلون.

وتلك التفسيرات تجزم بأن فقاعات غاز الميثان الضخمة بإمكانها إغراق السفن. إذ بنى الباحثون نموذجاً لسفينة وأطلقوا فقاعات غاز ولاحظوا أن السفينة فقدت توازنها وغرقت في المياه.

وإن كان ظاهرة إطلاق هيدرات الميثان قد تفسر اختفاء السفن في المحيط الأطلنطي.

وحتى وإن ذكر الباحثون أن هناك جيوباً من الغازات ولا سيما الميثان أسفل التربة الصقيعية بقاع المحيطات في العمق.

وأنه عندما يتحول ثلج الميثان في أعماق المحيط إلى غاز يطلق فقاعات ضخمة في الهواء قد تؤثر على المياه.

وربما تتسبب صواعق في إشعال فقاعة ضخمة من الميثان أثناء صعودها إلى السطح بجوار السفينة أو الطائرة وتتسبب في غرقها.

وورد عن هؤلاء الباحثين بعددالعديد من التجارب المعملية الفاذة أن تحول ثلج الميثان إلى غاز قد يسبب انفجاراً أشد فتكاً من القنابل النووية ، ويطلق كميات هائلة من الغاز، وهذا يتسبب في تسخين المحيط وغرق السفن في المياه المشبعة بالغاز.

وقد يصاحب ذلك اضطرابات جوية شديدة بسبب تشبع الهواء بالميثان، قد تؤدي إلى تحطم الطائرات.

غير أنه لم يُعثر على أدلة تثبت هذه الظاهرة، ولم يسجل العلماء أي فقاعات للميثان بهذا الحجم في التاريخ الحديث سواء من قِبل الباحثين العرب أوالأجانب المؤيدين لتلك النظرية.

وتشير الأدلة إلى أن آخر انهيار وإطلاق للغاز بسبب تحلل هيدرات الميثان قد وقع في نهاية العصر الجليدي منذ نحو خمسة عشر ألف عام حين كان منسوب مياه البحر أكثر انخفاضاً.

أما ما نحن بصدده من ألغاز، وقعت على مدى قرون عديدة ولم تتوقف بوقوع حادثة العصر الجليدي.

وثمة نظرية أخرى شائعة مفادها أن اختفاء السفن في هذه المنطقة سببه ما يطلق عليه "الأمواج المارقة" أو القاتلة، وهي أمواج استثنائية متطرفة قد تتكون بلا مقدمات وقد يصل طول الواحدة منها إلى ثلاثين متراً، وهذه الأمواج لها من القوة والشراسة ما يمكنها تدمير سفن وطائرات بأكملها.

وبحسب الإدارة الوطنية الأميركية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي، فإن هذه الأمواج تتشكل إثر اصطدام الأمواج التي تكونت بفعل العواصف، بالأمواج المعتادة، ومن ثم تلتحم الأمواج ببعضها وتشكل أمواجاً كالجبال.

وأن مثلث برمودا يقع في منطقة تتلاقى فيها العواصف من مختلف الاتجاهات وتزيد فرص ظهور الأمواج القاتلة.

وتمر غالبية العواصف والأعاصير الأطلسية عبر مثلث برمودا، وقد دُمر كثير من السفن قبل تطور الأرصاد الجوية.
وقد يتسبب تيار الخليج وهو تيار دافئ سريع ينشأ في خليج المكسيك ويمتد حتى طرف فلوريدا في تغيرات عنيفة وسريعة في الطقس.

ولكن حتى بعد التطورات التي توصل إليها خبراء الأرصاد الجوية وكذلك ما يعتمدوه من وسائل وأجهزة حديثة، لم تسجل تلك الجهات حدث كهذا!!

وآخرون لهم رأي علمي ألا وهو أنه ثمة أدلة تثبت أن الإبرة المغناطيسية في مثلث برمودا تشير أحياناً إلى الشمال "الأرضي" وليس الشمال "المغناطيسي"، وهذا يعني أن البوصلة لا تشير إلى الشمال بدقة في هذه المنطقة، مما يرمي إلى أن منطقة مثلث برمودا أقوى المناطق من حيث الجاذبية على سطح الكرة الأرضية.

كلها اجتهادات لا تفضي بالنهاية إلى حل لهذا اللغز، فمنهم من أرجع السبب إلى أمور ليس لها أساساً من الصحة، أو ظواهر كونية لم يُدركها أحد أو ترصدها أي جهة.

مهلاً!!
السبب جاذبية، مدينة مفقودة، قوة المد والجزر، كائنات فضائية، نظريات وهمية............ أياً كان السبب.

السؤال الأهم: - أين حطام تلك السفن و الطائرات؟!
أين جثث الضحايا والمفقودين؟!

عذراً لكل من اجتهد وفسر رغبة في المعرفة، أو كان له أغراض تضليلية أخرى.

ولكن بالرغم من أنني لا أعلم عن تفاعلاتكم الكيميائية شيئاً.

ولا إحصائيات انفجاراتكم الخزعبلية كان لها نتاج في تفسير ما يحدث، إلا أنني أملك سندا قوياً، وهو ما ورد في السنة النبوية إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
"إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة".

عودة إلى مجلس الوزراء الخاص بالبابا والذي أُقيم منذ ما يقارب الثلاثمائة عام.

وقتها كانت تلك المنطقة لا زالت بمأمن عن الرحلات الاستكشافية، وبالرغم من وقوع حوادث لسفن مرت ولكنها لم تعبر ولكن ليست أعداداً تذكر أو تسترعى قلق تلك الفئة من المخلوقات.

على العكس اعتبروها حروب استنزافية بينهم وبين معشر الإنس، وأصبحت ِأرواح مستقلي هذه السفن التي فقدت آن ذاك قرباناً للبابا وحاشيته، يتحايلون ومنهم يتغافلون عن أن أرواح من على متنها سُلِبت بإرادة من الله ولكن السبب معروف ألا وهو بغاء تلك العشيرة.

فكما يقال "تعددت الأسباب والموت واحد"، سبحانه من بيده ملكوت كل شيء، وَكَّل أحد ملائكته بإزهاق أرواح الفانين "فكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام".

ولكن أتُرى أرواح من فقدوا قد وجدت خلاصها إلى بارئها قبل أن تبتلعها المياه أم بعدها؟!
كلها أمور خص بها المولى ذاته، وعلمها عند الله.

أحد البصاصين من هؤلاء العدائيين، بعد أن طلب الإذن بالدخول، وريثما أن سُمِح له، توجه بحديثه إلى البابا:

-لقد حضرت "ريتا" ومعها "دهمان" كبير خدام البابا.

البابا بِكبرٍ وهو يؤشر إلى تابعه، قائلاً:

-أؤمرهما على لساني بالدخول كي ينضما إلى الحضور.

أحنى تابعه الذميم ذاك رأسه بهيئته المخفية تلك كحال آمره، قائلاً برضوخ مقزز:

-سمعاً وطاعة.

دخلا كلاً من "دهمان" بهيئته الأولية التي خُلِقت عليها عشيرته، ولكن تلك ال "ريتا" ولجت بصورةٍ بشرية تتلبسها على الدوام، ولكن شاكلتها الأصلية لا تختلف عمَن هي منتميةً إليهم.

تتهادى بابتزال بملابسها السافرة إذ لا ترتدي على جزئها العلوي سوى قطعةً صغيرة بالكاد تُرى، ولا يمكننا أن نقل ساترة لعورة من تتشكل في جسدها من بنات حواء.

أما عن القطعة السفلية فحدث ولا حرج، فما هي إلا شيءٌ شفاف لا يصل إلى منتصف فخذيها مصنوع من القماش الرقيق، يُظهر بوضوح خيوط رفيعة لتلك اللعنة التي ترتديها أسفل چيبها المتناهي الصغر، فيمكننا القول أن ما تضعه على جسدها يفضح أكثر مما يستر.

"ريتا" فتنة تمشي على ساقين، تغوي القديس.
فما بالنا بمَن هم منبع الفتن من أخدانها!!

الكل يحملق حتى البابا خاصتهم، وهناك من يحترق غيرة ويتميز غيظا ولو لم يتحكم بحاله لتصاعدت من مخارجه ألسنة لهب تبلغ شعلتها غسق السماء فتنير عتمة الليل.

زفر لاعناً تحت أنفاسه عنادها، أكم من المرات التي نهاها بها أن تكف عن مشاكستها له بما ترتديه أو بما لا ترتديه هذا علناً، أقربها وهما بالخارج في انتظار إذن كبيرهم للدخول، ولكنها لم ولن تمتثل.

عن أي مشاكسة تقصد "دهمان"؟!

ما تفعله التي تقودك خلفها بسلبة أبعد ما يكون عن الحب ومشاكساته.

وآخر همها إشعال لهيب غيرتك.

ما بشيطانتك، بغاءٌ يجري بأوردتها مجرى سائلها أياً كان، هذا ما إذا كان لديها أوردة من الأساس.

خبيثةٌ، وهذا ما خُلقت تحمله من چينات أصلها وهو البابا خاصتكم.

لئيمة، والمكر شعارها الرنان.

سيئة الطباع وهذا جليّّ من أفعالها.

أمطرها البابا بنظرات إعجابٍ لاحت بأعينٍ حمراء تعلو وجهاً قبيحاً، بحاجبٍ مرفوع وصل أعلى جبهته السوداء التي ثُبِت على كلا جانبيها قرون حمراء تشبه خاصة الثور، ومن ثم تحدث بصوتٍ غليظٍ مقيت، قائلاً بمديح:

-أهلاً بفاتنة عشيرتها ومحطمة قلوب أعدائنا.

ابتسمت بزهوٍ، ترفع أنفها بكبرٍ وكأنها مُنِحت للتو جائزة نوبل، تقول بغنجٍ وثقة زائدة:

-تلميذة البابا النجيبة.

قهقه بصوت تهتز له الأوصال رعباً وفزعاً، وهو يؤيد ما قالت:

-صدقتٍ، وتلك الصفة دخيلة علينا.

-نحن نَعِد ولا نفي، نقول ونوسوس ويصدقونا بما وعدنهم من نعيم، نحن محرومون منه حتى قيام الساعة وما بعدها.

قال تعقيبه الأخير بسخرية يشوبها الأسى على حاله وحال نسله وأتباعه من بني جنسه، ولا ننسى أن نأتِ على ذكر اشتعال مقلتيه المتقدة من الأساس بعداوة بني آدم، وحقده الدفين يرتسم بوضوح على تشنج تقسيمات وجهه الكريه.

أجابت "ريتا" بغلٍ ومكر :

-إذا فلنشن حربنا على مَن كان السبب.

التوى ثغر البابا بابتسامة ثناء، فهي تشبهه ولهذا قربها إليه، وكذا خادمه المطيع "دهمان"، ولكن ثقة البابا في "ريتا" لا تُقارن بأحدٍ من أتباعه؛ لذا استدعاها اليوم لأمرٍ هام وسيعاونها به "دهمان".

حثهما على الجلوس مع بقية المقربين منه حول مائدة المؤامرات المنعقدة مِن قَبل مجيئهما، قائلاً:

-اجلسا، هناك أوامر جديدة.

تقدما كلا من "ريتا" و"دهمان"، وداخل الأخير يعتمل كمراجل الجمر التي خُلِق منها، يقسم برأس كبيرهم أنها لن تنجُ بفعلتها اليوم؛ فلقد فاض به كيل الصبر حتى أغدق عليه حريق ونزق جراء أفعالها غير المبالية له ولقلبه الملتاع بعشقها.

افتتح البابا حديثه الموجه إلى جميع الحاضرين ولم يخفَ عليه نظرات الوله التي تبدو جلية بعيني تابعه المخلص "دهمان"، وبوادر الحب هذه واضحة على العاشق منذ أمد فنظراته لها ليست إعجاب أو رغبة إنها نظرات صبو لهائم بمن لا قلب لها.

حب دهمان لها كان سببا في أن ثقة البابا بتابعه تهتز، وعلى النقيض بالنسبة ل "ريتا" فقدرتها على استقطاب أمكر المقربين إليه يُحسب لها هذا ما إذا كان مجرد استقطاب، فما بالنا إذا جعلت الشيطان يهيم عشقاً؟!
وبما أن الحب كلمة محيت من قاموسهم، فهم لا يعرفون سوى العداء، ولا يجيش بداخلهم سوى الحقد والكراهية حتى لبعضهم البعض، لكن تلك الخبيثة أبقته مقترناً بها كظلها.

يعلم البابا أن ما سيقوله الآن لن تعارضه به "ريتا" بل سيلاقي منها قبولاً ولن تتوانَ عن تنفيذ الأمر، إنما من سيستهجن ويُجادل هو ذلك الذي وبرغم غضبه منها ولكن نظرات عينيه الولهة بها لم تحد عنها طرفة عين.

في كل الأحوال لا مشكلة، إذ أن البابا يُوقن مدى تأثير "ريتا" عليه، فقطعاً ستجعله يدعمها في ذاك المخطط النجس الذي اختمرت عوامل نجاحه بخاطر كبيرهم، وبات الآن الوقت الأمثل للتنفيذ.

البابا بترغيب غير مباشر فهو يعلم جم الغيرة التي ستتملك من "دهمان" و"ريتا" بعد ما سيعقب به تواً على نشاط أحد وزارء مجلسه:

-في البداية أريد أن أشيد بالإنجاز الذي حققه "أشمون"، فقد أشاع الكراهية والحرب بين أفراد شعب تلك الدولة المترابطة والتي فشل في فعلها الكثير غيره حتى يأسنا منهم، ولكنه طلب توكيله بالأمر.

-وفي الحقيقة عندما أعطيته الضوء الأخضر لم أكن على ثقة بنجاحه المنقطع النظير هذا.

-جل ما كنت أتوقعه أنه سيثير بينهم زوبعة، ولكنني فوجئت بما حقق، وها هم الآن تدور بينهم حرب ضارية، وما تميز به "أشمون" أنه أشعلها نارا بين أبناء الشعب الواحد، وأفشى العداوة بينهم.

-وعدائهم هذا جعلهم يحيدون عن طريقهم ويستحلون دماء بعضهم.

-يخربون، يقتلون، ويسلبون.

-بل وينتهكون حرمة إخوانهم المسلمون.

-أنت حاد الذكاء "أشمون"!!

-فأخوكم لم يتخذ حلول فردية لهذه المشكلة الصعبة بل كان الحل الذي عمِل عليه لهو الأكثر خبثاً على الإطلاق.

-فقد جند مجموعة من الإنس ليصيروا أتباعه يطيعون أوامره خاضعين، وكان مدخله إليهم ضربة في مقتل بالنسبة لوحدتهم المزعومة، فقد استغل تطرفهم الديني، وجمعهم زوراً تحت لواء الدين.

-وبث في عقولهم أنهم أجناد الله على الأرض.

قال الأخيرة بابتسامة تهكمية التوى ثغره البشع بها، فحذى الجميع حذوه منهم من ابتسم ساخراً وغيرهم كانت بسمتهم مشوبة بالغل لأخوهم المُثنى عليه،.

وآخرون زادت حماستهم ليطوروا من أفكارهم الشيطانية حتى يرتقوا بمنزلتهم وينالوا شرف ثقة البابا وثناءه وتلك كانت "ريتا".

استكمل البابا خاصتهم يضغط على وترٍ حساسٍ بالجمع المحتشد أمامه، فأسلوب فرق تسُد الذي يعتمده الآن، أتى بثماره المرجوة:

-أريد كل واحد منكم أن يتبع نهج "أشمون" بكل رقعة وُكِلت إليه، حتى يأتني أحدكم بأفكار جديدة.

-سيطروا على عقول مَن هم عديمي التقوى والإيمان، واجعلوهم يظنون أنهم الأفضل.

-لا تتركوهم حتى تسلبوا عقولهم على الأخير، ادخلوا برؤوسهم الخاوية العديد من الأفكار التدميرية.

-زينوا لهم أعمالهم، وضعوا لهم خططاً جهنمية تقودهم إلى تنفيذ رغباتهم التي ستكون غايتنا نحن في الأساس.

-طَمِعُوا قادتهم بالسلطة والنفوذ؛ حتى يسلكون كل طريق يصل بهم إليها.

-اقنعوهم أن القوة، هي الحل الأمثل للسيادة، بثوا في خباياهم أن من يعارضهم هو عدو الله وعدو الدين بل وكافر، وشعبوا أفكارهم الخبيثة وتطرقوا إلى أن مال معارضيهم وعرضهم حلال لهم.

-صحيح أن خطة "أشمون" مقتبسة من خطتي القديمة، بأن سيطرت على مجموعةٍ لا أرض لهم، وجعلتهم يشيعون بأنهم شعب الله المختار، وزينت لهم أن يطئوا أرضاً لا تَمْرة لهم فيها.

-احتلوها وسفكوا دماء سكانها الأصليين، وهذا كان أكثر ما أعتز به.

-بل وألهيت الشعوب الأخرى، إخوان هذا الشعب المستهدف بمشاكل داخلية صغيرة صرفتهم عن إغاثة هذا الشعب الشقيق.

-حتى تمكن أتباعي شياطين الإنس من الأرض ومدوا جذورهم بها وأصبح من الصعب اقتلاعهم، ولكنه ليس مستحيل.

-لذا عندما علمت بما نجح به "أشمون" سكن روعي قليلاً فبما أحدثه هذا التلميذ الذكي لن يُجْمع شمل الأخوة بالوقت الحالي، وستستمر مكيدتي الأولى في تحقيق المزيد من الإنجازات.

تصفيق حار كان تشجيعاً من البابا خاصتهم إلى "أشمون"، هذا المدمر الذي تبعه مخربين، فعمَّت الفوضى أراضٍ كانت تحيا بسلام لولا تفكك شعبها.

زومات وإشارات تدل على الاستحسان من قِبَل الحاضرين لما فعله رفيقهم في السوء حتى لو لم تكن مشاعر صادقة، ولكنهم لن ينكروا أنه حقاً بارع.

البابا يخص الجميع بالأمر مستثنياً اثنين من الحاضرين، وهو يقول:

-حسناً فلينصرف كلاً منكم إلى وجهته عدا "ريتا" و"دهمان".

-ومَن يخرج من هنا يبذل كل ما في وسعه.

-أريد دوماً أخبارا مفرحة كخاصة "أشمون".

-أرغب بالمزيد من الشتات والحروب والخراب لجنس ابن آدم.

نكس الجميع رؤوسهم بخضوع وطاعة، وهم يرددون في آنٍ واحد:

-سمعاً وطاعة أيها البابا.

بعد أن غادر الحضور، التفت البابا مخاطباً "ريتا"، يعلم أن لا تأثير ل"دهمان" عليها هذا ما إذا خالفه في القول ولكن "دهمان" حتى لو لم يكن حديث كبيرهم مواتيا لصالحه فلن يجرؤ على المخالفة، وبرغم هذا فالبابا يريده قانعا لا مجبرا فكي تنجح الخطة لابد من إثارة الشيطان الأوعر "دهمان".

ولِم الحيرة؟!
فمراكز الحث والإثارة خاصة الأوعر تحت السيطرة ألا وهي "ريتا".

لذا سيبدأ البابا في بثها الحماسة والضغط على نقاط الضعف لديها، وهي الطمع وحب السلطة والنفوذ، فأردف متسائلا:

-ما رأيكِ "ريتا" في أن تكوني رئيسة مجلس وزرائي؟!

التمعت عينا "ريتا" بالجشع، وهي تجيب بتلهفٍ:

-لست بحاجة لسؤالي حضرة البابا، وهل يوجد بيننا من يرفض شرفاً كهذا؟!

إيماءة استحسان خصها البابا بها كانت رداً على كياستها وحسن استحضارها للردود، ومن ثَمَ وجه استفسار مماثل لتابعه المخلص "دهمان" ينتهج معه نفس الأسلوب:

-وأنت "دهمان"، ما بالك إذا رفعتك إلى منزلة مستشاري الخاص؟

إذا قبلت" ريتا" دون تفكير، ف "دهمان" يعلم أن البابا لا يمنح دون مقابل، لذا أجاب على الطعم الملقى إليه باستفسار:

-هبةٌ لا تُمنح إلا لسبب، ترى ما هو؟!

لَمْعة العين هذه المرة ليست للمستقطَب بل للمُسْتَقْطِب، فأجاب البابا بإطراء:

-هذا أكثر ما يميزك "دهمان"، الذكاء.

-فقط لو تستغله في العرض الذي سأقدمه لك.

"دهمان" بكبرٍ مكتسب من منبع الغرور خاصتهم:

-هات ما عندك حضرة البابا، لا بال لي بالأحجيات.

ابتسامة ساخرة كانت رداً على تعقيبه، والبابا يُقر أن "دهمان" هو أكثر أبناءه شبهاً بأبيه على مر الأجيال، فإذا أمهل الخالق إبليس حتى النفخ في الصور، ولكن نسله فانون، بينما يعيش هو لأعمار.

وما أقبح الانتظار!!

فهو مهما نَصب شركه لبني آدم، ومهما كد في الإيقاع بهم، بالأخير لن يلقَ سوى مصير محتوم ألا وهو نار الجحيم بل وأشد درجاتها عذاباً، حتى وإن كانت كل أفعاله الجسيمة نابعة من الغيرة.

وهناك من يسأل، كيف يُعذب الشيطان بالنار وهو مخلوق منها؟

دعونا نتطرق أولاً إلى معنى كلمة عذاب فهو ألَمٌ يؤثر في الجسم، وهذا يتطلب المخالفة بين طبيعة الجسم والأداة التي تستخدم في التعذيب، ويعتبر هذا خير دليل على أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يغير ماهية النار وصفاتها من كونها أداة خُلِق منها إبليس إلى كونها وسيلة يُعذب بها، فهل سيستعصى على المولى فعل ذلك؟!

فحينما أُلقي سيدنا إبراهيم في النار، أمرها خالقها بأن "كوني برداً وسلاماً على إبراهيم".

وعلى الجانب الآخر إذا كان الإنس خُلقوا من تراب وقليل مما خلقوا منه يؤذيهم، فإذا أصابت العين وهي أصغر عضو من أعضاء الجسم بحبة من التراب، صار تلك الحبة وسيلة تعذيب.

لن نذهب بعيداً، فالبشر إن دفنوا تحت التراب أحياء ماتوا، وإن ضربوا به جُرِحوا وربما يلاقوا حتفهم كأن وقعت آنية من الفخار على رأس أحدهم، وهي مصنوعة من التراب أيضاً.

وجدير بالذكر ذلك الموقف عندما طلب بعض الناس من الإمام الشافعي أن يُوضِح لهم كيف يكون إبليس مخلوقاً من النار، ويعذبه الله بها؟!

وذُكر أيضاً بأن الإمام الشافعي، فكر قليلاً، ثم أحضر قطعة من الطين الجاف، وقذف بها الرجل، فظهرت على وجهه علامات الألم والغضب.

فقال له: هل أوجعتك؟، قال: نعم أوجعتني، فقال له الإمام الشافعي: كيف تكون مخلوقاً من الطين ويوجعك الطين؟!

فلم يرد الرجل وفهم ما قصده الإمام الشافعي،
وقياساً على ذلك فليس من الغريب ولا يفوق على القادر أن يكن الجن قد خلقوا من النار ، ويعذبون بها.

عودة إلى البابا و"دهمان" وتُجالسهما "ريتا".

البابا بتبسيط:

-المقابل مؤامرة سأكلفكما بها، ستلعب "ريتا" دور البطولة وستكون أنت المسئول أمامي عن التجهيزات والمتابعة والتأمين.

استفسرت "ريتا" متشوقة، فلا شيء تعشقه سوى كلمتين سلطة ومؤامرة، لتدمجهما كالآتي "مؤامرة من أجل السلطة" :

-التفاصيل حضرة البابا؟

البابا بتنبيه:

-اسمعاني جيداً، فإذا تمكنتما من التنفيذ، لن يقف أحد في طريقنا.

-بل سنفني جنس ابن آدم من على وجه الأرض.

رمق "دهمان" البابا يشمله بنظرات تقييم محاولاً استنتاج ما يفكر به أو التوصل إلى تلك المؤامرة الجهنمية ولكن دون جدوى، بينما حثته "ريتا" على الاستكمال:

-جميل!! قل ما شئت حضرة البابا، كلنا آذان صاغية.

البابا بشرح مستفيض:

-عهدنا مع الله ألا تقترف إيدينا، بل إذا تم ذلك يكن بإيدي أعدائنا، وأعدائنا كُثُر.
-ليسوا فقط بنوا البشر، بل والجن المنشقين.

"دهمان" بفراغ صبر فهو يعرف حيل البابا:

-والمطلوب حضرة البابا؟!

البابا بأمر مباشر:

-أريد طفلاً من نسلهم يحمل عدواتهم من چيناتنا.

"ريتا" باستفسار وقد التوى ثغرها بابتسامة سخرية، فإذا كان هذا هو المقابل لتتولى رئاسة مجلس الوزراء فما أيسره مطلب:

-طفل من بشري؟!

التوى ثغر "دهمان" بتهكمٍ، وهو يعقب:

-ماذا بكِ "ريتا"؟! هل ابنٌ من بشري سيجعلنا نسود العالم ونفنيهم من على سطح الكرة الأرضية؟!

-حتى إذا كان ابنٌ من هرقل، لن يُفِدنا بشيء!!

طرقع البابا بإصبعيه مؤشراً باتجاه "دهمان"، وهو يقول بإطراء:

-أحسنت "دهمان" ولولا أننا نحجب أفكارنا عن بعضنا البعض، لاعتقدت أنك اخترقتها.

-كم مرة سأثني عليك بني!!

"ريتا" بتخبطٍ:

-ممَن إذاً؟!

البابا باستفسار موجهٌ إلى "دهمان"، يريد أن يستشف ما إذا كان "دهمان" قد وصله مغزى ما يرمي إليه:

-وأنت "دهمان"، ألا تعرف ممَن؟!

"دهمان" بابتسامة ثقة:

-بالطبع أعرف حضرة البابا، أنت تريد طفلاً من نطفة جني.

-وغالباً تقصد الجن الضوئي، أو..

قاطع البابا استرسال "دهمان" مصفقاً باستحسان:

-هذا هو ابني اللماح.

-نعم، من جني ضوئي وهذا هو الحل الأمثل، أو من جنية ضوئية وهذا إذا فشلنا في الخيار الأول.

-وإذا وُفِقْنا بالحلين، فأهلاً بالزيادة.
وقتها لن يُعِقنا شيء، ولن نخرب بإيدينا ولن نسفك قطرة دماء واحدة.

-سنقم وقتها بزرع كراهيتنا لهم داخل نسلهم، ونُمْلِي على ابنهم منا ما نريد تحقيقه ونحن بعيدون عن تنكيس عهدنا مع الله.

بسط "دهمان" راحة يده أمامه على الطاولة ينقر بأصابعه، مطرقاً رأسه شارد الذهن للحظات.

وها قد استنتج لما انفرد البابا به معها في اجتماعٍ سريٍّ مغلق، فهو يريدها أن تُوقِع بنفرٍ من عشيرة الجن الضوئي واختياره لها لتختص بذلك؛ كون من يصلح للتكاثر منهم في هذا الوقت ليسوا من الإناث وهو يحمل چيناتٍ ذكورية.

فمَن هي من نسل الأشهب لازالت حديثة العهد ولن تصلح للإنجاب إلا بعد قرنين ونصف، والمقصود هنا طفلة الأشهب وتدعى "ألورا" على ما يذكر "دهمان".

فهو لم يشغل بالًا لها من قبل، وحتى ما إذا كانت أكبر من ذلك لن يوالِها انتباهاً مهما بلغت من حسن.

إنه لا يرى سوى "ريتا"، يعشقها عشقاً أعمى، وحتى لو لم يكن مُغمى بحب أخرى فلمَ سيرمي لأبعد ممن هو منتمياً إليهن!!

على أية حال ف"ألورا" أو أياً كان اسمها لن تفِ بالغرض.

أما عن نسل الملك "طلخان" فما من مخلوق يعلم عنه شيئاً، فقط ما أُذيع عنه أن لديه إناث لا ذكور، ولكن كم عددهن!! أو ما أعمارهن!!
ما من معلوماتٍ تفيد في ذلك، فهن محصنات بواسطة أحجبة وتمائم منع اشترك في صنعها خُدام التحصين بمساعدة حُماة القرآن الكريم.

رفع "دهمان" رأسه عندما اجتثه البابا من بين أفكاره، متسائلاً:

-فيمَ شردت "دهمان"؟!
-يبدو إنك قمت بتحليل المطلوب، وتوصلت إلى حلولٍ جذرية.

قال الأخيرة بمكر؛ ليعزز ثقة "دهمان" بحاله المترسخة من الأساس وكذا ليشد من عزيمته فهو يعلم مدى عناد ابنه وتلميذه النجيب "دهمان".

زفر "دهمان" أنفاسه بتململٍ، فالبابا يعلم كل نفر من عشيرته جيداً ويتفنن في اللعب على نقاط الضعف والقوة.

"دهمان":

-كي تُوقِع "ريتا" بالملك الأشهب هذا أمر عسير، بل مستحيل.

عقبت "ريتا" على حديث "دهمان" بأعينٍ جاحظة:

-مَن؟! الملك الأشهب؟! هذا يعني نهايتي.

"دهمان" بتأكيد:

-بالطبع، فسيكشف مخططنا منذ اللحظة الأولى حتى إذا ما تهيئتي له فهذه الشاكلة كأنسية لن تخِل لعبتكِ عليه.

-ولو حاولت أن تتلبسي إحدى جنيات عشيرته لن يكن هذا أمر سهل ومضمون، هذا ما إذا كان مولعاً بإناث الجن من الأساس، فكل زيجاته من بنات حواء، ولم يتزوج من عشيرته سوى أم ابنه الأكبر وقد انشق الابن عن أبيه.

- وقطعاً لن نجده، وإذا وجدناه فالأمر تحصيل حصل سيكشفكِ.

-إذا كان "راكان" الصبي الهجين قتل عشرين من أتباعنا عما قريب لحاله وهو أعزل.

تركه البابا؛ ليلقِ ما في جعبته ومن ثم أردف معقباً:

-ومَن قال أنني أعني الملك الأشهب؟!

"ريتا" بتساؤلٍ:

-إذاً مَن تقصد حضرة البابا؟!

البابا إلى كليهما:

-المقصود هو "شامل" الكلب المطيع للملك الأشهب.

همهم "دهمان" مفكراً للحظات يحاول إيجاد أي سبب يُبطل به همة "ريتا" ويصرف البابا عن هذه الحيلة، فهو أبداً لن يوافق على أن يشرك حبيبته في هذا المخطط، لن يمسها غيره.

مسكين "دهمان" إذا كنت تعتقد أن شيطانتك اللعوب بلا ماضٍ.

"دهمان" بتحايلٍ:

-اممممم، وهل تعتقد حضرة البابا أن "ريتا" ستتمكن من "شامل" وتوقعه بها، بل وتجعله يوافق على معاشرتها والأدهى أن تحمل منه نطفته، وما أدراك أنه لن يخترق أفكارها ويعلم ما تخطط له.

البابا موجها حديثه إلى "ريتا"، وهو يهز رأسه بأسف مصطنع:

-حقاً "ريتا"، ألن تستطيعي فعلها؟!

رمت "ريتا" "دهمان" بنظراتٍ مستهجنة، تنهره قائلةً بحدة:

-هااي!! أنت!! من أعطاك الحق لتُجِب عني.

صرفت بصرها عنه تصب كامل تركيزها على البابا، تجيبها بثقة:

-بل سأستطيع، ثق بي حضرة البابا، هل "شامل" هذا له تلك الملكة؟

البابا بحث:

-ثقتي بكِ بلا حدود، لذا اخترتكِ أنتِ.

-ولكن يبدو أن "دهمان" يغار من تلك الثقة، وذلك واضح من آرائه الهدامة.

-هذا بدلاً من أن يفكر معنا في طرق تمكنكّ من لقاء "شامل" بعيداً عن حدود مملكة الذئب الأشهب.

-لا تخافي "ريتا" لن أُضحِ بك لا سلطة ل "شامل" على عقولنا، فقط الأشهب وربما نسله.

نجح البابا في زرع الشك بينهما وتحديداً من جهتها وعَمِد على توجيه سبب رفضه إلى مسار آخر ألا وهي الغيرة التنافسية.

نعم، دهمان يغار ولكن ليس بالصورة التي يحاول البابا خاصتهم إيصالها إليها.

غيرته محبة إليها، ورفضه خوف عليها، وتعقيده للأمور ليُنَحِها عما فيه هلاكها، لذا استكمل مسيرته، قائلاً علها ترتجع:

-لم أعطِ نفسي الحق للإجابة عنكِ لا لشيء سوى استحالة ما نحن مجتمعون لمناقشته الآن.

-ثم مَن أدراك أن "شامل" أوفى تابعي الملك الأشهب وأذكاهم، ستتمكنين أنت منه؟!
-وحتى وإذا حدث واستطعتِ.
ما الضامن كونه لن يشِ بكِ إلى ملكه ما إن يكتشف حقيقتكِ، وسيفعل.
مهما أحطتي سيفضح تنكركِ؟!

-وقتها لا منجاة لكِ من براثن ذئب كالأشهب، ناهيكِ عن غضب "شامل"، ف "شامل" وحده قادر على تقيدكِ إلى سابع أرض.

-اعقليها أولاً "ريتا"، ومن ثَمَّ وافقي.

نجح "دهمان" في زلزلت حصونها الثابتة وهذا لاحظه البابا بالطبع، لذا بادر قبل أن يستكمل "دهمان" ويهدم كل ما خطط له البابا، مردفاً:

-"دهمان" معه حق الأمر في غاية الصعوبة ولكنه ليس مستحيلاً، واعلمي ما من أمنية تتحقق دون تعب.
-نجاحكِ "ريتا" مرهون بثالث.

تمهل البابا حتى يلهب فضولها وها قد حدث، عندما أضافت استفسار، على كلٍ الطرف المقصود لا حاجة للسؤال عنه.

"ريتا" بغباءٍ لحظي:

-مَن هو؟!

التوى ثغر "دهمان" بامتعاضٍ، فها هو البابا يُلقي بالكرة في ملعبه.

بينما أجابها البابا بإيجازٍ، لم يكن بحاجة إليه؛ فالثالث معروف والمقصود واضح كَسنا الشمس في وضح النهار:

-عزيزنا "دهمان".

أطرق "دهمان" يهز رأسه باستياء وعلى النقيض لاحت على ثغره ابتسامة لا مرح بها، ولكنها تنم عن الغيظ والغضب أيضاً وليس من حقه أن يعرب عنه، لابد وأن يأتِ الرفض منها، ولكن أستفعل؟!

التفتت "ريتا" إليه وجدته على تلك الحالة، فمدت يدها أسفل الطاولة تضغط على فخذه بخبث أنثوي، فتشنجت عضلات جسده بترقبٍ، وهو يتابع حركة يدها التي تجرأت في سابقة لم تحدث من قبل، وبرغم دهشته إلا إنه مستمتع بما تبادر به الآن، قائلة بدلالٍ مبتزل:

-إذاً فنجاحنا مضمون، عزيزي "دهمان" لن يتقاعس عن مساندتي.

وبالطبع لم يخفَ على البابا ما يدور ولن ينكر براعة "ريتا" وحيَلها في الإقناع؛ لذا قاطع محاولاتها ليعطها أمراً؛ كي تُضِفه إلى لائحة المفاوضات التي ستعقدها "ريتا" مع "دهمان".

الأمر لها ولكن البابا وجه الحديث إلى "دهمان" وعليها أن تقنعه بما سيقول:

-"دهمان" ستجمع معلومات عن إناث "طلخان"، وتتحرى ما إذا كان بينهن مَن تصلح لتلك المهمة، وتُقايس ما إذا كنت ستستطيع اختراق تحصين مَن تكتمل بها المواصفات أم لا.

-إذا ساندك الحظ، فلتدعم عزيزتنا "ريتا" أولاً، ومن ثم أسلك طريقك.

-أرسل أتباعك لمراقبة" شامل" خارج حدود مملكة الأشهب، نحن لا نريد لفت النظر إلينا الآن.

-وما إن تطأ قدميه حدود المملكة، دبر لقاء بين صديقنا اللدود ونسيبنا الجديد "شامل" ،وابنتنا "ريتا" ،على إنها أنسية وقعت في طريقه بمحض الصدفة، ولا تنسى أن تُضف بعض الدراما إلى اللقاء الأول كأنها بمأزقٍ وتحتاج إلى شهامة، نبيل گ "شامل".

-وأنتِ "ريتا" نسقي مع "دهمان"، وحاولي أن تكوني مرنة وطاوعيه مهما كانت أوامره صارمة فهو يعرف الصالح، ولا تنسي في لقاءكِ مع كلب الأشهب أن تفيضي عليه بدموع عينيكِ الناعستين، فدموع الأنثى سلاحها الأقوى .

قال الأخيرة بغمزة عينٍ في غفلةٍ ممَن بعالم موازٍ، وشيطانته المغوية لم تكف عن إشعال رغبته بها.
فمَن كان يتوسلها الحب وتترفع.
الآن تقوده إلى حافة الانهيار غير مبالية بوجود ثالث بينهما، وليس أي ثالث!! إنه حضرة البابا!! إبليسهم الأعظم.

التقطت "ريتا" الغمزة، فردت بأخرى وكأنما تُصرح بأنها التقطت الإشارة وستُجهِد حالها في التنفيذ، قائلةً بميوعة تزامنة مع لمسة جريئة أذهبت عقل "دهمان" على الأخير:

-لا تقلق حضرة البابا، سأكون رهن إشارته، بل وخادمته المطيعة.

لم يستمع "دهمان" لما أَمْلاه عليهما كبيرهما، ولكن على النقيض فكل حركة وهمسة منها مرصودة.

مسامعه وصلها ما قالته صراحةً "سأكون رهن إشارته، ولكن هل حقاً تعني ما قالت؟

عيناه تتابع لمساتها وجسده متحفزاً للمزيد بل إلى ما أبعد مما تفعله توًا، فإن قبِلت ستكن بهذا وهبته نفسها خليلة، فهل ستفعل؟!

بقى جلَّ ما يفكر به الآن وأصبح هاجسه، هو إخماد شوق جسده إليها.
ولكن كيف وهما في حضرة البابا؟!
وهل ستطاوعه من الأساس؟!
هذا ما سنعرفه فيما بعد، انتظرونا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي