الفصل 16 قبلة أسطورية

زفر بإحباطٍ وهو يبتعد على مضض، ومن ثم أفرج عن حصار خصرها قابضاً على راحتها مرة أخرى، يقودها إلى الخارج بخطواتٍ واسعة قائلاً :

-هيا بنا من هنا، لقد أرهقتِ الزعيم.

ابتسمت على وقاحته المحببة تحاول التحلي ببعض من الجرأة فعلى أية حال لقد صار زوجها على سنة الله ورسوله، أخذ يعدو وكأنه مقبل على سباق ل"الماراثون"، وهي تجاهد كي تلحق بالركب.

إلى أن اجتازا البوابة الداخلية للقصر ومنها إلى الحديقة الأمامية، لتتسع عينا الداهية؛ إذ تعج المساحة على كلا جانبي النافورة التي تتوسط الساحة الخضراء الواسعة بالسيارات الفارهة وها قد علقت سيارته وسط هذا الزحام، قلب عينيه بضجرٍ، قائلاً:

-يا الله "ريكا"!! هل هذا وقته؟!

لم يرهق حاله في التفكير؛ كي يجد حلاً لهذه العرقلة، بل سحبها خلفه يكمل الطريق إلى البوابة الخارجية سيراً على الأقدام، فقالت بتعجبٍ، محاولةً لفت انتباهه:

-السيارة، حبيبي!!

التفت إليها، قائلاً بنزقٍ:

-فلتذهب إلى الجحيم، وأنتِ تمهلي ولا تزيديها عليَّ الآن، فلن أضمن البقاء على ثباتي.

-أقسم بربي سأقبلكِ هنا ولن أهتم إلى أحد، أسمعتِ؟!

أطرقت رأسها بخجل وهي تأسر شفتها السفلية بين أسنانها بحرجٍ في حركة أشعلت حواس الزعيم لهفةً وشوقاً؛ ليزأر مزمجراً بحنقٍ من سوء طالعه، لِمَ لم يفكر في ترك سيارته بالخارج، لربما حظى بقطرة من نعيمه حتى ينفرد بها خاصةً مع زجاج السيارة المعتم، لاعناً غفلته عن وقوع حدث كهذا، يقول باستياءٍ:

-ماذا سأفعل الآن؟! هل ستتحكم بحالك لحين الوصول إلى تلك اللعنة بالمرأب وفي وجود سائق سيارة أجرة؟!

-سحقاً!!

تمتم بها "عبد الله" وهو يستكمل السير يحتضن راحتها بين خاصته دون أن يلتفت إليها متعمداً فإن فعل سيحدث ما لا يحمد عقباه.

أشار الداهية إلى أول سيارة أجرة، يفتح باب المقعد الخلفي يقودها إلى أن تستقلها ولم ينتظر ليدور حول السيارة من الجهة الأخرى حتى يحتل المقعد المجاور لها، وإنما أشار إليها لتفسح له المجال، قائلاً بنفاذ صبر وهي تتأمله بوله:

-افسحي "غادة" حباً في الله؛ لا إلا أجلس وآخذكِ على ساقي.

قالها غامزاً لها بعينه في وقاحة، لذا أطرقت رأسها على استحياء، وهي تتحرك إلى الداخل تتبعد قدر المستطاع، وعلى قدر عوفها دنا هو، يجلس إلى جانبها بكتفٍ محازٍ لها في تجاورٍ اندلعت له نيران الصبو لكلا الطرفين ولم يكتفِ.

بل رفع ذراعه القريب إليها باسطاً إياه، يستند به إلى ظهر المقعد خلفها، ورائحة عطرها تتخلل حواسه تحطم كل إرادة وتحدي حاول التحلي به، يأمر السائق وعينيه تتفرسها بجوع:

-انطلق إلى ميناء.......

نفذ السائق بامتثال، بينما الجالس يجتوي بلهيب الوجد يزفر أنفاساً حارة، تنتقل حرارتها إليها مبعثرةً ثباتها، فبدأت وتيرة تنفسها بالارتفاع بينما تفرك راحتيها معاً بارتباكٍ، فبسط يده يتحسس ذراعها بظهر راحته هبوطاً إلى رسغها بنعومة ورقة ارتجفت لها كامل جسدها، وما إن استشعر "عبد الله" انتفاضتها الممتثلة إلى سحر ما يبثها إياه حتى آن منها أكثر يميل إلى جانب وجهها يقول بأنفاس مداعبة:

-انظري إلي سمرائي، أريد أن أرَ نفسي بزرقتيكِ المهلكتين.

احمرت وجنتيها خجلاً ترفع بصرها إليه بخفارة، وإذا بعينه قد غامت برغبة ملحة وهو يقول بهمسٍ:

-زعيم قلبكِ مستاءٌ منكِ يا نبض قلبه.

يريدها أن تتحدث فقط، تطلق صراح أنفاسها؛ ليلامس عبقها ملامحه، وللحقيقة لم تحرمه بل قالت بهمسٍ مماثل:

-لِم حبيبي؟!

استنشق وهو يسبل جفنيه بنشوى، وقلبه يتراقص تناغماً مع آخر كلمة قالتها، ومسامعه تستلذ بما اخترق روحه لتستقر كلمة "حبيبي" في أعماق حنايا نابضه، يناشدها ولا زال مغمض العينين، قائلاً:

-قوليها ثانية يا قلب قلب حبيبكِ.

أعادت على مسامعه ما رغب، فتنهد بولهٍ حارق يفرج عن جفنيه بتكاسلٍ، يقول بتهدجٍ:

-انتظرتكِ أن تعلقي على هندامي!! تتغزلين بي وبوسامتي!! تناظريني بإعجابٍ وحب!! ولكنكِ لم تفعلي.

قالها بخبث محبب يدعي الحزن مطرقاً رأسه، يرسم على ملامح وجهه الخيبة بإتقانٍ، ولكن بالحقيقة هو خفض بصره يستكشف أشياء انشغل بجمال طلتها عن التمعن بها بدايةً من فتحة ثوبها الدائرية التي بالكاد تظهر عنقها المرمري وعظمتي الطرقوة لاعناً بخلها وغيرته.

فلِم لم يرسل إليها فستاناً بفتحة أكثر اتساعاً؟!

ومن ثم هبطت نظراته الملمة إلى استدارت نهديها، وبطنها المتسطحة وخصرها المحدد بدقة و. و. و.....

بينما تلك التي يتآكلها الإحساس بالذنب، رفعت راحتها تتلمس وجنته برقة، وفي آن ذاك أخذ السائق يطالعهما بفضول في مرآة السيارة الأمامية يتأمل عصفوري الغرام، وذكر هذا الثنائي الحالم الذي يقود وليفته إلى ملاطفته ببراعة، ولولا انشغاله بالقيادة لاستدار يشاهد هذا المشهد الرومانسي عن كثب.

رفع "عبد الله" نظره إليها على مضض فقد منعته الجاحدة عن التأمل فيما ملك، ولكن لا مشكلة سيعمد على التدقيق والملاحظة الميدانية للمناطق الطبيعية والاستمتاع بهذه المناظر الخلابة في جولةٍ خاصة وحصرية، فقط عليه أن يتحلى بالصبر.

"غادة" بترضيةٍ ولكنها تقصد المعنى الحرفي للكلمة فمن تلك التي لا تنجذب إلى وسيم كالداهية خاصةً إذا كان حلالها ولا لغيرها حق به؛ لتقل هامسة بدلالٍ ومديح:

-وكيف لي ألا أعجب بأيقونة الرجولة و الجاذبية؟!

ابتسم إليها بزهو وكأنها منحته جرعة تحفيزية ومنشط للثقة بالنفس ضاغطةً على أضعف وتر بالزعيم ألا وهو كبريائه الذي إذا ما لمع، توهجت له مراكز الحس وخاصة إذا كان الإطراء من ملكة جمال الزعيم ذاتها، ليأسر شفته السفلى بين أسنانه.

قائلاً وهو ينجذب إليها دون وعي، آنياً إليها، وهو يقبض بتملك على كتفها براحة يده المستندة خلفها على ظهر المقعد يضمها إليه، وآهة متلهفة نبثت بها شفاهه بعد تنهيدةٍ ملتاعة أفرج بها عن شفته الحبيسة ما بين نابٍ وقاطع:

-هل علي أن أطلب منكِ أن تغازليني؛ لتفعلي؟!

أسرها بحلو حديثه فكانت خير مُتلقٍ، ورجاءه المتطلب خضعها لسحره فكانت أتْوَق مَن يجيب، ورومانسيته الفتاكة جذبتها إليه فكانت أكثرهن استمتاعاً ونشوة، غابت بجاذبية زعيمها لتلامس أنفه خاصتها، وإذا به يتراجع بمشاغبة رافعاً بصره إلى مقلتيها فتحذو حذوه، وكأنها تحت تأثير تنويم مغناطيسي.

ومن ثم يزفر أنفاسه الحارة لتداعب صفحة وجهها؛ فينسدل بصرها دون وعي مصوبة نظراتها تراقب مسحورةً انفراج شفاهه التي يمرر عليها طرف لسانه يرطب جفاف شوقه إلى التلاقي بخاصتها ولكن لم يحن الوقت بعد.

نظراتٌ ساحرةٌ آسرة ،وأنفاسٌ دافئةٌ خاطفة، وأحاسيسٌ تضج بالصخب والصبو.

لتسود حالة من الهيام لا مثيل لها ما بين سطور مَن خطت أناملهم ملاحم العشق الأفلاطوني بروايات الأساطير وأباطرة الغرام.

طبولُ حربٍ تقرع بين ضلوعهما يحاكي ضجيجها رعد السماء في ليلةٍ مطيرة، إلى أن توقفت السيارة ولم يشعرا.

جذبهما السائق من بين ضباب اللاوعي حين تحمحم أكثر من مرة ولم ينتبها عليه، فلم يجد بداً من أن يرفع صوته ليوقظ العاشقين، قائلاً:

-سيدي لقد وصلنا إلى وجهتنا.

همهم "عبد الله"، وكأنه منفصلاً بنجواها عن العالم، فعاود السائق الكرة يقول بنزق:

-سيييدي!!

تأفف "عبد الله" يدير رأسه إلى هذا النزق، قائلاً بضجر:

-اللعنة عليك وعلى سيدك، ماذا هناك؟!

السائق بعجبٍ:

-نحن بالمرأب.

"عبد الله" وهو يعتدل بجلسته، يمد يده إلى جيب سترته يخرج ورقة نقدية فئة المائة دولار، يلقيها باستعجال على الكرسي الأمامي المجاور للسائق، يلتقط كف يدها بيساره، يفتح الباب على يمينه يترجل من السيارة ساحباً إياها معه إلى خارجها صافعاً الباب خلفهما.
يعدو بها في عتمة الليل إلا من مصابيح أعمدة الإنارة المتباعدة على طول رصيف الميناء، تضيء عليهما السماء بنجومها المتلألأة وقمرها المستدير بدراً في تمامه.

وما إن ابتعدا عن أنظار هذا المتلصص، وفي مكانٍ نائٍ عن أي دخيل خلف إحدى هذه الحاويات المتراصة على جانب الرصيف، توقف فجأة متراجعاً إلى الخلف، يسند ظهره إلى الحاوية يعقف إحدى ساقيه يرتكن بها على نفس الجدار الخارجي لهذا المستودع، يجذبها إليه بقوة أجفلتها.

استندت بكلا راحتيها إلى صدره العريض، فحرر يدها لتحاوط يمينه خصرها يشدد من حصارها إليه، وقبل أن تنطق مستفسرة أو تستوعب ما يحدث، ولم يدع لها الفرصة لتخمن ما ينتوي فعله.

غرز أنامله بين خصلات شعرها الحريري يثبت رأسها إليه مقتنصاً شفاهها بين خاصته، يبتلع في جوفه شهقة خجل صدرت عنها، في قبلة متطلبة شغوفة بدأها بخشونة وتفنن بعد ذلك في قيادتها، فقلة خبرتها جعلته يرأف بها ليتحول الاقتناص إلى تناغمٍ رقيق.

يتناوب ارتشاف شهدها من الشفاه العلوية فالسفلية، وهي ذائبة بين ذراعيه كقطعة حلوى ال"مارشميلو"، وما إن أحس بتهدج أنفاسها وحاجة رئتيها إلى الأكسچين أفرج عن أسر شفتيها.

يرتكز بجبينه إلى جبهتها يلعق شفاهه بتلذذ، وهو يعض على شفتيه بوقاحة باتت تعشقها، بينما توردت وجنتيها بحمرة الخجل، وهي مغمضة العينين تحاول التقاط أنفاساً مسلوبة ولكن هدر نابضها أعاق تلك العملية اللا إرادية وما عادت ساقيها تحملانها.

وعندما أحس هذا الخبير بخدر أوصالها، وتهدج أنفاسها، مال بجذعه يحملها واضعاً إحدى يديه أسفل فخذيها والأخرى دعمت خصرها إليه ولم تجد حالها إلا وهي تحاوط عنقه بذراعيها، تستند برأسها إلى كتفه.

ولم يرحم بل تقدم يحملها بلياقة ورشاقة وظهر مشدود، وهو يناظرها بشغف واشتهاء.

فقد ظن أنه إذا نال ما حلم به لليالٍ لربما تخمد نيران توقه إليها ولكن أمله المزعوم لم يتحقق؛ إذ بعد تقاربهما هذا بات المزيد رغبة ملحة لا يمكن مقاومتها، فهمس وهو يميل برأسه إليها يتنفس أنفاسها:

-كم أنت دافئة سمرائي!! الزعيم بات أسير شهد شفتيكِ المغويتين.

قالها ومن ثم اختلس قبلة خاطفة من شفاهها اللتان زاد من اكتنازهما تمرس الداهية في قبلته الأسطورية التي لم تتخيل "غادة" حلاوتها لا في صحوها ولا حتى في نومها.

ترى ستدوم سعادة العاشقين؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي