الفصل 10 لبس غير محمود العاقبة

عودة إلى الزعيم وسمرائه.
حالة من التشتت تملكته، أما عنها فلو فقط يشعر كيف استوحشت الحياة دون تلاقيهما الفترة الأخيرة التي امتنعت فيها عن مقابلته كي لا تقع في المحظور!!

ابتعاده الآن هاجرت له روحها إليه، تعلم إذا اقترب لن تكن لديها القدرة لتقاوم.
فمن أين لها الطاقة لذلك؟!

فقد خرت حصون قلبها ركوعاً لسطوة الزعيم وما عادت روح الحماسة تختلج دفاعاتها، فقط ما تحاول الحفاظ عليه الآن المسافة الآمنة وما إن يتجاوزها ستصبح في خبر كان.

ولكن تشتتاً أصابها عن معنى الكلمة "المسافة الآمنة"!!
أو ليس بابتعاده الآن، تُعد على مسافة لا بأس بها؟!
إذاً لِمَ ترتجف أوصالها انجذاباً وتوقاً؟!

تمتم، قائلاً بارتياع:

-"غادة"!! هل أنتِ سعيدة الآن؟!

رفعت بصرها، لتقابله بجبينٍ مقتطب؛ فكيف لها أن تصف ما بها من فرحة؟!
لذا ردت على سؤاله بإيماءة إيجاب خجولة من رأسها إذ عجزت كل عبارات الغرام عن الشرح، ولكن تلك الإشارة لم تثلج قلبه.

لتتعال وتيرة أنفاسه يعض باطن فمه من الداخل، محاولاً السيطرة على غضبه، قائلاً:

-لا أشعر بذلك "غادة"؟!
-هل ندمتِ على ارتباطكِ ب"ريكا" زعيم المافيا يا حضرة الملازم؟!

جحظت عينها بدهشة، قائلة:

-ماذا تقول؟! لم تَعُد "ريكا" زعيم المافيا، أنت الآن "عبد الله"!!

سؤالٌ غير متوقع ألقاه على مسامعها:

-أيهما أحببتِ؟!

"غادة" بذهولٍ:

-يا الله "ريكا"!! ماذا بك؟!

اقترب يقبض على معصمها يجذبها إليه، وهو يجز على أنيابه بغيظٍ، قائلاً:

-ما بي هز ثبات الداهية، "غادة".
-أجيبيني، هل ما زلتِ تحبينني؟!

ابتلع ومن ثم استكمل والألم يلوح بمقلتيه:

-أ.. أم ما كنتِ تشعرين به تجاهي كان مجرد انبهار بطفرةٍ أو ظاهرة لم ترِهَا من قبل وبعدها..

رفعت راحة يدها الحرة إلى شفتيه تمنعه من الاستكمال، أناملها الناعمة التي حطت كالبرق الذي أرعد أوصاله ينبأ باقتراب نزول المطر إما كان راوي منبت، أو طوفان مهلك مدمر، وفي كلا الحالتين الاتصال الجسدي البسيط هذا أشعل بداخله نار العوز.

نعم يعوزها، يحتاجها، يريدها والآن، فكل ذرة به تناشدها ألا تبتعد.
تبدلت نظرات الألم إلى أخرى تشتهيها وإن شاب تلك النظرات الخوف مما تُقْدِم على قوله.

أسبل أهدابه يستشعر ملمس باطن يدها على شفتيه بينما اشتدت قبضته على معصمها بتشنجٍ؛ لما يخالجه عشقاً ورهبة، في حين تباطأت نبضات خافقه ترقباً.

رق قلبها إلى ما لمسته منه من يأسٍ في حبها إذ فسر تهربها الأخير منه على نحوٍ خاطئ.

في أبعد ظنونها لم تتوقع أن يَقُده عقله إلى أنها تَعُوفْهُ!!
لا تدري لِمَ أصابه التشتت؟!
ولكن الأغرب أنه يغار عليها منه؟!
فكيف ل"عبد الله" أن يحقد على "ريكا"؟!
كيف وكلاهما الشخص ذاته؟!

أردفت بنبرةٍ شغوفة وهي تحاول التحلي ببعض الجرأة:

_لقد أُعجبتُ ب"ريكا"، وهو مَن دق له القلب لأول مرة، حبي الأول، مشاغبٌ وجريء كل ما به لا يقاوم.

تجعد جبينه وضاقت عيناه في تعبير يدل على تقييمه لما ألقته على مسامعه، فإذا ظنت أن ما قالته الآن أراحه فهي واهية، ما بدر منها جذبه إلى عمق بحر التيه، أتقصد بذلك أن تغيُّره هذا جعلها تنفره؟!

ابتسامةٌ عذبة ارتسمت على ثغرها كانت رداً لما لاح على معالم وجهه الجذاب، وهي تهبط براحة يدها في تمهلٍ مدمر لكل ثبات تتلمس ذقنه، فطرقوته إلا أن ارتاح باطن يدها على صدره جهة اليسار، فلانت قبضته على رسغها ولم يحرره بعد، بل انشغل يتابع حركة يُسْرَاها بأنفاس متضطربة.
فدنت إليه ومن ثَمَّ رفع بصره إليها لتأسر هي هذه المرة عينيه بزرقتيها الساحرتين، قائلة:

-لكن "عبد الله" الذي تخلى عن كل شيء لأجلي وجاهد واضعاً نفسه تحت الاختبار بالرغم من كبريائه واعتزازه بحاله.

-أذوب به عشقاً.

-أحبك يا زعيم قلب سمرائك، سواء أكنت الداهية أو "عبد الله".

-ولم أندم للحظة على حبي لك في جميع حالاتك.

إلى هنا وكفى لن يصبر أكثر من ذلك، إذ أفرج عن رسغها لتنقض يده ضامةً خصرها، يجذبها إليه بقوةٍ طفيفة؛ فقد ماجت أوصاله بشوقٍ عارم.

واليد الأخرى علت لتُثْقِل ظهر راحتها إلى صدره يعض على شفته السفلى بهيام، يتفرس ملامح وجهها بعشقٍ جارف، و نظراته تائهة بأوصافها وزينة وجهها التي أضفت إليها المزيد من الرونق والجمال، وشعرها الكستنائي الطويل المموج باتساعٍ مسدلٌ على جانبي وجهها في هيئةٍ أنثويةٍ طاغية.

سُلِطَت نظراته تلقائياً على كرزيتيها، وهو يقول بنبرةٍ متحشرجة في تهدجٍ وله:

-ستقتليني سمرائي؛ ف"ريكا" عاشقٌ، و"عبد الله" متيمٌ، وكلاهما ضائعان بأنوثتكِ يا ملكة جمال زعيمكِ.

مال إليها لتشهق منتفضةً بهلعٍ، قائلةً بدلالٍ خجل:

-سيرانا أحدهم يا زعيم.

زفر بإحباطٍ وهو يبتعد على مضض، ومن ثَمَّ أفرج عن حصار خصرها قابضاً على راحتها مرةً أخرى، يقودها إلى الخارج بخطواتٍ واسعة قائلاً :

-هيا بنا من هنا، لقد أرهقت الزعيم.

تُرى ماذا سيحدث بعد أن يتلاقَ العاشقين في غفلة من الجميع؟
           _______________
سنذهب إلى النقيض وحالة أخرى من حالات الحب إنه "تميم" ومجنونته التي يجهل جنس لها حتى الآن فكل ما يجول بخاطره مجرد احتمالات، وبعد أن دق باب غرفته وتبخرت لعنة عشقه تلك الحسناء التي أذهبت عقله على الأخير.

قبض على فرشاة شعره يمشط خصلاته بعصبية أمام مرآة طاولة الزينة، فالتفت بتلهفٍ؛ ما إن لمح طيفها خلفه بالمرآة، ولكن لم يجد لها أثرٍ، فألقى ما بيده أرضاً، وهو يتخصر بضيقٍ، يقلب عينيه بضجر؛ وذلك عندما استمع إلى صوت ضحكاتها على ردة فعله لمناوشاتها، فقال باستياءٍ:

-مرتاحة أنتِ الآن لعذابي "يامور".

قالها ومن ثَمَّ التقط قميصه المعلق على المشجب يرتديه بتململٍ، متأففاً فها قد نسيا قطعة ثيابه الداخلية بالحمام، فدخل إلى هناك مرةً أخرى، ليجدها أمامه تبسط كفها إليه بالسروال، وما إن قبضه ممسكاً بكفها، اختفت مرةً أخرى.

فزأر قائلاً بكذب:

-اللعنة!! أكرهكِ "يامور".

وإذا بصفعة وإن رقت صاحبة اليد التي هوت على وجنته إلا أنه على قدر استياءه مما قال وبما ردت تعقيباً عليه، فلطمتها التعقيبية تلك تأكد وجودها فلاشك في قواه العقلية إذاً، وهناك معناً آخر لصفعتها، ألا وهو أن الإناث جميعهن ذات طبائع متشابهة لا يتحملن الهجاء.

نعم "تميم" كلنا متشابهات، فاحذر بحديثك ولا تغضبها.

بقت المعضلة على وشك الحل، فصفعتها تعني أنها رحلت ويمكنه ارتداء هذا اللعين حتى يكمل باقي حُلته، فحتماً لن يخرج هكذا بالمنشفة، وزيادة في الحرص ارتداه مثلما خلع عنه الآخر.

خرج "تميم" ليوافِ الجميع إلى المائدة، فرآها تجلس على الكرسي الخاص به، تواليه ظهرها، ووالدته منشغلة بتقديم الطعام لأبيه، وتضع البعض بالطبق المخصص له أمام جنيته، دون التفاتةٍ نحوها ويبدو أنهما لا يرونها حتماً.

هز رأسه باستنكار فمشاغبته غيرت من لون شعرها وتسريحته.
وهيئتها بملابسها العصرية هذه تختلف تماما عن تلك التي كانت ترتديها بالداخل.

اقترب يداعب خصلات شعرها، فانتبه إليه والديه وهما يبتسمان إليه ببلاهةٍ دون حديث مما أثار ريبته، والأكثر غرابة هو تشنج عضلات كتف "يامور" أسفل باطن راحته التي شقت طريقها لتحط على تركوتها، فمال بجذعه يدعي استناده على حافة ظهر المقعد، يدنو إلى جانب وجهها قائلاً بهمس، تزامن مع همسه لها تبادل النظرات والإيماءات بين أبويه مستغلاً انشغالهما؛ ليبث مشاكسته تحذيره التالي:

-ستعاقبين على تلك الصفعة حبي.

وكانت الصدمة والثبات من حظه هذه المرة فمَن اعتقدها تستحق العقاب كانت أخرى لا تمت لما حدث بشيء.

إنها "همس سليمان قدري"، ابنة "سليمان قدري" صديق والد "تميم" وإحدى الوجوه الشابة بمجال التمثيل، آية بالجمال ولكن بلمحةٍ شرقية تختلف تماماً عن مشاغبته.

ف"همس" صاحبة العينين العسليتين وبشرة برونزية وشعر كستنائي مموج بملامحها الصارخة بالأنوثة على نقيض "يامور" بمعالم وجهها الطفولي البريء وجمالها الغربي.

ولنعط كل ذات حقٍ حقها، فكلٌ منهما لها سحرها الخاص، ويكفي "تميم" أن قلبه لا يخفق إلا لجنيته، ولكن هناك من لا تفوتها فائتة، إنها "عفاف" تقول بخبث أُم تريد صالح أبنائها، موجهةً حديثها إلى زوجها "أكرم" والد "تميم":

-أرأيت "أكرم"؟! يليقان ببعضهما، لا أعلم لِم تنتظر؟!
-تحدث مع استاذ "سليمان" وزوجته؛ لتكللا صداقتكما بالنسب.
-فأنا لن أجد زوجةً لابننا "تميم" أفضل من "همس".

تحمحمت "همس" بحرجٍ، ف"تميم" لا غبار على حائطه، ولا عيب به، وهي بالفعل وإن اختارت بعقلها لن تجد مَن هو أفضل منه أدباً وحسباً ومكانة.

ولن تنكر أنها معجبةٌ به، وإن لم يكن ذلك الإعجاب الذي يليه قصة عشق أفلاطونية ولكن ماشي حاله.

فمَن تلك التي لا يميل قلبها لشاب ك"تميم" بوسامته ورجولته وعضلات جسده المهلكة وشخصيته التي وبرغم مرحها إلا أنه شاب وقور وعلى خلق ومن أصل عريق!!
ولو تقدم لها قبل بضعة أشهرٍ لرحبت بالفكرة وربما لم تسعها الفرحة حينها، بل وستبادر باستقطابه إليها.

ولكن كان ذلك في السابق، شأنها كشأن جميع الفتيات ممَن هن في مثل عمرها فهي بالحادية والعشرين بداية مرحلة الشاب ومعظمهن لا يشغلهن بتلك المرحلة سوى فارس الأحلام على حصانه الأبيض.

تضجرت "همس" من مساعي السيدة "عفاف"، بينما صاعقة حطت على رأس من تجمد بأرضه ولا يعرف ما يجب عليه قوله، فإن أبدى أي رفض سيحرج تلك المسكينة.

لذا اكتفى بنظراته المستنكرة التي لم تُعِرها "عفاف" أي انتباه، فها قد واتتها الفرصة لتضعه أمام الأمر الواقع، مادام للآن لم يأتِ إليها "تميم" يوماً؛ ليخبرها بحبه لأية فتاةٍ أو رغبته في الإرتباط أو حتى ذكر الزواج من أياً مَن كانت ولو على سبيل الدعابة حتى باتت تخشى من أن يكن ابنها يعاني شيئاً ما يحُول دون تفكيره في الزواج أو الإرتباط وربما يكون هذا المانع نفسي أو عضوية.

وهناك شكوكٌ أخرى راودتها كونه على علاقة غير علنية بإحداهن وهذه العشيقة ما تجعله يزهد غيرها.

وفي جميع الحالات هي لم تيأس أبداً، فقد حاولت مِراراً سؤاله بشكل مباشر أو غير مباشر عن وجود حبيبة أو إذا ما كان يرغب في تكوين أسرة مع فتاة بعينها ولكنه كان يتهرب دوماً من الجواب، متحججاً بإنه لم يقابل الفتاة التي يمكنها أن تسرق قلبه.

استكملت "عفاف" عرضها المبتزل، وهي تقول بغمزة عين:

-اجلس "تميم" إلى جوار خطيبتك.

ليأكد "أكرم" ما قالته زوجته:

-لا تخجل "تميم"، اجلس بني، واليوم سأتحدث بشأن خطبتكما مع حماك "سليمان".

وأمام هذا المطلب الجماعي لم يجد حلاً سوى الامتثال وسيؤجل الحديث بهذا الشأن بعد رحيل "همس".

ولكن قبل أن يتحرك خطوة وجد مَن تقف خلف والدته، تهم بمحاوطة عنقها خنقاً، تزجره بنظراتها العدائية، وبرغم الغضب الطافق من مقلتيها إلا أنها تبدو شهية ولذيذة.

هلع انتابه فهو وإن رأى رقتها، فلا يمكنه التنبؤ بغضبها، إذ من اليسير عليها أن تؤذِ "عفاف"، وهذا إذا ما كان تخمينه الأوقع صحيحاً بأن حبيبته من الجن.

رفعت "عفاف" يدها تحاوط عنقها وهي تئن.
هذا وشريرته العذبة لم تكن قد تملكت من عنقها بعد، فيبدو أنها تمتلك خاصية التنفيذ بالرغبة والإرادة، أي ما تريده أو يطوف بخلدها يتحقق دون أي بذل جهدٍ من قِبَلها.

هرع "تميم" باتجاه والدته، يقف خلفهما قابضاً على معصمي "يامور" يحاول جاهداً برغم قوة جسده عن اطإثنائها عما تُقْدِم على فعله، ولكن ما ظن أنه هين، لا يوجد أصعب من تنفيذه، فعلم أن غضبها جحيمي.

وفي تلك الأثناء هب أيضاً كلا من "أكرم" و"همس" من مقعدهما يتفقدا "عفاف".

"أكرم" قائلاً بهلعٍ انتابته؛ بسبب ما حل بشريكة العمر وأم ابنه فجأةً ولا يعلم السبب:

-"عفاف" ما بكِ حبيبتي؟! تحدثي لا تقلقيني هكذا عليكِ.

وباقتراب كلا من "أكرم" و"همس" تشتت جنيته ويبدو أنها تريد توزيع كم الغضب الناجم عن غيرتها المميتة على ثلاثتهم بالتساوي.
كم أنتِ عادلة "يامور"!!

وإن كان المسكين "تميم" يظن أنه سينجو من هذا الغضب، فهو يحلم، ولِمَ لا؟!

فقد امتثل لحديث الحيزبونة "والدته"، وچوكر أوراق اللعب "أبيه"، ولم يعترض على فكرة الارتباط من تلك الشمطاء "همس"، وهذه كانت المسميات التي أطلقتها "يامور" على كلٍ منهم.

رفعت "يامور" يديها عن "عفاف" تريد القصاص من "أكرم"، وستحظى "همس" بعقابٍ أشد، وفي رفعت يدها مع التهاء أبيه و"همس" مع والدته، قام المستميت على معصمي "يامور" باحتضانها من الخلف، ولا زال قابضاً على رسغيها يحاول بكل جهدٍ مضني تكبيل ذراعيها معاً أسفل صدرها وهي تنتفض بشدة بين أحضانه، تصيح به:

-اتركني أيها الخائن، سأقتلك "تميم" ولكن سأنتهي منهم أولاً.

لا يعرف "تميم" ما الذي أصابه أليس من المفترض أن يفزع ويهاب منها بعد ما يراه الآن، فيبدو أن ما تقوله ليس عسيراً عليها ولا هي تهزي، فالإصرار الواضح بنبرة صوتها وردود أفعالها ليس تهديداً على الإطلاق.

ولكن على النقيض فما به الآن لا يَمُت للخوف بِصلة، إنه في قمة سعادته فحبيبته تغار، وتلك الفرحة تخللتها أحاسيس أخرى قد سيطرت عليه منذ قليل في المرحاض ولكن كانت الأوضاع مستبدلة فاحتضانه لها على هذه الحالة وتململها بين يديه الآن، ورائحة جسدها وشعرها التي تشبه رائحة زهور "الجارينيا" جعلته في عالمٍ موازي.

أصبحت محاولاته لقمعها وكبح جماح ثورتها تأخذ منحناً آخر، فطراوة جسدها بين يديه جعلته يشعر وكأن هناك شحنات كهربائية مختلفة الأقطاب تتدافع في السريان عبر وريده مصدرها هي.

وتلك الشحنات رفعت نسبة "الأدرينالين" بدمه وهو هرمون السعادة والنشوى وكأنه تناول لتوه جرعة مخدر قوي المفعول من هذه الأنواع التي تدمر الجهاز العصبي وتتلف خلايا المخ ولكن احتفظت الجرعة التي تلاقها بالرونق وتبدد الأثر الجانبي، فلا ضرر ما دامت الجرعة هي رحيق العشق.

يداه المطوقتان المانعتان الحائلتان أصبحتا ضامتين حانيتين دافئتين، وأنفاسه المتزن رِتْمُها تحولت إلى هدرٍ وموجة اضطراب تلفح صفحة وجهها بدفء؛ لتلتف إليه "يامور" فتجده شاخصاً بها ونظراته الولهة التي يخصها بها، ووجهه القريب إليها بملامحه التي تعشقها هدأت من عاصفة الغضب التي خالجتها، ولكن بدء الجميع ينتبهون على ما يفعل ويداه اللتان تكبلا جسدها إليه، جعلت هيئته تتراءى للجميع وكأنه مجنون وبه خلل عقلي، مما أجبر "يامور" لاستخدام قواها وتمارسها عليهم بأن جعلتهم في حالة ثبات، وحتى ما حدث مؤخراً محته من الذاكرة.

"يامور" وهي تبادله النظرات، وإن خفت حدة غضبها، لكن تنضحان برماد نيران غيرتها، تقول بتذمر:

-ابتعد.

"تميم" بهيامٍ، وهو يدنو إليها مخالفاً ما طلبته تواً، ونظراته تتآكل ملامح وجهها بعشقٍ يشوبه رغبة محب، قائلاً بهمس:

-لا أريد "يامور".

خفضت بصرها لا إلا يفتضح أمر سطوته عليها وهي تشيح بوجهها عنه، قائلة بغيرةٍ محببة:

-لِمَ؟! فمنذ دقائق كنت ستجلس إلى جوار خطيبة الفغلة.

قالتها وهي تؤشر برأسها باتجاه "همس" التي تصنمت على وضعها كما الحال بالنسبة ل"أكرم" و"عفاف"؛ لينتبه من غيبته جنيته إلى الوضع المخزي الذي هو به الآن.

متسائلاً عما قد يظنه الحاضرون وذلك قبل أن يتوجه بنظره إلى حيث أشارت متعجباً من الصمت الذي حل على المكان؛ ليرَ ما أكثر غرابة وهو ثباتهما المريب هذا.

فعاود النظر إليها، يقول مستفسراً:

-ماذا حدث لهم؟!

أجابت بحدة:

-أتسأل قلقاً على والديك؟! أم يهمك أمر تلك الشمطاء؟!

ابتسم يعض على شفته، قائلاً بصدق:

-أنتِ، أنتِ من يهمني أمرها "يامور".

"يامور" باستياءٍ لين:

-كاذب.

قلب عينيه بضجر، ليقُل بمهادنة فحقاً وضعهم مقلق:

-"يامور"، هل هم بخير؟!

نفضت ذراعيه المعقودتين حولها بيسر، تبتعد عنه، قائلة بجفاء:

-اطمئن على عروس المستقبل، وحماتها الحيزبونة، وچوكر الكوتشينا خاصتك.

قهقه "تميم" على تلك المسميات الطريفة، يقول بعد أن هدأت وتيرة ضحكاته، وهو ينظر إليها نظرة متطرفة، يبتعد بضعة خطوات بقدر ما ابتعدت هي:

-أفهم من هذا أنكِ موافقة على زواجي منها؟!

اختفت "يامور" بلمح البصر، لتظهر أمامه مباشرةً في طرفة عين، تهدر فيه بحدة، وهي ترفع سبابتها في وجهه بتحذير:

-إياك وإثارة غيرتي "تميم"، لن تتحمل توابعها.

مال يقبل طرف أنملتها ولم يبتعد بنظراته عنها، وإنما رفع يده يقبض على معصمها يجذبها إليه أكثر، قائلاً وهو يسبل أهدابه يناظر شفتيها المغويتين بنهمٍ وجوع:

-الغيرة لا تليق بكِ يا جنية أحلام "تميم"، ومالكة قلبه.

أجابته بكبرياء أميرة:

-لم تُخلق بعد من تتملكني الغيرة تجاهها.

ابتسم باستحسان فما تقوله حقيقة، ليأكد على ما قالت هامساً بعشقٍ جم:

-أجل "يامور"، فلن تسكن قلبي غيرك.

خفضت "يامور" بصرها، ولازال غضبها هو المسيطر، قائلة بتهديد:

-إذاً فلتنهي هذه المهزلة حرصاً عليهم، وإلا لن أتمالك حالي حينها.

أومأ بإيجاب لم تلمحه؛ بسبب تحاشيها النظر إليه، وعندما لم يأتها الرد رفعت بصرها إليه بيأس آلمه، فاقترب محتوياً إياها، وهو يحتضنها إلى صدره ولم تمانع ولكنها لم تبادله، فقال:

-لا أعلم عنكِ شيئاً "يامور" ولكني أحبكِ، لا أعرف إذا كنتِ حقيقة أو وهم ولكن لا أتخيل حياتي دون رؤياكِ.

-نظرة الحزن التي بعينيكِ الآن تحطم لها قلبي، ولا أعرف إذا كنتِ ستستوعبين ما أقوله هذا أم لا:
-أقسم بالله العلي العظيم ما أحببت ولن أحب غيركِ ولن أكن لسواكِ، أنا لم أعترض على ما قالوه الآن؛ حتى لا أحرج الفتاة ليس إلا وكنت سأتحدث مع أبي وأمي عن الأمر بعد رحيلها.

"يامور" بجفاء:

-لم تستطع أحراجها ولكن أستطعت جرحي بسكوتك!!

رفع يديه المحاوطة لجسدها يكوب وجهها، قائلاً:

-لم أكن أعرف أنكِ هنا حبيبي، وجرحكِ أبدا لا يهون عليَّ.

واستكمل بمشاكسة:
-ولكن طالما لازالتِ غاضبة، فيجب عليَّ مراضاتك.

قالها وهو يميل برأسه إليها، ممرراً طرف لسانه على شفتيه بتعطشٍ لمذاق شهد خاصتها، ولكن....
ترى ماذا حدث؟!
حابة أعرف آرائكم ومداخلاتكم عن الأحداث القادمة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي