الفصل السادس

كانت أسماء سعيدة لما حدث فقالت بسعادة عارمة:

- حسناً فإنه الآن  سوف يشعر بالغضب، ثم يأتي هنا وانتقم  منه أشد الإنتقام، فمن كانت تحميه الآن ليس لها وجود، فإنها قد دخلت قفص من حديد، ولم تستطيع الخروج منه

كما أنني أشعر بالسعادة، لأنك حققت جزء من أمنيتي، ولكن عليك أن تخفي تلك البضاعة لمدة معينه، حتى ينساها الجميع سوف نقوم بإخراجها والاستفادة منها.

فقال لها:

-  بل لدي فكرة أخرى، فإن خرجت تلك البضاعة مرة واحدة فسوف ينكشف أمرنا، ولكنني أفكر بأن نخرجها جزء في جزء، حتى لا ينتبه لنا أحد وأن نقوم بتوزيعها في أماكن متفرقة، بحيث لا يستدل أحد على مكاننا.

نظرت إليه نظرة عشق وقالت:

- حسناً فإنك تملك عقلاً ذهبياً ،ولا يستطيع أحد أن يصل إلى ذلك التفكير، فلتفعل ما تريد وأنا أنتظر حصاد المال.

بينما كان أدهم يفكر في أمور عديدة، وكان يجلس جاسر بجانبه قطع تفكيره قائلاً:

-  فلتنظر بالخارج هل جاء ذلك الشخص المكلف بجلب الطعام؟ أم أين ذهب؟

نظر إليه أدهم وقال:

-  لأول مرة تتحدث عن الطعام.

فقال له جاسر:

- أنني لا أريده لذاتي، بل لتلك الحمقاء فإنها لن تصمت وسوف تنتظرني، كي تتخلص من شحنتها التى تحتفظ لي بها، ثم أنظر إلى تلك الشاشة فإنها تبحث في كل مكان لعلها تجد شيء يسد جوعها.

نظر له أدهم وكان يريد أن يخبره بأن تلك الحمقاء، تبحث عن شيء يساعدها في الإيقاع به، ولكنه فضل أن يصمت كي لا ينتهي ذلك العرض المسرحي، وأنه يعلم إذا كشف أمره سوف يلقنه درساً لن ينساه

ولكن كل ذلك سوف يكون فداء لذلك العرض المسرحي، الذي لن يراه كثير، فهو يعشق روح التحدي وخاصة أن كان ذلك التحدي بين طرفين متكافئين.

حضر الشخص المكلف بإحضار الطعام، وقام جاسر بنهره على تأخره، فأخبره بأنه كان يوجد حادث في الطريق هو الذي جعله يتأخر، فتدخل أدهم وأمره بأن ينصرف وبالفعل انصرف ذلك الفرد قبل أن يفتك به جاسر.

أخذ جاسر الطعام وذهب على الفور الى تلك البلهاء وهو يتوقع اسوء مقابلة.

بينما كانت شهد في ذلك الوقت تشعر بالغضب في الغرفة، حتى وجدت جاسر يأتي لها وهو محمل بالطعام، نظرت إليه  وقالت:

- أنك تعلم إنني أنثى رقيقة، ويجب أن يكون كل شيء رهن إشارتي.

عندما جاء كي يتحدث قطعته قائلة:

-  أنني لا أريد أن أسمع حديث،  وقامت بأخذ الطعام من يده،  وجلست دون أن تنظر إليه لتتناول إفطارها.

كانت أمينة تشعر بالخوف على حال أبنتها، فعلى الرغم من المكانة التي وصلت إليها ولكن مازالت تحمل بداخلها قلب طفلة، ولن تستطع تحمل أي ظرف قاسياً، فاخذت تبكي على حال أبنتها وكيف طاوعتها ذاتها بان تتركها ترحل، كما أن الأمانة التي كانت لديها قد فقدت هي الأخرى، كأنها مربوطة بصاحبتها.

إنتهت شهد من تناول طعامها ثم عادت النظر إلى جاسر،  الذي كان ينظر إليها وهو يشعر بالغيظ، ثم نظرت إليه بأبتسامة بلهاء قائلة:

- لقد تناولت إفطاري، فأين ذلك المشروب الخاص بي؟

نظر إليها بتعجب قائلاً:

- أي مشروب؟ لم يبلغني أحد بأنك تريدين أن تتناولين شيء.

فنظرت له بتكبر وقالت:

- أنه من الطبيعي عندما نتناول الطعام نشرب أي شيء.

  نظر لها وقال بسخرية:

-  ماذا تريدين أن أجلب لك يا حظي السعيد؟

نظرت له وقالت بفخر:

-  فنجان من القهوة ومعه قطعة من الحلويات، ولا أرفض  أي شيء آخر  فهذه عادتي.

نظر إليها بغضب وقال:

- أتمنى أن تكون الإقامة لدينا تسعدك.

نظرت إليه وقالت بغرور:

- نعم حتى الآن استمتع، ولكن لا أعلم ماذا سيحدث فيما بعد؟ ولكن أتمني.

نظر لها بإنتباه فقالت له:

- أتمنى من يجلب لي الطعام، أن يكون شاباً وسيماً، والإبتسامة على وجهه.

هنا كان على وشك الإنفجار، وقال بحدية:

-  وهل تريدين أن يمتلك لون بشرة أو لون شعر محدد؟

قالت له بتحدي:

- أن ذلك الوسيم سوف يكون وسيماً في كل شيء، فإنني لا أريد أن أرى وجه يجعلني أكف عن الطعام،  كما أنني أشعر كأني فريسة وتريد أن تنقض علي، ولا أعلم من أين أتى لي هذا الشعور.

نظر لها متمعناً في حديثها، فلأول مرة فتاة تلفت نظره.

فقالت له:

-  هل اتسم  بالجمال كي تنظر إلي كل تلك المدة دون أن تغمض عينيك، فأنا أعلم أنني ذات جمال أسحر بيه الجميع.

نظر لها وقال:

-  عن أي جمال تتحدثين، فأنا أدعو الله أن يصبرني على بلائي.

نظرت له وقالت:

-  حسناً فلتذهب كي تجلب لي المشروب الخاص بي، وفي المرة القادمة  أتمنى أن تدعو في سرك.

فقال لها:

- حسناً سوف أذهب وأرسل أحدهما بما تريدين، ولكن لا تتحدثين مع أحد.

فقالت له بغضب:

- هل تريد أن أظل حبيسة في ذلك المكان؟  لا أتكلم مع أحد ولا أرى أحد، هل تريد أن أصاب بالجنون.

نظر لها بسخرية قائلاً:

- بل عزيزتي إنك مصابة به بالفعل، فمن يفعل ما تفعليه ما هو إلا مجنون، كما أنك لا تعلمين خطورة الوضع فهذا يعني إنك بدون عقل.

شعرت بالغضب فقامت بالبحث عن شيء، حتى وجدت ضالتها وأخذت إحدى التحف الموجودة على المكتب، وقامت بقذفها في وجهه، ولولا أنه أدرك ذلك في اللحظة الأخيرة، لكان وجهه أصبح خريطة.

هنا شعر بالغضب لأن تلك البلهاء، لا يستطيع أحد أن يقف أمامها، فقام بالذهاب إليها على الفور كي يلقنها درساً، ولكنه تفاجأ بها تتحرك بسرعة، كل ذلك كان تحت نظر أدهم الذي شعر بالنشوة تسري بداخله.

تحرك جاسر نحوها كي يلقنها درس، ولكن كانت شهد تتحرك يمين ويسار، حتى إن جاسر لم يستطيع أن  يوجه لها ضربة مباشرة، وعندما تعب من ذلك الأمر قام بحملها على كتفيه، وشعرت شهد بشعور غريب يسري بداخلها، فعلمت أنها وقعت أسيرة له، ولكنها افاقت عندما قام بقذفها بقوة على الفراش.

شعرت سريعة بالندم لأنها قد جاءت لهدف، وذلك الهدف لم ينتهي بعد، فكيف لها أن تعشق؟ وفي ذات الوقت خائنة للأمانة.

بينما بعدما قام بألقاها على الفراش، قام بأخبرها بأنها عليها الإستعداد، لأنهما سوف يخرجون بالليل لإحدى المطاعم.

نظرت له وهي جالسه على الفراش قائلة:

- حقاً هل أخيراً سوف يزال أسري!  هل سوف أخرج مع زوجي، يا لها من مشاعر جياشة، فليأتي أحداً ما بشيء كي أزيل دموعي.

نظر لها جاسر بغضب وقام بقذفها بإحدى الوسادات التي كانت بجانبه، حتى لا يسمعوا حديثها، وأخبرها بأنها يجب أن تحضر ذاتها ليلاً، وتركها ورحل ولكنها كانت تتساءل ما سر ذلك المشوار، فقررت أن تخلد إلى النوم كي تكون بكامل إدراكها ليلاً.

بينما عاد جاسر  إلى أدهم كي يخططون ماذا سوف يفعلون في ذلك الإجتماع؟  وأعلمه بأن شهد سوف تخرج معهم.

فقال له أدهم:

- لقد أخطأت يا صديقي، بجلب زوجتك معنا.
ث
فأخبره بانه يريد أن يلقنها هي الأخرى درساً.

تعجب أدهم لأنه لا يعلم ما وجهة نظر صديقه، فلأول مرة يصبح محتار،  وهل ما فعله صديقه سوف يكون في صالحهم أو سوف يكلفه الأمر أرواحهم.

بينما كان خالد وأبيه قد بدأوا في تنفيذ المشروع، فلقد قاموا بشراء إحدى المحال التجارية، وقاموا بأنهاء أوراقها وكان خالد سعيد لأنه قد بدأ أول خطوة في طريقه.

بينما كانت والدته تشعر بتأنيب الضمير لما يحدث مع أبنتها، فقد مرت ليلة ولم تعرف شيء عن أبنتها، بينما كانت شهد تجلس على فراشها تذكرت والدتها فبكت، في ذلك الوقت كان جاسر يراقبها ووجد تلك الدموع تتساقط من عينيها، فقال محدثاً ذاته:

-   تلك الحمقاء خليطاً من القوة والضعف، فإن من يراها يستحيل أن يفكر بأن تلك العيون التي تشع بالتحدي، يمكنها أن تتساقط منها الدموع، فشعر بالذنب أعتقاداً  منه أنه سبب لتلك الدموع، بسبب أنه وضعها في تلك الظروف، ولكنه عاد عقله يفكر هل  سوف تكن أفعى متلونة حيث المكان الذي  تتواجد فيه؟ ولكن كان لقلبه رأي آخر، فلأول مرة يقع جاسر بين صراع العقل والقلب، فالعقل يقول أنها متخفية حتى تتمكن منه وتوقعه رهن إشارتها، ولكن القلب يأمره أن يصمت فإن تلك الفتاة بداخلها قلباً نقي لا يعرف التلون.

هنا لم يستطيع جاسر السيطرة على عقله، فقام بقذف الفنجان الذي في يده بالحائط، حتى يتخلص من ذلك الضجيج الذي في عقله، بينما قرر أن يستمع إلى قلبه ويذهب إلى شهد،  ليعلم ما سبب تلك الدموع.

بينما كانت تجلس فهى قد أشتاقت إلى والدتها وتريد أن تطمئن وتسمع صوتها،  سمعت صوت أقدام فقامت بمحو دموعها.

دخل جاسر على شهد وقال:

-  لقد جئت كي أطمئن عليكي.

فقالت له بحدة:

- أنني بخير ولقد سبق وأن أخبرتني بأنك لم تأتي قبل الليل، فهل تم تغيير رأيك كي أراك الآن؟

تعجب منها فكيف لها أن تكون بالشخصيتان في ذات الوقت، فهي منذ قليل كانت تبكي والآن تقف أمامه وتتحداه.

فقال محاولاً استفزازها:

-  لقد وجدت الدموع تتساقط من عينيك، فجئت كي أعلم ما سبب تلك الدموع،  فهل تلك الدموع كنت سبباً فيها؟

هنا ذهبت له وهى تشير بإصبعها  نحو وجهه وقالت بعنف:

- أتمنى عندما تجدني أشعر بالغضب أن تتجنبني،  وإلا سوف ترى وجهاً لم تراه من قبل، كل ذلك الحديث وكانت على وجهه إبتسامة لم تفارقها، مما جعله يشعر بأن تلك الفتاة تركيبة غريبة لم يراها من قبل،  فهي في ذات الوقت تتكلم بحده وما في داخلها عكس ذلك.

فحدثه عقله قائلاً:

-  ألم أخبرك بأن تتركها؟  فتلك أفعى متلونة.

بينما قال له قلبه:

-  بل إنها فتاة ولا تريد أن يرى أحد أنها مجروحة، فلتظل بجانبها ولا تتركها حتى تطمئن إليك.

هنا قال عقله له:

-  فلترحل وتتركها فهي لا تستحق أن تظل بجانبها.

لكن جاسر أختار قلبه وقال لشهد بحنية غير معهودة:

- رأيت دموعك بالفعل وجئت كي أرى وأعلم ما سبب تلك الدموع،  فإن كنت قد أجبرتك على أن تظلين معي،  وتريدين أن ترحلي وقد جبرتك على أن تنتظرين معي فسوف أطلق سراحك، فعليكي الإختيار الآن أما أن تظلين معي وأما أن ترحلي ولك حرية الرأي.

  لأول مرة تشعر شهد بنبرة الحنان فهي لم تعهدها من أخيها وأبيها من قبل فقالت دون تفكير:

-  لن أرحل بل سأظل معك، هل تعلم لماذا؟ لأنني  وجدت معك الأمان الذي قد افتقدته وسط أهلى.

هنا كانت صدمة له، فلقد ظن بأنها بالفعل سوف ترحل وتتركه.

سعد جاسر بالفعل لإنها قد أختارته، فقال لها:

- إذن ما الذي أبكاك.

فقالت له بنبرة حزينة:

-  لقد أشتقت إلى والدتي وأشتقت إلى سماع صوتها.

فقال لها متعجباً:

- لماذا ذكرت والدتك ولم تذكري أخيك أو أبيك؟

فقالت له بحزن:

-  هناك أشياء قد تجبر على تقبلها وأنت بداخلك ترفضها، كما أنني لا أريد الحديث في أشياء أكره التحدث عنها،  كما يوجد بداخل كل فرد منا سراً يخفيه عمن حوله.

نظر لها وقال:

-  حسناً سوف أجلب لك هاتف كي تحدثي والدتك.

نظرت له بسعادة وكأنها عادت طفلة وقالت:

-  هل تتحدث بجدية أم تمزح معي؟

فقال لها:

-  بل أتحدث بجدية ولكن لك أن تخبريني قبل كل ذلك، لماذا قمت بارتداء ملابسي، وأنت تعلمين أن ذلك الطقم لم يلبس؟

فقالت له:

- كنت أريد أن أجعلك تستشيط من الغضب، كما أنني أعشق اللون الأبيض في الملابس، فلذلك ارتديته دون تراجع.

سعد بحديثها وتركها لحظات وعاد ومعه هاتفاً، وقام بإعطائها إياه وتركها في الغرفه وغادر، كي تتحدث مع والدتها بحرية.

بينما كانت أمينة تنظف المنزل وهي شاردة في أبنتها جاءها إتصالاً هاتفياً، فرأت على الشاشة رقم دون أسم فقامت بالرد على الفور، وعندما أستمعت لصوت المتصلة تحول وجهها كأنها عادت شباب مرة أخرى وقالت بسعادة عارمة:

- شهد كيف حالك؟ لقد أشتقت إليك وقد غلبها البكاء في التحدث.

فقالت لها شهد مطمئنةً والدتها:

-  يا أمي لا تقلقي،  فأنا بخير وأنك تعلمين أن أبنتك قادرة على فعل أي شيء، ولكن ما لا  أقدر عليه هو أن أفقدك، فعليك أن تكفي على البكاء كي أكمل الحديث معك،  وإلا سوف أغلق الهاتف وأنت تعلمين أنني يمكن أن أفعلها.

فقالت والدتها:

-  أنك لن تكفي عن المزاح، فلتخبريني بكل ما حدث معك منذ أنا رحلتي.

فأخبرتها بكل ما حدث وقالت لها:

- ولكن ما لا تعلميه أمي أن قلبي قد وقع أسيراً لذلك الشخص.

هنا صرخت بها والدتها قائلة:

-؛ هل جننتي هل تعشقين رئيس عصابة.

فأجابتها:

- نعم لقد عشقته أمي، فإنه قد  عوضني ما فقدته من أبي وأخي، فلقد وهبني حنية ليس لها مثيل، هل تعلمين أمي عندما أنظر إلى عيناه أقع أسيرة له، كما أريد منك أن لا تخبري أبي وأخي بأنني قمت بهاتفتك، وعليك أمي أن تأخذي تلك الأموال التي تركتها أمانة لك وتأخذي منها كي تجلبين كل ما تريدينه، فكنت معك أجلب لك ما تريدين، ولكن الآن ليس بجانبك.

فقالت لها بنبرة حزينة:

- أنني أسفة أبنتي فإنني لم أحفظ الأمانة، فإن تلك الملعونة عندما خرجت من المنزل، أرسلت من يسرق الصندوق الخاص بك فلقد علمت به، عندما تجسست علينا.

أغمضت شهد عيناها كي تكتم غضبها ثم قالت:

-  هل تقصدين بأن تلك اللعينة قد رحلت عن بيتنا؟

فأجابتها والدتها:

-  نعم لقد أعطاها أخيك ورقتها، عندما عاد يوم الحادثة، لأنه علم أنها هي من حصلت على البضاعة وقامت بسرقتها مع الصندوق الخاص بك.
هنا صدمت شهد وقررت أن تفعل شيء
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي