الفصل الحادي عشر

كانت شهد تشعر بالحيرة، فهي على الرغم من قوتها، ولكن تشعر أن هناك شيء ما لدى أهلها، فإن قلبها يشعر بعدم الراحة، ولذلك ارتمت على الفراش و انسابت دموعها من عينيها، وصوت بكائها يملئ المكان.

كان أدهم يجلس على شاشة الحاسوب فرأها وهي تبكي فقام بالإتصال جاسر الذي قد خرج منذ قليل، ولكنه لم يجيب فقرر النزول لها.

بينما كانت تبكي سمعت خطوات أقدام، ولكن تلك الخطوات لا تخص جاسر، ولذلك لم تهتم ولكن عندما شعرت أن الأقدام تقترب من باب الجناح، فشعرت بالقلق ولكن هدأت عندما وجدت من يطرق على الباب.

فقامت بفتحه فوجدت أدهم، فأخبرته بأن جاسر بالخارج، فقال لها:

- أعلم ذلك ولكن لقد جئت كي أعلم ما سبب تلك الدموع التي كانت تتساقط من عينيكي.

نظرت له وقالت بنظرة تحدي:

- أنت كنت تريد التحدث معي، فلا تتلاعب بي ولتخبرني ما الذي جعلك تأتي لي؟ وأنت تعلم بأن صديقك ليس هنا.

صمت فأكملت حديثها:

- تعلم أنني لا أطمئن لك، فلا أشعر تجاهك الحس الإجرامي، ولكن أشعر بأنك ذو مكانة ووقار أي صاحب سلطة، وأشعر أيضاً أنك تخفي شيء فأن عيناك تفضحك، ولكن أطمئن فلن أدعك تحاول إسقاطه مهما كلفني الأمر.

فقال لها أدهم مهاجماً إياها:

- أنكِ تتحدثين كأنك واعظة دينية، ألم تري ذاتك ماذا فعلتِ منذ يومين! وإنك كنت متخفية في هيئة الحمل، وأنت ملقبة بالحرباء، فأنا الذي أشعر بالشك تجاهك وإنك قد جئتِ كي تسقطيه.

صدم أدهم من رد فعلها فلم يستوعب ما حدث، إلا عندما وجد ذاته وهي ترفعه من الأرض وتصدمه بالحائط قائلة:

- فلتصمت وإلا قتلتك فأنا ذات القلب القاسي، قد علم قلبي معنى الحب عندما رأيت صديقك، فهو قد أعطاني ما فقدته من حنان.

صمتت ثم قالت بسخرية:

- تعلم بأنه أول شخصاً في حياتي يسألني ما الذي يحزنني؟ فأنا كنت أداوي جروح الجميع ولا أجد من يداوي جرحي، حتى كبر ذلك الجرح بداخلي، فكان صديقك هو أول من يحاول أن يداوي جرحي.

فعليك الأبتعاد عنه وإلا قبل أن تحطمه سوف أقم بمحوك من تلك الدنيا، وقامت بقذفه على الأرض .

شعر بأن جسده قد تحطم إلى قطع صغيرة، كأنه لوح من الزجاج المهشم، كل ذلك كان تحت عيني ومسمع جاسر.

فلقد أتى بعد أن رأى رقم أدهم، ولكنه لم يجده في الغرفة، وعندما حاول أن يبحث عنه، لفت نظره الشاشة ووجد أدهم يقف أمامها، وشاهد كل ما حدث على الرغم من أنه كان يشعر من الغضب، لانها قد قدرت على أن تخدعه، ولكنها الآن قد صرحت بحبها.

شعر بأنه يميل لها فهي من حركة فؤاده، وجعلت جسده تسري به الحرارة، فهو عندما يأتي الليل يترك لها الغرفة ويذهب إلى الغرفة الأخرى، ولكن لماذا كانت تبكي؟ فما فعلته منذ أيام وما تفعله الآن مع صديقه عكس ما تخفيه.

ولذلك أنتظر كي يحضر أدهم ثم يذهب إليها ليعلم كل شيء، بينما كان أدهم لا يستطيع أن يتحرك وجدها تتحدث قائلة:

- عليك الخروج خلال دقيقتان، وإلا لن تخرج من تلك الغرفة إلا على المقابر.

هنا شعر بأنها سوف تفعل ما تفوهت بها، فتحرك رغم عدم مقدرته حتى خرج من تلك الغرفة، وهو يحمد الله أنه خرج حي.

بينما شعر جاسر بالقلق بسبب تأخر أدهم، فترك الشاشه كي يذهبوا لكي يعلم ما حدث له، ولكنه عندما فتح الباب وجد أمامه منظر لا يرثى، فضحك على ذلك المنظر.

بينما قام أدهم بإزاحته وقام بالدخول على الفراش وهو صامت لا يقدر على التفوه بشيء، ولكن حينما إلتقط أنفاسه قال:

-  لا أظنها أمراة مثل ما تعاملنا معهم، فإنها لديها قوة تحطم السد المنيع.

بينما قال له جاسر:

-  لماذا قد ذهبت إليها؟ فلقد نبهتك بأن لا تذهب إليها.

فأخبره بأنه وجدها تبكي فقام بمحادثته، ولكنه لم يجبه، فقرر أن يذهب إليها، كى يعلم ما سبب تلك الدموع.

هنا ضحك جاسر وقال:

-  والآن علمت ما سبب البكاء.

فأجابه بغيظ:

- أنني كنت أحمق ولدي داء الفضول، وهذا نتيجته فإن تلك الحرباء تتسم بكثير من الصفات، فهي لديها عقل فولاذياً، ولكنها قدرك فلقد وقعت في عشقك.

هنا صمت جاسر وقال:

-  أنك تعلم أنه لا ينفع، وأنني سوف أتركها لدي عدة شهور، حتى أعلم من خلفها، وسوف أطلق سراحها في ذات اليوم، فأنا عندما أعشق سوف أعشق من هي في ذاتى مكانتي.

نظر له أدهم وقال:

-  لقد أخطأت يا صديقتي، فالعشق لا يرتبط بمكانة ولكنه يرتبط بمؤلف القلوب، فإنني أعلم بأنك عشقتها وهي الأخرى قد عشقتك، ولكنك تفكر من جهة أخرى، في مظهرك أمام الناس.

ولكن أتمنى أن تفكر بعقلية قبل أن يفوت الوقت، وتخسر ذلك الحب فهي تستطيع أن تفعل أي شيء في سبيل الحصول على ذلك الحب.

بينما أخبره جاسر بأنه سوف يذهب إليها، كي يتحدث معها في أمور عدة، فأخبره بأنه سوف يذهب على الشاشة كي يرى ما سوف يتحدثون به.

هنا قال جاسر:
ت
- ألم تقف عن الفضول الذي تمتاز به.

نظر له وقال بمزاح:

-  إنما  ما وصلت إليه الآن، بسبب ذلك الفضول نظر إليه مكملاً:

- كما أنني أعلم في يوم من الأيام سوف أموت في سبيل ذلك الفضول، ولكنني أريد أن أراه عندما يلتقي القط مع  الفار، سيكون العرض المسرحي هائل بالنسبه لي، وقد أنسى به الآلام، الذي أشعر بها الآن.

فهيا يا صديقي فلترحل كي أستمتع بذلك العرض،  فقام جاسر بقذفه بإحدى الوسادات، لتصطدم برأسه فيقول مازحاً :

- ألم تكتفي بما فعلته زوجتك؟

رحل جاسر وهو يبتسم على حال صديقه

بينما قرر خالد بأن ينفذ خطته، ولكنه قرر أن يأخذ رأي مهاب، فإنه سوف يفيد أكثر.

بالفعل قام بمحادثة مهاب، في أول الأمر ظن مهاب بأن شهد قد تحدثت، ولكنه علم بأن خالد هو من يريده، أتفق معه على أن يتقابلوا في إحدى المطاعم التي تقع في وسط البلد.

  ذهب إليه خالد وبعد تناول الطعام، أخبر خالد مهاب بما ينوي أن يفعله، وبالفعل في أول الأمر صمت مهاب، كي يستمع إلى حديث خالد كاملاً ولكنه فيما بعد، أخبره بأنه عليه أن ينتبه فأن والده ليس لديه عزيز.

وأنه أن علم ذلك الأمر، فسوف ينهي حياته ولن يتردد في ذلك، ولكن خالد أخبره بأنه يخاف على والدته، فإنها سوف تكون هي موضع الإتهام، فأخبره مهاب بأنه عليه أن يظل في البيت، في ذلك الوقت حتى لا يجعل والدته فريسة لوالده.

ولكن عليه الإنتباه إذا كشف أمره قبل أن يحصل على ما يريد، فإن تلك الخطة سوف تبوء بالفشل.

فأخبره خالد بأنه سوف ينتبه، ولكنه يمكن أن يعتمد على بعض الأموال التي تؤول إلى شهد، على وعد أنه سوف يعيدها لها مرة أخرى، عندما يحقق ما يريد.

أخبره مهاب بأنه سوف يتابع ذلك الأمر معه، ولن يتخلى عنه، فما فعلته شهد من قبل لا يكفي عمره يفنى من أجلها.

نظر له خالد وقال:

-  كنت أتمنى أن تكون زوجها فأنت الذي يستطيع المحافظة عليها، ولكنك تعلم أنها كانت ترفض فكرة الإرتباط.

فأخبره مهاب بأنه قد وقع في حبها، ولكن فيما بعد علم بأنه إذا أكمل تلك العلاقة سوف يخسرها في أول صدام يحدث بينهم، ولذلك قرر أن يظل معها صديقاً فقط، وهذه  الذي جعل أن تستمر علاقتنا حتى الآن.

تفهم خالد ما  تفوه به مهاب، وجلسوا مع بعض يتحدثون في أمور شتى، حتى أعتذر خالد لكي ينصرف، كي يلحق ينفذ أول خطة، ولا يعلم بأن تلك الخطه سوف تكون بداية لحياة جديدة لهم.

بينما كانت تنظف أمينة البيت، فهي لم تعتمد على زوجها في حياتها، ولذلك عندما بعد عنها قد شعرت ببعض الراحة، فإنه كان كثير الإعتماد عليها في كل شيء لذلك قررت أن تنتبه إلى بيتها فقط، لا يهمها أمره.

في ذلك الوقت اصطدمت قدميها بشيء بجانب فراش خالد، فنزلت على قدميها كي ترى ما ذلك الشيء الذي صدمها، خوفاً من أن يكون شيئا قد سقط من الفراش كي لا يجرح قدم أحد.

لكنها صدمت عندما وجدت الصندوق الخاص بشهد، وعندما فتحته وجدت أن جميع الأشياء بداخله لم يمسه أحد، لكنها شعرت بالصدمة تجاه أبنها، فكيف له ان يفعل ذلك؟ وقد اتهمت زوجها ثم تلك الملعونه رحمها الله فجلست على الارض لم تستطيع ان تحملها قدمها.

عاد خالد إلى البيت، وقام بالنداء على والدته، ولكنها لم ترد فذهب إلى غرفته، فقد ظن بأنها قد خرجت تتسوق بعض الأشياء، ولكنه صدمه عندما وجدها تجلس بجانب الصندوق الخاص بشهد، وتبكي وهي تنظر إليه وتقول له:

-  ماذا فعلت لك كي تسرق أشيائها؟

هنا قال لها خالد:

- أنني قد أخذته كي أحميه من والدي، فلقد وجدت في عينيه أنه ينتوي أخذ،  كما أخبرت مهاب بذلك، والآن عليكي أن تساعديني في ذلك الأمر، الذي سوف أقصه عليكي.

ولكنك أعلمي عندما تقبلين ذلك العرض فلن تتراجعي، لأن رجوعك يعني فشل الخطة.

نظرت له أمينة قائلة:

-   فلتعطيني الهاتف أولا، ثم قامت بمحادثة مهاب الذي أخبرها بصدق ما قاله خالد.

نظر خالد إلى والدته بحزن، وقال:

-  لماذا لم تصدقيني؟ فلقد أخبرتك بأنني أخبرته.

نظرت إليه وقالت:

- كنت أظنك تتلاعب بي، الوحيدة التي كانت تقف إلى جانبي، تحاول أن تجعلني سعيدة، هي شهد وعندما فقدتها، فقدت معها تلك السعادة، سحبها خالد إلى صدره وقال:

-  من الآن فلتعتمدي علي والدتي، فسوف أكون بالفعل السند والحماية لك، قص خالد ما سوف يفعله على أذن والدته، التي أخبرته بالفعل سوف تساعده.

نزل خالد إلى الدكان، وعندما دخل وجد والده يجلس وتلك الفتاة تجلس في الكرسي المقابل له, فقال لها:

-  ما الذي جاء بك إلى هنا،  فإن ذلك المكان للبيع والشراء فقط،  وليس لأي شيء آخر.

فإن كنت تريدين أن تشتري شيء، فعليك الإتجاه إلى إحدى العاملين وسوف يلبي طلباتك، وأن كنت لا تريدين فعليك الرحيل، فإن أبي دائما يشعر بالتعب ولا يستطيع التحدث كثيراً مع أحد.

نظر إليه أبيه بغضب وقال:

-  خالد فلتصمت فلقد جاءت تلك الفتاة، كي تستشيرني في أمراًّ ما  وأخبرتها بأنني بالفعل سوف أساعدها.

نظر له بغضب قائلاً :
-  أن كانت تريد  مساعدة فلديها مسؤول المنطقة، فسوف يساعدها فإننا لم ننشئ ذلك المحل كي يكون للخدمات الإنسانية.

نظر له أبيه بغضب وذهب في اتجاه، بعدما رحلت الفتاة وآثار الدموع في عينيها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي