الفصل التاسع عشر

عندما تحدثت هنا شعر مهاب إنها قد جاءت بشيء لم يحسبه من قبل، عندما يعشق الإنسان حقاً فإنه يضحي بكل حياته من أجل حبه،  فهو اكثر فرداً على وجه الأرض يعلم معنى التضحية، فلقد ضحت زوجته وحبيبته ورفيقة رحلته بحياتها، عندما أخذت رصاصة بدلاً منه.

فكانت آخر ما تحدثت به قبل وفاتها:

-  أنني الآن أشعر بالسعادة، فكنت أتمنى أن يقبض الموت روحي، حتى لا أعيش في حسرو على فقدانك، والآن تقبل الله مني فأتمنى أن أكون ذكرى حلوة في حياتك.

هنا فرت دمعة من عين مهاب، وأغمض عينيه وهو يتذكر ملامحها، وكأن ذلك المشهد قد حدث الآن، فعلم أن ما تفوهت به شهد، نابع عن الحب الذي لا يفرق بين محتال و شخصاً شريف، ولكنه فكر بأن ينهي تلك المهمة دون أن يحدث شيء لجاسر.

فهذا ليس تحايل على وظيفته، ولكنه سوف يحوله من لص إلى شخصاً شريف، كي لا تتخلى شهد عن حلمها.

بينما كان خالد ينظر إليه فقال:

-  ما الذي يشغل تفكيرك.

فأجابته هنا قائلة:

-  لقد فكر في رفيقة عمره، فهي قد ضحت بحياتها من أجله، فشعر بنا تشعر به شهد، فقد عشق قلبها ولا أول مرة يعرف قلبها هذا ا الشعور.

فإنها كانت تخفي بداخلها  عكس الذي تظهر، فكانت تظهر القسوة وهي بداخلها تريد أن ترتمي في حضن أي شخصاً، تريد أن تسمع منه كلمة شكر لها، ولذلك عندما وجدت ذلك الشخص، وجدت أن حياتها من دونه ليس لها معنى.

نظر إليها خالد وقال بحزن:

-  نعم فلقد فقدت شهد  الأمان والسند، فكانت يعاقبها أبي على أفعال لم تفعلها، وهو يعمل بأنها لم  تفعلها، ولكنه كان يشعر بلذة في ذلك.

حتى حينما التحقت بجهاز المخابرات، قام أبي بحبسها ثلاثة أيام حتى ينتهي موعد التقديم، ولكن لقد ساعدتها إحد أصدقائها في الحصول على اوراقها والتقديم بدلاً منها.

كما أنها  قامت بأخبارنا بأنها قد قدمت في إحدى الكليات النظري، وبعد مرور سنتين علمنا بالصدفة بأنها قد التحقت بالكلية التي كانت تتمناها، وعندما واجهها أبي أخبرته بأن ذلك حلم حياتها، ولن تتخلى عنه.

ولكنه في يوماً قام بضربها حتى كسر يدها، عندما علم أنها على مشارف الإمتحانات، فإنها أن لم تدخل الإمتحان فهذا يجعلها تتأخر عن زملائها.

ولكنها قامت بأخبار أحد زملائها، الذي ساعدها في أن تحصل على ورق الأسئلة إلكترونياً لحين عودتها مرة أخرى، وبعد ذلك علمنا أن ذلك الشخص كان مهاب الذي توسط لها عند الدكاترة.

وكان جميع الدكاترة يشهدون لها بذكائها وعندما طلب ذلك الأمر منهما، رحبوا بالفكرة على الفور وهذا ما جعل أبي يعلم أنها تتحداه ب ولذلك حاول أن يعيدها عما تريد فعله، ولكنه كل ذلك دون جدوى.

كما أن طفولتها ليس كمثل باقي الأطفال فإنه كان يمنعها من الخروج، واللعب مثل الأطفال الآخرين، وكانت والدته تحاول أن تعوضها، ولكنها لا تفلح.

ولا أنسى ذلك المشهد عندما أحضرت والدتي عروسة لها، كي تلعب بها وعندما شاهدها أبي العروسة في يدها، قام بكسرها على الفور، وقال لها:

- أنها ليس لها قيمة، ولن تفلح أبداً.

في ذلك اليوم وجدت في عين شهد دموع متحجرة، وكأنها رفضت أن تظهر ضعفها، ونظرت لأبي نظرة تحدي، وكأنها تخبره بأنها سوف تصبح لها مكانة.

نظرت إليه هنا وقالت:

- وبعد كل ما تفوهت به ومازالت تريد الإجابة، لماذا عشقت؟ كما علمت الآن لماذا عندما كانت تتحدث معي في أمر زواجي كانت عينيها تخبرني بأن أتراجع؟ فلقد نصحتني بأن أبتعد عنه، ولكنني أخبرتها بأنني اعشق ومستحيل أن أبتعد عنه.

ولكنني الآن علمت ما كانت تريد أن تخبرني به، فهي قد رأت زوجي نسخة من والدها، ولذلك أعتقد بأنها لم تخطئ في إختيار ذلك الشخص الذي عشقه قلبها، فلقد وجدت شيء كان مفقود بالنسبة لها طول حياتها.

بينما كان مهاب يفكر في طريقة للتواصل مع شهد، كي يخبرها بما يريد، ولكنه يعلم بأن شهد سوف تفعل ما في عقلها، ولكنها لديها جانب سوف يؤنبها، ولذلك سوف ينتظر حتى يرى ماذا ستفعل؟ ولكنه سوف يتركها عدة أيام، ثم يتحرك هو من تلقاء نفسه.

بينما كانت شهد تشعر بالنعاس فقالت لها سميرة:

- فلتدخلي إلى تلك الغرفة ، لتأخذين قسط من الراحة، ثم أشارت إلى أمينة وقالت:

- لدي الغرفة التي بجانب غرفتي، يمكنك الحصول عليها، فسوف تشعرين بالراحة فيها.

بينما نظر عدي إلى شهد وقال:

- هل حقاً سوف تغفلين؟

فنظرت إليه وقالت:

- هل مازلت تريد أن تلعب.

فقال لها:

- نعم إنني لا أشعر بالنعاس، ولذلك أريد أن ألعب، وأعلم أن الجميع سوف يخلدون إلى فراشهم، فخالي الوحيد الذي كان يجلس معي في ذلك الوقت، نظرت إليه وقالت:

- حسناً فلتأتي معي إلى الغرفة، وسوف ننام قليلاً ثم نلعبون كثيراً.

فنظر إليها وقال:

- اتفقنا

و لكنها وقفت وقالت له:

- هل لديك حلوى تحتفظ بها.
أشار برأسه بالإيجاب فقالت له بإبتسامة:

- فلتأتي بها معنا، فسوف نتناولها بالليل دون أن يشعر بنا أحد.

نظر الجميع إلى بعضهم البعض، وهم يتعجبون من سلوك شهد مع عدى، فإنها قد تحولت إلى طفلة، ولقد عوضت عدي على شيء قد فقده، كما أنه لا يستطيع التأقلم مع أحد بسهولة.

بينما كان أدهم يسأل عدي فيما سوف يفعله، فأخبره بأنه سوف يجهز ذاته في خلال ثماني ساعات، حتى يهجموا على أدفانس، فلقد فعل شيء ولا يجب أن يصمت عما فعله.

اخبر أدهم جميع الرجال بأن يجهزوا ويستعدوا، لأنهم سوف يخرجوا في أي وقت، كان أدهم حريص على عدم ذكر ساعة محددة.

بينما كان يجلس أدهم وجاسر فوجده في عالم آخر فقال له:

- هل عشقتها؟

نظر إليه جاسر وقال:

- لا أعلم هل قد عشقتها أم تعودت على وجودها؟ فإنها أول شخص يتحداني بعد الذئب، فلذلك لم أحدد، كما أنني أعتقد بأنه تخفي شيء، وسوف اكتشف ذلك الأمر.

نظر له أدهم وتحدث مع نفسه:

- أنها تخفي عشقها، وفي صراع بين وظيفتها وبين قلبها.

أفاق على صوت جاسر وهو يقول:

- أدهم هل تعلم شيء لا أعلم به؟

نظر له أدهم وقال بتوتر:

- لا لا أعلم شيء، فكل شيء أعلمه تعلمه أنت.

قال جاسر:

- سوف أقنع ذاتي بأنك صادق، ولكن أعلم أنك تخفي شيء عني، وسوف أتركك حتى تأتي لي، وتخبرني بكل شيء، ولكنك تعلم أن كان ذلك الشيء له علاقة بالمهمة، فلن أغفر لك ذلك.

قال أدهم له:

- لا تقلق يا صديقي فسوف ننهي مهمتنا على أكمل وجه.

فقال جاسر:

- هل تعلم لماذا قمت بإرسال شهد إلى والدتي؟

هو أدهم رأسه بالنفي فقال جاسر:

- أنني أشك في شهد، بأنها قد أرسلت من جهة كي تنقل أخباري، ولذلك قمت بإرسالها إلى والدتي وأختي ومعها رسالة، وأنا أعلم بأنها أن فعلت أي شيء سوف ينكشف أمرها، فإنك تعلم بان والدتي، كانت في جهة امنية قبل أن تتفرغ لتربيتنا.

كما أن سلمى تعشق ذلك المجال وتحلل كل الأمور بعقلها، فانني بالفعل قد بعثتها إليهم كي تتحرك براحة، وبذلك أن كانت تريد شيء فسوف ينكشف امرها.

كما أنني أعلم بأن والدتي قد وضعتها في غرفتي، وسوف تضعها تحت الإختبار، حتى ترى رد فعلها، وعندما تصل لي الإشارة منها بأنه في السليم سوف أعود لكي أجلبها هنا.

نظر له أدهم وقال إذن فإنك لم تعشقها، فمن يحب أحد لا يضعه موضع الشك.

بينما في ذلك الوقت كانت شهد وعدي داخل الغرفة، وقد غفا عدي بعد ما قصت عليه شهد الكثيرة من القصص، ثم ذهبت للجلوس على إحدى المقاعد، قامت بوضع يدها حول رأسها وكأن شيئاً هام يشغلها، ثم أخذت تنظر حولها وتستكشف الغرفة.

وبالفعل وجدت إحدى الصور التى كانت محجوبة، خلف إحدى المقاعد، فقامت بأخذها والنظر فيها، فكانت تلك الصورة لطفل صغير، تبدو عليه الوسامة وعندما تفحصت الأمر علمت بأن عدي يشبه ذلك الطفل، فعلمت أنها لخاله الذي لا أخد يعلم عنه شيء.

أعادت الصورة مرة آخرى لمكانها، وقامت بفتح خزينة الملابس، فوجدتها مليئة بالملابس التي تتسم بالأناقة، فأخذت تنظر إلى كل طقم حتى وصلت إليها رائحة مميزة.

فأخذت إحدى القطع وقامت بتقريبها من أنفها، حتى تستنشق الرائحة التي بها، فلقد اشتاقت إليه وتلك الرائحة قد ذكرتها به، ثم جلست على الطاولة وفي يدها تلك القطعة، ولقد تعجبت فأين ذهب النوم؟

وقد كانت تشعر به منذ قليل، وأخذت تحرك رأسها
فقد كانت هناك مناقشة تدور بين عقلها وقلبها، فعقلها كان يتحدث قائلاً :

- فلتعودي شهد عما تنوي فعله، فإنك سوف تخسرين الكثير من حياتك، فما فعلتيه في حياتك كلها سوف تمحيه في لحظة واحدة.

بينما قال لها القلب:

- لا تسمعي له فلقد فقدت الكثير من الأشياء، وجاء من عوضك بها، فإن تركتيه فلن تقابلي شخصاً مثله.

هنا تدخل العقل وقال:

- أصمت فشهد لن تسير خلفك، فعليها أن تتدبر الأمور.

فقال القلب:

- أنت الذي يجب عليك الصمت، فأخيراً قد جاء من يتربع في قلبها، ويملك زمام أمرها.

كانت المناقشة تشتد بين الإثنين مما جعلها تشعر بالانهيار وتقوم من مكانها وهي تحاول أن تمنع دموعها من الانسياب، فعزمت القرار بأن تعلم هوية الضابط المفقود، ثم تقدم استقالتها كي تتفرغ لمن ملك قلبها، وبذلك فإنها لم تخون عملها ولم تقسو على قلبها.

بعدما اطمأنت سلمى بأن الجميع قد خلد للنوم، ذهبت إلى غرفة والدتها، فوجدتها تجلس أمام شاشة صغيرة، فجلست بجانبها وهي تنظر الى تلك الشاشه، وقالت:

- هل شكه في محله؟

نظرت إليها وقالت:

- أنها قامت بفتح الخزينة ولكنها لم تبحث عن شيء، بل قامت بتقريب إحدى البدل الخاصة به، وقامت باستنشاق الملابس، ثم جلست وكأنها تفكر في أمور كثيرة، ثم انظري إلى عينيها، فإنها تحبس الدموع، أعتقد أنها في صراع داخلي.

فنظرت إليها سلمى وقالت:

- هل تعتقدين بأنها قد أرسلها أحد لتعمل على الإيقاع به.

نظرت إليها وقالت:

- من خلال معاملتي لها اليوم أنني أراها غير ذلك، فأنها تتسم بالبساطة، وحريصة في كل شيء ماعدا معاملتها مع عدي، فإن ذلك الأسلوب هو أسلوبها الحقيقي،كما أنها لديها سر تحافظ به لذاتها.

كما أنني أشعر بأن والدتها تشعر بالخوف عليها، فنظراتها توحي بذلك، وسوف أعلم من والدتها غداً الكثير من الأمور حتى تتضح لي الرؤية.

بينما قالت سلمى لقد تركت عدي يجلس معها، حتى تفشل في البحث أن كانت تنتوي فعل شيء.

فأجابتها:

- أنها لم تفعل شيء مريب حتى الآن، فلقد روت له العديد من القصص، وعندما وجدته قد غفا صمتت كي لا تزعجه.

بينما في مكان آخر كان يتوعد للجميع، بأنه سوف يحمل الدمار لهما، فإنه أصبح مثله مثل اللصوص، الذين يتسللون من مكان إلى آخر، فإنه ليس لديه مكان يذهب إليه، وهو على علم بأنه أن عاد إلى المنزل، فسوف يقبض عليه في الحال، ولذلك كانت اول خطته هو الإنتقام من...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي