الفصل الثامن عشر

بينما كانت سلمى تفكر قال عدي لشهد:

- حسناً سوف آخذ تلك النصيحة منك.

بينما قد جلبت أمينة وسميرة في ذلك الوقت الطعام، وجلس الجميع لكي يتناولون الطعام، وقد لاحظوا  بأن شهد لا تأكل كثيراً، فإنها تأكل ببطء.

فقالت لها سميرة:

-  لماذا لا تأكلين هل لا يعجبك الطعام؟

نظرت إليها شهد وقالت:

-  لا أنه طعاماً لذيذ، ولكن لا آكل كثيراً منه، حتى لا أصاب بالسمنة، فإنني لدي لياقة ولا أريد أن أفقدها.

ضحكت سميرة عليها وقالت:

-  أنك تتحدثين بثقة، ولكن فيما بعد سوف ترحل تلك الثقة عندما تتزوجين.

نظرت إليها أمينة وقالت:

-  هذه أكثر الأشياء السيئة التي تتسم بها ابنتي فلديها من الغرور والثقة المفرطة، ما يجعلها تعتقد بأنها لا تخطئ، ولذلك أشعر عليها بالخوف.

فأجابتها سلمى وقالت:

-  أن أبنتك لا يخاف عليها، فإنها بالفعل منذ قليل  قد علمت عدي قاعدة مهمة، وهو ان التحدي لا يجب أن يكون في كل شيء، فعليه الإنتباه كي لا يضيع وقته.

بينما قامت شهد وذهبت إلى النافذة، فوجدت

إحدى فروع النعناع، فقامت بقطف بعضها، وقالت وهي تستنشق رائحته:

-  أنني أعشقه وخاصة مع كوب من الشاي.

فنظرت لها سميرة بسعادة وقالت:

-  سوف أحضر لك كوباً من الشاي على الفور.

نظرت إليها شهد وقالت:

-  أن كنت لديك بعض الأشياء التي أستطيع أن أستخدمها في إعداد الشاي، فلتأتي بها إلي هنا وسوف أعده أنا بذاتي، فلا يجب عليك أن تجهدي ذاتك.

نظرت سلمى إلى والدتها بإبتسامة فقالت سميرة:

-  سوف أجلب لك ما تريدين.

ذهبت سميرة وقد جلبت كل شيء تريده شهد، حصلت شهد على ما تريد، ثم قامت بتشغيل إحدى المحطات الغنائية، وقامت بإعداد الشاي تحت نظرات الجميع.

فكانت سلمى وسميرة ينظرون إليها، فإنها كانت في عالم خاص بها، كأنها لا تجلس معهم، أما أمينة فقد شعرت بأن ابنتها بالفعل قد وجدت السعادة، على الرغم من أنها تعترض على سلوكها.

بينما كان مهاب وخالد وصلوا أسفل المبنى، فصعدوا إلى الأعلى، ولكن قام مهاب بالطرق على إحدى الشقق، وفتحت له سيدة كبيرة في السن، نظرت إلى مهاب وقال بإبتسامة:

- من الذي أتى بك مبكراً؟ فإنني لم اتعود منك على الحضور مبكراً.

نظر إليها مهاب وقال:

- أمي هل تنتبهي إلى الحديث فلدي ضيفاً؟

صمتت والدة مهاب قليلة ثم قالت:

- إذن هذا الضيف هو من قد جلبك مبكراً، ولكن بالفعل سوف أصمت لحين أن انفرد بك.

هنا تدخل خالد قائلاً بمزاح:

- لا تقلقي خالتي فأفعلي ما تريدين، كأنني غير موجوداً هنا.

نظر له مهاب وقام بضربه في يده قائلاً:

- لقد تخليت عني يا صديقي من أول كلمة، فمن كان يقف جانبك منذ قليل.

فقالت له والدته:

- مهاب هذا واجب عليك، فإن مهنتك تتطلب منك الوقوف بجانب الجميع، ولكن عليك الدخول مسرعاً فهناك مشكله لدينا، فإن زوج أختك قام بطردها هي وأبنها من الشقة، وإنها قد جاءت إلى هنا، كي تجلب لها حقها.

نظر خالد إلى مهاب وقال:

- حسناً فلتذهب إلى أختك بالداخل، ولتعطينا تلك المفاتيح الخاصة بالشقة، التي سوف أظل بها.

قام مهاب بإعطاء المفتاح له ودخل إلى أخته، ليعلم منها ماذا حدث؟

فوجدها تبكي وعندما رأته كفت عن البكاء، فنظر إليها وقال بحدة:

- لقد انتهى رصيد زوجك لدي، والآن يجب أن يتعلم كيف يصون الأمانة، التي قد أعطيته إياها فإنه لم يحافظ عليها، ولذلك فمن حقي أن استرد تلك الأمانة، ولكن بعد أن ألقنه درساً لا ينساه.

قالت له أخته بخوف:

- لا تفعل ذلك مهاب، فإنني أشعر بالخوف عليك.

نظر لها وقال:

- لا تقلقي فسوف أفعل ما لم أقدر على فعله من قبل.

كل ذلك كان بصوت مرتفع قد وصل إلى آذان خالد، وعندما سمع الباب قد أغلق، نزل خلفه خوفاً من أن يقع في مشكلة، وبالفعل قد لحقه قبل أن يخرجوا بالسيارة.

تفطن مهاب بوجود خالد فقال:

- ماذا تفعل خالد؟

فأجابه لقد جئت معك لأنني لن أتركك تذهب وحدك، فلقد قمت بالكثير من الأمور ، وقمت بالوقوف بجانبي، والآن جاء الوقت كي أرد لك جزء من ذلك الدين.

وصل مهاب إلى المنطقة التي كانت تسكن فيها أخته، وعندما نزل من السيارة وجد زوج أخته يجلس على المقهى، وعندما رآه قام على الفور كي يغادر، ولكن مهاب قام بقطع طريقه، وهو يقول بصوتاً مرتفع:

- ما حكم الرجل الذي يهين زوجته، ولا يحافظ على أمانة قد أعطيت له، كما يترك زوجته وولده يرحل دون أن يطمئن عليهما، فهل هذا حقاً يسمى رجلاً.

نظر الجميع له وقد حركوا رؤوسهم بالنفي، فعاد مهاب الحديث إلى زوج أخته وقال:

- حسناً لقد شهد الناس عليك بأنك ليس رجلاً، والآن قد جاء دوري كي استرد حق أختي، التي قد أهدرت كرامتها، وقام بالإمساك به وضربه ضربات متتالية، مما جعله بفقد القدرة على الصمود.

وقد قام بتلقينه درسا لا ينسى، وعندما أنتهى قام بقذفه على الأرض وقال:

- أن تلك الأرض مقامكم، فلا يحق لك أن تنظر إلى أعلى القصور، وعندما جاء أن يغادر وجد خالد يجري مسرعاً ويحضنه ويميل به إلى جانب الطريقة، وعندما نظر إلى خالد ليعرف ماذا يحدث؟

فوجد أن زوج أخته قد جاء ومعه ألة مدببة، ولولا خالد لكان وقع صريعاً في الحال.

لم ينتظر مهاب كثيراً وقام بضربه مرة آخرى، وهاتف الشرطة لكي تأخذه، ولم ينتهي الأمر على ذلك، بل قام بالإتصال على أخته بأن تأتي إلى شقتها، لكي تأخذ كل ما تريده منها فهذا حقها.

جاءت أخته وأخذت كل ما لها في تلك الشقة وقد تركتها دون أي شيء في البيت، فهي قد قامت بشراء كل ما فيها من ميراثها من والدها، ولم يشفع لها ذلك عند زوجها، ولذلك أخذت كل شيء.

كان في ذلك الوقت لأول مرة يرى خالد اخت مهاب، فسرح في ملامحها فعلى الرغم من أن معالم وجهها مليئة بالحزن، ولكنها مازالت تحمل الكثير من الجمال، ولكنه قد آفاق قبل أن ينتبه إليه مهاب.

بينما قال مهاب لخالد:

- فلتستقل سيارتي وتعود بهنا إلى البيت، وأنا سوف أنهي إجراءات بعض الأشياء وآتي خلفكم.


كما قال موجهاً حديثه لهنا:

- فلتخبرين أمي بأن تحضر لنا وجبة دسمة، لأن خالد سوف يتناول معنا الطعام.

نظر له خالد وقال:

- لا تهتم بأمري فسوف أهتم أنا بذاتي

نظر إليه مهاب وقال:

- خالد فلتغرب عن وجهي الآن، فإنني لا أريد التحدث، وإلا سوف أفعل معك ما لم أفعله من قبل، كما أنني أريد أن أتفرغ إلى أختك التي اتسمت مؤخراً بالجنون، فإنني لا أعلم فماذا تفكر؟ ولا أعلم ما يدور في رأسها.

نظرت إليه أخته وقالت:

- لا أعلم ماذا فعلت شهد؟ ولكن كانت دائمة ذات عقل راجح.

نظر إليها أخيها وقال بسخرية:

- أن صاحبة العقل الراجح، قد أحبت لص، لأنه قد أعطاها الأمان ووجدت معه الراحة، ولذلك تريد أن تضحي بوظيفتها من أجله.

نظرت إليه أخته وقالت والدموع تملئ عينيها:

- عندما تشعر المرأة بحنان من شخصاً ما وأنه عوضها بشيء كانت مفتقداه، فلن يهمها من سوف يعطيها، ولكنها سوف تكون خاضعة له، وتكن له كل إحترام، ويمكن أن تضحي بذاتها من أجله.

فأعتقد أن شهد قد وجدت في ذلك اللص كما تسميه ما لم تجده في من حولها، ولذلك أرادت التضحية بكل شيء من أجله.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي