الفصل السادس و العشرون

كان الجميع يسيرون في دوائر مغلقة، فلكل منهم طريق يسير فيه، فكان جاسر يؤنب ضميره هل ما فعله معها صحيح أم خطأ؟

فإنها عندما دخلت حياته أصبحت لحياته معنى، كما أنه كان قاسياً معها، ولكنه يريد معرفة ما تخفيه خلفها، فإن كانت جاءت كي تريد إسقاطه، فسوف يعلم كل شيء منها، لأنه قد عشقها، وعندما يعشق الانسان لا يتنازل عن عشقه.

لذلك قرر عند العودة إلى البيت، سوف ينتظر حتى تسترد وعيها، ويعلم منها كل شيء.

بينما كان أدهم يريد أن يعلم ماذا يدور في عقل جاسر؟ فهو  يعلم بأن شهد لن تفصح عما يدور بداخلها بسهولة، فشهد تتسم بالذكاء، كما أنها ما زالت تشعر بالخوف من جاسر، فهو الوحيد الذي قد لاحظ وجود تلك العلامة المميزة في يدها.

فتلك العلامة لا تكون إلا في يد إحدى الأشخاص الذين يعملون في  جهات المخابرات، وأصبح ذات مركز به، كما أنه يريد منها أن تخبر جاسر هي بذاتها.

بينما كانت سلمى تشعر بالرعب على شهد، فإنها تعلم جاسر وأنه سوف ينتقم منها بالفعل، كما أنها قد علمت قصه حياتها، والظروف التي قد مرت بها، ولذلك كانت تريد أن تتصرف بسرعة.

  انتظرت حتى قامت والدة شهد، كي تستريح ونظرت إلى والدتها فعلمت أن هناك أمراً هام، فدخلت خلفها الغرفة قائلة:

- ماذا حدث؟ هل أنكشف أمرها؟

نظرت إلى والدتها وقالت بتعجب:

- ماذا تقصدين لم أعي ما تقصدين؟

نظرت إليها بحدة قائلة:

- لا تتلاعبي معي فقد سبق إن تعاملت في الجهاز، وأعلم ما يدور حولي دون تحدث، ولكن عندما جاءت شهد علمت أنها تخفي شيئاً، ومن حركاتها علمت ما يحدث، وعلمت أيضاً عندما أخبرني عدي إن قد وجد شيئاً مرسوم على يدها، وعندما وصفه لي علمت ما هويتها.

ولكن ما لا أعلمه لماذا جاسر يشك فيها؟ وكيف لم يتعرف عليها حتى الآن؟ هل لديكِ تفسير لذلك.

نظرت إليها سلمى وترددت في التحدث، فقالت لها سميرة:

-  فلتخبريني أن حدث شيء، كي أنقذ ما يمكن إنقاذه.

نظرت إليها سلمى وقالت بتوتر:

-  أن جاسر يعتقد بأن شهد تنتمي إلى إحدى العصابات، وعلى الرغم من عشقه لها، ولكنه يشعر بتأنيب الضمير، لأنه تأخر في إنهاء مهمته.

وفي ذات الوقت أن شهد تعتقد بأن جاسر ينتمي إلى إحدى العصابات، وتشعر بتأنيب الضمير هي الأخرى، لان قد جاءت من الجهاز كي تحقق مهمتها، ولكنها قد وقعت في عشقه.

لذلك لا تعلم ماذا سوف تفعل؟ ولكن ما علمته الآن بأن جاسر بالفعل قد ظن بأنها تبحث عن شيء كي تسرقه، فقام بحبسه في إحدى الغرف، وقام بمعاقبتها وضربها، ثم ذهب كي يجلبها يعلم منها كل شيء.

فوجدها قد فقدت وعيها ويدها تنزف، وأحضر الطبيب وقام بعمل اللازم.

نظرت إليها سميرة وقالت:

-  وكيف له لا يرى ما في يدها، فإن تلك العلامة بارزة في يدها

فأجابتها:

- أنهما بالفعل لم يجلسوا معاً لوقت طويل، فكل الوقت الذي مر كان يحدث بينهم مناوشات بينهما ولذلك لم يكتشف أحدهما الآخر، ولكن المشكلة ماذا سوف تفعل شهد؟

فأجابتها سميرة:

-  قد علمت شهد جزء من الحقيقة، وعلمت من خلال والدتها بأن والد شهد ينتمي إلى إحدى العصابات الكبرى، ولكنه  ليس له دور واضح، كما  أعتقد أن الجهاز قد أرسل شهد إلى ذلك المكان.

  لإحدى الأمرين وهو أما بسبب اختفاء جاسر، قاموا بإرسال شهد كي تعلم عنه بعض الأمور وتعلم أين ذهب الظابط المفقود؟ أو أن هناك جانب لم يراه جاسر وقاموا بإرسال شهد إليه، كي تسد ذلك الجانب.

نظرت إليها سلمى وقالت:

- لا أعتقد الأمر الثاني لأن شهد لو كانت تعلم بوجود جاسر هناك، ما كانت تفعل معه مناوشات وكل منهم يبحث في طريق، ولكن أعتقد أن السبب الأول هو الأقرب،  ولذلك علي أن أنبه أدهم لأنه يشعر هو الآخر بالقلق تجاه شهد.

أخبرتها والدتها بأنها سوف تنتظر يومين، ثم تذهب إلى إحدى الأفراد في الجهاز المركزي، وتعلم ما سبب إرسال شهد، ولكن على أدهم أن يبعد جاسر عن شهد حتى يعلم الحقيقة كاملة.

فمن خلال تحدثي مع والدتها علمت بمكانة شهد، وأن والدتها ترفض ارتباط شهد بجاسر، لأنها تعتقد بأن جاسر محتال، لقد أخطأ الإثنين في التخفي خلف القناع، حتى عشقهما كان من خلفه، ولذلك علينا أن نقوم بإسقاط تلك الأقنعة، حتى يرى كل منهما الآخر على الوجه الحقيقي.

في ذلك الوقت دخل عدي وهو ينظر إلى والدته قائلاً:

- متى سوف تأتي شهد؟ لقد إشتقت إليها فهي التي كانت تلعب معي، والآن أريدها.

نظرت إليه سميرة وهي تبتسم له قائلة:

-  هل يمكن أن ألعب معك يا عدي؟

قال لها الصغير بسعادة:

- حسناً سوف أجهز الأشياء، وآتي على الفور.

بينما قام عدي بالذهاب إلى غرفة شهد، وجمع جميع الأشياء الخاصة به، وذهب إلى سميرة كي يلعبوا معاً.

بينما كانوا يلعبون وجدت سميره شيء في ألعاب عدي، فقامت بإخفائها لأن ذلك سوف يكون مفتاح الأسئلة، التي كانت قد طرحتها منذ قليل مع ابنتها، وقامت بإخفائها على وجه السرعة، حتى لا ينتبه إليها أحد.

بعدما أنتهى عدي من اللعب، فطلب من جدته أن تأتي له بالطعام، فقالت له:

-  هل لك أن تأتي معي كي نحضر الطعام؟

سعد الصغير لذلك وذهب مسرعاً إلى المطبخ، ولكن حينما دخل إلى المطبخ، نظرت إليه سميرة بإبتسامة وقالت:

-  عدي إنك كالأسد المغوار، الذي يحارب في الغابة.

نظر إليها الطفل وغير ملامح وجه كهيئة الأسد، فضحكت وقالت:

-  حسناً فلتخبرني يا أسد من أين جاءت تلك الورقة إلى ألعابك؟

  نظر إلى الورقة التي تحملها جدته وقال:

-  أن تلك الورقة كانت مع شهد، حينما كانت تجلس معي، وكانت تنظر إليها كأنها تريد معرفة شيء.

أبتسمت له وقالت:

-  حسناً أيها الأسد لا تخبر أحداً بما تفوهت به الآن، والآن سوف نقع في الشباك.

  نظر إليها الطفل وقال:

-  حسناً جدتي فإنني كالأسد لا يستطيع أحد أن يحصل على شيء مني.

غادر عدي المطبخ، بينما نظرت سميرة إلى الورقة مرة أخرى وقالت:

-  ماذا تعني تلك الحروف؟ ثم أغمضت عينها وقالت:

-  حسناً هذه الحروف كان يضعها جاسر في كل أوراقه كرمز له، ثم نظرت إلى الخلف ولاحظت شيء ما فقامت بتقريب الورقة من المصباح، فظهرت تلك الرسالة:

" ذهبت الدمية إلى مكان جديد، وقد شعرت بالسعادة لذلك، ولم يمر عليها يومين حتى قاموا بإلقائها من على حافة الجبل، ولحسن حظ الدمية أنها وقعت في أرض خضراء.

فوجدها إحدى الأشخاص وقام بأخذها هي ودمية آخرى لم يلاحظ وجودها، وقام بالذهاب بهم إلى إحدى الأماكن كي يصلحها، ولكنه أخبره المختص أن تلك الدمية، لديها قماش ممتاز، ولكن قماش الوجه لا يليق عليها، فلقد أصيب من تلك الوقعة، فأخبره ذلك الشخص بأنه يقوم بفعل اللازم، لأنه قد عشق تلك الدمى"

كانت كل ذلك تقرأه سميرة والدموع تسيل من عينيها، فلقد علمت كم المعاناة التي قد رأها عدي في تلك المهمة، كما أن أدهم هو الآخر قد حصل على نفس النصيب، ولكن ما لا تعلمه كيف تواصلت ابنتها مع أدهم.

هل لم تقطع العلاقات به أم ماذا حدث؟
كانت تشعر بأن هناك أسرار قد أخفيت عليها، وأنها ليس على علم بكل ما يحدث حولها، فلقد كشفت جزء من الحقيقة ومازالت بقية الأجزاء لم تكتشف بعد.

بينما في الداخل كانت أمينة تجلس على الفراش، ولم تغفل عينيها فلقد تذكرت حجم المعاناة، حينما تزوجت مراد، في بدء الأمر قد شعرت بأن السعادة تحاط بها، ولكن في النهاية قد عاملها بقسوة عندما علم بأن أبيها قد منع عنها الميراث.

فأن أبيها قد قرر بأن يتبرع بجميع ما يملك للمؤسسات الخيرية، هنا بدأ يعاملها كأنها خادمة لديه، وكانت تسمع منه أسوأ الألفاظ التي يمكن أن تقال، ولكنها قد صمدت لأن أطفالها ما زالوا صغار.

أغمضت عينيها متذكرة ما حدث عندما جاء أحداً ما  كي يخبرها بأن والدها يريد أن يقابلها، فذهبت على الفور، وما جعلها تتحرك دون قيود هو أن مراد قد سافر في عمل لديه ولن يأتي قبل خمسة أيام.

استقلت هي وأولادها سيارة قد أرسلها لها والدها، وعندما دخلت القصر لم تجده فأشار لها إحدى الخدم، بإتجاه غرفته فذهبت على الفور، ولكن صعقت عندما وجدت على فراشه، وبجانبه الكثير من الأدوية.

ذهبت إليه وارتمت تحت أقدامه وهي تبكي، فأخذها والدها في حضنه وأخبرها بأن تستمع لما يريد أخبارها به وقال:

-  لقد أردت يا بنيتي أن أرى وجهك، قبل أن يسترد الله أمانته، كما أريد أن أرى أطفالك، فإنهم أحفادي وقد إشتقت لهم.

ذهب الأطفال إلى جدهما وجلسوا معه، بينما أخبرها والدها بأن تذهب لجلب كوب من الماء، لأنه لا يستطيع أن يأتي به لذاته، فتعجبت في بدء الأمر لأن هناك الكثير من الخدم، ولكنها علمت أنه يريد أن يتحدث مع أطفالها على إنفراد، وحتى الآن لا تعلم بماذا تحدث والدها مع أبنائها.

لكن عندما عادت أخبرها بأن سوف يكتب لها كل ما يملك إلا القليل، حتى لا يشك زوجها في الأمر، فإنه أن أراد أن يحصل على أموالها فسوف يفعل المستحيل، حتى يحصل على المال حتى ان كان المقابل هو روحها.

وعليها الإنتباه فإنه مثل الثعبان الذي يدور حول وفريسته حتى يحصل على ما يريد، وأنها عليها الإهتمام بأبنائها حتى لا يكونوا نسخة مصغرة من زوجها، ثم نظر قام بالنظر على شهد وقال:

-  عليكِ الإهتمام بتلك الصغيرة، فإن نظراتها توحي بأنها قد عانت الكثير والكثير.

نظرت إلى والدها وهي تعلم ماذا يقصد؟ فأخبرها بأنها عندما أتت ونظر إلى عينيها، فقد أخبرته بكل شيء، ولذلك سوف يعطيها نصيبها وعليها أن تخفيه عن زوجها، كما أخبرها بأن ذلك القصر سوف يكون ملكاً لها، ولكن في يوم من الأيام.

فهو سوف يضعه أمانة لدى أحداً ما حتى عندما تسمح الفرصة، سوف تحصل عليه.

كما أن زوجها قد حرم من دخول القصر حتى لا يدنسه، كما أن تلك المشغولات التي تخصها سوف تؤول إليها وسوف تكون في مكان سرياً في ذلك القصر، ولكن الأموال سوف تنزل في حسابها،  ولها حريه التصرف فيها، ولكن أن لديه الكثير من الأموال فما يعلمه مراد سوف يؤول للمؤسسات، أما الذي قام بأخفاءه ولا يعلمه أحداً غيره فسوف يؤول لها.

وعليها الإنفاق منه ولكن بحذر حتى لا ينتبهوا إليها، وأن هذه الأموال سوف تجعلها أميرة حتى وفاتها.

فرت دمعة من عيناها وهي تتذكر كل شيء، وعندما علمت خبر وفاة أبيها وأخبرت زوجها بأنها تريد أن تذهب إليه، رفض وأخبرها  بأنه قد مات فليس لها حق بأن تذهب هناك، كما أنها لم تحصل منه على شيء، فإن جميع الأشياء قد ألت إلى المؤسسات  الخيرية.

لكن ما لا يعلمه هو من سوف يحصل على القصر، فإنه لم يأخذه أحد حتى الآن.

نظرت إليه بقلق وقالت:

-  لا أعلم فلقد أخبرنا والدي قبل سابق بأني ليس لي حق في ذلك الميراث.

اخرجت تنهيدة منها وهي تتذكر بعد مرور عده أيام، عندما أخبرها بأن المالك الجديد قد أخذ القصر، وعندما أرادت معرفة من هو، أخبرها بأنه إحدى العاملين لديه، قد أعطاه إياه هدية، فلقد جن أبيها وفقد عقله قبل أن يتوفى،  فكيف له أن يحرم ابنته من ذلك القصر؟ ويؤول إلى ذلك الخادم.

نظرت إليه وقالت:

-  أنني لا أريد شيئاً فيكفي وجودك معي في الحياة.

نظر لها بسخرية وقال:

-  يا لكي من بلهاء، لا تفضلين أن تعيشي في رخاء.

تركها لعدة شهور دون أموال وكانت تعلم بأنه يراقبها، ليعلم هل لديها أموال كي تنفقها أم لا؟ وعلمت بأن والدها محق فيما تحدث به معها، فكانت تذهب إلى الجيران المحيطين بها، كي يعطيها أحد ما يكفي حاجة أطفالها.

ظلت على ذلك الوضع لمدة شهر، لأنها قد علمت بأنه كان يراقبها، وعندما تأكدت من أحداً ما بأنه قد يأس وقرر بأن لا يراقبها، وأنها أصبحت في مأمن، ذهبت إلى البنك، وقامت بسحب جزء من الأموال وقامت بإنفاقه على أولادها، ولكن دون أن تلف نظر المحيطين لها.

نجحت في ذلك فكانت تقوم بالشراء من مكان ثم تبدله، حتى لا يلتفت أحد الى ما تنفقه، فكانت تلبي متطلبات أطفالها وتتذكر والدها بالرحمة.

عادت بذاكرتها وأخذت تردد له بعض الأدعية، لأنها مازالت تعيش في نعيمه، ثم قررت بأنها سوف تخرج لجلب بعض المتطلبات وتعود، فيكفي ما فعلته معها سميرة في خلال الأيام السابقة.

قامت بالاتجاه إلى خزينتها وإخراج ملابسها، ونزلت دون أن يراها أحد ما عدا عدي الذي أخبرها أين تذهب؟ فأخبرته بأنها سوف تجلب له بعض الأشياء  من  بعض الأماكن القريبة.

فأخبرها بأنه يريد بعض الحلويات من إحدى المحلات، وقام بإخبارها بأسم إحدى المحلات، فأخبرته بأنها سوف تجلب له ما يريد من ذلك المحل.

ذهبت إلى إحدى ماكينات الصرف وقامت بسحب جزء من الأموال وذهبت إلى إحدى المحلات الكبرى، وقامت بشراء بعض المعلبات على بعض المواد الغذائية، وقامت بجلب بعض الألعاب لعدي كي يتسلى بها، فإنها قد عشقت ذلك الطفل، واثناء ما كانت تقوم بشراء تلك الأشياء وجدت أحداً ما يكمم فمها وتفقد الوعى على الفور.

كان مراد يجلس في سيارته فوجد أمينة في الطريق، فقام بإرسال أحد رجاله كي يقم بخطفها.

على الرغم من أن هدفه كان ليس هي، ولكنه وجدها فرصة كي ينتقم من الكل، وكان يريد أن يعلم ماذا تفعل في ذاك المكان؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي