الفصل الخامس عشر

صمت كلاً من سلمى وجاسر عن الحديث، عندما حضرت سميرة ومعها كوب من الشاي الساخن، أخذ يستجم وهو يرتشف من الشاي.

كان الطفل مازال ينظر له، فهو يشعر بالتعجب من حال ذلك الضيف، حتى لفت أنتباه شيء فقال:

- هل أنت تنتمي للشرطة؟

نظر له جاسر متعجب من السؤال، فأكمل الطفل قائلاً:

- أن ذلك الوشم الذي على يدك يشبه تماماً ذلك الوشم الذي كان بيد خالي في الصورة.

نظر جاسر لسلمى فقالت:

- أنه ليس مثله ولكن يشبه يا عدي، فلتكف على الحديث ولتعاود النظر إلى التلفاز.

صدم جاسر عندما وجد سميرة تقترب منه وتنظر إلى ذلك الوشم الذي تحدث عنه الطفل، ثم قالت:

- نعم لقد أخطأت في معرفتك، ولكن شعوري لم يخطأ عندما حدثني أنه أنت.

هنا أرتمى عدي في صدر والدته، وسط بكاء الإثنين فلقد كان مشتاق كلاً منهما للآخر.

جلس عدي بجانب والدته وهي مازالت تنظر له ثم قالت:

- ماذا حدث لوجهك؟ فملامحك قد تغيرت تماماً.

أخبرها بأنه قد تعرض لحادث أدى إلى كل ذلك.

صمتت سميرة لأنها علمت أن أبنها لا يريد التحدث في ذلك الأمر.

بينما نظر الطفل إلى عدي وقال:

- هل يمكنني التحدث؟

أبتسمت له سلمى وهزت رأسها فقال:

- لقد فهمت من حديثكم أنك خالى عدي الذي ذهب إلى مهمة ولم يرجع.

أبتسم له عدي وقال:

- نعم ولم أعلم بأن والدتك سوف تسمي إحدى أبناءها عدي، ولكن هل تحب ذلك الأسم أم لا.

نظر له الطفل وقال بفخر:

- نعم لأنني أتمنى أن أكون مثله كالثعلب، وقام بالتحرك كهيئة الثعلب.

ضحك جاسر على ما فعله الطفل وقال:

- ما هذا يا سلمى؟ ماذا تعلمينه؟

نظرت سلمى وقالت:

- بل أنها أمي هي من كانت تقص عليه كل شيء يخصك.

بينما كانت تغمض عينيها شعرت بحركة غريبة حولها، فنظرت فوجدت أحدهما يلتفت يميناً وشمالاً وفي يده شيء، أغمضت عينيها ببطء ليتوهم بأنها نائمة، واقترب ليحقن ذلك الشيء في المحلول، ولكنه أتشل حركته بالفعل.

فلقد شعر بالصدمة عندما وجدها باغتته بضربة قوية، وقامت بوضع إحدى الحقن على وجهه وقالت:

- من الذي أرسلك؟

صمت ولم يرد عليها فأكملت:

- أنني لا أفضل الحديث كثير، فإن عاودت الحديث فسوف تكون تلك الحقنة في رقبتك، وفي ذلك الوقت لن أريد منك أي حديث.

شعر بأنها سوف تفعل ذلك الأمر، فأنها لا تهدده بل سوف تنفذ.

فقال وقد أوشك سن الحقنة على اختراق جلده:

- لقد أرسلني والدك.

نظرت له بصدمة فقالت بغضب:

- هل تمزح معي؟ من الذي أرسلك؟

فقال:

- والدك هو من أرسلني، فلقد علم بأنك في غيبوبة ووجدها فرصة للتخلص منك.

جلست شهد بجانب الفراش وكانت بداخلها شعوراً مختلط، كانت تريد أن تصرخ فأنها لن نستطيع أن تتحمل كل تلك القسوة، فكيف له أن يرد لها كل خير بكل شر.

ولكن لم تستطيع السيطرة على ذاتها، فأجهشت في البكاء وقامت بمغادرة الغرفة، في ذلك الوقت كان أدهم يجلس بجانب الغرفة فوجد شهد تخرج من غرفة العناية وتسند يدها على الجدار وهي تبكي بحرقة.

ذهب لها على الفور ليعلم ماذا حدث؟ ولكنها لم تتحدث، فصرخ بأحدهم أن يحاول أن يأتي بالطبيب، في ذات الوقت كانت أمينة تخرج من الغرفة كي تطمئن على شهد، فوجدتها في تلك الحالة فأسرعت إليها.

أرتمت شهد في صدر والدتها وقالت ببكاء:

- لقد تعبت فعلت كل شيء ولم أحصد، أعطيت الجميع الحب وتقابل كل ذلك بغل.

في ذلك الوقت هاتف أدهم جاسر، كي يأتي على وجه السرعة.

بالفعل استأذن جاسر من أهله وغادر على الفور، كان يضغط على السيارة كأنه شخص يريده أن يقطع المسافات كي يصل إليها، فعندما هاتفه أدهم شعر بقلبه يختلع من مكانه، فماذا حدث لها؟

كانت تتحدث بكلام كثير ووالدتها تحاول أن تهدأها، ولكن دون جدوي، جاء الطبيب كي يعطيها حقنة مهدئة، في نفس وصول جاسر فشاهدها على ذاك الحال، فأسرع وقام بحملها بعد ما أخذت الحقنة المهدئة، وقام بأدخالها غرفة العناية ولكن تفاجأ.

فلقد وجد أحدهما ملقى على الأرض والدماء تسيل من وجهه، وضع شهد وقام بسحب ذلك الشخص خارج الغرفة، وقام بأخبار أدهم أن يظل بجواره، حتى يفيق لكي يعلموا ما سبب أنهيار شهد.

عندما فاق ذلك الشخص أخبرهم بما علمت شهد، هنا شعرت أمينة بالصدم وأخذت تلطم على وجهها بيدها وهي تقول:

- الآن علمت ما حدث لأبنتي، لقد شعرت بالقهر تجاه ذلك عديم المشاعر، كيف يهيئ له ذاته أن يتفق كي يقتل أبنته؟

بينما كان جاسر متردد فهل يذهب إلى مراد كي يلقنه درس؟ أم يظل بجانب تلك المصدومة، ولكنه قرر أن يظل.

بينما كان مراد يجلسون وهو يشعر بالتوتر هل قد حدث ما يريده؟ أم أن تلك الخطة قد فشلت بالفعل، فهو يشعر بالخوف إذا أنكشف أمره، ولكن لم يمر الكثير حتى وجد المكان يمتلئ بسيارات الشرطة، كاد أن يهرب ولكن تفاجأ بأنهم قد جاءوا لشخص آخر .

كاد أن يهدأ حتى علم بأن ذلك الشخص، هو الذي قتل أسماء طليقة أبنه، مما جعله يكاد أن يختتق، وبعدما رحل رجال الشرطة  أستنشق الهواء، ولكن غادر على وجه السرعة خوفاً من أن ينكشف أمره.

كانت سميرة تشعر بالقلق على أبنها، فهو قد غادر بعد ذلك الإتصال، ولكن سلمي طمأنتها قائلة:

- لا تقلقي فأنه غادر بسبب فتاة بالمسشفى قد فاقت، فإنه يريد الحصول منها على معلومات.

نظرت لها والدتها بشك وصمتت، بينما  كانت تشعر سلمى بالقلق فلقد سمعت جزء من المحادثة، وعلمت بأن الفتاة قد فاقت ولكنها تشعر بالانهيار، كما أنها لا تعلم حال أخيها فلقد وقع في عشقها، فأخذت تدعو أن لا ينجرح قلبه.

بينما كان جاسر يجلس مع أمينة وأدهم بالخارج، شعر بالقلق عليها فقرر أن يطمئن عليها، وعندما دخل إلى الغرفة بالفعل وجدها عينيها مغلقة، ولكن الدموع تنساب على خديها فقام بمد يده كي يمسح تلك الدموع تلقائياً من عليها.

في ذلك الوقت قد فتحت شهد عينيها ونظرت إليه  وعينيها مليئة بالدموع،وقالت له:

-  هل سوف تغدر بي أنت الآخر؟

نظر إليها جاسر وقال محاولاً أن يطمئنها:

-  لا لقد عشاقك القلب وعندما يعشق القلب لا يستطيع أن يغدر، ويجب أن لا تشعرين بالحزن، فإن والدك كان معروفاً عنه ذلك، فإنه يفعل أي شيء في مقابل الحصول على المال، فكيف له أن يعلم ما تملكيه ولا يحاول أن يستفيد منك!

كما أنه أخطأ في أرسال الشخص، فعندما علم الشخص بهويتك، شعر بالتوتر لأنه يعرف قدرتك.

(كان يقصد في ذلك الوقت جاسر بأنه يعلم بأنها رئيسة عصابة) ولذلك قد شعر بأنه في خطر.

بينما أخبرته شهد بأنها تريد هاتفاً، فقام بإعطائها الهاتف الخاص به.

بينما كان يجلس في البيت وقد فضل أن لا يخرج، وجد أتصالاً من رقم غريب، فأجاب على الفور ظناً بأنه الرجل الذي أرسله، ولكنه صدمه عندما وجد صوت شهد تخبره بأنها على قيد الحياة.

وأن كان يريد أن يفعل شيئاً فعليه أن يأتي إليها، كي يكون وجهاً إلى وجه، فلقد تعبت من كثرة التضحية،
كما أنها لن تكون تلك الفتاة التي يستطيع أن يسيطر عليها، بل إنها سوف تقف في وجهه ولن تتراجع مهما تدخل الآخرين.

وكما أنه عليه الإنتباه لها، فأنه فشل أن يكون سند لها، ولكنه لم يفشل في أن يكون عدو، فسوف تجعله يندم عما فعله معها في كل ما مر، ولكنه تفوه بشيء مما جعلها قائلة بغضب:

-  أن ذلك الإنسان التي تتفوه به بأنه رئيس عصابة وانني قد تعلمت منه السلوك العدواني، فإنه هو الشخص الوحيد الذي قد أعطاني الأمان، الشخص الذي جعلني أشعر بأنني أمتلك كل شيء، فلقد اعطاني ما لم تعطيه أنت أو أحد غيرك.

فإن ذلك الشخص مدينة لها بكل شيء، وأضحي بحياتي من أجله، فمن يعمل معروف معي لن أتخلى عنه مهما طال الزمن، فلا تحاول أن تخرج شيء لا أفضله، فلقد أجهدت ذاتي من كثر ما أضحي من أجل الآخرين، ولم يستطيع أحداً أن يعوضني ما فقدت،  فلقد حرمتني من جميع المشاعر التي بين الأب وأبنته.

كنت أشعر بأنك مش موجود رغم وجودك، والآن بالفعل فان وجودك بجانبي ليس له معنى، ولذلك من ذلك اليوم اعتبرني توفيت بالنسبة لك، وسوف أمحي كل ذكرى معك، على الرغم من أن تلك الذكريات كانت ضعيفة.

قامت بإغلاق الهاتف، وإعطاء جاسر الهاتف دون النظر إليه، وكانت دموعها تسيل كأنها شلال مياه.

نظر إليها جاسر كي يطمئنها فنظرت إليه بإبتسامة قائلة:

- أنني غير حزينة لما حدث، ولكنني كنت أتمنى أن لا تصل الأمور إلى ذلك، فنعم أعلم ما يدور في رأس والدي، ولكن لم أتخيل أن يقوم بإرسال أحداً ما كي يقتلني.

كما أنني قد عوضنا الله بك كي تكون سندي في كل شيء، فلقد أعطيتني كل شيء دون أن تطلب المقابل، فلقد عشقتك من أول مرة، فلقد أراد القدر أن يجمعنا ببعضنا البعض، ولقد جعلني في طريقك حتى تعوضني بكل شيء قد فقدته.

كما أن تتحدث مع الطبيب كي أعود للبيت، فإنني قد إشتقت إليه.

نظرا لها جاسر وقال:

- حسناً سوف أخبر الطبيب بذلك، ولكن عليك أنت تأخذين قسط من الراحة، وسوف أجلب لك والدتك لكي تكون بجانبك.

نظرت إليه وقالت:

- حسناً فسوف أنتظرها، فلقد اشتقت لها.


وجد أدهم جاسر يخرج من الغرفة ويطلب من والدة شهد الدخول لها، بينما قال له:

- هل يمكنك أن تأتي معي، فإنني أريد أن أنهي إجراءات خروجها، كي نعود إلى منزل.

نظر له أدهم وقال:

- أنها سوف تحتاج إلى رعاية، لأنها مازالت لم تخرج من الصدمة.

نظر إليه وقال:

- أعلم ذلك ولكن ما لا تعلمه، بأنني سوف أعوضها بكل شيء، فإن تلك الفتاة قد عشقتني ولذلك لن أتخلى عنها.

بينما لفت نظر شهد عند خروج جاسر، ذلك الوشم الذي على يده، فهي لم تراه كاملاً، بل لفت نظرها أن تلك الحروف هي ذاتها التي كانت بالورقة من قبل.

شعرت شهد بمشاعر مختلطة، فكيف لها أن تأتي لمهمة، ويأخذها قلبها إلى مكان آخر، فعليها أن تفيق وتعود إلى طريقها كي لا تفقد الكثير من حياتها.

على الرغم من أن أدهم كان يلازم المشفى، ولكنه علم بأن هناك حركة غدر سوف تفعل، ولذلك قام بإبلاغ جاسر الذي قرر أن يفعل شيء لا يخطر على بال أحد.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي