2ظهور الموتى

مع ساره

لاء يا كارل، شيلي الموضوع ده من دماغك وسيبيني أكمل شغل واشوف آكل عيشي.

كارلي مسكت يدها وهي تقول لها بحزن:
_ليه يا ساره بتقولي كده؟ يا بنتي دا كله نصيب ومقدر، يعني الشركات اللي كل يوم بتفلس ولا اسهمها بتنزل في البورصة

ولا الاغنيا اللي عيالهم بيتقتلوا ولا بيموتوا في حوادث

ولا الحرايق والزلازيل والإنفجارات وكل الكوارث اللي بتحصل للعالم دي كل ساعه والتانيه في ناس زيك كده شغالين عندهم وهما اللي بيجيبوا آجلهم ولا هما نفسهم نحس؟

لاء يا ساره، دا أنتي إنسانه متعلمة وعارفة أن الحظ، النحس، والفال دا كلام كله جهل وتخاريف متوارثه لناس معندهاش ثقة ولا إيمان معندهاش ذرة شجاعة تواجه بيها فشلها وبتعلق خيبتها على شماعة الحظ،

حبيبتي، الفرصة ما بتجيش للإنسان كتير ويمكن ما بتجيش غير مرة واحدة في العمر كله،

والشاطر بقى هو اللي يقدر يستغل الفرصة دي، ويا اما ينجح ويطلع لقدام، يا أما يتردد ويضيع الفرصة ويكمل باقي حياته محلك سر،

اوعي تكوني من الأغبيا دول يا ساره، أسمعي كلامي وفكري فيه كويس، روحي وقدمي على الوظيفة، أكيد هتتقبلي وحياتك هتتحسن وهتتنقلي من البدروم للروف، يلا يا سو، خلينا نرجع لشغلنا وبعدين نبقى نشوف الحوار ده.

عادت ساره بذاكراتها للواقع، رمقت نفسها بنظرات مريره وهي تقول برثاء غاضب على نفسها:
‏_ماشي، مش هخسر أكتر من اللي خسرته، خليني أجرب المرة دي كمان، رغم إني واثقة أن شركة ضخمة زي دي مش محتاجه لخريجه فاشلة زيي،

بس أديني هجرب، ولما أترفض هدور على شغل، ماهو انا مش هفضل كده من غير شغل، يلا أديني جهزت أهو.

نظرت لإنعكاسها الهامشي ولم ترى الكثير، لكنها اؤمات لنفسها ببرود وخرجت من غرفتها الصغيرة البسيطة للخارج.

أستقلت الحافلة ووصلت لمقر الشركة، صدمت من فخامة البناية والمكان ككل حولها، توجهت للداخل وهي تشعر بالخزى الشديد من ثيابها ونفسها، وقفت أمام السكرتيرة وحدث ما توقعته تماماً.

_مع الشقيقان قبل سنوات.

ربت "دين" على كتفه وحاول أن يغير مجرى الحديث وهو يقول بمزاح:
_أنا متراهن مع بوبي أني أجيب له صف سنانها يعمله عقد على رقبه فيكتور المحنط ونتصور سيلفي معاه ونبعته لديانا في الخماره، يلا يا ولد، ما تقرفش أخوك الكبير عشان هو قرفان لوحده، خد لك تعسيله وريح دماغك من دوشة لعبتك دي وسيب الكبير يكمل طريقه بمزاج، يلا نام.

لكن "سام" حدق بعيناه بقوه خلف شقيقه وهو يصرخ فيه:
_حاســــــب يا دين.

فجأة دين دون أن يلتفت خلفه، أخرج بندقية الصلد الملحي الخاص بالأشباح وأطلق رصاصة من النافذة المفتوحة بجواره.

دوى صوت الطلقة في الوادي بأكمله، فتح سام بابه وخرج من الإيمبالا، فتح دين بدوره وخرج.

وقف الشقيقان بجوار بعضهم وهم ينظران على الطريق الزراعي على يسارهم.

دين وهو يعيد تلقيم بندقيته يقول لسام:
_أختفت في لحظة بنت اللذينه.

_تفتكر هي دي بس اللي هنا؟

_مش متأكد، بس كلام الشهود أنها واحدة بس اللي بتظهر على الطريق فجأة وبتطلب مساعدة من اللي يقف لها.

_طب تعالى خلينا ندخل هناك، شكلها معششه في الغابه، يلا بينا.

أؤم له دين وهو يرفع بندقيته على كتفه ويسير بلا أكتراث، أستمرا في السير لفترة قصيرة وهم يتوغلا أكثر فأكثر.

فجأة سمعا صراخ عال آت من مكان قريب لهم، تحفز الشقيقان وحمل كلاً منهم سلاحه في يده وركضا صوب الصوت.

وجدا كوخ قديم متهالك، أقتربا منه بكل حذر وهم يصوبان السلاح عليه.

أشار دين لشقيقه على الباب وتوجه هو صوب النافذة الوحيدة المفتوحة.

نظر دين بحذر للنافذة ووجه نظره للداخل، لكنه لم يرى شيئاً غريباً، قفز برشاقة للداخل لكن بحذر وهو ينظر للمقاعد المتهالكة والأثاث المهترئ.

شعر أنه وشقيقه اخطأ الظن وانه لا يوجد شئ غامض هنا وعليهم العودة للطريق، لكنه بدأ يسمع دندنه غناء لصوت رقيق جداً وجذاب.

توجه نحو الصوت الآت من مكان قريب منه، وجد نفسه يقف وأمامه مطبخ صغير قذر، لكن تقف بداخله إمرأة مثيرة جداً.

ترتدي تنورة قصيرة وباضي بلا أكمام يظهر نصف ظهرها والكثير من صدرها، شعرها أحمر ناري يسقط بأهمال على ظهرها وكتفها.

أنزل دين سلاحه بجواره، شعرت المرأة به، أنتفضت مكانها وهي تستدير وتنظر إليه.

سعل دين بحرج وهو يقول لها بهيام:
_آسف جداً يا قمر، مكنتش اعرف أن المكان المعفن دا فين ملاك بالشكل ده، بس انا سمعت صريخ فجريت على هنا وقلت اشوف لو حد محتاج مساعدة، وانا بصراحة سيد من يساعد يعني.

تركت المرأة ما تفعله ووضعت الصحن على المنضدة، أقتربت من دين بدلال مغري وهي تقول له بأغراء:
_أوه بجد آسفه أني أزعجتك وخليتك تيجي مفزوع، بس اصل وانا بطبخ شفت فأر رخم كبير أوي جه عليا وداس على رجلي.

_لاء أخس عليه، مالوش حق، هو عشان أنتي جميلة زيادة على اللازوم، يقوم يتحمرش بيكي، تؤتؤ، بجد فار عنده نظر.

_مش كده برضو.

_والجميل بيعمل إيه هنا في مقلب الزبالة ده؟

_غصب عني، زهقت من الناس وكدبهم ونفاقهم، كنت بحب مغفل وخاني.

_تؤتؤتؤ، مستحيل، أنهي متخلف يسيب الفرس ده ويبص لغيره، بجد ما بيفهمش.

_مش كده برضو.

_بس دا مش مبرر أنك تعيشي لوحدك هنا، حرام تظلمي نفسك وتظلمي العالم أنك تحرمينا من شوفه وشك البدر ده.

_كسفتني يا دين، طب بما اني وحيدة وانت شكلك وحيد زيي، ما تيجي--

قاطعها وهو يقترب منها ويضع يده على خاصرها بتملك ويقربها منه بشدة، ألتصقا ببعضهم، همس لها بالقرب من شفتاها قائلاً بنشوى:
_وحيد أوي، جداً، فوق ما تتخيلي، ونفسي في حضن يونسني أوي، سامعه قلبي الشقي بيعمل إيه بمجرد ما لمستك.

همست له وهي ترفع نفسها لمستوى شفتاه:
_طب وينفع تسيبه يتعذب كده، أسقيه من الشوق وأرويه وأرويني معاه، انا مشتاقه موت دين.

لم ينتظر أكثر، ألتهم شفتاها في قبلة عنيفة كعادته مع الفتيات الحسناوات، لكن تلك الحسناء لم تكن كغيرها، بدأ دين يشعر بقوة غريبة منها وهي تضع يدها حول عنقه بتملك وقوة.

بدأت الدماء تسيل على شفتاه بغزاره، لاحظ دين عنف الفتاة معه، حاول دفعها بعيد عنه لكنها لا تتركه.

تتشبث به بقوة كبيرة لا تتناسب مع فتاة؛ بل لا تتناسب مع بشري إطلاقاً.

‏تدارك دين الأمر بعد فوات الأوان، شعر بروحه تنسحب منه بالبطئ حتى أنه بدأ يشعر بكل سوائل جسده تنسحب منه حرفياً.

_قبل قليل مع سام.
فتح باب الكوخ ودلف للداخل وهو حذر كعادته ويوجه سلاحه للأمام.

سام متحفز بكل حواسه لظهور الشبح في أي لحظة من الأن، لكنه وقف فجأة متجمد مكانه.

وجد نفسه في غرفته القديمة في منزله القديم، كاد السلاح أن يسقط من يده من هول صدمته!!

لكنه تدارك نفسه بسرعة، وفجأة وجد يد رقيقة تربت على كتفه برقه.

أنتفض سام وهو ينظر خلفه بسرعة، ولشدة صدمته وفزعه، وجدها جيسكا، حبيبته المتوفاه، فرغ فاهه بصدمة!

أبتسمت جيسكا برقه، لمست خده وشفتاه بيدها، نظرت لشعره وجسده الذي تضخم كثيراً عما كان عليه قبلاً، قالت له بحنان بالغ:
_ياه يا سام، أتغيرت أوي، مر وقت طويل أوي، أنت واحشني موت يا سام.

سام أستفاق من صدمته، شعر بقلبه يتمزق بين ضلوعه، قال لها بحزن شديد وهو يذوب من شوقه إليها:
_جيس، أنتي هنا، بس إزاي؟ وليه؟ بتعملي إيه هنا جيسي؟

أبتسمت بمرارة وهي تقول له:
_الأوضاع فوق بقت فوضويه أوي بعد سقوط أريبا، بقى في مخارج كتيرة أوي والكل بقى يدخل ويخرج على كيفه.

_بجد، طب وأنتي جيتي هنا بالذات ليه يا جيس؟

حركت كتفها بلا مبالاة وهي تقول:
_مش عشان حاجه مهمه، أنا بطوف في أي مكان فاضي فيه طاقة عاليه، بس مش دا المهم دلوقتي، المهم أني قابلتك هنا بالصدفة، بس واضح أنك مش مبسوط أنك شوفتني سام.

_لا لا يا جيس أوعي تقولي كده أبداً، أنا بس أتصدمت، ما أتوقعتش أبداً أني أشوفك هنا.

أبتسمت ببراءة وقالت له وهي تمسك يده باغراء:
_طب إي رأيك لو قلت لك أني أقدر أعيش هنا للأبد، بس بشرط واحد، أنك تعيش معايا هنا، خليك معايا يا سام، تعالى نكمل حياتنا هنا، قصدي نفضل هنا لحد ما تموت وبعد موتك تفضل أرواحنا هنا بعيد عن النعيم وفوضته، إيه رأيك حبيبي؟

شعر سام بالحيرة والإرتباك؛ بل شعر أنه غير قادر على التفكير السليم بعقلانية.

أقتربت جيسكا من شفتاه تقبله بنهم وشوق كبير، لكن سام شعر بوجود خطب ما، لم يبادلها قبلاتها الحاره، قال لها بقلق:
_لكن يا جيس مش هقدر أعمل كده، دين محتاج لي عش---

قاطعته جيسكا وهي تعيد شفتاها على شفتيه وتتحدث بإغراء:
_لاء تقدر سام، ما تفكرش في حد غيرنا حبيبي.

_لكن يا جيس، دين أخويا ومش هقدر اتخلى عنه ولا هعرف اعيـ--

_تؤ،تؤ سامي، بطل تفكير فيه بقى، ما يستهلش كل إهتمامك ده، مش هو اللي جرك لعالم الصيد من الأول بيبي، مش هو برضو اللي كان السبب هو وجون أني اتحرقت واتحرمنا من بعضنا يا روحي، وبعدين مش خلاص أنتقمتم من ازازيل، عايزين إيه تاني، مكمل في الطريق دا لحد دلوقتي ليه يا بيبي؟

وهنا كانت صدمة سام التي أعادته لأرض الواقع، تدارك الأمر أخيراً، مسك يدها دفعها عنه قليلاً.

نظرت له جيسكا بأستفهام، سألها بحدة:
_إزاي عرفتي كل ده جيس؟ أنتي موتي وأنتي ما تعرفيش إني صياد أبن واخو صياد، عرفتي كل ده إزاي جيس؟ أنطقي.

تابع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي