5،لقاء غير منتظر

مع ماركوس وساره

مسكه ماركو وحرك رأسه بالنفي، لكن أغتاظ منها الرجال الثلاثة، لكن لم يرد أي منهم ان يخوض جدال اخر مع ساره ظناً منهم انها لا تستحق العناء وانها مجرد فتاة تافهة اخرى تم رفضها للعمل؛ فأصبحت ثائرة تصب غضبها على الجميع.

‏ فضل الجميع الصمت لكن الصمت طال مع انقطاع التيار الكهربائي تضايق ماركو كثيراً، اوشك على الصياح في شقيقه لكن فجاه اهتز المصعد بعنف.

صرخت ساره صرخه فزع حقيقية تلك المرة، تشبث الرجال الثلاثة في الجدران وهم ينظرون لبعضهم بقلق سأل اولوف بقلق:
_يا ترى في ايه؟ ليه الاسانسير بيتهز كده تفتكروا بيصلحوه؟

فرانكو استرد قائلاً بقلق:
_او بيحاولوا يفتحوه، تفتكروا في خلل في الكهرباء ولا في الاسانسير نفسه؟

اهتز المصعد مرة اخرى لكن بعنف هذه المرة، قال ماركو بغضب جام:
_وانا مش هستنى لما اعرف الرد، فرانك شبك ايدك.

بالفعل فرانكو فعل ما امره به شقيقه الكبير وشبك يده، صعد ماركو على يد فرانكو وازال الفتحة الصغيرة في سقف المصعد، قفز برشاقه أرضاً وقام بتشبيك يده وهو يقول لشقيقه:
_يلا يا فرانكو أطلع أنت الأول وانت وراه يا اولاف.

نظر أولاف وفرانكو لبعضهم بقلق، قال له بقلق:
‏_لكن يا سيد ماركو إزاي نسيبك هنا ونخرج إحنا؟ الاسانسير شكله هيقع في اي لحظه.

ماركو رمقه بنظره بارده وقال بثقه:
_اطلعوا انتوا ونزلوا لي ايديكم ترفعوني يا اذكى خلق الله.

أزدرد المحامي لعابه وهو يحرك رأسه موافقاً، صعد فرانكو أولاً ومد يده للمحامي السمين قليلاً.

رفعه ماركو من أسفل، صعد أولاً، وأخيرا مسك اولاف وفرانكو في الاسلاك الخاصة بالمصعد وجثيا على ركبتهم على المصعد نفسه وهم يمدون يدهم من الفتحه لماركو.




مد يده لهم لكنه لم يصل إلى يدهم، بدأ القلق يعتري شقيقه واولاف.

‏ولكي تكتمل الكارثه اهتز المصعد وبدأ يسقط لأسفل، تمسك الرجلان في الاسلاك وهم ينظرون برعب على المصعد ويصرخان باسم ماركو.

‏ ساره تصرخ بجنون وهي تنكمش على نفسها في زاويه المصعد، ماركو أيضاً تشبث في زاويه وهو ينظر حوله بتوتر.

‏ توقف المصعد فجاة كأنه علق في شيء ما، بدأ الرجلان يتسلقان السلك هبوطا لينقذا ماركو.

‏ في المصعد ماركو استغل هذه الفرصه ووقف اسفل الفتحه في السقف وقفز برشاقه ليمسك بها.

‏ فشل، أعاد المحاولة بإصرار أكبر، خاصة وأن المصعد بدأ يهتز بشكل أكبر.

‏ قفز بكل قوة، نجح هذه المرة وتشبث بالحافه بأطراف اصابعه.

صرخ فرانكو فيه بتوسل قائلغغاةغااغاً:
_حاول تخليك ماسك نفسك يا مارك انا نازل لك اهو.
اغ
ينظر مارك لشقيقه والعرق يغطيه، يرى بوضوح أن شقيقه بعيد جداً والمصعد يهتز بعنف أكبر كأنه سينفجر وليس فقط سيسقط ويتحطم ويقتل كل من فيه على الفور.

غير أن أصابع ماركو المتعلقه بشده تنزلق، أوشك على السقوط في المصعد وينتهي امره كلياً.

‏ لكن فجاة، وجد نفسه يرتفع لأعلى، نظر بعيناه لأسفل وجد الفتاة تحمل قدمه على كتفها.

‏ نظرت له وقالت وهي مرهقه والعرق يملا وجهها هي أيضاً:
_ما تطلع بقى، انت فاكر نفسك خفيف يعني، يلا يا باشا اقفز.ا

نظر لها وهو مصدوم لكن صراخ فرانكو اعاده لأرض الواقع، قفز من على المصعد وتمسك بالسلك لكنه جثى على ركبته ومد يده لها بإصرار قائلاً بصوته الغليظ لكنه كان صادقاً تلك المرة وهو يقول لها باصرار:
_هاتي ايدك بسرعه، يلا نطيغ وامسكي في ايدي.

صدمت ساره منه كثيراً لكنها قالت له بتهكم:
_ودي هعملها إزاي يا كبير؟ اذا كنت انت بطولك وعرضك ما قدرتش تعملها، يلا يا باشا يلا اخلع انت، اطلع لاصحابك قبل ما الاسانسير يقع وينفجر هتتنفخ يا باشا لو فرقع وانت قريب كده يلا طير انت بقى.

طفح كيل ماركو من لسانها السليط بشدة، صاح فيها قائلاً:
_ممكن تبطلي هزار سخيف شويه، مش واخده بالك أنك هتموتي وتموتيني معاكي، يلا يا بنتي انت اطلعي بقى.

ابتسمت بمرارة وهي تقول له وعيناها فيها كل حزن العالم:
_يمكن دي احسن حاجه حصلت لي يا باشا انا اللي زيي مالهمش لازمه اصلاً، ده موتي رحمه لناس كثير أصلاً، أصلك ما تعرفش انا نحس إزاي على البشر كلهم؟ صدقني يا باشا انا موتي أحسن بكتير من عيشتي، هي الموته دي رخمه أوي بصحيح، بس يمكن تخلص شويه من ذنوبي، يلا انت بقى طير لصحابك، شكلهم هيموتوا من الرعب عليك، شكلك محبوب يا كبير مش زيي، يلا طير انت بقى.

أنتفض ماركو على يد فرانكو وهو يربت على كتفه ويقول له:
_يلا يا مارك، مش هنقدر نساعدها، لازم نهرب قبل ما الاسانسير يقع وينفجر، هيفجرنا معاه، يلا بقى
خلون--

لم ينهي فرانكو جملته، تداعى المصعد وبدأ يسقط بقوة، تشبث الرجلان في السلك وهم يحملقون في المصعد برعب.

ماركو ينظر إلى ساره، وجدها تبتسم له بمرارة كأنها تودعه بحرقة.
اغغ
لم يعرف ماركو كيف ولماذا فعل هذا؟
لكنه ترك السلك وقفز إلى المصعد مرة أخرى.

صراخ فرانكو وأولاف كان أعلى من صوت احتكاك وسقوط المصعد نفسه.

ساره حملقت في ماركو بعدم تصديق، أكثر من سقوط المصعد بها وبه.

وقف على قدمه بصعوبة، لم يأبه كثيراً لصدمتها، مد يده لها جذبها بقوة إلى حضنه، تعلقت به ساره وهو يضمها بكل قوة إلى صدره.

اغمضا أعينهم معاً واستعدا للتصادم والإنفجار الهائل، لكن فجأة.


_مع الشقيقان وبوبي قبل سنوات ماضية.

في منزل بوبي، بوبي وهو يفرغ بعض السؤال مع محتويات اخرى من قوارير مختلفة ويدمجهم معاً في وعاء عميق بأنفعال، سأل سام قائلاً:
__وانت كنت فين واخوك مدلوق على الملعونة دي يا سام؟

سام وهو يحك ذقنه ليفكر ويقول كذبه يقنع بها العجوز الماكر بوبي، لأنه من المستحيل أن يخبره بأنه أيضاً كان على وشك السقوط في نفس الخطأ.

قال له بتأفف:
_انت فاهم الطريقة بوبي، اتبعنا استراتيجية هايد آند سيك، دخل هو من الشباك وأنا من الباب، بس الملاعين بيعرفوا إزاي يصوروا ويخلقوا جو وهمي لاي حد يدخل مكانهم ويصوروا له أماكن وناس مش حقيقية، وأظن ان دي الطريقة اللي بيتبعوها على الطريق عشان يخطفوا الناس أو يتسببوا في حوادث على الطريق، بعدها بيعملوا اللي هما عايزينه في الجثث أو الضحايا.

انتهى بوبي من تحضير العقار، وضعه في كوب زجاجي وهو يقول:
_يعني فلت بمعجزة أنت واخوك المجنون ده من هناك وبرضو معرفتوش نوع الديمن اللي ساكن المكان والطريق؟

_انا خمنت انه يسورق البر، لكني كنت غلطان، دول شياطين من أجناس الأرض السفلية.

_يعني كروالي مايعرفش عنهم حاجه؟

_او يعرف مش متأكد بوبي، المهم أني لازم اعمل بحث تاني عشان اعرف سبب اختيارهم للمكان والطريق دول بالذات، أنت عارف طبعاً ان الديمن متكبرين، وبيحبوا يستعرضوا بالناس ويختلطوا بيهم ويضربوا ضربتهم أدام جمهور كبير عشان يفزعوا اكبر عدد من البشر قبل ما يتلبسوهم،

لكن أنهم يستخبوا زي الفيران كده في كوخ مهجور ويهاجموا المسافرين في أنصاص الليالي، دا اللي انا مش قادر احلله وافهمه لحد دلوقتي، بس هفهمه أكيد، انا مش هعرف اهدى غير أما اعرف نوعهم بالظبط وسبب وجودهم في المكان دا بالذات، الموضوع دلوقتي بقى شخصي أوي يا بوبي.

_طب تعالى ساعدني نفوق المغفل دا قبل ما روحه تتسحب منه.

ساعده سام في رفع رأس دين، فتح له فمه بصعوبة، ساعد الرجلان دين حتى تجرع الكأس كله، تركاه يرتاح لوهلة وخرج يحتسيان الشراب في مكتب بوبي.

تسامرا لبعض الوقت وفجأة وقف دين على باب غرفة المكتب وهو مرهقاً كأنه خرج لتوه من قبر ما.

قال بتعب ساخر:
_يخربيت البنات كلها يا عم، كانوا هيموتوني ولاد الرمه.

أنتفض سام وركض إلى دين يضمه بشق الأنفس، ربت دين على كتفه وتركه ودخل الغرفة، جلس بجوار بوبي ومسك كأس فارغ ورفعه وهو يشير لـ بوبي كي يسكب له بعض الشراب.

قال له بوبي بتهكم:
_محدش بيضربك على إيدك يا كذا نوڤا، أنت اللي هتموت على الحريم، كل ما تشوف ميني جيب ولا درعات ملط تريل عليها زي العيل على الچيلاتي، أتهد شوية قبل ما واحدة منهم تأخدك للعالم الكمي ومانعرفش نرجعك تاني يا دنچوان.

ابتسم سام على مزاح بوبي القاسي، رمق دين شقيقه بنظره حارقة من نظراته المعهودة، رفع سام يده شارة "وما دخلي انا".

ألتفت دين إلى بوبي وقال له بتهكم:
_خليك في حالك يا عجوز، المهم، عرفنا حاجه مفيده من روحتنا لهناك؟ ولا حياتي كانت هتروح فطيس، وانت الغلطان في الحوار ده يا عبقرينو.

أشار على سام بيده، سام أنتفض واقفاً وهو يقول بأستنكار:
_نعــم، ليه ياخويا؟ مش أنت اللي رفضت نروح لـ صامويل ونسأله، هو أكبر وأقدم صياد في المنطقة وأكيد أنه حقق وجمع كل المعلومات اللي إحنا محتاجينها، بس انت اللي كابرت كعادتك.

بوبي وهو يقف لينهي جدالهم في بدايته، قال لهم:
_مفيش وقت للكلام التافه بتاعكم دا يا اغبيا، لازم نعرف مين الديمن اللي مسؤول عن الحوادث دي لأن زمانه عرف أن اتباعه اتحرقوا، فهيبعت غيرهم قريب اوي وهيكون إنتقامه قاسي والمسافرين هما اللي هيدفعوا تمن غروركم ده، لازم تتحركوا بسرعة يا كسالى وتروحوا لـ صامويل وتتعانوا سوا، أنتوا فاهمين؟ مش عايز أي جدال تاني في الحوار ده.

بعد قيادة ثلاث ساعات على الطريق وصلا إلى مزرعة صامويل في جنوب الغابة.

توقف دين بالسيارة قبل عبور البوابة المفتوحة، ذهل سام من تصرف شقيقه، نظر له بأستغراب وتساؤل، قال له دين على مضض:
_أسمع يا سامي، أنا مش هقدر أبص في خلقة الراجل التنح ده، ادخل انت وحقق معاه زي ما انت عايز، خلص معاه وابقى تعالى لي، أنت عارف هتلاقيني فين وإزاي؟

رفع سام حاجبيه بإستسلام لأنه يعرف كم ان شقيقه عنيد ورأسه متيبس بشدة، قال له:
_زي ما تحب، خلاص روح وأنا هحصلك، بس أوعى تتقل في الشرب، لسه قدمنا طريق طويل وإحنا راجعين.

حرك دين رأسه موافقاً، خرج سام من الإيمبالا، أنطلق دين بسرعة كبيرة مخلفاً إعصار من الغبار خلفه.

واصل سيره حتى وصل إلى أقرب حانه، أوقف الإيمبالا وخرج منها قاصداً الحانه.

لكنه لمح فتاة شابه تجلس على مقعد الحديقة القريبة من الطريق العام، لكن الفتاة كانت تبكي بحرقة شديدة.

نظر دين حوله، هندم جاكيته المفضل وتوجه نحوها وهو يتمتم بحماس:
_شكلك هتتلطع لوحدك يا سامي انهاردة، خلينا نشوف القمر زعلان من إيه؟ يا مسهل الحال.

أقترب منها وهو يتخذ وجه الرجل الشهم المساعد، نظر لها وقال بنبرة حزينة مصطنعة:
_ياه، كل دا زعل، تسمحي لي أتطفل عليكي واسألك مالك؟ يعني لو محتاجه مساعدة انا ممكن اساعد في أي حاجه.

نظرت له الفتاة بعيناها الرمادية الباكية، مسحت وجهها وهي تنظر حولها وتقول له ببكاء:
_انا آسفة جداً لو ضايقتك يا استاذ، أنا هقوم أمشي حالاً.

شعر دين بأنقباض مؤلم في قلبه، مسك يدها وقال لها بجدية:
_أصبري بس، انا مش متضايق منك ولا حاجه، أنا فعلاً عايز أساعدك، ممكن تقولي لي إيه هي مشكلتك وأنا هساعدك؟

عادت تمسح وجهها من الدموع المنهمرة بغزارة وهي تنظر له بأعين خائفة، مرتعبة حرفياً، أوشكت على التحدث وقول شيئاً ما مهم، لكنها ترددت وقالت:
_مفيش حاجه مهمه، أنا بس كنت متضايقه شويه عشان حبيبي هجرني، انا هرجع بيتي دلوقتى، تصبح على خير.

شعر دين انها تكذب ولم يفهم السبب، لكنها لا تبدو أنها تحاول التملص منه أو الهرب أو حتى متعجلة للعودة لمنزلها كما تدعي.

لم يفقد دين الأمل بعد، شعر أنه يريد التواجد معها لعل وعسى يصل لمآربه منها، قال لها بتودد صادق:
_ماشي، هبلعها رغم إني حاسس انك بتتهربي من الإجابة، بس أنا مصِر إني أساعدك، ممكن اوصلك بيتك على الأقل، مش هسامح نفسي ابداً لو سيبتك تمشي وأنتي دمعتك على خدك كده، أصل انا شرطي ومن طبعي إني بساعد الناس حتى لو هما مش عايزين مساعدتي، ها، قولتي إيه؟ أصل أنا مش هحلك انهارده غير أما أساعدك وأريح ضميري وقلبي، قولتي إيه ولا حابه تسمعي كلمة بليز من راجل وسيم جنتل زيي كده؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي