22، سر ماركوس

"مع ساره وماركوس في زقاق الاوغاد"

أقترب الضخم أكثر من ماركوس وهو يرفع الخنجر في يد ويتجرع الشراب بثقة وجرأة في اليد الأخرى.

وصل لماركوس ورفع الخنجر يمزق حنجرة هذا الأخير، لكن فجأة.

مسك ماركوس يد الضخم جعله يصرخ بشدة من قبضته عليها، قام بثنى ذراع الصخم خلف ظهره وركله بالقدم في ظهره، طار الضخم حرفياً حتى صدم في صندوق القمامة الذي يبعد عن مكان وقوفهم ثلاثون متراً تقريباً.

فزعت ساره وكتمت شهقتها، الجميع كذلك فزعوا من قوة ماركوس الغريبة الغير منطقية على الإطلاق.

وقفوا يحملقون فيه وكأنهم صورة وتم تجميدها.

ماركوس ينظر إليهم ببرود وهو صامت كالتمثال الجليدي، وفجأة فرقع بأصبعه، صرخوا بهلع وركضوا خلف بعضهم وهم يتصادمون في كل شئ امامهم ويتعثرون أرضاً.

صاحت ساره بعدما أبتعد الاوغاد راكضين:
_واو، إيه ده؟ انت جبت القوة والجبروت ده منين يا باشا؟ وأنت أصلاً ظهرت فجأة منين؟ دا انا حسيت اني شايف--

قاطعها وهو يسير نحوها ويأخذ يدها يجرها نحو الإتجاه الأخر، وهو يقول بحدة غاضبة:
_أنتي كارثة بتتحرك على الأرض، بسببك عملت حاجات مكنتش عايز أعملها، أنتي أكتر بني آدمه مستهتره، متهورة، وغبيه عرفتها في كل حياتي، أكيد هتوديني في داهيه في يوم من الأيام.

توقفت ساره فجأة وسحبت يدها من يده بعنف، وقف ونظر لها بعينان متسعتان غاضبتان، قالت له بأنفعال:
_اولاً أنا مش غبية ومستهترة، ثانياً انا مجبرتكش تيجي تدافع عني أنا كنت قادرة ادافع عن نفسي، ثالثاً وده الأهم، أنت عرفت مكاني منين وجيت لحقتني ليه لما هتقعد تقطم فيا كده؟ بعد كده يا عم ما تدخلش لو لقيتني بتفرم حتى.

أشاحت بيدها إليه وتركته واقفاً مصدوم وسارت مبتعدة عنه.

لكن ماركوس في لمح البصر وقف أمامها لدرجة أنها فزعت منه حرفياً، مسك شعرها جذبه للخلف وصرخ في وجهها:
_إزاي تتجرأي وتتكلمي معايا كده يا ناقصه يا عديمه التقدير، عمرك ما تعرفي تقولي شكراً ابداً، أنا خاطرت بنفسي وبـ سري عشانك أنتي وأنتي تتجرأي عليا بكل وقاحة،

بعدين يا آنسه أنتي ناسيه أنتي متجوزه مين؟ أنا أكبر وأهم راجل أعمال في الدنيا كلها في اخر 500 سنه شركتي هي الرائدة في كل الصناعات،

يعني اعدائي لو عشتِ مليون سنه ما تعرفيش تحصي عددهم، وحضرتك من سوء حظي الملعون أنك مراتي وكتير من اعدائي عندهم معلومة زي دي؛ فـ حضرتك بتعرضينا وتعرضي كل عيلتي وشغلي للخطر بدخولك كده للأماكن دي،

أنتي متخيلة يعني إيه مراتي أنا تقع رهينة في إيد حد من اعدائي؟ يعني كده روحي في إيده يا أستاذة، وانا مش هسمح لك ولا لأي حد أنه يحط روحي في إيده، سامعه، أتفضلي غوري أدامي.

دفعها لكن برفق بعض الشئ إلى سيارته التي تركها في بداية الزقاق.

فتح باب سيارته ودفعها للداخل بجواره، نظرت له ساره وهي غير مستوعبه لما قاله حتى الأن.

كلامه يثير بداخلها مشاعر كثيرة، غريبة، ومشوشة، تتذكر جيداً أنه قال ان زوجتي روحي.

هل عنى بحديثه هذا أنها بمثابة روحه؟ شعرت أن رأسها يدور كالطاحونه.

لم تجرؤ على التحدث أو النظر إليه طوال طريق العودة، وصلا إلى القصر ودلفا للداخل.

شعرت ساره بأمتنان كبير لأنهم لم يقابلا احداً من العائلة وهم في طريقهم للطابق الثاني.

شعرت ساره بخيبة أمل كبيرة عندما تركها ماركوس وصعد قبلها، دخل غرفته وأغلق الباب خلفه.

توجهت لغرفتها وهي تشعر بقلبها محطم من خيبته، توجهت لدورة المياه وتسبحت طويلاً تحت المياة المنعشة.

خرجت من دورة المياة وهي تلف منشفة حول جسدها، لكنها صرخت مصدومة عندما وجدته امامها يحملق فيها بصمت.

"مع الشقيقان وعائلة ألكسندرا"

نظر الأطفال بريبة إلى الشقيقين ثم إلى بعضهم، قالت الفتاة إليهم وهي ترفع حاجبيها بتساؤل:
_شكلكم مش غريب عليا، أعتقد إني شفتكم في حته قبل كده، أنت سام صح؟ شكلك مألوف جداً جداً بس برضو ما اعتقدش إننا اتقابلنا قبل كده.

أبتسمت "ألكسندرا " مجبرة ونظرت إلى الشقيقان وقالت لهم:
_يا شباب، أعرفكم بأولادي التلاته "دين، كاس، وماري" هما زي ما واضح أدمكم أنهم توأم.


رد "كاس" وهو كما يبدو هو الطفل المشاغب بين الثلاثة:
_إيه الذكاء دا يا أليكسا؟ أعتقد أنه واضح أوي أننا شبه بعضنا، لكن مش مهم، صحابك بقى واقفين على الباب زي الأغراب ليه كده؟ أنتي كده بترحبي بأصحابك يا أليكسا؟

رد "دين" فوراً وهو يحملق في الشقيقان بنظرات حادة ثاقبة:
_دول صحاب قدام ولا حاجه، دول أعداء قدام، الواضح من نظرات سام الغاضبه انه جواه كره كبير لـ أليكسا، واضح أنها عملت معاه الغلط قبل كده وزعلته جامد لدرجة أنه اتصدم من شوفتها تاني بعد العمر دا كله وواضح من وقفته المتحفزة دي أنه مستعد يأكلها ألم عداله،

أما "دين" وواضح أنه الأخ الأكبر بينهم، شكله مصدوم من شوفتنا إحنا أكتر من شوفته لـ أليكسا وأعتقد أن سبب الصدمة دي أنه مش مصدق أننا أولاد أليكسا،

في إيه في رأسك يا كابتن؟بتفكر في إيه؟ فاكر أننا ولاد حد تعرفه كويس، بصراحه مش هلومك ابداً، حتى إحنا ما نعرفش مي--

قاطعته "ألكسندرا " بوضع يدها على فمه، قالت له بحدة وعصبية:
_ما بتعرفش تفصل ابداً، يلا، أمشي من هنا أنت واخواتك حالاً، وده أخر تحذير ليك دين، إياك تتكلم مع حد غريب تاني أنت فاهم، خاصة تتكلم معاهم بالشكل ده، دي وقاحة وقلة آدب منك، بطل تحلل الناس شوية يا دين أنت مش سيكوبالتي، يلا اتفضل من هنا.

نظرت له بتحذير، لكن الطفل لا يبدو أنه أكترث كثيراً بتهديد والدته، لكنه هز رأسه بلا مبالاة، أشار لأشقائه أن يتبعوه، قال للشقيقان وهو يستدير بثقة:
_هنتقابل تاني قريب، لازم نتكلم سوا مع بعض يا شباب، باي.

انعقد لسان الأشقاء، خاصة "دين" الذي ينظر للصغار بريبة وإرتباك ويعود بنظره إلى سام.

نفس لون العين، تقريباً نفس لون شعر شقيقه وهو في نفس عمرهم

نفس اللسان السليط ونظرات الفضول والذكاء الواضح في النظرات والتفحص.

شعر "دين" أنه سيفقد وعيه من الحقيقة التي توصل إليها.

سام ينظر للصغار بصدمة، قالت "ألكسندرا " وهي تعتدل في وقفتها وتنظر للشقيقان بتوتر، قالت لهم بحزن:
_أعتقد ان دا الوقت المناسب عشان تمشوا يا شباب، المسخ اللي قضى على عيلة سيتفاني مكنش جاي لهم هما، دا قاصد عيلتي انا وانا مش محتاجه مساعدتكم ابداً، انا أقدر أحمي أولادي كويس أوي وهما كمان قادرين يحموا نفسهم.

حدق الشقيقان لبعضهم بصدمة وذهول! نظرا لها بحدة وقالا في نفس واحد:
_نعـــم؟!

"مع إيزابيلا في غرفتها"

لاحظت بيلا أنها تنظر لسقف الغرفة، تعجبت من نفسها وتساءلت هل سقطت وهي جالسة؟

اعتدلت لتجلس، لكنها وجدت الغرفة تغرق في ظلام إلا من ضوء خفيف يدخل من النافذة، سندت على الأرض لتنهض وهي تنظر للإتجاه الأخر، لكنها فزعت عندما رآت بجوارها الدمية تجلس بثبات على المقعد الهزاز..

صرخت بيلا بعفوية وهي تقول لها بحدة:
_يا ست فزعتيني، الله يلعنك، بقى أنا أقع زرع بصل وأنتي لسه قاعدة، طب إزاي؟!

صمتت بيلا وهي تلحظ امر غريب في وجه الدمية، رآت عينان الدمية الزجاجية أصبحتا حقيقية، أصبحت عينان لبشر.

أنتفضت بيلا للخلف سقطت على ظهرها، سندت على مرفقيها وهي تنظر للدميه بذعر، لكنها ركزت قليلاً ورأت أنها كانت تتوهم.

مدت يدها على الدمية، على عيناها تحديداً، وجدتهم عينان بلاستيك عاديه، قالت لنفسها بعصبية:
_إيه العبط دا يا بيلا، دي نغوشة نظر على المسا بسبب العياط والضلمة.

وقفت وهي تحمل الدمية بإهمال، ألقت بها على الفراش وهي تسمع صوت والدتها في الخارج.

خرجت تركض وجدت روني بالخارج، فتحت روني يدها وأخذت بيلا في حضنها وهي تشهق من البكاء وتقول لها:
_عيني عليكي يا حبيبتي وعلى بختك النيله، قال جت الحزينة تفرح مالقت لهاش مطرح، الله يرحمك يا أريسو.

_شفتي يا روني، شفتي اللي حصل لبنتك المتعوسة المنحوسة، فيتال قالك على اللي حصل؟ قالك عرف حاجه؟ هو أريسو مات إزاي يا روني؟

_لاء يا بنتي لسه الشرطة بتحقق مع الناس والجيران وتفتيش في بيته وطب شرعي وجنائي ومواويل يا حبيبتي،
مش سهلة كده يعرفوا اللي حصل في كام ساعة بس، دي جريمة قتل يا بنتي مش سرقة ولا إنتحال.

_أنا تعبانه أوي يا رون أوي، مش عارفه ليه حظي عامل كده، بجد تعبت من سوء الحظ.

ألقت بنفسها بين يدى والدتها وهي تبكي بإنهيار شديد.

مرت بضعة ليال قبل ان تأمر المحكمة بالأفراج عن جسد أريسو ليتم دفنها.

قامت أسرة بيلا بدفن جسد أو ما تبقى من جثمان أريسو في المقابر الخاصة بهم، نظراً لأنهم عائلته الوحيدة.

أنتهى اليوم المرهق بكل ما فيه من أوجاع ودموع على هذا المسكين أريسو.

توجهت بيلا وهي مرهقة إلى غرفتها، ألقت بجسدها على الفراش بتعب، لكن عيناها لمحت المقعد الهزاز خاصتها.

لم ترى الدمية، صدمت بغضب، وقفت وفتحت الضوء تبحث عنها،لم تجدها في خزانتها او أسفل الفراش أو في أي مكان.

خرجت غاضبة من غرفتها إلى غرفة والدتها ظناً منها بأن روني أخرجت الدمية لأحد بنات مارتين وهي منشغلة في العزاء ومع المعزيين.

بحثت في الشقة كلها ولم تعثر على الدمية، توجهت لغرفة روني وايقظتها بحدة وهي تسألها:
_روني، قومي وفوقي لي معلش،هي فين سونا. أنتي خرجتيها من اوضتي؟

أعتدلت روني ونظرت لها بأستغراب وهي تسألها بقلق:
_مين؟ سونا مين يا بنتي؟ ودي تطلع مين وكانت بتهبب إيه في اوضتك. أنا مش فاهمه منك حاجه يا بيلا.

تعصبت بيلا وضربت الأرض بقدمها كالأطفال وهي تقول لـ روني بنفاذ صبر:
_سونا يا روني، سوناهري، عروستي اللي جابها لي أريسو.

حملقت فيها روني وصرخت في وجهها:
_أنتي أتجننتي، بقى جايه تصحيني من احلاها نومه عشان تسأليني عن المخفيه عروستك،أنتي هبله يا إيزابيلا أليخاندرو؟

خافت بيلا من صراخ والدتها، تركتها وخرجت وهي تقول بتمتمة:
_دا إيه الست المروشة دي؟ بقى في أم كده في الدنيا بالذمه. خلاص، تولع العروسة، بكرا هقلب لهم الدنيا عليها،ماشي ياروني يا مجنونه، انا انهارده بس عرفت هيه ليه مش اتجوزت لحد انهارده، بنت الكدابه، قالت لنا انها عاشت عزبا عشانا وهي أصلاً ملقتش راجل يتحمل جنانها، نهار اسوح، أنا لو راجل وصحيت جمب مروشه زي دي، والله لأخلع منها، بلا هم، أنا عارفة دي امي إزاي دي، وليه مروشه بصحيح.

ضحكت بيلا على سخافتها في السخرية من والدتها، عادت ترقد على فراشها وهي تتصفح هاتفها قبل أن تعود للنوم.

تجاهلت كل رسائل التعازي التي وصلتها من اصدقاءها الذين يقيمون ويعملون في مدن أخرى، قررت أن تتصفحها لاحقاً وتجيب عليهم.

ألقت بالهاتف على الوسادة بجوارها وحاولت النوم مرة أخرى، لكن عيناها لمحت المقعد الهزاز مرة أخرى وكان يهتز في الظلام.

تجمد قلب بيلا من رؤيتها لهذا، لكن عندما حملقت جيداً وجدته ثابت جداً في مكانه وهذا غير منطقي البته.

بدأت تتساءل بغضب:
_يعني إيه العروسة تظهر وتختفي كده، أنا فعلاً مبقتش فاهمة حاجه، بس بكرا هشوف قصتها ايه بنت الصرمه دي كمان.

نامت بيلا بعد جهد جهيد بسبب تفكيرها في هذه الـ سونا وتصرفاتها العريبة، فتحت بيلا عيناها على صرخات مدوية لم تفهم هل لاتزال تحلم أم أنه بالفعل هناك صرخات تملأ الحي بأكمله.

تابع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي