7بداية النهاية

"مع عائلة خوري"
نظر "تيمور" لوالده بعينان حزينتان تملؤهم الغضب و الحسرة و قال له:
_لاء يا أبي، أنا لم أنسي ولو للحظه، لكن يبدو بأنك أنت من نسي، نسيت أمي واشقائي، نسيت بأننا حرمنا منهم بسبب تلك الفتاه وأبيها وأمها، أنت من نسي يا أبي.

جلس الرجل بقهره و قال بحسرة كبيرة:
_لا، لم أنسي بني، وشكرا لانك ذكرتني وفتحت الجرح بقسوه يا "تيمور"، انا بحياتي لم أنسي والدتك، رفيقه العمر والصبا ولا صغاري الذين حرقوا أمام عيني ولم أستطع مساعدتهن، لكن يابني "تينا" مجرد طفلة صغيرة، لم تجرم بأي ذنب في جرائم والدها

،وأنا سأقولها لك بكل صراحه ولن أفتح مجال للمناقشة في ذاك الموضوع من جديد ولن أقبل الجدال فيه، إبنه أخي لن ألقي بها في الشارع وهذا قراري الأخير.

نظر "تيمور" لأبيه بخيبة أمل و قال بإصرار:
_حسنا أبي، لن أجادلك، هذا منزلك وأنت حرا فيه، لكني لن أستطيع العيش فيه مع تلك الفتاة، سوف أخرج أنا منه، سأذهب للعيش عند عمتي، سأعيش بعيدا عنك طالما فضلت أبنه القاتل المجرم علي.

استدار "تيمور" ليرحل،لكنه صدم ب "تينا" في وجهه تمسك حقيبة ثيابها في يدها،نظر لها بغضب كبير،تجاهلت نظراته المريرة و قالت له:
_لا يا ابن عمي، ليس هناك من داعي لتترك بيتك، أنا لم آت هنا كي أدمر هذا البيت، أو أفرق بين الأبن وأبيه، أنا من سيرحل عن هذا البيت وليس أنت، عامه الشارع واسع جدا ويتسع لأمثالي، وكل يوم وساعه هناك العشرات من الأطفال يلقون في الشوارع، لم يتوقف العالم عليهم ولم يخرب لأجلهم، لكن عندما يترك طفل مثلك منزله، سيخرب هذا المنزل و يتحطم قلب والدك، وتحيا أنت بدونه حزين مقهور لأخر عمرك، وأنا لن أسمح بهذا مطلقا، سأرحل أنا أودعكم في سلام، وانا ليتولاني الرحم برحمته في آخر أيامي، لن يتخلى عني الله كالبشر.

"تيمور" شعر بشفقة عليها، لكن عناده و كراهيته لها رفضوا ان يظهروا لها اي ضعف او رحمة او شفقه على حالها.
اقترب منها عمها وقال لها بصدمه:
_ماذا تقصدين يا أبنتي؟ ماذا يعني آخر أيامك تلك؟.

مسحت الصغيره دموعها و قالت له ووجها في الأرض:
_الكلام واضح يا عمي،انا مريضه وسأموت في خلال أيام، لقد انتقم الله لكم جميعا، ابتلاني بمرض خطير لا يوجد علاج له، حتى إذا كان هناك علاج لحالتي من سيرضي أن يعالجني أو يتحمل مسؤوليتي، عاما انا سأرحل وأكيد لن يهملني الله ويتركني مشرده مريضه وحدي في الشارع، أعرف بأنني سأجد مكان اموت فيه بسلام.

"تيمور" لم يعد يحتمل كلامها،اخيرا انتفض بداخله شريان الدم و صله الرحم،اقترب منها و قال بعصبية:
_يكفي هذا يا فتاه يكفي نواح، حسنا سأسمح لك أن تعيشي معنا هنا حتى يقضي عليك المرض وتذهبين لأمك وأبيك، سأعتبر أننا نزكي

عن عائلتنا التي ماتوا بسببكم، لكنني أحذرك يا أنتي، طوال فترة مكوثك هنا لا تحاولي أن تتكلمي معي ولا تضايقيني برؤية وجهك الدميم هذا، انا سوف أعيش في حالي و انتي في حالك، حتى يأخذك الله وارتاح منك للأبد.

نظر لها باحتقار و تركهم و خرج"تينا" رفعت وجهها لعمها بحزن،ضحك الرجل و انحنى على ركبتيه و مسك ذراعها وهو يقول بحماس:
_حقا يا صغيرتي اتضح بأنك ممثله قديره موهوبه يا إبنه أخي، عامه من الجيد انك أستطعتي أن تقنعيه، هكذا أفضل مما كنا سنخوض شجارات لا تنتهي معه.

قالت له بحزن:
_اقنعته بالغش و الكذب يا عمي، غدا سيكتشف ويعرف بأني لست مريضه و يكرهني أكثر ويقوم بطردي من هنا.

قال لها بمزاح:
_يا صغيرتي المسكينة، دعي مشاكل الغد للغد، وقتها سنجد عشرات الحلول، سأدعي أنا المرض وقتها، وأجبره أن يتركك تعيشين معنا ومع الوقت يستسلم للأمر الواقع ويصمت، أيضا عندما يرى بأنك تكبرين أمام عيناه لن يستطيع ان يلقي بك في الشوارع وأنت آنسه جميله أن ولدي رجل عنده نخوه تركض بعروقه وأنتي تعرفين هذا جيدا .

اخفضت عيناها أرضا و هزت رأسها بأسف،و هكذا مضت أيام و اشهر و سنوات، ونفذ "خوري" خطته ضد ابنه و ادعي المرض ليحتفظ بالصغيرة.

حتى كبرا معا، وتخرج هو من الجامعة وعمل مع والده في مهنة النجارة، وهي لاتزال تدرس، ذات ليله فاجئ الرجل ابنه بطلب، جعله ينفجر غاضبا حتي كاد أن يحطم الزجاج من شدة غضبه وصراخه على والده.

"مع سند"
في بلدة موط في جنوب الوادي داخل أحد المساكن البسيطة، يعيش "سند" مع والدته واخته الاصغر منه بعامين يعمل في مهنة خطيرة لكنها منتشرة في محافظته، لا يعمل بها سوى الرجال الشجعان .

في غرفة "سند" يغط في نوم عميق بما أن الساعة لم تتجاوز الرابعة فجراً، لكنه سمع نقر خفيف على نافذة غرفته.

قلق "سند" في سباته و فتح عيناه بتكاسل وهوه يقول بصوت عالي قليلاً:
_توقف يا مزعج، يكفي هذا.
صوت من الخارج يقول:
_هيا يا صاح أستيقظ، لدينا عمل كثير.

"سند" يقول وهو يتثاءب :
_دعني قليلا يا "ثور" أريد النوم قليلا، عد مجددا بعد ساعه، هيا أرحل.
"ثور" يقول له بجدية:
_هيا يا "سند" الرجال في انتظارنا في الفندق، هيا قبل أن يضجروا ويذهبون إلى "عبيد" أو "صالح".

انتفض "سند" كالغزال من فراشه ،ووقف علي قدمه و فتح النافذه بسرعه وهو يقول ل "ثور" بحده:
_من هذا الذي يجرؤ على اخذ العمل منا؟ هل تظن بأن تلك المهنة تصلح للصغار؟ أتظن بأن بضعة المراهقين هؤلاء قادرين على منافستنا حتى يتحدوننا في مجالنا ومجال أباءنا يا رجل؟ أيظنون بأنها لعبه للصغار أم ماذا؟

"ثور" تنهد باستياء وقال له:
_تريث قليلا يا "سند" أنها أرزاق يا صاح، ولا يقول أي عاقل لا للرزق، أيضا هل نسيت مصلحة "أبو رواش" أو "وادي مرديانا"؟

أيضا مصلحة الصيد التى كان بها رزقا كبيرا تسببت في ثرائهم وانت بغبائك رفضتها ظنا منك بأنها خطيرة ولا تناسبنا، هيا يا رجل، دعنا نذهب لنلحق بهم قبل أن يخطفوا منا، لم يعد هناك صغارا في مجالنا يا صاح.

"سند" زم شفتيه بغضب، لكنه يعرف ان صديقه محق، قال له بضيق:
_حسنا، أنتظر حتى أخذ شاور سريع و أبدل ثيابي وأخرج لك.
_أسرع يا رجل، نريد أن نلحق بهم قبل شروق الشمس.

بعد ربع ساعة تقريباً كانوا في طريقهم لفندق ربيعة،وهو فندق صغير و الوحيد في القرية،متواضع لحدا كبير لكنه يفي بالغرض.
وصلا بسياره "سند" الجيب الخاصه بالسير في الصحراء،وقفا و دخلا معا ،كان الوقت بعد الفجر مباشراً ،وجدا في بهو الفندق بعض الصيادين و النزلاء المعتادين.

أشار "ثور" علي ثلاث رجال و ربت علي كتف "سند" تبعه "سند" إليهم،وقف امامهم،"سند" نظر لهم يدرسهم فمن عادته أن يدرس الناس جيداً و يفهمهم من نظراتهم و ردة فعلهم،و حركات جسدهم لأنه درس علم النفس المتقدم.

قال "ثور" بعد التعارف:
_تمام جدا، الآن نتوكل علي الله بعد ربع ساعة بالضبط اكون انا و سند جهزنا العده.
نظر "سند" إليهم وهو مرتاب قليلا، لأن وجوههم لا تنم علي رجال الأعمال كالذين سبق و تعامل معهم،قال "سند" فجأة لهم:
_أين رجلكم المهم يا رجال؟.

نظروا له بصدمه! قال أحدهم:
_ماذا؟ ماذا تعني بالرجل الكبير يا كابتن؟.
قال "سند" بتهكم:
_انا صياد ولست لاعب كوره ولا مدرب، عاما انا لي في تلك المهنه أكثر من عشر سنين، واعرف جيدا العميل من نظره عين، وأنتم على ما أظن بضع رجال توابع، أعني تعملون مع أحد أو لصالح أحد، أعني العقارب النادره التي تريدون منا أن نصطادها لكم تلك، ليست من أجل

أن تدرسوها أو تصديرها لمحمية خليجيه مثلا، انتم تريدونها لغرض أخر وهناك من تعملون لصالحه وأمركم أن تحضروها أليس كذلك.

نظر الرجال لبعضهم بصدمه! "ثور" نظر له و همس بعصبية:
_انت يا محلل الشخصيات تريث وأهدأ قليلا يا رجل، ليس من شأننا نحن لما يريدون العقارب، ما خطبك يا "سند"؟ ستتسبب في خسارة المصلحة، ، إذا كانوا سيقومون بتصديرها أو يشغلونها أو يسلخوها، أو حتى يقر مشوها كالمقرمشات ليس هذا من شأننا، ما خطبك اليوم؟

نظر له "سند" بغضب و قال له بهمس:
_اسمع يا ثور انت تعرف مبدأي جيدا، أنا لا أحب العمل في العمل المشبوه والرجال هؤلاء يخططون لشيء لن يعجبني، وأنا لن أصعد إلي الجبل قبل أن أعرفها.

وقف أحد الرجال وهو مبتسم و يقول بثقة:
_بالمناسبة نحن نجلس أمامكم مباشرة ونسمعكم جيدا، عامه يا اخ "سند" أنت تقلق نفسك بلا داعي، عندك حق علي كل حال، نحن لسنا أصحاب المصلحة

نحن رجال نسعى لرزقنا مثلكم تماما، صاحب تلك المصلحة راجل اعمال كبير في السن ولن يستطيع أن يرافقنا إلي الجبل، وقد كلفنا نحن بالمهمة مقابل المال مثلما ستتقاضون أنتم أيضا أجوركم، ها قلبك اطمئن يا سيدي أم لا.

تنهد "سند" ووضع يده على خاصرته وهو يقول بأرتياح:
_نعم هكذا تمام، قلبي اطمئن، والأن من فضلكم اجلسوا ريثما نتجهز ونستعد أنا و"ثور"، تفضلوا بشرب بعض القهوة ولن نتأخر عليكم، هل اخبركم "ثور" بما سنفعل أم لا؟.

قال الرجل:
_نعم أخبرنا بكل شىء، قال ان الرحله من الممكن أن تطول وقد قمنا بشراء كل مستلزمات الطريق، الخيم والمعدات تلك مسؤوليتكم أنتم أليس كذلك.

هز "سند" رأسه موافق، نظر ل "ثور" بعدم راحه و قال:
_تمام، اتفقنا، هكذا نحن على وفاق وكل الأمور واضحه، أعذروني فأنا لا احب العمل في الظلام، أحب توضيح كل شيء قبل البدء في أي عمل.

خرج "سند" و "ثور" من الفندق،جلس الرجل مجدداً لكن تبدلت معالم وجهه تماماً و تهجم،قال رجل اخر:
_ما رأيك يا غيبر، آرى أن هذا الوغد المدعو "سند" سيتعبنا كثيرا.

تنحنح "غيبر" في مقعده, زفر وهو ينفث دخان سيجارته وقال بثقه:
_دعك منه، فأنه يبدو متغطرسا أحمق، نحن كل ما يهمنا هوه "ثور"، اول ما نصل للمغارة، سنأخذ "ثور" ونقتل "سند" هذا.

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي