11،لقاء الماضي

_مع إليزبيث وأريسو.

عادت إلى أرض الواقع على هزه أريسو لها، كانوا بالفعل خرجوا معاً من منزلها، لكنها بسبب الشرود لم تلحظ هذا.

لكنها لاحظت شئ أخر جعلها تقف متجمدة كالتمثال وهي تنظر لـ أريسو بكل غضب.

وجدت نفسها تسير معه وسط الطريق، وقفت وسألته بحدة:
_هو إحنا مشينا كل ده؟ ليه؟ هي فين عربيتك يا أستاذ؟

أرتبك أريسو وتعرق بشدة كأنه يخوض أصعب إختبار في كل حياته، قال لها وهو يخرج محرمة قديمة بالية ينظف بها جبهته العريضة:
_عربية! أنا معنديش عربية.

_نعم، ليه بقى؟ هو في بروفيسور في مركز وزضعك الإجتماعي ده وميكنش عنده عربية وعلى أحدث موديل كمان؟

_أصل يا آنسه إيزي، أصل أنا راجل شريف، مبحبش التظاهر الفارغ ولا العنطظة الكدابة وكمان أحب أعيش إقتصادي، العربية دي هتستهلك بنزين وأنتي عارفه البنزين كل يوم بيغلى إزاي؟ وكمان العوادم اللي بتخرج من مخرجات السيارات بتدمر الغلاف الجوي وبتأذي البشر والأجنة في بطون أمهاتهم،

وأنا أكبر مناصر للحفاظ على البيئة صحية آمنة للجميع، دا غير إني من----

قاطعته بيلا بصياح حاد:
_بـــس، فرمل يا مستر أريسو، مالك في إيه؟ أنت عشت الدور أوي ليه كده؟ افتكرت نفسك واقف في ندوة وسط صحابك المعقدين زيك؟ خلاص فكك من الحوار ده وأتفضل قولي هتأخدني فين انهارده؟

_أنتي حابه تروحي فين؟

_أنا!! عادي أي مكان الواحد يشم فيه هوا نضيف ويختلط بالناس شوية، ممكن السيما.

جفلت بيلا منه حين قال بأنفعال وسرعة:
_لالا، سيما إيه دوشة إيه يا آنسه؟ هي ناقصة خوته دماغ، مكنتش منتظر من دكتورة عظيمة زيك انها تكون من أنصار ومشجعي الفن الهابط، المحبط، المخزي، الشبيه بالدراجز اللي هدفها الأول تدمير الشباب والسعى لتخريب مبادئ الأمم والتحو--

قاطعته بصراخ حاد:
_بس بقى فرمل شوية، هو في يا عم أنت؟ هو أنا كل ما اتكلم في حاجه هتفتح لي موشح؟ أنت بجد فاكر نفسك تحت القبة وسط الوزرا وعمال تسمعهم في خطابات تنسيقية عن تحليلك لكل شاردة وواردة في البلد دي ولا إيه؟ فُوق، أنت مع خطيبتك يافندي أنت، بص هقولك على حاجه، فكك من السيما، أتفضل حضرتك فاجأني وقلي عايز تأخدني فين؟

أبتسم أريسو وقال لها بحماس:
_تعالي نتمشى شوية، الخوا النهارده عليل يرد الروح، خلينا نتكلم مع بعض شوية عشان نفهم بعضنا أكتر، ولا أنتي شايفة إيه.

زمت شفتيها بضيق وأشارت له أن يسير، بالفعل بدأوا في السير والتنزه بين السيارات على الطرق السريعة.

شعرت بيلا أنها ستنفجر من الإختناق والضيق، وقفت مرة واحدة وقالت له بحدة خانقة:
_عطشانة، عايزة عصير، حاجة ساقعة، حاجة مهببة، اي حاجه اشربها.

نظر أريسو حوله، لمح حديقة صغيرة، ليست حديقة بالمعنى الحرفي، لكنها بعض الحشائش والأعشاب الخضراء على رصيف دائري فاصل بين الطريقين.

أشار على الحديقة تلك وقال لـ بيلا:
_طب تعالي نروح نقعد هناك شوية.

سارت خلفه بقلة حيلة، جلسا على العشب في الأرض، لاحظت بيلا أنه يتحدث في أي أمور أخرى ولم يكترث لطلبها، أو يتهرب منه بالأحرى.

لمحت محل صغير يبيع كافيه، شاي، وأكسبريسو، أشارت على وهي تقاطع أريسو في كلامه وتقول له بأمر:
_عايزه قهوة، روح هناك هات لي قهوة او شاي.

قال بأندفاع مرة اخرى:
_لالالاء، دول شوية حرامية، نصابين، آفَقين--

تركته بيلا يسب البائعين المساكين وشردت في مخيلتها، فهمت أن خطيبها اللعين هو مجرد رجل بخيل جداً.

لم تستطع بيلا التحمل أكثر، قالت له بضيق:
_روحني.

صدم منها، سألها بتوتر:
_أروحك! عايزة تروحي؟ طب ليه؟ دا إحنا لسه خارجين مكملناش تلات ساعات.

طفح كيلها بشدة، صاحت فيه بغضب شديد قائلة:
_تلات ساعات مشي على رجلينا، وربع ساعة قاعدين على الأرض وسط العربيات ولا المتشردين، وطول الوقت حضرتك عمال تهري في أي محكي وخلاص، قلت لك تعبت ونفضت لي، قلت لك عطشانه وتجاهلتني، ودلوقتي بقولك روحني، أنا تعبت منك.

بدا التلعثم والقلق واضح عليه، وجدته ينظر حوله بتوتر، فهمت انه خاف أن تطالبه بإيقاف سيارة أجرة لها.

نظرت له بضيق وإحتقار، قالت له بكل أشمئزاز:
_خليك، كمل السهرة لوحدك، أنا ماشية، ماما هتبقى تكلمك.

تركته ولم تدع له مجال للشرح أو الإعتراض، سارت نحو الطريق وأشارت إلى سيارة أجرة عابرة، صعدت فيها ولم تنظر لـ أريسو مرة أخرى ولو حتى بإحتقار وهو لم يكلف نفسه عناء محاولة إيقافها أو حتى عرض عليها دفع ثمن السيارة الآجرة.

عادت إلى منزلها وأنفجرت في روني والدتها قائلة بكل غضب وجدية---

_مع سام ودين في الوقت الحالي.

وصلا إلى حي سبورتنج، وهو من أرقى الأحياء في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية.

أوقف دين سيارة الأيمبالا خاصته التي يعتبرها كـزوجته.

ضرب دين كتف شقيقه بمرفقه وهو يقول له بسخرية:
_إيه دا يا سامي؟ إحنا فين يا جدع؟ حاسس كده والله اعلم إننا أتنقلنا آنياً لـ هواوي ولا الشانزليزيه بتاع فرنسا، ولا دي يمكن شواطئ ميامي، إيه دا يا عم بجد؟

أنت شايف اللي انا شايفه يا عبقرينو؟ مش حاسس ان في شوية غل وصفار كده قلبك؟ حاسس كده والله اعلم أن البشر اللي عايشين هنا دول من أكبر كارتيلات المنطقة ولا يمكن بتوع التجارة في الآثار المسروقة ولا يمكن بتوع تجارة العبيد والأعضاء البشرية، تفتكر اللي هنا دول ميكس على بعضه زي الفخفخينا كده؟ ولا كل جزء ليه تخصصه عايش في منطقة لوحده؟

نظر دين إلى سام الجالس بجواره، وجده يتصفح حاسوبه النقال.

ضربه بقوة على كتفه، نظر له سام بأستياء عاقداً حاجبيه، صاح فيه دين بضيق:
_يا بني آدم يا متخلف، بتضيع أجمل لحظات حياتك مع اللعبة اللي جننتك دي طول الوقت ومش شايف حاجه غيرها، يا عم دا بقت عامله زي مراتك، إيه اللي أنت فيه ده يا عم أنت؟

ضحك سام بسخرية وقال له:
_زي الأيمبالا كده برضو، أولاً يا عم دين أنا معاك وسامعك كويس أوي، ثانياً قلت مئة مرة ماتقوليش يا سامي عشان أنا مش في سته إبتدائي، نفسي تفتح عينك مره وتشوف إني بقيت أطول وأعرض منك،

ثالثاً بقى بطل سوادك وحقدك ده ناحية العالم الغنيا، أصل حتى لو حقدت عليهم وفضلت تغل في روحك عشان هما متريشين وأنت مرمي على الرصيف، ده مش هيآثر فيهم في أي حاجه وأنت بس اللي هتطلع خسران، هيجلك الضغط والسكر والمرارة وإحتمال كبير جلطة ونزيف في المخ،

دا غير إني تريليون مرة أن مش كل الأغنيا حرامية ولا شغلهم شمال ولا بيتاجروا في الأعضاء والعيال ولا كارتيلات ومافيا ولا الأشكال دي، يا دين أنت مش عارف تشوف غير---


دين قاطعه قائلاً بثقة:
_اها فهمتك، يبقوا تجار عبيد، أيوا أنت صح يا سامي؛ فـ تجارة البشر مربحة جداً من أيام عصر القرون الوسطى.

سام حملق فيه بضيق، رفع يده شارة الإستسلام في أمر شقيقه وعقليته المتشائمة، المتأخرة، سيئة الظن دوماً.

حرك رأسه ينفضها من ترهات شقيقه وقال له وهو يشير بيده على شيئاً ما في حاسوبه:
_شايف اللي أنا شايفه دا يا دين؟! دا بيت الضحية، اللي هناك على الناصية التانية، يلا روح أنت هناك.

دين حرك رأسه إيجاباً بتفهم، وتوجه بــالإيمبالا في الإتجاه الذي أرشده إليه سام.

وصل الشقيقان إلى أحد المنازل الفاخرة جداً، خرجا من السيارة واقتربا من المنزل وهم مهندمان في بذلات غالية مسروقة بالطبع.

سام دق الجرس، لكن لم يرد أحدهم، أخرج دين من جيبه عتلة طرفها معقوف، طرفها الآخر يشبه قصافة الأظافر.

وضعها في مكان المفتاح وهو ينظر حوله كاللصوص.

سام أيضاً بدأ يراقب المكان حولهم، لكن الحي هادئ جداً كأنه مهجور، لولا سماع بعض نباح للكلاب من منازل قريبة.

وأحدهم يدير أغاني في منزله صدر صوتها من بعيد وهكذا، لكن الجو العام لا يقلق البتة.

فتح دين الباب بسهولة كبيرة، دلفا للداخل وهم ينظرون بأعين الخبراء حولهم، أغلق سام الباب خلفه.

عاد يقف بجوار شقيقه، لكنه صدم بــ دين يحدق في الأثاث الفاخر جداً، الشاشة العملاقة التي تملأ الجدار في غرفة المعيشة الرئيسية.

زم سام شفتيه بتزمت، فهو يعرف ولع شقيقه بتلك الأماكن الفاخرة مع العلم أنه رأى الكثير والكثير منها.

تركه سام يتأمل المكان ويشرد بخياله كما يحلو له.

بدأ هو عملهم الجدي الذي أتوا من أجله، لكنه توقف فجأة ينظر بذعر في الجدار أمامه، تهجم وجه سام بغضب.

نادى دين بجدية كبيرة ليست من عاداته:
_ديــن، أنت شايف اللي انا شايفه؟ بص كده.

صاح في شقيقه الذي يحملق في الشاشة الذكية بخيال لامع كأنه يرى فتاة أحلامه تقف أمامه بالبكيني على الشاطئ مثلا.

أقترب سام إليه وهو منزعج بشدة منه، دفعه بالكتف في كتفه.

عاد دين لأرض الواقع، قال له بغضب:
_إيه يا متحاف أنت؟ ليه هزتني وخرجتني من أحلى خيال عشته وبعيشه من كام سنـ---؟

توقف دين عن تهكم سام عندما وجده يشير له على الجدار أمامه.

تهجم وجه دين بغضب كبير، لمع الشر والغضب الدفين في عيناه.

أقترب بحدة من الجدار ومرر يده عليها بغضب على الجدار.

هناك صورة مجسمة ثلاثية الأبعاد لـرسمة ثقب أسود، من يراه يظنه فجوة حقيقية في الجدار، حول الرسمة هناك ما يشبه النيران

بمعنى أن الجدار عليها رسمة سوداء دائرية بقطر متران وحول أطراف البقعة السوداء يوجد رسم لنيران كأنه بئر مظلم وحوله جحيم السعير وهناك من ألتقط صورة له من الأعلى فبدا بهذا الشكل.

حملق الشقيقان في بعضهم وبدأ يتفحصان المنزل برمته بكل جدية، بل دين كان غاضباً بشدة.

كأنه يريد تحطيم وجه أي أحد، بعد الكثير من البحث الدقيق جدا، نادى دين على سام بحده.

ركض إليه سام من الطابق الثاني إلى الأول، توجه إلى حيث صوت أخيه لكنه وقف مصدوم بداخل المطبخ.

حدق سام مصدوم وهو يرى المطبخ مقلوباً رأسا على عقب.

كل الأواني المعدنية ملقاة على الأرض، الصحون الزجاجية والصينية محطمة في كل مكان وما كان أشد صدمة من كل هذا هو أثر الدماء التي لطخت كل بقعة وركن في غرفة المطبخ الواسعة جدا بمقدار شقة عادية.

رفع سام عينيه على أثر الدماء على سطح المطبخ، ثم عاد ينظر لــ"حورس".

حدق الشقيان لبعضهم في غضب عارم، لكن دين أشار لــ سام على أثر مختلف على السقف.

تتبع الأثر بعينهم وكان أثر لقدم تسير بثلاث أصابع وحوافر.

تلك القدم خربشات طلاء السقف في كل أثر لها.

تابعوا الأثر وهو على السقف هابطاً إلى الجدار ثم إلى أحد النوافذ.

أنتهت الأثار عند حافة النافذة، لكن أنتفض الشقيقان عندما لمحا أحدهم كان يراقبهما من المنزل المجاور واختفى فجأة عندما لاحظ رؤيتهم له.

أشار دين لـشقيقه أن يتبعه، ذهبا إلى المنزل المجاور.

رفع دين يده لــيطرق على الباب بعنف، لكن سام مسك يده فجأة.

حدق فيه دين بحده، لكن سام أشار له بعيناه على الحديقة خلفه.

نظر دين خلفه وجد بعض ألعاب للأطفال و دراجات بخارية صغيرة.

فهم دين أن المنزل به أطفال وعليه أن يتمالك أعصابه ويكون هادئاً كي لا يفزع الصغار.

دق الباب بخفة طبيعية، بعد لحظات فتح الباب وظهرت إمرأة، لكن دين وسام حدقا في المرأة بصدمه.

فجأة سام أخرج مسدسه الخاص وأشهره في وجه تلك المرأة وهو يقول لها بغضب شديد:
_أهلاً يا روح خالتك في المرة التانية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي