12، ورطة عصيبة

في القصر، مع ساره، ماركوس، وعائلته"

حملق بها ماركوس بغضب لوضعه في هذا الموقف المحرج امام عائلته، وهو اول لقاء بينهم اراد ان يصرخ بها لكنها

أشارت ساره على اللوحة وقالت بتوتر وإرتباك:
_آسفه يا مستري بجد، بس اللوحة دي خرافة، شفتها قبل كده في معرض لوحات وكان نفسي أشتريها، بس طبعاً دي تمنها ما يقلش---

قاطعها صوت نسائي خلاب من خلفها وهو يقول بتهكم ووقاحة:
_طبعاّ، وهي واحدة وضيعة زيك انت كده هتشتري لوحه عظيمة للعظيم دافنشي إزاي؟

اللي زيك انتِ يحمد ربه أنه قدر يشوف تحفه فنيه زي دي لكن ما يجرؤش حتى أنه يلمسها بإيده القذرة عشان ما يقللش من قيمتها الفنيه، بلا قرف ما بقاش غير الرمم كمان اللي يدخلوا قصرنا ويتفرجوا على تحفنا.

نظرت لها ساره بعدم تصديق!! كانت إمرأة لا تقل جمالاً وفخامة عن اللوحة.

إمرأة بوجه ملائكي، ذات شعر أسود لامع، ترتدي ثوب أحمر قاني، لا يستر من جسدها أكثر مما يظهر.

اوشكت ساره على الصراخ بها لكنها توقفت حين سمعت ماركوس يقول لها بكل غطرسة باردة بلغتهم الإيطالية لكي لا تفهم ساره، لكنه لا يعلم بأنها تجيد تلك اللغة جيداً:
_توقفي فرانسين، ساره زوجتي الأن، وكرامتها من كرامتي، ومن يحاول إهانتها فإنه يهنني أنا، لن اسمح بإهانتها لطالما هي زوجة لي، هل تسمعين هذا جيداً؟ هل سمع الجميع هذا؟

رمقته فرانسيين بنظرات باردة، ولم تكترث بالإجابة عليه.

أشار ماركوس إلى ساره وقال لها:
_يلا يا ساره، تعالي خلينا نطلع فوق.

نظرت ساره الى فرنسيين بشماته وإنتصار، توجهت قبل ماركو إلى الدرج الفخم بكل شموخ.

صعدت إلى الطابق الثاني ووقفت تنظر حولها بصدمة كبيرة!

جفلت من ماركو وهو يقول خلفها بكل وقار:
_هناك، في أخر الممر ده، أتفضلي أمشي، مش هتفضلي تنحي في كل حاجه تشوفيها، أنتي لسه ما شوفتيش حاجه.

نظرت له بعدم فهم، لكنها قالت له بحماس:
_بس تحفة فنية بجد وربنا، أنت عايش في الجنه ومعندكش فكرة، دا أنا على كده جايه من مصرف ولا صندوق زباله.

_كويس إنك عارفه كده كويس، أتمنى ما تنسيش نفسك ولا مقامك أبداً.

نظرت له بحدة غاضبة وقالت وهي تربع يدها على صدرها كالأطفال:
_ليه بس كده يا مستري؟ دا انت لسه نافخ الموزة اللي تحت دي عشاني وأدتها درس عجب، فخمتني بزيادة أدامك الجماعة اللي تحت دول، جاي هنا بينك وبيني تهزق كرامتي، ليه يا كبير بس؟ هو أنت شايفني إيه بالظبط؟

قال لها بكل غيظ غاضب:
_ولا حاجه، مش شايفك أصلاً، ولأخر مرة بحذرك يا بتاعه أنتي، لو ما بطلتيش كلامك المقرف شبهك ده، أنا هدفنك في جنينة القصر وأرتاح من لسانك المقرف ده، أنتي سامعه يا بت أنتي؟

بدأت تتعصب بشدة وكادت أن تنسى إتفاقها مع نفسها، بدأ صدرها يعلو ويهبط بغضب من شدة عصبيتها، أوشكت أن ترد عليه وترد له الصاع صاعين، لكنها لمحت هناك ما جعلها تصرخ بجنون.

"مع الشقيقان قبل سنوات ماضية"
منذُ ما يقارب ثلاث عشر سنة ماضية، في إحدى المدن الصحراوية في ولاية نيفادا بالقرب من مقاطعة روسيال عند الحدود الشمالية.

أوشكت الشمس على الرحيل، بدأت الغيوم تتكاثف على سماء صحراء الوادي.

‏تحت الغيوم الملبدة يركض دين وهو يطلق النيران عشوائياً على الأرض لكن لا تخرج من بندقيته

رصاصات كــ المعهود؛ بل تخرج أسهم صغيرة تخترق الرمال باندفاع كبير.

يطلق دين سهماً بعد الأخر، لكن وهو يركض صرخ في مينا بحده:
_يلا يا سامي، هيهرب مننا أبن اللعينة، يلا حدد لي مكانه بسرعة.

سام وهو يركض خلف شقيقه وفي يده أداة تشبه المكنسة الكهربائية لكنها أصغر حجما قليلا.

يمسك سام الذراع، ويمشط الأرض حتى يصدر هذا الشئ صوت ويضيء، يتحرك المؤشر في شاشته المربعة إلى إتجاه معين.

استمر الشقيقان في الركض حتى وصلا بئر"أبوزنيمة"، بئر غريب ليس كـسائر الأبار التي رآها الشقيقان قبلا، لم يكن له أي حواف، البئر يبدو أشبه بالحفرة أكثر منه بئر.

توقف الشقيقان عند طرف هذا البئر الغامض، نظرا بداخله، ترك سام الجهاز من على كتفه، وأخرج بندقيته من ظهر سرواله، جذب أجزاء بندقيته.

نظر لـ شقيقه وأؤما لــبعضهم لكي يبدأ إطلاق السهام، لكن فجأة.

قفز من تحت رمال الصحراء الحارة مخلوق "الثعلاة" وهو مخلوق يشبه رجل البحر، جسده كله قشور سمك، له وجه الضفدع لكن أحمر اللون

لديه قرن مدبب وحوافر يستخدمهم في الحفر وهو يسبح في الرمال تحت الأرض ويحطم الصخور وغيرها من المواد الصلبة التي تعترض طريقه

تحت الأرض بـ قرنه الأشبه بالحفار الصغير، مخلوق بشع مخيف، يتغذى على اللحوم الطازجة لأي كائن حي حيوان كان أو بشر.

لهذا يطارده الشقيقان بعد سماعهم بأنباء اختفاءات غريبة والعثور على أشلاء خالية من اللحوم، الجلود، الأعضاء، فقط يعثر على عظام عليها بقايا لحوم.

قفز "السعلاة" على الشقيقان، اختل توازنهم وسقط دين أولاً، بعدها سقط سام بداخل البئر.

لكن لأن سام ذو جسد طويل رياضي قوي، غير أنه ذكي جداً وسريع البديهة.

استطاع أن يمسك في طرف البئر، وبيده الأخرى أمسك بقدم دين.

‏لحظة جنونيه حدثت بسرعة خاطفة.

دين تحدث ووجهه يتدلى لأسفل:
_سامي، هو القذر دا واقف فوقك؟ قادر تشوفه.

نظر سام لأعلى، لكنه لم يرى المخلوق، قال لــ دين وهو يجاهد ليتحمل جسده وجسد شقيقه الثقيل:
_دين، حاول تمسك في حيطة البير ده، مش قادر أشيل نفسي وأشيلك أكتر من كده يا عم أنت، خف نفسك شوية وحرك جسمك ده بقى.

بالفعل دين حاول أن يمسك في جدار البئر كي يتشبث به ويتسلق صعوداً، لكن الغريب أن جدار البئر زلقة جدا

كانت أشبه بالجدار الرخاميه وليست ترابيه أو حجرية كما هو معروف عن الآبار والعيون الصحراويه.

يأس دين من المحاولات، المكان مظلم جداً ويبدو أنه لا أمل من هذا الوضع، سمع ساميقول له:
_يلا يا دين بسرعة، المخلوق هيظهر في اي وقت من دلوقتي انجز نفسك شويه.

أبتسم دين بمرارة وقال بهمس:
_اقول لك على حاجه يا سامي، قلبي كان حاسس ان نهايتي هتكون زي كده والله قلبي كان حاسس.

سأله سام بصراخ:
_يخرب بيت سنينك، إيه اللي انت بتهببه وتقوله دلوقتي ده انت؟ في ايه يا عم دين؟ مالك؟ لازمته ايه الكلام ده دلوقتي؟

قال دين له بيأس:
_اسمع يا سامي، سيبني وروح انت، سيب رجلي انا مش شايف طريقه تانيه علشان نخلص بيها من الورطه دي اسمعي كلامي وسيبني اسمع كلام اخوك الكبير يا ولد.

حاول سام أن ينظر لأسفل وهو يحملق بجنون، صرخ بهستريا:
_انت بتقول إيه؟ انت اتجننت يا راجل انت ولا إيه؟ انا مش هسيبك أبداً ولو حتى ايدي اتقطعت انت فاهم، شكلك أتجننت ولا إيه؟ اوعى تقول الكلام ده تاني.

قال دين وهو يحاول تقمص السخرية ليخفف حدة وطأة الموقف:
_اخلص يا سام مش وقت الكلام ده، اسمع كلام اخوك الكبير انت عارف ان انا ما بحبش الدنيا زي ما انت ما بتحبها انا مجرد راجل سكران بعشق البنات الهواكر لكن انت راجل ذكي من يومك تقدر تخلق النور في عز الضلمه اسمع كلامي وارجع لمدرستك كمل تعليمك وحقق اللي انت ما عرفتش تحققه بسببي انا اسمع كلامي وسيبني.

لكن سام صاح فيه صارخاً:
_اخرس شويه يا دين، انا عمال احاول اخرجنا من هنا وانت قاعد تخرف بالكلام؟ بدل ما انت عمال تتكلم الكلام الاهبل ده حاول معايا خلينا نطلع من هنا انا وانت.

حاول سام بكل ما أوتي من قوة أن يرفع جسده ويرفع شقيقه معه، لكن يداه بدأت تتخدر من ثقل دين وثقل جسده

شعور بـ قواه تخور وأنه سيسقط هو وشقيقه، لكن دين قال فجأة:
_بس يا سامي شويه، بطل تتحرك بالشكل ده ايدك هتتقطع اطرافك ولا شرايينك انا عارف انتوا بتقولوا عليها ايه؟ سيبني يا سامي واسمع الكلام سيبني قبل ما اضربك بالرجل في وشك، اسمع كلامي.

لكنهم فجأة بدأوا يسمعون صوت آت إليهم بأندفاع كبير، يقترب الصوت بجنون، كأن سيارة رباعية الدفع تأتي بسرعة الريح و تصطدم بهم

مخلوق "السعلاة" يسبح في الرمال و يستهدفهم وهو معلقان هكذا كالصيدة السهلة جدا، بدأ قلب الشقيقان ينبض برعب شديد.

أرادا أن يقولا ألاف الكلمات لبعضهم، لكن حان وقت الفراق والمحزن أنه فراق الشقيقان معا.

تابع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي