10،سخرية القدر

_مع الشقيقان في الوقت الحالي.

وصلا إلى نيفادا دخلا فندق رخيص "كعادتهم".

وقف سام يشذب ذقنه في الحمام قبل التوجه مع شقيقه للصياد الأخر بعدما أتفقا مع أحد الصيادين ان يقابلهم كي يتتبعوا أثر تلك المنطقة الملعونة.

جلس دين أمام التلفاز "كعادته" يتابع أحد المسلسلات المملة.

خرج سام فجأة وهو يحدق في الفضاء، رفع دين طرف عيناه ينظر له ليعلق تعليق ساخراً عليه؛ كما يفعل دوما معه بعدما يتسبح أو يشذب ذقنه.

لكنه وجد شقيقه في عالم أخر، اعتدل في جلسته وسأله بفضول:
_ها يا عبقرينو، مالك؟ متنح ليه كده كأنك شفت البيج فوت في الحمام؟

ابتسم سام بمرارة وهو يجلس خلف شقيقه على فراشه الخاص، قال بشرود:
_عارف يا دين انا شفت ايه في الحمام

اعتدل دين بحماس في جلسته وقال لشقيقه بأهتمام بالغ وحماس:
_شفت إيه يا جدع؟ شبح؟ طيف؟ واحد من الجان المردة، أوعى تقولي إنك شفت "البوجي مان" تاني لأحسن أقسم إني هرزعك على قفاك اللي أطول من الليلة السودا دا، أنطق يا ولد، شفت إيه المرة دي يا ترى؟

رمقه سام بغل، وببرود وهو ينظر على جسده لأنه جسده رياضيا مثيراً، بعيدا كل البعد عن السمنة أو النحافه.

زم شفتيه من سخرية دين عليه دائماً،
قال له بتزمت وهو يشير إلى شعره الحرير الطويل نسبيا:
_لا يا مغفل، انا ما شفتش حاجه زي دي وبعدين أنا سبت الخيالات الوهمية من ستة ابتدائي،

الدور والباقي على اللي لسه بيحلم بعروسة البحر بتناديله من البانيو، وبعدين أنا بتكلم جد، ما تعرفش تبقى جد لساعة واحدة بعيد عن الصيد؟ وبعدين، أنا عارف إنك هتحس بالإحباط لأنك بتعشق اشباح الفنادق.

صفر دين بإعجاب وأبتسم بسخافة وهو يقول باشتياق:
_على رأيك يا مغفل، واااو، فاكر شبح "روبي" في فندق "الزهور الأربعة" البت دي الشقرا اللي كانت شبه الموز بالفروالة اللي جوز امها حدفها زرع بصل من بلكونه بيتهم قبل ما يحولوه لـفندق وضيع،

أفتكر لما أتجسدت لي في هيية هاوس كيبنج وحاولت تتحمرش بيا، كنت هموت وآه، كنت هولعها يا صاحبي، أنت عارف اخوك جن إزاي وبخربها مع المزز، دا انا كنت لسه بقلع--

قاطعه سام وهو ينتفض واقفاً ويحرك أصابعه علامة "أطبق فمك لا تكمل ما تقوله"

قال له سام بسخط:
_بس فرمل شوية يا دنجوان، مش عايز تفاصيلك دي نهائي، أنا فاكر الحادثة دي كويس أوي، وفاكر أنك فضلت ترجع يومين كاملين لما عرفت أنها شبح ميت من سبعين سنه وأنا اللي شلت قرفك، فـ من فضلك يا دين بلاها تفكرني بيها بدال ما ارجع أنا دلوقتي.

نظر له دين وهو يبستم ببرود قال بتهكم:
_آه، متشكر أنك فكرتني تاني يا مغفل، دلوقتي عايز أرجع لآخر عمري، أوف عليك، ما شفتش أخ في تناحتك، نفسي ألقى حد يبدل معاك، بس إيه، أبدلك بمزه فرنساوي كده من اللي عودهم ملفوف وعيونهم--

قاطعه سام وجلس وهو يقول له بجدية:
_يا عمي اسكت شوية بقى وخلينا نتكلم بجد زي باقي الناس، وبعدين هو أنت تفتح الحوار وترجع تزعل أما أقولك تفاصيله؟ أقولك على حاجه، مش قايل لك حاجه، أسكت بقى.

وقف دين أمامه متخذاً وضعية الهجوم خاصته المعتادة واضعا يداه على صدره بتحدي ويفعل هذا عندما يتوقف سام عن قول ما يريده له بسبب سخافته وتنمره عليه.

زم سام شفتيه بضيق، أردف قائلاً بأحباط:
_خلاص والله، فكك من الحوار كله، كنت عايز بس أقولك أني وأنا بحلق شفت كام شعره بيضه في شعري، وأفتكرت فجأة ان النهارده يوافق عيد ميلادي السته وتلاتين.

رفع دين حاجباه بشدة لدرجة أنهم وصلوا لــخصلات شعره الأماميه.

رمقه سام بنظرات باردة لردة فعله المبالغة فيها، قال له وهو يبحث بيده على صدره، في جيب سرواله كأنه يريد تقديم شيئاً له مما يرتديه

قال له بمزاح سخيف "كعادته" أيضاً:
_يالهوي ياني، إزاي أنسى عيد ميلاد أخويا الصغنن؟ أنا فعلاً مغفل ونساي، عندك حق تزعل.

وجد قلادة بها سن قرش، كاد أن ينزعها، لكنه تراجع وهو يقول:
_لاء، دي هديتك أنت ليا في عيد ميلادي الـخامستاشر، أصبر كده هبص لك على حاجه تانيه.

توجه لــحقيبة ثيابه، بحث فيها بعمق، رفع سام حاجبيه بتساؤل عن ما يبحث دين في حقيبته الممتلئة ثياب رائحتها قذرة وبعض زجاجات الشراب المقززة.

لكن فجأة، ضحك ديم بأنتصار كأنه كان يبحث في حقيبة سيارة وليس حقيبته الصغيرة.

أستدار إلى سام وهو يرفع في وجهه سرواله الداخلي المتسخ

وهو مقلوب على وجهه الداخلي، لكن دين قال بفخر شديد:
_أهو هنا، عامل زي العيل المتعب دايما يختفي مني،بس على مين، دا أنا دين والأجر على الله، لقيتك يا ملعون، خد يا سامي، أقفش،كل سنه وانت طيب يا مغفل.

قذفه وهو يقف مكانه على وجه سام.

صاح سام المسكين وهو يلقي به بعيداً ويمسح وجهه ولسانه الذي لمسه بالخطأ.

كاد أن يجن وهو يمسح وجهه كأن قارض سار على وجهه طوال الليل.

صاح سام غاضباً من شقيقه الذي وقف يضحك عليه بتهكم ساخر.

خرج سام من غرفتهم وهو يلعن حظه اللعين الذي ورطه مع شقيق كــ دين المتنمر، المشاغب، الساخط، وكل الطباع السيئة أحتلت شقيقه فقط.

_مع إليزبيث.
تم خطبتها بـاريسو، أنتظرت بيلا أن يتصل بها أريسو، لكنه لم يتصل بها ولو مرة، ذات يوم دخلت والدتها عليها وهي تقول لها بتهكم:
_انتي يا ست أبوها، جهزي نفسك عشان خطيبك جاي يخرجك انهارده.

وقفت بيلا وهي في حالة صدمة شديدة!!
وفجأة فجرت صافرة حماس لا تناسب طبيبة مثلها، صدمت روني منها كثيراً!!

قالت بيلا بكل غضب وهي تضع يدها على خصرها وتتراقص بخصرها لـوالدتها وهي تقول:
_واللهِ، حمدلله بالسلامة، هو البيه لسه فاكر أنه خاطب جاموسة سايبها ومابيسألش فيها ولا بأتصال، طب لما يجيني عريس الغفلة اللي المحروس إبنك جايبهولي، أصبروا عليا بس.

سارت روني نحوها بغضب وهي تقول لها بكل حده:
_أسمعي يا مصيبة أنتي، أنتي ياختي لسه فاكرة نفسك بنت 18 سنه ولسه هتتدلعي على العرسان؟ لاء يا قلب أمك، أنتي داخله على التلاتين، وكلنا قرفنا منك يا برنسيسة، الراجل ده لو طفش يا بيلا أنا اللي هخنقك وأنتي نايمه وأرتاح منك، سامعه يابت؟

روني وهي تصيح فيها، انفعلت بحدة؛ فقامت بدفع بيلا على فراشها ومالت على جسدها وهي تجذب شعرهت بيدها.

بيلا خافت من نظرات والدتها المرعبة المحدقة على وسعهم ومن تهديدها الصريح المباشر.

قالت لها وهي تمسك يد والدتها وتجذبها من بين خصلات شعرها الذهبي:
_مالك يا مامي؟ أنتي زعلك وحش ليه كده؟ انا بتدلع عليكي يا قلبي أنا، هو انتي عندك برنسيسة غيري؟ مش من حقي اتدلع على أمي وخبيطي-- قصدي خطيبي، مالك يا رور؟ ما تروقي كده أومال.

رمقتها روني بنظرات باردة وهي تنهض عنها، سارت نحو ثيابها المبعثرة كالعادة وهي تقول لها:
_خلصي ياختي وبطلي حركاتك دي، الشويتين دول تعمليهم على أخواتك وأنتي بتدلعي عليهم، لكن أنا لأ، أنتي عارفه، بالجزمة على خلقتك، يالا، في ثواني تكوني جاهزة، أنتي سامعة؟

قالتها بصراخ، هزت بيلا رأسها بسرعة كبيرة لأعلى وأسفل شارة"نعم فهمت وبكل وضوح".

بعد ساعة تقريباً، وصل أريسو، حملقت فيه بيلا بعدم تصديق، وجدته يرتدي معطفاً طويلاً رثاً بالياً، وسروال قماش قديم قدم الزمن.

شعرت بيلا أنها ستنفجر به، لكنها تذكرت كلام روني لها حين قالت لها بعد خطبتها منه:
_يابنتي يا حبيبتي الراجل عمره ما كان بلبسه ولا شكله، الراجل الصح هو اللي يقدر يفتح بيت ويستت مراته، يعاملها برحمة ومودة، يسهر على تعبها، يساعدها في شغل البيت وقت ما تحمل منه، يراعيها ويخاف على زعلها، يطبطب عليكي وقت عياطك وخنقتك،

يحفزك وقت ما الدنيا تيجي عليكي ويحمسك تعاندي في الدنيا وتخبطي فيها زي ما بتخبط فيكي، يكون سندك، ضهر، اهلك، صحابك، عيالك، وأغلى حد عندك في الدنيا كلها، الراجل هو اللي يحسس مراته أنها ملكة في بيتها، يخلي الضحكة دايماً منورة في وشها،

ودموعها ما تنزلش غير للفرح، الراجل كل ده وأكتر، أوعى يا بنتي تبصي لشكل الراجل ولا لبسه، بصي دايماً لقلبه وتعامله مع الناس مش معاكي أنتي، فكري وأعقلي الكلام يا بنتي.

عادت إلى أرض الواقع على هزه أريسو لها، كانوا بالفعل خرجوا معاً من منزلها، لكنها بسبب الشرود لم تلحظ هذا.

لكنها لاحظت شئ أخر جعلها تقف متجمدة كالتمثال وهي تنظر لـ أريسو بكل غضب.

_مع ساره وعائلة ماركو.

ساره لمحت بعض الاشخاص يجلسون بكل وقار على فوتيه غالي، نظرت عليهم بتوجس لكنها توقفت عندما لمحت احدهم.

كتمت شهقة فزع، جعلت الجميع يقف مصدوم ونظر لها ماركو بعدم تصديق.

عادت بذاكراتها لخمس سنوات ماضية، عندما ذهبت مع رفقاءها إلى مهرجان اليتيم Orphan Festival.

وهناك من المعروف أنه يقام في الخيم بعض العروض لجمع التبرعات من الوافدين من خلال بعض الالعاب المسلية.

كانت هناك خيمة الرعب، خيمة المرآة العجيبة، خيمة التقبيل، وبعض الخيم الأخرى.

رفضت ساره أن تشارك مع صديقاتها الدخول إلى خيم الرعب والتقبيل، فضلت أن تزاول نفسها في حجرة المرآة العجيبة.

تركت صديقاتها في خيمة التقبيل وهي تنظر لهم ببرود وتنظر لصف الشباب الذي تعدى مئتان وأكثر، والغريب حينا والذي أثار إشمئزاز ساره كثيراً هو ان بين صف الشباب المنتظرين حصولهم على قبلة مقابل عشرة سنت، كانت هناك فتيات تقف بينهم، فهمت أنهم من الريمبو!!

أشمئزت وشعرت بالغثيان، دخلت إلى حجرة المرآة العجيبة ليس لتتسلى أو تزاول نفسها كما قالت لصديقاتها؛ بل لتهرب من هذا الجنون في الخارج.

لمحت طفلتان مراهقتان يخرجان وهم يضحكان بأستمتاع، تعجبت منهم ساره!!

سألت نفسها في سرها:
_بيضحكوا على إيه الأتنين الهبل دول؟ هما بيوزعوا طوفي زغزغه جوه وأنا معرفش؟ ما علينا، مراهقات صحيح.

دلفت للداخل وبدأت تسير في الممرات المختلفة بين المرايات مختلفة الأحجام والأشكال.

وجدت نفسها تتحول في كل مرآة على حدى، رآت نفسها عجوز في واحدة، صلعاء في أخرى، تملك أنف بنوكيو في أخرى.

لكن فجأة في إحدى المريات، رآت نفسها رجل، كانت تتحرك بينهم ولا تقف لتتأمل نفسها، لكنها بعدما رآت هذا.

عادت للخلف مرة أخرى، نظرت لهذا الإنعكاس الغامض، لم يكن يشبهها مطلقاً؛ بل كان اطول، أعرض، وأشبه بالرجال حقيقة.

رفعت ساره يدها اليسرى، رفع الإنعكاس كذلك، جربت اليمنى، فعل الإنعكاس المثل.

بدأت تتحرك حركات بهلوانية ساخرة والإنعكاس يقلدها وفجأة صرخ في وجهها جعلها تصرخ وتقفز من الرعب مكانها.

ضحك الشاب الوسيم وخرج من مكانه وهو يمد يده يمسك خاصرها ويستعد لتقبيلها كنوع من المرح والمزاح.

لكن ساره بكل قوتها ضربته بجبهتها على آنفه، وبقدمها أسفل الحزام، دفعته للخلف سقط على مرآة ضخمة فاقداً وعيه.

خرجت بعدها تركض بجنون وهي تظن نفسها قتلت الشاب بعدما رآت الدماء تسيل من رأسه وملأت الأرض حوله وحطام المرآة أيضاً.

عاشت بذنبه لسنوات ولم تقوى على تقديم نفسها للعدالة يوماً.

عودة إلى الحاضر.
سألها ماركو بغضب وصياح:
_أنتي أتجننتي ولا إيه؟ مالك بتصرخي ليه كده؟

نظرت للشاب المعني وسط عائلته، لكنه غمز لها وعلى ثغره شبح إبتسامة ساخرة كأنه يقول لها بتحدي "نعم انه أنا يا حمقاء، لازلت حي أرزق، لكنني لم انساك يوماً وها أنتِ أتيتِ إلي بنفسك".

شعرت أن نظراته تقول لها هذا حرفياً، لكنها خافت أن تقول الحقيقة أمام الجميع خاصة أنهم عائلته ومن المؤكد أن أحد لن يغفر لها فعلتها.

فكرت في كذبه سريعة تبرر بها صياحها وانفعالها في ردة فعلها الغير متوقعة.

لمحت لوحة ضخمة خلف الجميع لـ خيل عربي أصيل يعدو في المروج وهالة من النيران الخفيفة تحيط به دلالة على سرعته القصوى.

أشارت ساره على اللوحة وقالت بتوتر وإرتباك:
_آسفه يا مستري بجد، بس اللوحة دي خرافة، شفتها قبل كده في معرض لوحات وكان نفسي أشتريها، بس طبعاً دي تمنها ما يقلش---

قاطعها صوت نسائي خلاب من خلفها وهو يقول بتهكم ووقاحة--

تابع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي