21، رعب لايتوقف

"مع إيزابيلا وفيتالي"

صرخت بيلا وهي تبكي مرتعبة:
_ساعدني فيتال، إيه القرف ده؟

وجدوا ديدان زرقاء قاتمة تسير على جسدها ووجهها، ظلت تنتفض مكانها وفيتال يساعدها على إزاحه تلك الحشرات عن جسدها ووجها.

أخذها وهو يقول للشرطي بعدما هدأت بيلا نوعاً ما:
_أنا هأخد أختي للحمام تغسل وشها.

أجابه الضابط بعطف:
_ماشي براحتكم بس المهم أنكم ما تمشوش، لازم نتكلم شويه.

وافق فيتالي وساند شقيقته إلى المرحاض، وقفت على حوض الغسيل تغسل وجهها، لكن فجأة صرخت بيلا وفيتالي معاً.

رأت بيلا وفيتالي نفس الكيان المرعب المرعب الذي رآته بيلا في المطبخ، كيان بوجه متحلل أزرق، فجوات فارغة مكان العيون، وجه وجسد منتفخان.

رآوا الديدان المقززة تخرج من كل فجوة في هذا الجسد، من أنفه وفجوات عيناه وفمه وأماكن أخرى على جسده.

دخلت عناصر الشرطة على صرخات الأشقاء، صدم الجميع من هذا المشهد بشده، منهم من بدأ يتقيأ مكانه ومنهم من تقزز بشدة.

صرخت بيلا في الشرطة وفي شقيقها بأعلى صوتها قائلة بغضب مرتعب:
_إيه دا؟ حد فيكم يفهمنيدا يطلع إيه؟ حد ينطق بقـــى.

الضابط قال لـ فيتالي بشفقة وهو يرى إنهيار بيلا:
_من الأفضل أنكم تمشوا دلوقتي، رَوُح الآنسه وأرجع أنت عشان تتابع معانا من فضلك.

بالفعل، فيتالي أخذ بيلا في السيارة يعيدها لمنزل روني والدتهم، لم يحاول التحدث إليها بسبب بكاؤها وإنهيارها المتواصل.

تركها فيتال تخرج صدمتها في البكاء أفضل من تتعرض للآذي بسبب فجعتها لما رآت.

وصلوا إلى منزلها، اساعدها فيتال على إدخالها لغرفتها، قال لها وهو يمسح لها وجهها بشفقه:
_حبيبتي خليكي هنا، أنا لازم أرجع وأعرف إزاي دا حصل وأريسو مات كده إزاي؟

مسكت يده وهو تبكي بإحتراق وتقول له:
_هو دا كان أريسو صح يا فيتال؟ طيب إزاي حصل له كده؟ دا كان متحلل؟ بس إزاي وهو كان لسه معايا من يومين ولا تلاته؟! المنظر اللي شفته دا عايز أاقل ما فيها أسبوعين عشان يوصل لدرجة التحلل دي، إزاي دا حصل بس؟

ربت على كتفتها وقال بحدة:
_ما دا اللي هروح واحاول أعرفه، ولو كان بفعل فاعل، أنا هنتقم من اللي حرمك من خطيبك يا بيلا، حاولي تهدي أنتي بس وأنا هتصل على روني أخليها تيجي، واللهِ يا بيل أنا مش فاهم المصايب ملها نازله ترف علينا زي المطر ليه كده؟ يلا،الله يرحمك يا أريسو.

قبلها فيتالي من رأسها وتركها وخرج، دخلت بيلا غرفتها وهي منهارة من البكاء بحرقة.

لكن وسط بكاؤها على أريسو وهذا المشهد البشع الذي رآته عليه، سمعت صوت طفل ينادينها بدلال:
_إيزابيــلا، بيلا، بيـــل.

أنتفضت بيلا مذعورة وهي تقول فجأة:
_مانديلا، أنتي هنا.

قالتها بتلقائية لأن إبنة شقيقها مارتين هي الطفلة الوحيدة التي تعرفها.

ظنت بيلا أن روني عادت ومعها بنات مارتين، وقفت ودارت حول نفسها، لم ترى أي احد حولها، خرجت تبحث عنهم في الشقة، لكنها لم تجد إيا منهم.

عادت لغرفتها وألقت بنفسها على الفراش بتعب، لكنها جفلت فجأة، رأت على مقعدها الهزاز دميتها سونا.

انتفضت واقفة وركضت إليها، مسكتها وصاحت بها بحرقة باكيه كأنها شخص حقيقي أمامها:
_كنتي فين يا هانم؟ روحتي فين وأختفيتي فجأة؟ شفتي يا سونا، أريسو مات، سابني ومات، اللي جابك سابنا وراح يا سونا، أنتي هديته الوحيدة ليا، الذكرى الوحيدة اللي هفتكره بيها، آه يا قلبي آه، اعمل إيه يا سونا؟ قلبي مولع نار من حرقته.

بيلا لم تكن تحب أريسو بالمعنى الحرفي، لكن ما رآته عليه جعل قلبها يشعر بإحتراق غريب على طريقة وفاته الغامضة، ما بداخل قلبها لـ أريسو محض شفقة وعطف وليس بعشق حقيقي.

أخذت الدمية في حضنها وجلست على المقعد الهزاز وهي تبكي، لكنها نامت من الإرهاق وهي على نفس وضعها هذا، لكنها رآت حلم غريب غامض.

رآت ما حدث في الساعات الماضية، رآت نفسها تقف في في ردهة المطبخ وهي تنظر لـ أريسو وهو يسير خائف نحو المطبخ.

رآت الرعب في عيناه وهو ينظر للأمام، نظرت بيلا في نفس المكان الذي ينظر إليه أريسو وهو مرتعب، لكنها رآت شئ، رآت أشياء لم ترآها في الحقيقة.

رآت بعض الكيانات القصيرة تقف في أرضية المطبخ، لم تفهم ما هذه الكائنات، تبدو صغيرة كالأطفال لكن الشعر يكسو جسدهم ولا يظهر منهم أي شئ سوى أعينهم البيضاء كلياً.

رآت أريسو يرفع رأسه للسقف وفعلت مثله، كانت الصدمة الأكبر، رأت نفس المخلوقات تزحف على الجدران والسقف فوق رؤوسهم وتنظر إليهم.

صرخ أريسو وركض نحو المرحاض، صرخت بيلا بدورها وركضت خلفه، لكن أريسو صدم بكائن ضخم جداً له وجه الثعالب لكنه أزرق قاتم مرعب، عيناه حمراء مفزعة.

سقط أريسو على ظهره في أرضيه المرحاض، أنحنى هذا الكائن على أريسو وفتح له فمه بالقوة وأدخل يده الضخمة المشعره بأكملها إلى فم أريسو.

كتمت بيلا صرختها كي لا يرآها هذا الكائن المخيف كما تظن هي بأنه لا يرآها، لكنها لمحت شئ غريب، رأت بعض خصلات الشعر الذهبي ملقاه بجوار أريسو أرضاً.

وهنا فتحت عيناها وأستيقظت من الحلم وهي تقول بغضب:
_شعر حريمي، آه يا خاين، بقى هو كده، بتخني يا أريسو الكلب؟ وهي بقى اللي خلصت عليك، عشان كده شفتها أنا زي المسخ المرعب، تساهل يا كلب، واللهِ لو كنت عايش لكنت خنقتك بإيدي، بس هنتقم منك إزاي بعد ما مت وغورت في داهية؟ ماشي يا أريسو الكلب ماشي.

لاحظت بيلا أنها تنظر لسقف الغرفة، تعجبت من نفسها وتساءلت هل سقطت وهي جالسة؟

اعتدلت لتجلس، لكنها وجدت الغرفة تغرق في ظلام إلا من ضوء خفيف يدخل من النافذة، سندت على الأرض لتنهض وهي تنظر للإتجاه الأخر، لكنها فزعت عندما رآت بجوارها--

"مع ساره وماركوس"

لم تلاحظ أنها أبتعدت عن موقف الحافلات ودخلت إلى زقاق من أزقة المواخير الرخيصة.

تلك المنطقة معروفة بأنها حي المرتزقة وهذا بسبب بعض الحانات الوضيعة التي يرتادها اسوء الأشخاص مثل القواد وتجار الممنوعات والمهربين.

انتبهت لهذا عندما غازلها بعض الشباب السكارى بوقاحة، نظرت لهم بخوف، حاولت أن تتراجع وتعود للخلف، لكنها فجأة --

صدمت ساره ببضعة رجال ضخام القامة خلفها، يبدون من سائقي الشاحنات او الموتورات الفارهه يبدون مخيفين جداً وتفوح منهم رائحه الشراب القذره.

جفلت ساره منهم بشده، نظرت خلفها وجدت الرجال وقفوا ويقتربون منها، قال أحدهم لها بمغازله وقحه:
_هو القمر نزل على الارض أمتى؟ وماشي في زقاقنا إحنا ليه يا رجاله؟

قال آخر بسخريه وقحه:
_مش مهم القمر جه منين وإزاي؟ المهم هيبات في حضني الليله.

قال اخر:
_تعالى ياوز أدلعك ونهز.

قال اخر واخر واخر والمسكينة تدور حول نفسها والرعب يمتلكها بصدمه.

لم تتعرض يوماً لـ مثل هذا الموقف، أنها حقاً لا تعرف كيف تتصرف في هذه المواقف؟

دفعت الرجال أمامها في صدرهم كي تتحرك بعدما أضاقوا الخناق عليها، شعرت أنها تريد أن تبكي، تصرخ، تستغيث بأي كائن حي عابر.

لكنها تعرف جيداً أنها المخطئة في هذا الأمر، وما كان عليهاأن تسير في هذا الطريق، وتعرف بأن هذا المكان لا يدخله رجل صالح.

بمعنى أن إيا كان من سيسمع إستغاثتها سوف يأتي إليها لكن ليس لمساعدتها؛ بل لمشاركتهم إغتصابها.

عادت تتدفعهم بيأس وهم كادوا يلتصقون بها، لكن فجأة، حدث مالم يتوقعه أحد.

فجأة بدأ الرجال جميعاً يتدافعون للخلف ويسقط ن على ظهورهم.

لم تعي ساره ما حدث معها، وجدت نفسها فجأة بين أحضان ماركوس، لم ترى من أين جاء؟ ومتى؟ ولماذا؟

لم تتعب رأسها الصغير بهذه الاسئلة، المهم عندها أنه هنا ويحضتنها بكل قوته؛ بل إنه يضرب وحده رجال اشداء اقوياء.

دفعها ماركو نحو الجدار خلفه وعاد يضرب الرجال، لكن، من يسقط منهم لا ينهض مرة أخرى، صدمت ساره منه كثيراً، لكن إعجابها بشجاعته وقوته فاقت صدمتها.

ركض بعض الرجال خوفاً منه، لكن أحدهم صاح بهم وهو يقبل على ماركو وفي يده زجاجه شراب وهو يقول بلغة السكارى:
_أثبت ياض منك ليه، مين دا اللي انتوا بتجروا منه زي الخرفان كده؟ مين دا اللي أمه دعت عليه يوم ما شافت خلقته وجاي يعمل علينا دكر ويأخد الحته الطريه مننا؟ أنت مين يا روح خالتك؟ ولا اقولك، مش مهم نتعارف، كده ولا كده أنت ميت ميت يا خيري.

ضحك الرجال حتى الساقطون أرضاً على كلام هذا الأخير المعروف بأرسطو العملاق الذي لا يقهره أحد، بطل من أبطال فايت كلوب الذي يقام كل سبت في أحد الحانات المجاورة.

لهذا تشجع الرجال ووقفوا مجدداً وهم على ثقة ويقين بأن هذا الأخير ميت لا محاله.

أرتعبت ساره وهي ترى هذا العملاق قادم بثقة وثبات وغرور نحو ماركوس وفي إحدى يداه زجاجة شراب واليد الأخرى خنجر مدبب ضخم أخرجه من سرواله.

نظرت ساره لزوجها برعب شديد، لكنها صدمت؛ بل فزعت من نظرة السخرية على وجه زوجها، لم تفهمه في تلك اللحظة، لم تعرف من أين له كل تلك الثقة؟ لكنها كانت خائفة؛ بل تموت رعباً في جلدها عليه.

أقترب الضخم أكثر من ماركوس وهو يرفع الخنجر في يد ويتجرع الشراب بثقة وجرأة في اليد الأخرى.

وصل لماركوس ورفع الخنجر يمزق حنجرة هذا الأخير، لكن فجأة.

"في الوقت الحاضر مع سام، ألكسندرا، ودين"

دق الباب بخفة طبيعية، بعد لحظات فتح الباب وظهرت إمرأة، لكن دين وسام حدقا في المرأة بصدمه.

فجأة سام أخرج مسدسه الخاص وأشهره في وجه تلك المرأة وهو يقول لها بغضب شديد:
_أهلاً يا روح خالتك في المرة التانية.

حدقت فيه "ألكسندرا " بعينان متسعتان على آخرهم، لكنها رمشت بجفونها عدة مرات لتعود لأرض الواقع كأنها تذكرت كل ما سبق منذ عدة سنوات ماضية.

مدت يدها على السلاح أبعدته وهي تنظر خلفها بتوتر، خرجت وأغلقت الباب خلفها وهي تقول له بحدة:
_أنت أتجننت يا سام؟ أبعد السلاح دا عني،اولادي جوا، في إيه؟

تبادل الشقيقان نظرات الصدمة، لكن "دين" هز رأسه إيجاباً لـسام كي يبعد سلاحه، أعاده سام إلى غمده في ظهر سرواله مجبر.

قالت "ألكسندرا " بتوتر:
_أنتوا هنا ليه؟ أوعوا تقولوا أنكم هنا عشان عائلة سيتفاني.

ضاق صدرها وهي تتحدث كأنها عانت مثل تلك العائلة، سألها "دين" بحدة:
_تعرفي إيه عن العيلة دي؟ وإزاي ماتوا بالشكل ده؟ أنطقي.

قالت لهم بضيق:
_عارفه أنتم هنا ليه، بس لو طلبت منكم تنسوا قصة القضية دي، هتمشوا وتسيبوها؟

رد سام بصدمة:
_نعـم، بقولك إيه يا ألكسندرا، أنتي تقولي لي كل حاجه تعرفيها وبس، أنتي سامعه؟ وما تفكريش تتدخلي في شغلنا تاني، دي مش قصتك أنتي، أظن كلامي واضح؟

نظرت له غاضبة وهي تنظر للخلف بقلق، نظر "دين" إلى سام بتعجب! سألها "دين" بفضول:
_إيه حوارك يا خطافة الرجاله؟ خايفة جوزك يشوفك واقفة مع عشقيك السابق ولا إيه؟

نظر له سام بحدة وغضب، أبتسم "دين" بسخرية، أوشكت "ألكسندرا " أن تجيبه، لكن فجأة فتح الباب وخرج منه ثلاث أطفال، ولدان وبنت.

نظر لهم الشقيقان بتعجب! فــ الثلاثة في نفس العمر تقريباً و متشابهان بشدة كأنهم توائم، لكن ما أصاب الشقيقان بالصدمة هو جمال هؤلاء الصغار.

شعرهم حرير أشقر غامق، أعينهم رمادية خلابة، لديهم جمال ملائكي، على عكس والدتهم ذو الشكل العادي جدا.

حملقت "ألكسندرا " في وجه "دين" وسام فهمت من نظرات الصدمة على وجوههم أنهم رأوا أطفالها.

بلعت ريقها بصعوبة وألتفتت إلى أطفالها وهي تبتسم مجبرة، أقترب الأطفال كثيرا وقال طفل منهم:
_مام، هو مين الناس الغريبة دي؟ وواقفين كده ليه على الباب؟

اضطربت "ألكسندرا " كثيرا، قلت لأطفالها بارتباك:
_يا أولاد دول يبقوا "دين" و"سام "، أصحاب ماما القدام، القدام اوي.

تابع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي