17، تجاهل

"مع ساره وماركوس في القصر"
فتحت باب المرحاض بحذر، نظرت إلى الخارج لترى ماركوس غادر ام ينتظرها ليأنبها او بالأحرى يقوم بسجنها وجلدها في قبو قصره هذا.

لكنها لم تجده بالخارج، زفرت بأرتياح ونزعت قميصها لتنام، مرت بضعة أيام عليها وهي مع ماركوس.

لكنه تجاهلها كلياً، كانا يتناولا الطعام مع العائلة، يركبا سيارة واحدة إلى العمل، لكنه لم ينظر لها حتى، وهي لم تحاول إثارة إهتمامه او إنتباهه.

لم يكترث ماركوس لاسلوبها البسيط في إرتداء الثياب، الأسلوب الذي لا يتناسب مع سكرتيرة خاصة لرجل أعمال عالمي مثل ماركوس تورينتو.

تركها ترتدي ما يحلو لها، كان في اوج غضبه لتأخر الكابوني في رحلته وعدم وصوله في الميعاد المتفق عليه.

ذات ليلة، قررت ساره أن تخرج من جو القصر الكئيب وتزور صديقتها المقربة.

وجدت نفسها مضطرة أن تطلب الأذن من ماركوس مجبرة.

طرقت الباب على مضض، لم يرد عليها، لكنها لم تنتظر رد منه، لم تكترث كثيراً لهذا، فتحت الباب ودخلت له.

وقفت متجمدة عندما وجدته ينظر لها بغضب منتظراً تبريراً منها على إقتحامها هذا.

رمقته بنظرات باردة وهي تقول له:
_ما تبرقليش كده لو سمحت، أنا خبطت الباب وانت اللي ما ردتش عليا.

_يبقى ما تدخليش غير لما آذن لك يا آنسه.

_واللهِ، يعني أخلل قصاد الباب عشان حضرتك مش فاضي ترد عليا ومستكبر إنك--

قاطعها بصياح حاد:
_ساره، كفاية كده، عايزة إيه أنتي على المسا؟

صمتت فجأة وهي تحملق فيه، بدا التوتر والانفعال عليها، فقد رأت أنها اخطأت في التحدث معه منذُ دخولها الغرفة عليه.

فهي تريد أن تطلب منه شئ وهي على يقين بأنه لن يقبل به، أزدردت لعابها وهي تلعب بأصابعها كالطالبة المذنبة وتقول له:
_بصراحة كده مستر ماركو كنت عايز أطلب منك طلب وبليز ما ترفضش، ممكن.

_أرغي، عايزة إيه أنتي؟

_أمم، بصراحه كده، عايزة إجازة يوم واحد بس، صاحبتي وحشتني وعايزة أروح أزورها، أسمح لي أبات عندها النهاردة بس وبكرة ه‍اجي لك، ممكن؟!

نظر لها ماركوس طويلاً ولم يرد عليها، حتى نظراته لها غامضة لم تكشف عن قراره النهائي بعد.

ظنت أنه سيرفض طلبها نظراً لطول صمته، لكنه صدمها حين قال لها فجأة:
_موافق أنك تروحي لصاحبتك لكن في مقابل.

توترت أكثر، فهي لا تملك شئ لتعطيه له، قالت له بقلق:
_أتفضل أؤمر، بس انت عارف أني معييش حاجه أديهالك--

قاطعه بصياح:
_ما تفصلي شوية بقى، أنتي ما بتصدقي تفتحي، أصبري وأسمعي، أنا عايز المقابل منك وعد.

_وعد، مني انا، أتفضل، أنا تحت أمرك.

_في حفلة مهمة الأسبوع الجاي ده، وأنا مجبر أخدك معايا بصفتك مراتي مش السكرتيرة، الكابوني أضطر يفضل بعيد وكلنا هنسافر له نحضر حفلة موسيقية صممتها الكونتسية على شرفه قبل سفره، لازم توعديني ان تهذبي سلوكك وماتفضحنيش هناك قصاد الكل، حاولي تتدربي على الصوت الواطي والكلام بطريقة آدميه.

نظرت له بقلة حيله، حركت كتفها بلامبالاه وهي تلعب بأصابعها بتوتر، قالت له وهي تشد همتها وعزيمتها بحماس:
_تمام، ماشي، أوعدك أني هحاول عشان خاطرك بس، أتفقنا.

أبتسمت له إبتسامة عذبة صادقة، شعر ماركوس أنها جدية ولا تسخر منه كعادتها، حرك رأسه بتفهم وأردف قائلاً:
_وانا مضطر أثق فيكي المرة دي لأن المدة قصيرة جداً ومش هلحق أجيب حد يعلمك حاجه، المهم حاولي ما تخذلنيش وإلا أوعدك يا ساره أنك هتندمي لأخر يوم في عمرك.

هنا تبدلت معالم وجهها من المبتسم المتحمس إلى الغاضب العابس، قالت له بحدة غاضبه:
_تاني، تاني رجعت للتهديد تاني يا مارك؟ ماشي، أنا مشهتكلم معاك دلوقتي عشان الوقت متأخر والناس نايميين، بس لينا كلام تاني في الحوار ده.

ساره لم تعي نفسها كيف تجرأت وتحدثت معه هكذا؟ حدق ماركوس فيها بغضب، صرخ بأسمها قبل أن تخطو خارج الغرفة، لكنها أستوعبت ما فعلت، لم تستطع الوقوف أمامه ومواجهته، نظرت له بخوف وركضت للخارج، لكنه تلك المرة لن يسامحها ويمرر الأمر مرور الكرام، خرج يعدو خلفها لكن فجأة--

"مع إيزابيلا والصغيرة مانديلا"

ارتعبت بيلا على الصغيره عندما سمعت هذا، فتحت باب غرفتها بسرعة وهنا كانت الصدمة التي آلامتها وسببت الرعب الشديد لها.

رات الصغيره تقف امام المراه لكن انعكاسها كان لفتاه تشابهها لكنها اطول واضخم وعيناها بيضاء كليا فزعت بيلا من ما رات اغلقت الباب مره اخرى وهي تشعر بقلبها يكاد ان ينفجر من شده الفزعه لكننا تذكرت الصغيره فتحت الباب مره اخرى ولم تجدها لكن الصدمه عندما سمعت الصغيره تصرخ باسمها وهي تقول:
_عمتــو، ألحقيني يا عمتو، هيأخدني، العو هيأخدني يا بيلا، ألحقيني.

دارت بيلا حول نفسها وهي تنظر بكل رعب في كل مكان وهي تصرخ بأسم الصغيرة بكل رعب:
_ماندي، أنتي فين؟ أنا مش شيفاكي، أنتي فين يا حبيبتي.

وفجأة، سمعت صراخ الصغيرة آت من الخزانة، فتحت الخزانة بسرعة ووقفت متجمدة مكانها.

الصغيرة معلقة من قدمها في سقف الخزانة العالي، رأسها متدلي لأسفل ويدها مكبلتان بالثياب.

صدمت بيلا من هول الموقف، حاولت مد جسدها بقدر إستطاعتها لتصل للصغيرة.

لم ترى أي غرض يمكنها الإستعانة به لتصعد للصغيرة، حاولت مراراً ودموع مانديلا تتساقط على وجهها.

لم تحتمل بيلا بكاء الصغيرة أكثر وإستغاثتها، ركضت نحو المرآة أحضرت مقعدها الصغير الضعيف.

لم تختبره بيلا حتى؛ بل صعدت عليه مباشرة وجذبت مانديلا من يدها.

تعالت صراخ الصغيرة كأن قدماها مكبلتان بسلاسل من حديد، لم تفهم بيلا ما الذي كان يقبض على قدم مانديلا.

لكن المهم بالنسبة لها الأن هو أن الصغيرة بين يداها وبخير معافاه كلياً.

لم تحاول بيلا التحقيق مع مانديلا الأن، فقط حملتها في حضنها وجلست على الأريكة وهي تنتفض من الخوف على الصغيرة.

شردت تفكر في هذا الأمر ملياً ولم تجد له تفسير مقنع يفسر لها ما حدث للفتاة.

لكن أنتبهت بيلا على تنفس مانديلا المنتظم على صدرها، حملتها بين يدها، لكنها لم تدخلها غرفتها.

أخذتها لغرفة والدها القديمة، وضعتها على الفراش وتركتها تهنئ بنوم هادئ مريح.

خرجت إلى غرفة المعيشة أمام الشاشة الضخمة، لكنها لم تستطع رؤية أي شئ مما يعرض على الشاشة، عقلها وكل ذهنها مشتت مئة بالمئة.

تفكر فيما حدث مع الصغيرة وكيف حدث هذا؟ لم تستطع الوصول لحل تقنع به نفسها.

لكن الغريب في الأمر هو أنها غابت في سبات عميق فجأة، رأت كابوس مفزع.

رأت مانديلا في منزل مارتين وفلورا وكانت في غرفتها تحديداً.

المسكينة معلقة على الجدار من قدمها وهناك كيان ضخم شفاف له ظل أسود على الجدار، يمسك الصغيرة من قدمها ويضربها في سقف الغرفة وجدرانها بكل غل وغضب.

ألقى بالصغيرة أرضاً، وسقط عليها، مسك وجهها بين قبضته الضخمة جداً، بدأ يفتح فاهها بكل قوة حتى أن فم الصغيرة تشقق، عيناها تذرفان الدماء بدلاً من الدموع، كتمت صراختها من شدتها، تمزقت أحبالها الصوتية.

تحاول بيلا ان تنقذ الصغيرة، لكنها كمن يشاهد عرض تلفزيوني ولا تستطيع المشاركة فيه.

تؤى إبنة أخيها تتعرض للتعذيب الشنيع وليس بيدها حيلة.

أختفت الفتاة مع الكيان فجأة، سمعت صوتها خلفها تناديها بتوسل باكي، ألتفتت بسرعة تنظر حولها، لم تجد آثراً لها.

لكنها رآت إنعكاسها في المرآة وخلف الفتاة رآت الكيان وعيناه صفروتان، مضيئتان، مرعبتان إلى حد كبير.

أستيقظت بيلا وهي تصرخ ويدها على قلبها، الدموع تملأ وجهها بغزارة، العرق يملأ جسدها؛ حتى شعرت أن كانت تغرق فيه.

وقفت مندفعة وهي تنظر حولها بصدمة، لم تعد تعي اي شئ حولها، وجدت نفسها في غرفتها ولا تعرف كيف حدث هذا معها؟

نهضت وخرجت من غرفتها، تسبحت كي تشعر بالنشاط وتحاول نفض ذاك الحلم الغريب عنها، لكنها فجأة تذكرت دميتها سونا.

عادت تركض لغرفتها تبحث عنها، تذكرت أنها سبق وتركتها عند مقعدها الهزاز قبل أيام، تحديداً اليوم الذي سمعت فيه خبر مارتين شقيقها.

بحثت عنها طويلاً وهي تشعر بضيق شديد، قالت في نفسها لعل والدتها قامت بتخبئتها كي لا تلعب بنات مارتين بها ويثيروا حنقها.

حاولت تجاهل أمر الدمية مؤقتاً.

أستيقظ الجميع وذهبوا معاً لزيارة مارتين، أصبح بخير تقريباً، فرح الجميع بسعادة غامرة.

وافق الطبيب على عودة مارتين لمنزله، ساعدته بيلا وفيتالي على المكوث على فراشه.

تركوه يرتاح قليلاً وخرجوا للعائلة، لكن بينما يتحدثون ويتسامرون في مختلف المواضيع، سأل فيتالي بيلا فجأة:
_صحيح يا بيل، هو المحروس خطيبك مفكرش يجي يزور صاحبه ليه، الناقص وصلت بيه الجلدانه أنه مايتصلش حتى إتصال واحد يسأل عليه، بجد يا بيل مش عارف أنتي هتعيشي مع البخيل دا إزاي، مش بعيد بكره تيجي تمثلي لنا قصة البخيل وانا.

نظرت روني لـ فيتالي نظرة عتاب غاضبة، لكنه كان أشعل الفتيل وقضي الأمر.

دخلت بيلا الشرفة وأرسلت رسالة صارخة لـ أريسو، أنتظرت أن يرد عليها لكن إستيقاظ مارتين شغلها عن أمر أريسو.

ألتموا حوله يتسامرون معه، لكن مارتين سأل عن أريسو وبدا الرعب باد على وجهه، لكن بيلا قالت له بغضب:
_لاء ما سألش يا مار، أنت جايب لي أبخل راجل في التاريخ كله، دا معفن أوي، حتى مهنش عليه يسأل عنك بالتلفون بس،

اسمع يا مار، انت لما تقف على رجلك بالسلامة كده، لازم تنهي لي الحوار ده، أنا مش عايزة البني آدم ده، مش عايزاه يا أخي.

تنهد مارتين وقال لها بترجي:
_معلش يا بيل، عشان خاطري أنا، خدي فيتال وروحي أطمني عليه.

فيتال بصياح ساخر:
_أنا! وأنا مالي يا عم، أنا أصلاً مش طايق الشئ ده ومستخسر أختك فيه، دا معفن يا جدع، وبخيل و--

قاطعه مارتين بحزم:
_مش وقته يا فيتال، خد أختك وروح أتطمن عليه انهارده، سامع أنت وهي.

أضطر فيتال وبيلا أن يوافقا على طلب مارتين الغير منطقي، عادت بيلا إلى منزلها بعدما أتفقت مع فيتال أن يقلها من هناك مساءاً.

شعرت بيلا براحة لرحيل بنات مارتين عن منزلهم، ظنت أن مانديلا الصغيرة متلبسة من الجان، فسبق لها وسمعت عن أطفال في مثل عمرها يصادقون أطفال الجان.

أنبت نفسها لشعورها هذا، لكنها تحاملت الشعور المرهق لتأهب نفسها لشعور أكثر إرهاقاً عندما تقابل أريسو وتتشاجر معه اليوم.

بالفعل وصل فيتالي على الموعد المحدد، أخذ بيلا وذهبا لمنزل أريسو، لكنهم عندما وفقا أمام البناية وجدا سيارات الشرطة وهناك الكثير من الأشخاص يقفون ويتهامسون فيما بينهم.

قلقت بيلا وشعرت بأنقباض في قلبها، سألت فيتالي بتوتر:
_تفتكر في إيه يا فيتال؟ إيه اللمة والشرطة دي كلها؟

فيتال وهو يفتح السيارة ويخرج منها قال لها:
_إيا كان فهو مش خير ابداً، تعالي بينا نطلع نشوف أريسو، شكل مارتين كان عنده حق في قلقه.

زادت ضربات قلبها ولم تعرف السبب، لكنها عندما صعدت إلى طابق أريسو، كانت الصدمة الكبرى.

تابع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي