24، حوادث مريبة

مع بيلا

كتمت صرختها وهي ترى ارجين ملقاة أرضاً، وجهها كان أزرق منتفخ، فمها مشقوق كأن أحدهم حاول فتحه بعنف شديد لدرجة أن خديها تشققا، وجدت بطنها ممزق كأن مسخ بمخالبه موق لها بطنها كلها.

كان مشهد مقزز مرعب غير منطقي، صرخت بيلا وسقطت على قدمها أرضاً وهي تنظر لجثة أرجين المشوهة كلياً.

لكن بيلا حملقت غير مصدقة في الأرض، رأت بعض الخصلات الذهبية بجوار جثمان أرجين.

مدت يدها تفحصت الشعر، وحدقت بعدم تصديق، أمالت رأسها تحت الفراش ورأت الصدمة.

رأت سونا دميتها التي أختفت من غرفتها فجأة أسفل الفراش، مدت يدها أخرجتها وهي تنظر لجثمان أرجين بغيظ بعدما كانت منهارة على وفاتها.

قالت في سرها بغيظ:
_اه يا بنت الحراميه، بقى كده يا أرجين؟ تسرقيني أنا، بقى تخليني مشغولة في عزا خطيبي وتدخلي تسرقيني، واللهي ما عارفه اقولك ايه؟ ما أنتي خلاص متي ومعدش ينفع اعاتبك، بس ماشي يا أرجين، أنا مش مسمحاكي.

وقفت على قدمها وهيتمسك سونا في يدها وتهزها بعنف قائلة لها بعتاب:
_وأنتي ياختي، بسهولة كده تروحي لأي حد، إيه معندكيش إنتماء خالص كده يا زفته أنتي؟ أخبيكي منهم فين بس؟ أدي أخرة الحقد والصفار.

نظرت على جثمان أرجين ببرود وتركت غرفتها وخرجت، تركت الجميع في حالة صدمة، أنهيار، وتساؤلات وعادت لمنزلها.

شعرت أنها لم تعد غاضبة على رحيل أرجين الغريب المأساوي،لم تفهم لما تشعر بكل هذا التبلد بعد رؤيتها لـ دميتها هناك.

فتحت خزانتها ووضعت الدمية وأغلقت الخزانة بالمفتاح وحملته معها في حقيبة يدها.

بدلت ثيابها وخرجت لتقف مع الجميع في إنتظار قدوم الشرطة والإسعاف لنقل جثمان أرجين.

لكن بيلا لم تكن بين الحضور بعقلها، كل تفكيرها في دميتها الملعونة سوناهري، قصة إختفاءها، وخصلات شعرها التي تجدها بجوار الجثث والكثير من الغموض الذي يحيط بتلك الدمية الغريبة.

أنتهى اليوم وعادت بيلا وروني إلى منزلهم، دارت نقاشات طويلة حول مصرع أرجين الغامض هذا.

في المساء حضرت أسرة مارتين وفيتالي وسيمران زوجته.

تدينر الجميع طويلاً طوال فترة السهرة، لكن فجأة، خرجت إبنة مارتين من غرفة بيلا وهي تحمل سوناهري.

وقفت بيلا مصدومة وسألت أشوكا بحدة:
_أنتي خرجتي العروسة دي إزاي من الدولاب؟

قالت لها بريتني الفتاة الأخرى بتوسل:
_بليز يا بيلا خلينا نأخدها كام يوم تقعد معانا، دي حلوة أوي، هتصور بيها أنا وأشوكا ونزلها على الأنستا، بليز يا عمتوو.

تأمزت بيلا بضيق، لكنها وافقت تحت ألحاح الفتيات، لكنها لم تنكر بأنها شعرت براحة غريبة لرحيل تلك الدمية عنها بضعة أيام.

لكنها أيضاً لاحظت رعب منديلا الصغيرة من سونا، كانت تحملق في الدمية والرعب يمتلكها ونظراتها زائغة.

لم تكترث بيلا كثيراً لأمر خوف مانديلا لأنها تظن بأن إبنة شقيقها بها خطب ما، لكنها لم تحب فتح هذا الموضوع أمام والداها.

"عودة إلى دين وسام"
أبتسم"سام" لنظرة أخيه الساخرة، جلس وهو يخرج الطعام الجاهز له و لأخيه، قال وهو يقضم قطعة من البرجر النباتي ويعطي أخيه التشيز برجر المفضل له:
_"دين" حاول تأكل بسرعة أكبر من كده عشان الوقت ما يسرقناش.

"دين" وهو يقضم قطعه كبيره و يملأ فمه بالطعام، قال لأخيه بطريقته الساخرة المعتادة:
_أنت شايفني بأكل بأقصى سرعتي أخو يا مغفل أفندي، وبعدين هو إحنا مستعجلين على إيه يعني؟ هو الجبل هيلف ويطلع ولا هيطلع له جناحين فجأة ويفلق؟

سبني أملأ بطني الغالية لو سمحت أنا محارب ولازم أتغذى كويس، مش كفاية يا مفتري خلاني أسوق طول الليل يا وقح، خلص أديني أزازتي الغالية وبطل رغي شوية خليني اتبسط بأكلتي اليتيمة يا حيوان.

أبتسم"سام" مجدداً، ناوله زجاجة الشراب خاصته، أنهيا طعامهم، توجها معا علي الطريق مره أخرى، أثناء قيادتهم، سأل"دين" أخيه بفضول:
_قلي صحيح يا عبقرينو، قلي وأشجيني كده باللي قدرت توصل له في البحث ده وحوار الجن أبو وش اخضر اللي الست كلمتني عنه ده؟

"سام"وهو يتفحص أخبار المنطقة التي يتوجهان إليها، أردف قائلا بقلق:
_أخبار زفت يا دين، أعتقد حقا أنها قضية من اختصاصنا، في سبع بنات اختفوا على مدار ثلاث شهور

الشرطة بتفقد أثرهم كلياً بعد الكيلو تمانين، الكاميرات بتوقف عند المكان ده ومش بيلاقوا أي أثار على الأرض ولا لعربيات حتى أو أي وسيلة يكون البنات أتخطفوا فيها، بس الأكيد أن اللي بيخطف البنات دي بيأخدهم للجبل، مالهاش معنى تاني بصراحه بقى.

"دين" نظر لأخيه بقلق، أردف بحيره:
_تفتكر ليه بيخطف البنات دي؟ وليه بنات بس، تفتكر مين من الحثالة القدام يكون بيعملها
"الفيلق، وينديغو، سيلون، نص الشجرة، بطريق الغابة".

هز"سام" رأسه نفيا وهو يقول بعدم تأكيد:
_ما أظنش يا دين، المسوخ دي مش بتعيش في الجبال أصلاً،
أعتقد أنه "الأيكن"، لأنه المخلوق الوحيد الذي عنده أجنحة ويقدر أنه يطير بالضحية، عشان كده عمرهم ما لقيوا أي أثر لأي وسيلة نقل، وأي أثر بيختفي عند الكيلو تمانين.

"دين" هز رأسه مؤيداً نظرية أخيه.

وصلا إلى قرية الباجور، توجها إلى منزل العم"أرسون" الإيطالي منزل آخر ضحية، "سام" طرق الباب الحديد الصدئ.

فتحت إمرأة عجوز، بدا الضعف والوهن عليها، تقدم "سام" وهو يقدم نفسه قائلا لها بالإيطالي:
_السيدة والدة "چنين".

ردت المرأة العجوز بضعف:
_نعم يا بني من انت؟
قال"سام" بأسلوبه الاحترافي:
_الرائد "سام وينشر" وهذا زميلي المقدم "دين أنيل" نريد أن نتحدث معكم قليلا أنتي والسيد "أرسون" بخصوص حادثة خطف بنتكم.

ابتسمت المراة العجوز بوهن، رحبت بهم، دعتهم للدخول، جلسا مع الرجل العجوز، بدأ"سام" يسأل العجوز أسئلته المعتادة:
_من فضلك يا سيدي أريدك أن تخبرني بكل ما حدث تفصيلا ومن فضلك لا تنسى أي شئ وإن أعتقدت بأنه غير مفيد أو مجدي، ساعدنا من فضلك كي نستطيع مساعدتك.

أدمعت عين الرجل بمرارة، أردف بحزن:
_أقول، ماذا أقول مجددا يا بني؟ لقد قلت الكثير بلا جدوى، لقد خسرت أبنتي للأبد، خسرتها ولن تعود مجددا، استعوضت الخالق بك يا أبنتي، فليرحمنا الله برحمته ويصبرنا على فراقك عزيزتي.

"دين" رمق أخيه بنظرات ضيق "سام" ربت علي كف الرجل العجوز وأردف قائلا بشفقة:
_أسمعني جيدا يا سيدي، لقد سافرنا مسافة طويلة طول الليل علي الطريق حتى نفهم ونعرف ما يجري في بلدكم، ولن نرحل من هنا حتى نعيد إليك أبنتك.

"دين" قال بأسلوبه المتهكم:
_او جثتها يا سيدي، عليك أن تعرف بأننا لسنا كشرطة بلدكم تلك، نحن أتينا هنا لننقذكم أنتم وفتياتكم من هذا الذي يخطفهم يحطمكم

فأرجو منك سيدي أن تخبرنا كل تفصيله، فقط أريدك أن تتذكر اليوم من بدايته، ابنتك أين كانت؟ ماذا أكلت؟ ماذا فعلت؟ كل التفاصيل مهمة سيدي، كل التفاصيل.

شعر الرجل العجوز بأن "دين" لايهتم حقا ببنات البلدة، نظر له بوجه مقضب، أردف بحده:
- أعتقد أن هذا يكفي يا ساده، إن أردتم معرفة تفاصيل أكثر فهناك قسم الشرطة لديهم كل شئ،

أسأل هناك وهم سيخبرونك بكل التفاصيل التي تهمك سيدي، لكن أنا لن أقول أكثر مما قلت، من فضلكم أذهبوا من هنا، فقد سئمت التحدث إليكم، أنتم بلا جدوى على الإطلاق، هيا أخرجوا من منزلي.

"سام" رمق أخيه بنظرات عتاب غاضبة "دين" هز كتفيه ببلادة تعبيرا عن تهكمه.

"سام" نظر للعجوز، مسك يده وأردف بلهجة عطف كبير:
_أسمعني يا سيدي، أولا أود الأعتذار عن تهكمات رفيقي، فقد سافرنا على الطريق طوال الليل ولم ننام أو نغفل حتى الأن، لكننا حقا آتينا هنا لمساعدتكم، وأعتقد أن هناك فرصة كي ننقذ ابنتك، فأرجوك ساعدني علنا ننقذها هي وفتيات أخريات، من فضلك سيدي، نحن وأبنتك في حاجه إليك.

أؤم له العجوز، لكن فجأة قالت الزوجة الحزينة المقهورة من خلفهم:
_لن يجدي الحديث نفعا الحديت يا بني، لن تستطيعون أن تعيدوا إلينا أبنتنا أو أي فتاة غيرها،

، أبنتي لم يخطفها شخصا ما، ليس مثلي ومثلكم، ما أخذ أبنتي هو جان لعين، أخذها وأخذ الكثير من الفتيات مثلها
هذا الجن هنا في المنزل وسبق وقلنا هذا ولم يصدقنا أي أحد حتى أنتم لن تصدقونا وستتهموننا بالخرف نعلم هذا جيدا

في من الأفضل لكم أن تريحوا اعصابكم وتعودا من حيث جئتما لأنكم لن تجدوا من تلقوا القبض عليه هنا في بلدنا، نحن عائله فقيرة جدا وكل من هنا مثلنا تقريبا

ليس لدينا مجرمين هنا يا أبنائي أعتقد أنكم أضعتم وقتكم هنا بلا جدوى بالفعل، هيا عودا من حيث جئتما ويكفي هذا دعونا في أحزننا من فضلكم.

تبادل الشقيقان نظرات حادة، عاد"سام" بنظره للعجوز، مسك قبضة الرجل بقوة وأردف بإصرار:
_أسمع يا سيدي، نحن لسنا مثل الشرطة خاصتكم حقا، نحن سنصدق كل حرف ستخبرنا به صدقا، صدقني عندما أقول لك أن من خطف بنتك وبنات القرية أيا كان نوعه جان ،شبح، عفريت، كائن فضائي حتى

أعدك أننا سنجده ونقتله ونعيد إليكم بنات البلده، تحدث إلي من فضلك إهدار هذا الوقت لن يفيد ابنتك أبدا، بل كل ثانية نتأخر فيها، تفقد المسكينة فرصة نجاتها أكثر.

نظر له العجوز، تبادل نظرات القلق مع زوجته، أؤمت له الزوجة إيجابا، بدا الرجل يقص عليهم ما حدث في منزله:
_من أسبوع تقريبا أبنتي صعدت إلى السطح لتطعم الطيور البط و الأوز

مثلما تفعل كل ليله، وفي تلك الليلة السوداء، كنت أجلس على المقعد خارج المنزل بعد العشاء، كنت أشرب الشاي مع السيد فاركون، فجأه سمعت صراخ چنين أبنتي

ركضت مع رجال كثيرة إلى السطح، عثرنا على أبنتي على الدرج وهي فاقده وعيها كليا، سندها أبن عمها "سيكورز"
طلبت منه حملها إلى غرفتها، بعد أن أستيقظت أخيرا، قالت أغرب كلام يمكن أن يقال

قالت أنها رأت طير كبير يقف على عشه بايكرز في المنزل المجاور لنا، لم يصدقها أي أحد يا بني
انهارت في البكاء حتى نامت من كثرة البكاء والنحيب

تكرر الحوار المرعب هذا بعدها بيومين، لكن الليله تلك كنت وحدي مع زوجتي في المنزل،
ركضت إلى السطح قبل أن يأتي الجيران على صراخها

رأيت أبنتي ملقاة على الأرض والطيور تقفز عليها، ركضت عليها أبعدت الطيور من عليها
لكن يا بني رأيته بعيني، رأيت أقدام، أقدام لطير كبير مثل الصقر، لكن أثر القدم كانت كبيرة جدا جدا

كأنه صقر من العصر الحجري، لكن عندما استدار وحدق بي، رأيت بعيني الشيطان وأبشع من الشيطان نفسه، يملك وجه رجل، جسده لرجل لكن جناحه كبير جدا، ظهره كله شعر مثل البغال، لديه قرون في رأسه مثل الثور، شكله مرعب يا بني

عيونه حمر مثل الجمر، اول ما حملق في وجهي، طار بعيدا مثل الحمام لبعيد جدا، كان سريع جدا ، أختفي في لمحة يا بني، أعلم جيدا بأنكم لن تصدقاني، لكن تلك هي الحقيقة كاملة ولهذا أيضا أقول لكم بأنها لن تعود مرة أخرى مطلقا.

بكي الرجل كطفل صغير ناحب، تبادل الشقيقان نظرات القلق، أقترب "دين" من العجوز، قال له بصوت بائس:
_اسمعني يا سيدي، أنت قلت ما رأيته بعينيك ولم تكذب فيه إليس كذلك،

عليك أن لا تأبه بمن يصدق ومن لا يفعل، كل ماأريد فهمه منك حاليا هو كيف أختفت ابنتك؟ فالكلام كثير يا سيدي، قيل أنها خطفت أثناء عودتها من مدرستها،

قيل أيضا أنها خطفت من هنا من منزلها، وأنتم أخبرتم الشرطة أنها خطفت وهي تحضر لكم أغراض المنزل، حاليا أنا أريد معرفة الحقيقة منك سيدي،

ولنفترض أنني أصدق قولك في أن ذاك الوحش الطائر هو من خطف "چنين" ابنتك، هل تخبرني أنت أنك مقتنع بأنه هو من خطفها؟

لم يرد العجوز بسبب انهياره وبكاؤه، لكن ردت الزوجة من خلفهم:
_سأخبرك أنا يا بني، أنها لم تكن أخر مرة نرى بها ذاك المسخ اللعين هنا في منزلنا

نحن نحيا في كابوس لا ينتهي، كل ليله نسمع حركة وضوضاء غير طبيعية، ينهض زوجي من فراشه ويبحث عن مصدر الضوضاء في المنزل كله

لكنه لم يجد سوى أثر لتلك القدم الكبيرة التي تشبه قدم الصقر لكنه أضخم، كان يجدها على سطح المنزل، أيضا يجدها أمام غرفة چنين أبنتي،

تألمنا كثيرا وخفنا على ابنتنا، لكن لم يصدقنا أي أحد، وما خفنا منه حدث لابنتنا، أبنتي خطفت من هنا وهو من خطفها، تلك هي الحقيقة كاملة يا بني.

دارت المراة العجوز وجهها في وشاح رأسها وانفجرت في البكاء"سام" نظر لأخيه نظرات ذات مغزى،أردف "دين" قائلا برسمية:
_تمام، هل تسمح يا سيدي لي وللرائد "سام" أن نصعد لسطح منزلك وغرفة ابنتكم لنحقق نحن بطريقتنا؟

أنا واثق بأننا سنصل إلى دليل يدلنا على مكان ذاك المسخ أو أي شئ يساعدنا في العثور عليه، هل تسمح لنا بالصعود؟

أؤم لهم الرجل العجوز بحزن شديد، صعدا الشقيقان إلى السطح وهم يحملان عدتهم الخاصة للكشف عن الجان، الاشباح، القرين، أثار الشياطين، المخلوقات القذرة، كل هؤلاء يتركون أثر واضحاً خلفهم، والأشخاص المميزون مثل الصيادون، هم من يستطيعون كشف تلك الأثار وتتبع صاحبها.


تابع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي