13،

مع ماركو وساره في القصر"

بدأت ساره تتعصب بشدة وكادت أن تنسى إتفاقها مع نفسها، بدأ صدرها يعلو ويهبط بغضب من شدة عصبيتها، أوشكت أن ترد عليه وترد له الصاع صاعين، لكنها لمحت هناك ما جعلها تصرخ بجنون.

صرخت بهستريا وهي تركض للاتجاه المعاكس لكن ماركو مدى له مسكها من ياقه قميصها كالشرطي الذي يقبض على لسه قذر صرخت وهي تحاول ان تفلت من يده لتهرب وهي تقول بذعر:
_سيبني يا باشا بالله عليك، النمر هياكلني، أنتم فاتحين فرع تاني لجنيه الحيوانات هنا ولا إيه في بيتكم؟ سيبني خليني اهرب يا باشا، سيبني يا عم انت.

ترك ماركو قميصها ومسك شعرها تآوهت من الألم لكنه لم يكترث لتألمها، أجبرها على النظر إليه، قال لها وهو يشير على النمر الابيض الضخم الذي جلس بجواره ككلب مطيع عند قدمه:
_ده بترو صديقي الوفي، انا اللي مربيه واتولد على ايدي، بترو ما بيأذيش حد غير بأمر مني، فأعتقد اننا دلوقتي هنتفق والا هخليه يشوف شغله معاكي بجد، ها قلتي إيه؟

نظرت للنمر بأستقلال كأنه تحول فجأة لـ قط شيرازي أمامها.

هدأت كلياً وتوقف جسدها عن الإنتفاض، نظرت له ببرود وشفتاها منفرجتان بصدمة شارة عدم الإقتناع بكلامه وافعاله وتهديده الصريح لها.

تنهدت بضيق وقالت له ببرود:
_بغض النظر عن تهديداتك اللي زهقت منها وعن القطة السيامي بتاعتك دي، أنا هشتغل معاك صح ولا هروح وأجي معاك زي ضلك كرفان؟

تضايق من أسلوبها الغير حضاري ابداً في الحديث، كان على ثقة أنه سيعاني معها كثيراً، لكنه أعتقد أنه قادر على تغيرها للأفضل.

زفر بإختناق وقال لها:
_هنشتغل طبعاً، بس من بكره، وكويس أنك فتحتي الموضوع ده، لازم تعرفي إني في الشغل معرفش أبويا، يعني الدلع والتأخير والكلام الفارغ ده مش هينفع معايا في الشركة، أنا عايزك نشيطة، ذكية، سريعة البديهة، لماحه، مطيعة، متجاوبه، ومخلصة لشغلك، يلا وريني بقى أنتي شاطرة في الشغل زي ما أنتي متعبة ولسانك زي المبرد في الرد.

نظرت أرضاً وهي تتمتم وتعمدت تسمعه صوتها وهي تقول بهمس ساخر:
_ذكية، سريعة، لماحة، الراجل ده شكله مستغني عن عمره، هو نسي بسرعة كده اللي قلت له عليه، يلا انا مالي، يكش يفلس ولا تهبده ترله ولا يجري وراه الديانه بالشباشب، انا مال أهلي.

رفعت رأسها تنظر له وعلى وجهها إبتسامة سمجة سخيفة، قالت له بتصنع واضح:
_طبعاً، طبعاً يا ماركي بيه، دا أنت هتشوف نحلة أدامك، هتحولك واتشقلب لك كل ثانية، أشي غزالة في رشاقتها، أشي فهده في سرعتها، أشي حماره في ذكاءها، أشي حمامة في إخلاصها، هتلاقي خدامة فليبينيه قدامك يا كبير، دا انت بس بقشر بصباعـ--

مد يده كتم فمها وهو يصيح فيها:
_بس بقى، أخرسي وبطلي أسلوب الشوارعية بتاعك ده، أخرصي شوية وأسمعيني كويس، دلوقتي هنروح ننام وبكرة هفهمك على دورك هنا في القصر والشغل، وكمان لازم تجهزي قبل ما كابوني يوصل، أنتي فاهمه.

شعرت برعشة خفيفة تسري في عروقها عند سماعها لتلك الجملة الأخيرة، قالت له بجدية:
_كابوني، يعني إيه؟ قصدك الكبير بتاعكم، وده المفروض أني أقابله.

نظر لها بتفحص وكأنه يريد إختراق روحها، سألها بإهتمام:
_وأنتي إيه مشكلتك؟ وليه اتخضيتي كده؟

حركت كتفها بلامبالاه وأردفت بعدم إكتراث:
_ولا حاجه، انا بس حسيت برعشة رخمه كده لما جبت لي سيرته، المهم، ما علينا، هو أنت يا مستري مش سبق ووعدتني أنك تأكلني؟ ليه قلت لي هنام؟!

نظر لها ببرود جاف، تجاهلها وأشار للنمر أن يتبعه، سار نحو غرفته، حملقت ساره في الفراغ وقالت لنفسها:
_ماله ده؟ هو أنا قلت حاجه عيب ولا حرام؟! أنا جعانه، خد يا عم أنت.

سارت خلفه عندما لاحظت أنه أبتعد عنها كثيراً وكاد أن يختفي في الممر الطويل.

لمحته يدخل غرفة وتركها مفتوحة خلفه، فهمت أنه ترك الباب مفتوح لها.

دخلت وهي تحملق بصدمة في الغرفة الواسعة الفخمة، تنظر بإنبهار لكل شئ أمامها، نظرت للفراش الواسع ذو الأغطية الحريرية.

سارت نحوه وأوشكت على الجلوس عليه بكل راحة، لكن صدمها ماركوس حين قال لها بحدة--

"مع إيزابيلا ووالدتها"
تركته ولم تدع له مجال للشرح أو الإعتراض، سارت نحو الطريق وأشارت إلى سيارة أجرة عابرة، صعدت فيها ولم تنظر لـ أريسو مرة أخرى ولو حتى بإحتقار وهو لم يكلف نفسه عناء محاولة إيقافها أو حتى عرض عليها دفع ثمن السيارة الآجرة.

عادت إلى منزلها وأنفجرت في روني والدتها قائلة بكل غضب وجدية:
_أسمعي بقى يا ست أنتي، أنا مش هصوم اصوم وافطر على بصله، ماهو مش بعد صبر سنين تجوزيني لراجل معفن جلده زي ده، بصي بقى واسمعيني كويس أوي،

أنا عيد ميلادي بعد تلات أيام من انهارده، كلمي ابنك يكلم عريس الغفلة بتاعكم ده وفهموا كويس أوي انه لو مجباليش هدية اتشرف بيها وسط صحباتي، يجي يأخد الخاتم المقرف بتاعه ده اللي شبه السلكة في أيدي، انتي سامعه،

واسمعي اخر حاجه يا روني، لو اللي بقوله ده محصلش، اقسم لك بحياة بابي اللي عمري ما شفته، إني هغور من هنا ومش هتعرفي تشوفي وشي تاني وهريحك مني للأبد.

بدت الجدية الغاضبة على وجه إيزابيلا، تركت والدتها بعدما رمقتها بنظرات حارقة، غاضبة، جادة جداً.

خافت روني من تهديد بيلا، وهذا هو الكابوس الذي تخشاه منذُ أمد بعيد وهو أن تخسر أحد أبناءها، خاصة بيلا العنيدة.

اتصلت روني بـ أريسو ووبخته بشدة على بخله مع بيلا، وأخبرته بتهديد بيلا لها وله.

أغلقت معه وتركته في دوامة من الحيرة المؤلمة، أريسو منذ القدم وهو يحاول الحفاظ على الأموال القليلة التي ورثها عن جدته.

حتى أنه يقطن في منزلها العتيق المتهالك، بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات في الحي خاصته.

فتح هاتفه يتصفح أسعار اليوم، وصدم بغلاء اسعار الهدايا، الثياب والذهب، كل شئ كان فوق أستطاعته المادية.

بدأ يتجول في منزل جدته وهو يتذمر من كل شئ، لكنه لمح غرفة جدته التي لم يفتحها منذُ قدومه للعيش فيه.

قرر أن يفتحها عله يجد بها بعض المال، أو المصوغات، أي شيء يقدمه هدية لـ ايزابيلا.

فتح الغرفة بصعوبة بسبب القفل الضخم الذي كان موضوعاً عليها، بدأ يسعل بشدة بسبب رائحة الغبار المتراكم.

شعر أنه فتح مقبرة فرعونية قديمة، بدأت تهاجمه حرارة عالية لم يعرف مصدرها.

شعر بخوف يعتريه وقرر العدول عن رأيه والخروج من الغرفة وإغلاقها مجدداً، لكنه قبل أن يغلق الغرفة لمح على رف عالي في مكتبة جدته ما جعله يصدم بشدة ويتجمد مكانه.

"مع ساره وماركوس في غرفته في القصر"

دخلت وهي تحملق بصدمة في الغرفة الواسعة الفخمة، تنظر بإنبهار لكل شئ أمامها، نظرت للفراش الواسع ذو الأغطية الحريرية.

سارت نحوه وأوشكت على الجلوس عليه بكل راحة، لكن صدمها ماركوس حين قال لها بحدة:
_أستني عندك هتعملي إيه؟

_هو إيه اللي هعمل إيه؟ هقعد على السرير ولا ممنوع، ولا دا كمان ليه طقوس عندكم؟

_دا سريري أنا.

_والمعنى؟!

أقترب منها وهو يرمقها بنظرات إشمئزاز محتقرة كأنها قط متشرد يملاؤه الوحل القذر.

وقف أمامها ومسك ثيابها من عند الكتف بأطراف اصابعه وهو يقول لها بكل حده:
_بمعنى أنك ماتحلميش تقعدي على السرير ده أو تنامي عليه لحد ما أنا آمر بـ ده، غير كده ما تفكريش تلمسيه حتى لو هتنضفيه، أنتي سامعه.

شعرت ساره أن جبال من الثلج البارد قد سقط على رأسها.

نظرت له بإنكسار وحاولت ان تداري إحراجها الشديد بأي كلام ساخر لتغطي هذا الموقف المخجل الذي وضعها فيه.

لقد اوضح لها مراراً كم هي وضيعة بالنسبة له، لكن هذه المرة بالذات شعرت بانها فتاه رخيصه جدا وقذره لا تليق بالجلوس، مجرد الجلوس على فراش زوجها.

عضت شفتاها وقالت له بأبتسامه بلهاء مصطنعه:
_بس كده، دا افتكرت في مصيبة ولا في أفعى قاعدة ورايا، خضتني يا مستري، أنت تأمر، شوف حضرتك عايز إيه وأنا عيني الأتنين، تحت امرك، بس معلش يعني، لامؤاخذه في دا السؤال، أنا هنام فين؟!

فهم ماركو أنها تحاول السيطرة على خجلها بهذا الكلام الساخر والأسلوب الهزلي الذي تتخذه لإخفاء حقيقة مشاعرها، فهم أنها مرت بمواقف مخجلة مشابهة وأستطاعت بعناء إخفاء مشاعرها الحقيقة في الكثير من المواقف.


تابع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي