14، أختطاف

"مع أريسو في منزل جدته"

فتح الغرفة بصعوبة بسبب القفل الضخم الذي كان موضوعاً عليها، بدأ يسعل بشدة بسبب رائحة الغبار المتراكم.

شعر أنه فتح مقبرة فرعونية قديمة، بدأت تهاجمه حرارة عالية لم يعرف مصدرها.

شعر بخوف يعتريه وقرر العدول عن رأيه والخروج من الغرفة وإغلاقها مجدداً، لكنه قبل أن يغلق الغرفة لمح على رف عالي في مكتبة جدته ما جعله يصدم بشدة ويتجمد مكانه!!

لمح دمية ضخمة في حجم طفل صغير، تجلس على الرف ووجهها مصوب نحو باب الغرفة، او بالأحرى نحوه هو.

شعر المسكين بقشعريرة تسري في جسده بعنف، كأن رياح باردة هبت كالعاصفة لتغير حال الجو فجأة من الحرارة العالية إلى البرودة الشديدة.

لكن أريسو لم يكن بالرجل السهل إخافته، أقترب من الرفوف ومد يده مسك الدمية.

أزاح الغبار عنها وهو يسعل، وجدها ثقيلة نوعاً ما كأنها محشوة بحبات أرز صناعي وليست دمية قطنية كما هو معهود.

لكنها جميلة إلى حد لا يوصف، شعر أنه يرى جمال إيزابيلا فيها، عيناها زرقاء قاتمة بلون المحيط الهادر، شعرها طويل أشقر منسدل على كتفها كالشلال الهائج، ثوبها أزرق وهناك طوق ذهبي مميز يحيط بعنقها ومنقوش عليه بآلماسات صغيرة أسم "سوناهري".

شعر أريسو بأنجذاب غامض لتلك الدمية الجميلة، أخذها وخرج من الغرفة وأغلقها خلفه.

أنتابه شعور قوي ملح أن تلك الدمية هي أفضل هدية، شعر أن جدته هي من أرشدته إليها.

توجه بها نحو المغسلة وقرر أن ينظفها كي تبدو جديدة، نظيفة، أنيقة.

مرت الايام سريعاً ولم يحاول أريسو الإتصال بـ إيزابيلا ولو مرة واحدة.

جاء يوم بيلا المنشود وكانت في قمة توترها، خاصة لأن صديقاتها كانوا على أحر من الجمر لقدوم زوج بيلا المستقبلي.

لكن تأخر الوقت كثيراً والكل يطالبها بأطفاء الشموع، نظرت بيلا لوالدتها وأشقاءها.

مسك مارتين هاتفه وحاول الإتصال مراراً على أريسو لكن هذا الأخير هاتفه مغلق على الدوام.

نظر الرجل لشقيقته بقلة حيلة رافعاً كتفيه بتنهيدة يائسة.

زفرت بيلا بأختناق ونادت صديقاتها بحدة قليلاً وهي تقول لهم:
_يلا يا بنات هنطفي الشموع، الوقت اتأخر وكده اليوم هيعدي أوانطه.

قالت احدهما بخيبة أمل كبيرة:
_لاء بيلا، مش هنستني خطيبك؟

قالت أخرى:
_آه يا بيلا، لسه فاضل نص ساعه بحالها.

قالت أخرى:
_أكيد بيجهز لك مفاجأة كبيرة، حرام عليكي لما تطفي الشمع قبل ما يجي.

بيلا زاد غضبها وحنقها اكثر، قالت لهم بضيق:
_لاء، مش هستنى اكتر من كده، هو عارف المعاد كويس، وطالما مش عايز يجي هو حر.

_ومين قال أني مش جاي؟ هو أنا أقدر اتأخر على قمري وسمايا.

ألتفت الجميع بصدمة على صوت أريسو وهو يتحدث من عند باب المنزل، أبتسمت بيلا بملء شدقيها خاصة وهي ترى الصندوق الضخم الذي يحمله أريسو بيده الأثنان.

ركضت بيلا وصديقاتها عليه، لم تفكر بيلا حتى في التعارف بين الجميع وخطيبها؛ بل أخذت منه الصندوق وهي تبتسم وتسأله بحماس:
_دا ليا أنا؟

أبتسم وهو يحرك رأسه بالموافقة، ضحكت في وجهه وأخذت الصندوق القديم إلى الطاولة القريبة وتفتحه أمام أعين كل الحاضرين حتى عائلتها المتشوقة لرؤية هدية أريسو البخيل.

شهقت الصديقات من هول الصدمة وعلى رأسهم بيلا، رفعت الدمية بين يدها وسعادة العالم كله في عيناها.

نظر لها الجميع وحاول خطف الدمية منها، لكنها رفضت رفض قاطع أن تتركها لأي أحد حتى لمشاهدتها عن كثب.

ركضت بها إلى غرفتها وقامت بتخبئتها في خزانتها وأغلقت عليها، لم تسمح حتى لبنات مارتين بأن يلمسونها، لهذا خبأتها وأغلقت عليها.

عادت تركض نحو أريسو وقبلته أمام الجميع، بدأ الكل يصفق لهم، والدتها تنظر لها بسعادة وتدعو لها بالأستقرار والهدى على هذا الرجل البسيط، لكنها لم تنكر صدمتها من هديته المميزة.

في إنتهاء الحفلة الرائعة، بدأت بيلا تودع صديقاتها، وكان الكثيرات منهم يعاتبونها لأنها لم تسمح لهم بلمس هديتها.

لكن أرجين صديقاتها وجارتها التي تقطن في المنزل المجاور لها، همست لها وهي تضمها لتودعها وقالت:
_أنا مش مرتاحة للعروسة دي، خدي بالك منها يا بيلا، حاولي تتخلصي منها بأسرع وقت ممكن.

نظرت لوجه بيلا بقلق، لكن بيلا قالت في نفسها وهي تبتسم لها بتصنع:
_يا لهوي على الصفار، مستخسرين فيا هدية بسيطة زي دي، يالهوي عليكو بنات، اومال لو كان هداني بأسورة ألماظ زي ما خطيبك عمل في عيد ميلادك كنتوا هتعملوا فيا إيه؟ صحيح، محدش بيحب الخير لحد، حتى الفرحة مستكترينها على يا جزم، عامة عادي، عادي، مردودة لكم واحدة واحدة.

لم تطل الفتاة الجارة حديثها، عندما ابتسمت لها بيلا بوجه مكفهر فهمت أنها غير مقتنعة بتحذيرها لها، اؤمات لها وخرجت على مضض.

بيلا ودعت الجميع وجلست تتحدث مع أريسو طويلاً في الشرفة، نهت لقاءها به سريعاً لأنها لم تحتمل رائحته القذرة، أرادت بشدة أن تقول له أن يتسبح قبل لقاءها، لكنها خشت أن تجرحه وهو أسعدها وجعلها تتفاخر به أمام كل صديقاتها.

أنتهى اليوم ودخلت بيلا غرفتها، دارت حول نفسها وهي تدندن بسعادة، شعرت أن هناك أمل في خطيبها وأنها قادرة على تغيره حرفياً.

لكن بيلا توقفت فجأة عن الدوران، شعرت بخفقان قلبها يزداد وهي ترى في إنعكاس المرآة أمام عيناها، الدمية وهي تجلس على فراشها وتحملق بها خلال المرآة.

أستدارت بيلا بحدة نحو فراشها، وجدت الدمية بالفعل على الفراش، لكن الغريب الذي لم تنتبه بيلا إليه حينها، أن الدمية تنظر لها.

أقتربت بيلا منها وهي غاضبة، مسكتها ورفعتها بيدها أمام وجهها وهي تصيح بغضب:
_أنتي مين خرجك من الدولاب؟ وإزاي تسمحي لأي حد يلمسك غيري يا آنسه--

نظرت على الأسم المنقوش على القلادة الذهبية، وتعجبت من الأسم "سوناهري".

أبتسمت بيلا وقالت وهي تضمها لصدرها كأنها ابنها الصغير المشاكس:
_سوناهري، سونا، من الساعة دي هنادي لك سونا، أكيد أمي هي اللي خرجتك للشيطانة مانديلا الصغيرة بنت مارتين، عامة عادي، أنا هبقى اقفل الاوضة وأخد مفاتحها معايا، بعينهم حد يأخدك مني سونا.

"مع الشقيقان قبل أثنى عشر سنة تقريباً".

خرج سام كـ عادته لإحضار المؤن من المتجر، أحضر جرائد اليوم ليتفحص صفحة الحوادث كـ عادته أيضاً.

لكن فجأة ظهرت أمامه سيدة عجوز، كانت تبكي.

سألها سام بطيبة قلبه:
_مالك يا حجه؟ في عندك مشكلة اقدر اساعدك فيها؟

أبتسمت له المرأة المسنة وقالت له:
_مش هتقدر يابني،مشكلتي محدش يقدر يساعدني فيها غير ربنا.

سألها بقلق كبير:
_إيه ده؟ ليه بتقولي كده بس يا حجه؟ مفيش مشكله في الدنيا كلها غير وليها ألف حل، أنتي بس قولي لي ايه المشكلة وانا هقولك على حلها، اوعدك، أعتبريني زي إبنك واتكلمي معايا.

قالت له بحزن وأسى:
_يا ابني أنا حالياً عايشة في بيت جديد، أشتراه ليا راجل، حد محترم ابن حلال زيك كده، لكن يابني البيت ده طلع--أسمع يابني، أنا هقولك على كل حاجه، بس أستحلفك بكل غالي عليك ما تتريق عليا

ولا تقول عني ست عجوزة وخرفت، انا في وحش في بيتي يابني، آه والله، كل يوم يطلع لي من جوه الحيطة ويبرق لي، عينه وحشه، حمرا زي الدم، كل ليلة يطلع يرعبني، بحس انه عايز يكلمي، مبقدرش حتى أصرخ، خايفة يابني ومرعوبة، بقالي يومين بنام في الشارع بسببه، حاسه إني لو رجعت هلاقيه مستنيني، أنت مصدقني يابني ولا هتكدبني زي باقي الناس.

أؤم لها سام وهو يدفعها أمامه ويقول:
_لاء مصدقك يا حجه، ما تخافيش من حاجه ابداً، أنا هأجي معاكي لحد بيتك وهطرد لك المسخ ده من بيتك، هخلي ليك بيتك امان، أوعدك يا حجه.

أبتسمت المرأة بسعادة وهي تبكي وتقول له:
_بجد يابني، أنت فعلاً هتساعدني لوجه الله؟ مش عارفه اشكرك ازاي يابني، أنا مديونه لك بروحي، ربنا يبارك لك في عمرك وشبابك يابني.

أبتسم لها سام وأرشدها لـ سيارة دين الإيمبالا، حاول سام الاتصال بــ دين مراراً، لكن دين كان يدندن في دورة المياه كـ عادته ولا يسمع الهاتف.

وصل سام مع السيدة العجوز إلى منزل أشبه بالقصر، صدم من فخامة المنزل، لم يصدق بأنه منزل لــ تلك العجوز المسنة.

قال في نفسه بمزاح:
_ياه، لو دين كان هنا وشاف البيت ده، كان زمانه رعب الست العجوزة دي وموتها في جلدها لحد ما كانت هربت من المكان كله وماتفكرش ترجع له تاني، وكان هيعيش فيه بضمير مرتاح، كويس انه ماردش على تلفونه ومجاش هنا.

خرج من السيارة وساعد المرأة في النزول من "الأيمبالا".

دخلا للمنزل وضايفته المرأة بكوب من الشاي الساخن، شرب سام وهو يتفحص المكان حوله بعينه الخبيرة.

لكن فجأة بدأ المكان يدور به كـ طاحونه هواء، حاول أن يقف على قدمه وهو يلقي بالكوب بعيداً.

نظر للمرأة العجوز أمامه وإذ به يجدها تبتسم له في خبث شديد.

وبدأت تنزع القناع من على وجهها وفجأة ظهرت ألكسندرا فتاة الإنقاذ.

سقط سام فاقدا الوعي لا يدري بالعالم حوله.

فتح سام عيناه، وجد سقف بعيد جداً أمامه، حاول أن يجلس وجد نفسه مقيد، نظر حوله بجنون وهو لا يستوعب أي شئ.

نادى بصياح جنوني:
_هاى، أنتي يا بت أنتي، أنتي فين يا حقيرة؟ تعالي لـ هنا فوراً.

ظهرت ألكسندرا، خرجت من غرفة أخرى مجاورة، حملق بها سام لكنها خرجت وعيناها تنظر له بخوف كبير بالرغم من كونه مقيد، لكنها تهابه بشدة.

قالت له قبل أن يصرخ فيها وهي رافعة يدها شارة الإستسلام:
_أسمعني أولاً قبل ما تصرخ في وشي،

أولاً لازم تعرف إني بحبك أوي يا سام، عارفة إنك هتبص لي على إني بنت مراهقة، هاوية، تافهة، مملة، ورخمه،

عارفه انك هتظن فيا أسوء الظنون، بس الحقيقة الوحيدة هي إني بحبك أوي يا سام، أقسم بكل ما هو مقدس إني بعشقك، أنا اعرفك كويس أوي زي دين اخوك واكتر منه كمان،

أنا كنت وراكم لوقت طويل أوي، براقبك في كل خطوة ونفس لحد ما عرفت عنك كل حاجه يا سام، عرفت بتحب إيه؟ بتكره ايه؟ إيه هو آكلك المفضل ومشروباتك كمان،

مسلسلك المفضل، مطربك، المادة اللي بتحبها جداً، وهي بالمناسبة القانون الجنائي تحديداً، بتحب تمارس رياضة إيه، حتى الهوكرس اللي بتمار--

هنا أوقفها سام صارخاً:
_بس يا ألكسندرا، أسكتي شوية، أنتي بتعملي إيه بالظبط؟ عايزة توصلي لإيه مش فاهمك؟! أنتي خدعتيني وخطفتيني عشان تقولي لي كل الكلام الفارغ ده عني؟

طب أنا إيه اللي يخصني في كل ده، يهمني في إيه اللي تعرفيه عني ولا اللي فاكره نفسك تعرفيه عني؟

أسمعيني كويس يا بت أنتي بقى، أنا هحاول أنسى كل الجنان اللي عملتيه ده، بس حليني وفكي الكلبشات دي عني وسبيني أخرج من هنا،

وبحذرك لأخر مرة يا ألكسندرا، أبعدي عن طريقي أحسن لك، أنا سبق وحذرتك قبل كده، أنتي ليه مصره تطارديني؟

أنا مش هبص لك عمري، لا أنتي ولا غيرك، انتوا إيه مشكلتكم يا بنات الجيل ده؟ خلاص وصل بيكم الفجر والبجاحة أنكم تطاردوا الرجاله كده عيني عينك، إيه مشكلتكم أنتم مش فاهم؟

عقدت ألكسندرا ذراعيها على صدرها بعناد كـ الأطفال وقالت له بثقة:
_إيه مشكلتك أنت دلوقتي يا سام؟ هتقولي دلوقتي أنك
من أتباع "ريمبو فريندز"؟ يعني انت شاذ.

صاح فيها بصراخ:
_نعــم، بتخرفي تقولي إيه أنتي؟ لاء طبعاً يا هبله أنتي، أنا بس، بس انا--

قاطعته بثقة:
_مش عايز تتعرف او تقرب من البنات، خايف أن حبيبتك تتقتل تاني زي حبيبتك القديمة جيسكا ما ماتت على أيد عزازيل، الشيطان أبو عيون صفرا،

عزازيل أمير من أمراء الجحيم،

مخلوق شيطاني من أبالسة لوسيفر، سلط على والدتك وقتلها في تشرين الثاني عام 1981
وبسبب الكائن اللعين ده دخل والدك جون وينشستر عالم الصيد، أنقذ حياة سبعة ألاف وخمس وثمانون عيله على مدار سبعة وعشرون سنه،

بعدها استلمت أنت ودين باقي المهمات وكملتوا الطريق من مكان ما وقف والدكم، بس أنتم كنتم أكتر ذكاء وفطرة منه، وأنقذتم في سبع سنين أكثر من اللي أنقذه هو في حياته كلها.


تابع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي