9،إتهام وتهديد

_مع أليزبيث.

المسكينة برغم أشمئزازها من هذا الرجل لكنها وجدت نفسها مضطرة أن توافق عليه وإلا لن تهرب من حصن والدتها وأشقاءها مطلقاً.

أتفقا على كل شئ ونهض أريسو وأقترب منها قائلاً بحرج:
_بجد أنا سعيد جداً بالعلاقة دي إيزي، وأكيد هنكون كاَبل هايل، أتفضلي خاتم الخطوبة.

نظرت إيزابيلا ليده، رأت حلقة دائرية معدنية يتوسطها جوهرة خضراء باهتة وبها بقع سوداء، من الواضح أنه لم يكلف نفسه عناء تنظيف الخاتم قبل تقديمه لها، حتى أنه لم يضع الخاتم في علبة نظيفة كما هو معهود.

نظرت روني لـ مارتين إبنها نظره فيما معناها "ما هذا الخاتم القذر".

ضرب مارتين جبهته بعدم تصديق، فهمت روني أن هذا الأريسو رجل بخيل جداً.

لكن إيزابيلا لم تكن متحفظة كوالدتها، لم تستطع أن تخفي إحتقارها لخاتم الخطبة.

مدت أطراف أصابعها وأخذت الخاتم منه بكل إحتقار، رفعته امام عيناها تقلبه يمنه ويسرى.

قال لها أريسو بعدما لاحظ نظراتها المشمئزة لخاتمه:
_عارف أن شكله قديم متهالك، لكن الخاتم دا أسطوري وأثري، جدي لقاه في حفريات لآثار فرعونية قديمة وهو في بعثته لتنقيب الآثار وقدمه هديه لحبيبته، ومن بعدها والدي قدمه لوالدتي وأنا دلوقتي بقدمه لك، دا تراث عيلتنا إيزي، اتمنى تفرحي بيه وتفخري وأنتي لبساه، الخاتم ده هنقدمه لأكبر أولادنا يتجوز بيه.

نظرت له إيزابيلا نظرة إحتقار صريحة وهي تنظر للخاتم وتقلبه بإشمئزاز واضح، قالت له وهي تخرج محرمة نظيفة من علبة المحارم الموضوعة على المنضدة وتمسح الخاتم بأطراف أصابعها:
_هعدي أنه قطعة أثرية رغم ان كتير من اصدقائي علماء حفريات وياما شفت آثار مصرية ومجوهرات الفراعنة وأنا واثقة انهم مكنوش بيصنعوا خواتم بيئة كده ولا رفيعة ولا فلصوا ولا جواهرهم كانت وضيعة بالشكل ده، بس هعديها، المهم دلوقتي عايزة اعرف، أمتى الجواز؟

نظر أريسو إلى مارتين بتوتر، قال لها وهو متعرق كأنه ع وشك دخول حرب ما:
_قريب، قريب أوي، أنا بس منتظر المنحه اللي جايه لي من معهد الدراسات العليا وبعدها هنتجوز فوراً.

لم تخفي احتقارها عنه، اؤمت له بالموافقة وجلست بجوار والدتها، بدأو في التحدث والتشاور طويلاً، لكن إيزابيلا في عالم آخر وحدها، تفكر في نفسها قائلة بغضب:
_شكله كداب وبخيل، من أولها كده سواد، بس مش مهم هو إيه؟ المهم لما اتجوزه وقتها هتحرر، أمي فاكرة أنها هتفضل رابطاني جمبها للأبد، بس على مين، بمجرد ما اتجوز الحيوان ده هخليه يمشي على العجين مايلخبطوش، وهرجع أشتغل واعيش دنيتي وأعيش الحياة اللي حرموني منها.

_مع ساره وماركو.
وصلت في الموعد المتفق عليه، وجدت السكرتيرة الحسناء تقف لها إحتراماً على عكس نظراتها لها، لكن ساره تجاهلتها.

فتحت باب مكتب ماركو دون حتى أن تطرق الباب، دخلت وهي ترفع رأسها بشموخ.

لكنها أنتفضت مكانها عندما لمحته ينظر لها من خلف مكتبه والشر يتطاير من عيناه، أبتسمت ببلاهه وقالت:
_اعتقد اني sorry، مكنتش قاصدة إني افتح كده زي البهيمة، بس أصل--

ضرب ماركو المكتب بغضب وهو يصرخ فيها:
_بـــس، أخرسي شوية بقى، أنتي فاكرة نفسك فين هنا؟ واققفة على ناصية شارعكو، أنتي في مكان محترم ولازم تتآدبي وأنتي بتتكلمي، فاهمه ولا لاء؟

أنتفضت ساره مكانها، لكنها على عكس ما توقعها، ظن أنها ستبكي وتنهار أمامه متوسلة العفو والمغفرة منه.

لكن سارة أحمر وجهها بعنف، اقتربت منه بخطى ثابتة،وقفت امام مكتبه، ضربت المكتب المسكين هي الأخري بغضب وصاحت فيه:
_أسمع يا مدير انت، انا مابخافش من حد، أي حد، صوتك العالي ده ترعب بيه البسكوته اللي برا، إنما أنا لاء، no وألف no، أنت سامع ولا لاء،

أنت اللي عايزني أشتغل هنا واتجوزك غصب واقتدار، قلت إني المطلوبة، وطالما شايف كده يبقى تقبل الباكيتج كله على بعضه، مش هجزأ نفسي عشانك يا امور، ولا عشان غيرك، عجبك الكلام عجبك، مش عاجبك أتفضل أحبسني، أنا مبخافش من حاجه أصلاً، فاهمني يا كبير.

ظنت بأنه سينفجر في وجهها من كثرة الغضب الذي كسى وجهه الأسمر المتصلب المثير.

لكنه بمنتهى الهدوء، رفع سماعة هاتف مكتبه وقال وعيناه على ساره:
_باولا، اتصلي لي على الأمن الوطني، بلغيهم أننا مسكنا إرهابية في شركتنا، بلغيهم أنها خطيرة، مسلحة، وبتهدد كل الموظفين، وحابسه الرئيس واعضاء مجلس الإدارة كلهم في غرفة الاجتماعات العامة، بسرعة و--

ركضت ساره التي أنتابها الفزع ومسكت السماعة من يده وضعتها مكانها، مسكت يد ماركو وقبلتها بأنفعال وهي تنظر له بتوسل وهي تقول:
_لاء يا باشا، إزاي تتهور كده، عايز تحبس ام عيالك يا كبير، دا انا هبقى مراتك يا جدع، والله بهزر معاك، هو محدش يهزر في البلد دي شوية غير ويلبس كلبوش، خلاص والله، وعد مني هحط جزمة قديمة في بقي ومش هعترض تاني مطلقاً.

نظر ماركو لوضعيتها الحالية وهي ممددة على المكتب على بطنها، وتمسك يده في حركة طفولية أثارت سخريته.

اخذ كف يده من يدها وهو رافعاً حاجبيه، دار حول المكتب وهي تتبعه برأسها حتى اصبحت رؤيته مؤلمة لعنقها.

لكنه فاجأها عندما سحبها من قدمها أوقفها أمامه مباشرة، تعمد ان يلتصق بها؛ حتى أنها عانت وهي ترفع وجهها لتنظر له.

قال لها بتهكم ووقاحة:
_يعني هتحترمي نفسك من هنا ورايح؟

_حصل يا باشا.

_هتعدلي لسانك الملووح ده وتتكلمي زي الخلق؟

_هحاول عشان خاطر عيونك دي يا باشا.

_بطلي كلمة يا زفت يا باشا دي ولا شيفاني مدلل الطرطور فوق دماغي.

كتمت ضحكتها وقالت:
_كل اللي تأمر بيه يا كبير، علم وينفذ.

مسك ذقنها وقرب وجهها منه بالقوة وقال لها وهو يجز على أسنانه بكل غضب:
_بطلي تقولي لي يا كبير، يا باشا، ويا قطران، أنا مستر ماركو، فاهمه ولا تحبي افهمك بلغة أشكالك يفهموها كويس.

ظن انها خافت وستوافق بكل رعب، لكنها نظرت له بتحدي وقالت:
_ياريت تعرفهالي يا مستري، لاحسن بعيد عنك انا مخي بهايمي خالص ومقرفة.

نظر لها ببرود وأشمئزاز، بدا أنه على وشك فعل أمراً ما لكنه تراجع ودفعها بعيداً عنه، قال لها بكل حده بارده:
_ماشي يا ساره، أنا هعرفك إزاي تتعاملي مع البشر؟ ودلوقتي هأخدك ونروح على مكتب أولاف ونتجوز هناك وهتمضي لي عقد فيه شرط جزائي انك لو خالفتي المدة المحددة ليكي هتدفعي ضعف المبلغ اللي هتأخديه، موافقة ولا لسه عندك اعتراض؟

زمت شفتاها بضيق وقالت له وهي تربع يدها على صدرها بضيق:
_خلاص مفيش كلام تاني يتقال، أعمل اللي يريحك يا باشا-- قصدي يا مستري.

لم يرد على كلامها، رمقها بنظرات بارده، اخذها وذهبا إلى مكتب المحامي أولاف.

وهناك تزوج بها لكن ليس قبل ان تمضي على عقد وثائقي لم تقراه حتى.

‏ وبعد إتمام الزواج رسمياً أخذها في سيارته قال لها برسميه جاده:
_ودلوقتي بقيتي مراتي رسمي، يعني هتسمعي كلامي بدون اي نقاش، هاخدك على قصر العيلة وهناك هتلاقي هدوم تاني تليق بسكرتيرة ماركوس تورينتو، وقصاد العيلة أنتي مراتي، لكن قصاد الناس وفي الشركة أنتي مجرد سكرتيرة خاصة بيا، فهمتي ولا لسه محتاجه شرح اكتر.

زمت شفتاها بضيق ساخر وأردفت:
_لاء فهمت كويس، ماهي مش كيميا يعني، المهم حضرتك هتروحني دلوقتي ولا ينفع نروح نتغدى لأحسن بعيد عنك واقعة من الجوع.

رمقها بنظرة إحتقار باردة وقال:
_ماشي، هأكلك، حاسس إني شاري كلبه بلدي مش شاري بنت تافهه مقرفه.

قال هذا وبدأ يحرك السيارة.

لكن ساره بدأ ضميرها يؤنبها بشدة، شعرت كم هي رخيصة وضعيفة لقبولها بهذه الزيجة الوقحة.

رأت كم أن زوجها طاغيه وانها تسرعت في الموافقة على الاقتران به لأنه اوضح لها بصورة مباشرة أنها مجرد سلعه اشتراها لوقت معين.

‏ حزنت وأرادت بشدة أن تبكي، وصل بها الحال أنها تريد ان تلقي بنفسها من سيارته وهي مسرعة على الطريق السريع.

‏ لكنها تراجعت وقالت في نفسها بصوت مكبوت بالدموع بداخلها:
‏ _لازم أفضل متماسكه وأحاول ألقى طريقه اهرب بيها من الراجل ده، كده ولا كده هو ما اشترطش عليا اننا نكون سوا، هو اشترط اني اكون زوجه ليه طول السنه لكن ما حددش اكون فين؟ او معاه ولا لا، بس انا اخاف اقول له كده ده ممكن يقتلني حرفياً،

‏ احسن حاجه اني اساير الموجه لحد ما ألاقى فرصة للهرب من الخنزير ده انا ما بقاش فارق معايا حاجه في الدنيا،

‏ لكن مش هتوصل اني اتعامل بالرخص والاحتقار ده، لأ، لو فاكر اني لقمه طريه أوي كده هعرفه ان عظمي ناشف ومش كل طير اللي يتاكل الكبد والقوانص بتاعته.

ماركو استغل شرودها وبدأ ينظر لها نظراته المتفحصة بعناية، وجدها بالفعل فتاة جميلة يافعة.

وجد ان مشكلتها الوحيده او مشكلتها الاكثر تعقيداً؛ هي لسانها الحاد، لولا تطاولها في الحديث وطريقتها الوقحة في الكلام لكانت جميلة جداً لا ينقصها سوى ثياب جديدة وطريقة أخرى لتتعلم كيف تتكيف في المستويات الراقيه؟

‏ وجد ماركوس أنه باستطاعته ان يغير تلك الفتاة التي اصبحت بالفعل زوجته وستظل طوال تلك السنه التي ستتواجد معه فيها وشعر انه سيعاني قليلاً منها وسيواجه مشاكل كثيرة قبل ان يجبرها على التغيير.

‏ لكنه يعشق التحدي وسيد من يتحداه؛ فقرر ان يكمل طريقه ويواجه اي شيء.

‏بداخله شعور قوي ان تلك الفتاة هي الفتاة المنشودة الموعودة التي ستزيل اللعنة عن عائلته.

‏ عاد للقصر معها، كان قد راسل والده قبلها وأخبر الجميع بأن الزوجه تعيسه الحظ وصلا إلى القصر الفخم.

‏ اخرجت ساره رأسها من النافذة كالاطفال وهي تنظر حولها بصدمة كبيرة جداً.

‏ شعرت انها دخلت الى مسلسل ألف ليله وليله لكنها لم تعرف بعد من هي زوجه شهريار؟

‏لكن ما تعرفه جيداً بأنها بعيدة كل البعد عن تلك المكانه وشهريار بالطبع هو زوجها ماركوس تورنتو الرجل الاكثر صلابة وقسوة في تعامله وشكله وملامحه.


بدأت تخرج من السيارة وهي تنظر حولها ببلاها كطفلها أخذها والدها الى مدينه ملاهي في منطقه راقيه لم تتوقع ان تدخلها مطلقاً.

كانت سعيدة، خائفة، منكمشة، ومقبضه في نفس الوقت لكن اخرجها من شرودها ماركو وهو يقول لها بأمر:
‏_يلا تعالي أما اعرفك على العيله، ولازم بسرعه تغيري شكلك العره ده قبل ما حد غريب يجي لكن عيلتي عارفه عنك كل حاجه.

‏ نظرت له ولم تتفوه بكلمة، قررت ان تجاريه في كل ما يقول حتى لا تتشاجر معه مرة أخرى.

‏ بالفعل دخلت الى القصر خلفه وبدأت تنظر بكل سعادة إلى المكان حولها.

‏ كل شيء بدا زاهياً، لامعاً، وجميلاً، هذا لا يعكس صفه وشخصية زوجها المغرور.

لمحت بعض الاشخاص يجلسون بكل وقار على فوتيه غالي، نظرت عليهم بتوجس لكنها توقفت عندما لمحت احدهم.

كتمت شهقة فزع، جعلت الجميع يقف مصدوم ونظر لها ماركو بعدم تصديق.

تابع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي