23، سر الماضى

"مع ألكسندرا، سام، ودين في منزل ألكسندرا"
انا مش محتاجه مساعدتكم ابداّ، أقدر أحمي نفسي كويس وعيالي كمان يقدروا يحموا نفسهم.

حدق الشقيقان لبعضهم بصدمة وذهول! نظرا لها بحدة وقالا في نفس واحد:
_نــــــعـم.

سألها سام بحدة:
_تقصدي إيه أنهم قادرين يحموا نفسهم بنفسهم؟ دول مجرد اطفال.

رد "دين " بتهكم:
_يمكن العبقرية جابت للعالم سوبر هيرو وإحنا ما نعرفش ولا حاجه.

ردت ألكسندرا بضيق:
_أسمع يا عم الظريف أنت وأخوك، وأسمعوني كويس أوي كمان، أنا ماطلبتش ولا هطلب مساعدة منك أنت وهو، من فضلكم بقى أمشوا من هنا بهدوء وبلاها النوش اللي بتعمله انت وهو ده في كل مكان تروحوله وعيله ستيفاني عندها جيران غيري كتير، انا مش هقدر اساعدكم.

نظرت لهم بغضب، تركتهم ودلفت لمنزلها، نظرت لهم نظرة أخيرة لكنها نظرة حزن وليس غضب، أغلقت الباب في وجههم.

نظر الشقيقان لــبعضم بقلق، لكن جوال "دين " رن، رفع حاجبيه بضيق وهو يرد:
_مين اللي بيزن؟

صوت "جين" على الطرف الآخر:
_سيد "دين " معايا.

_ايوا، انتي مين؟

_"جين"، عايزة اتكلم معاك بخصوص المسخ الأخضر الضاحك، فاكره يا استاذ دين؟

حملق "دين " في شقيقه بصدمة، تعجب "سام" من نظرته، أردف "دين ":
_ماشي يا أبله جين، أبعتي لي عنوانك واتس على الرقم ده وإحنا هنجي لك حالاً.

أغلق معها وهو مقضب الوجه، سأله "سام" بأستغراب:
_في إيه.

_هنمشي دلوقتي، واضح أن في قضية كبيرة تانية مستنيانا، مش عارف يا جدع، شكل الماضي كله رجع يصحي مره واحدة ويطلردنا، هو يوم مهبب من أوله.

ذهل "سام" من شقيقه! سأله بصدمة وهو يشير على منزل "فايا":
_أنت بتقول إيه يا دين، إحنا بالفعل في قضيه دلوقتي، عيله ستيفاني دي والكبتوني، دين!! دا الحقير اللي بندور عليه من سنين،

عايزنا بسيبه بسهولة كده، دا إحنا ما صدقنا لقينا دليل يوصلنا ليه بعد دوختنا السنين اللي فاتت دي كلها وكمان الهوكر اللي أسمها ألكسندرا دي، واضح انها عارفه حاجات كتير ومخبياها وفي أمور غامضه جداً عندها،

لاء يا دين، مش هينفع نمشي من هنا دلوقتي، في ألغاز كتير في البيتين دول ومش هنمشي غير لما نفهم، مش هنمشي ببساطة كده.

قال له "دين " وهو غاضب:
_أنت شايف الديل نازل قصادك أنت كمان، شايف اخوك أستحمر فجأة يا عم انت، انا فاهم أن الحوار هنا كبير، وماقلتش أننا هنسيب الحوار، أوعدك أننا هنرجع ونحقق بطريقتنا في حوار البت دي والعيلة دي كمان، لكن في قصة أستجدت علينا ولازم نفوق لها، لازم نفتح ملفات اتقفلت من زمن، دا المسخ الاخضر يا سام، تاني يا سام.

"مع ساره وماركوس في غرفتها"

توجهت لغرفتها وهي تشعر بقلبها محطم من خيبته، توجهت لدورة المياه وتسبحت طويلاً تحت المياة المنعشة.

خرجت من دورة المياة وهي تلف منشفة حول جسدها، لكنها صرخت مصدومة عندما وجدته امامها يحملق فيها بصمت.

سألته بريبة وهي تمسك المنشفة حولها بأحكام:
_في إيه يا مستري؟ خضتني واللهِ.

وقف وأقترب منها وهو يقول بحزم:
_جيت أفكرك بالعزومة اللي هنسافر لها بعد كام يوم، أنتي وعدتيني أنك هتكوني هاديه ومش هتظهري للناس أسلوبك الرقيع اللي بتتكلمي بيه مع الكل ده، فاكرة وعدك يا آنسه ولا هتحرجيني قصاد الكابوني والكل؟

قالت له بسخرية لاذعه كعادتها:
_فاكره طبعاً ودي حاجه تتنسي، دي كانت ساعه سوحه يا مستري، أنسى إزاي إنك هددتني كالعادة والنمر البارد بتاعك فزعني وكنت هقع زي الجردل زرع بصل لولا، يلا الحمد لله بقى.

نظر لها ببرود بسبب طريقتها المستفزة التي تصر على التحدث بها، رمقها بنظراته تلك وأستدار ليخرج.

لكن ساره، سرت بداخلها قشعريرة الذنب؛ فهو آتى إليها ليطلب منها الألتزام بوعدها وهي أظهرت له جحد لا يتناسب مع مواقفه الشهمة معها.

ركضت إليه مسكت يده اوقفتها عن الذهاب وتركها وحدها، نظر لها بتساؤل رافعاً حاجبيه بفضول.

قالت له بنبرة هادئة لم تتحدث بها مطلقاً معه أو مع غيره:
_معلش يا مستر ماركو، سامحني، أنا عارفه إني كنت جاحدة معاك بزيادة وأنت أنقذت حياتي كذا مرة وكمان مقدرش أنكر انك أمنت لي بيت وشغل وقيمة وسط الناس، كان لازم أشكرك وأكون جدية معاك أكتر من كده، بس عامة إحنا فيها، آسفه على أسلوبه معاك وشكراً على إنقاذك ليا وعلى كل حاجه عملتها عشاني، شكراً يا مستري.

صدم ماركوس منها بشدة، لم يتوقع منها هذا مطلقاً، شعر بالحيرة في أمرها، أؤم لها برأسه وسحب يده منها وتوجه للخارج.

لكن ساره اوقفته مرة أخرى حين قالت له فجأة دون قصد منها:
_هو أنت لسه بتقرف مني؟ ما ينفعش تبات معايا انهارده هنا؟

تجمد ماركوس مكانه، حتى أنه لم يستطع الألتفاف والنظر إليها، لم تنتظر ساره أن ينظر لها أو يجيبها.

سارت نحوه بعدما تركت يدها وسقطت المنشفة عنها، وقفت خلفه مباشرة وقالت له بصوت تملاؤه النشوة الغامرة:
_عارفه أن في بينا إتفاق، بس أنا مش قادرة أتحمل أكتر من كده، قربك مني طول الوقت خلاني أبقى عايزه--

قاطعها قائلاً بجمود:
_ومين قال إن العقد بينا فيه إنك هتبقي مراتي صوري بس، الجواز بينا كامل متكامل، بس--

ألتفت إليها وقال:
_لسه بدري على الكلام ده ساره، أنتي فاهمه غلط أنا مش عايز انن--

قاطعته بنظرة خيبة كبيرة وهي تشعر بالخجل والخزى وقالت:
_وانا آسفه إني أحرجتك يا مستر ماركوس، أوعدك مش هيتكرر مني تاني، عن إذنك.

سارت نحو المنشفة بحرج شديد، وضعتها عليها وتوجهت للمرحاض وهي تبكي بصمت وهدوء.

أغلقت على نفسها الباب ووقفت خلفه، سمعت خطوات ماركو وهي تبتعد حتى أختفت.

خرجت من المرحاض وألقت بنفسها على الفراش وأنهمرت في البكاء، كرهت نفسها لما فعلت ولشعورها بالخزى الشديد.

مرت الأيام التالية بهدوء مقبض وبرود في التعامل من ساره لـ ماركوس.

آتى يوم السفر الموعود، دخلت مكتبه وسألته ببرود:
_مستر ماركوس، حضرتك بلغتني افكرك بميعادك مع مسيو أرماندو انهارده الساعه أتنين والسفر هيكون على خمسه، تحب حضرتك أبلغهم يحضروا لك العربية؟

نظر لها بغموض وقال بحزم:
_لاء يا آنسه، بلغي يوشين يحضر لي شنطة السفر، معاد الرحلة اتأجل وهسافر بعد ساعه.

تعجبت لأنه لم يذكرها في السفر، ولم يطلب منها تجهيز نفسها هي أيضاً، أضطرت أن تسأله بفضول:
_حضرتك قلت هتسافر؟ يعني قصدك هتسافر لوحدك؟

_أيوا يا آنسه، هو في مشكله؟

_لاء يا مستر، بس أصل حضرتك كنت قايل إني هسافر معاك، ولا غيرت رأيك؟

_خلاص مفيش داعي لسفرك يا آنسه، تقدري تكملي شغل في المكتب لحد ما أرجع، أتفضلي شوفي شغلك.

شعرت بخيبة كبيرة كأنها تلقت صفعة منه على وجهها، لم تجد ما تقوله له، نظرت له بحزن وخرجت مطأطاة الرأس من مكتبه.

غادر ماركوس باكراً عن موعده، أنهت ساره العمل في المكتب، كرهت أن تعود إلى القصر وتختلط بعائلة ماركوس؛ فهي ترى جيداً أنهم يكرهونها ويتعاملون معها بجفاء شديد.

وهي لم تحبهم كثيراً، فهي حتى اللحظة لم تتعرف رسمياً سوى على فرانسيين وانجلو، أما باقي العائلة فهي لا تعرف اسمائهم حتى.

دلفت مباشرة إلى غرفتها، بدلت ثيابها وخرجت للشرفة، رأت أن الوقت لايزال مبكراً جداً للنوم، ولا تستطيع أن تظل سحينة غرفتها حتى يحين موعد النوم.

رأت الحديقة غناءة بالزهور النادرة والنباتات المشرقة، قررت أن تهبط إلى الحديقة وتراقب غروب الشمس وهي جالسة بين الزهور.

بالفعل، بدلت ثوبها للمرة الثالثة وأرتدت ثوب قطني خفيف مريح، خرجت بخفة وبهدوء من غرفتها كي لا تصطدم بأحد أفراد العائلة.

خرجت من باب المطبخ الخلفي وهي تسخر من نفسها لتلصصها هذا كأنها على وشك إرتكاب جرم ما.

خرجت للحديقة الخلفية، سارت بين الزهور وهي تجبر أنفها على ألتقاط كل الروائح الذكية التي تمر عليها.

لكن كل هذا الجمال لم يخفف ثقل قلبها، جلست بين بعض الزهور تنظر للشمس وهي تغرب مودعة هذا الجزء من العالم بأبتسامة مشعة صافية كعادتها كل يوم.

لكن ساره شعرت أن الشمس تلقي في قلبها المزيد من الغم والكآبة كأنها تتوعد لها بـ غد أسوء من اليوم وأمس.

تمهدت بتعب وثقل على صدرها، أغمضت عيناها وتنهدت بضيق، لكنها رأت في مخيلتها وهي مغمضة العين، زوجها ماركوس، رآته يقف في ساحة قصر فخم

يشبه قصر عائلته هذا وهناك ثرايا ضخمة فوق رأسه ورأس الكثير من المدعويين، لكنه يبدو كأميرهم جميعاً ببذلته الغالية الأنيقة

وشعره المهندم بعناية فائقة، ونظراته الصارمة الجامدة، لكنه يقف متأهباً كأنه في إنتظار حدوث شئ مهم، أو ظهور شخص مهم.

وبالفعل رأت فرانسيين تهبط درج القصر وهي ترتدي فستان أحمر مخملي، له ذيل طويل يهبط خلفها على طول الدرج، يظهر صدرها بارزاً من فتحة الصدر، ويكشف قدمها حتى الفخدين من الأمام.

كانت تبدو غاية في الجمال الآلهي، خاصة شعرها الأسود اللامع وهو منسدل على كتفها بحرية وأنسجام.

وصلت فرانسيين للأرض، مسك يدها ماركوس، قبلها وهو ينظر لعيناها بوقاحة.

أنحن الجميع لهما احتراماً وماركوس يجذبها برفق إلى منتصف الساحة الواسعة.

بدأت موسيقى خلابة مقبضة تعزف لحن هادئ يلسب الألباب ويحرك الفؤاد ويهيب الشجن لقلوب العاشقين.

أحتضن ماركوس فرانسيين وبدأ يتراقصون بهيام وإنسجام على الموسيقى الحالمة وتحت أضواء الثريا الكريستال المميزة في جو من الألفة والإثارة المغرية.

هنا فتحت ساره عيناها وهي مفزوعة، وقفت بأنفعال وركضت كالمجنونة بين الزهور.

وصلت إلى القصر، دخلت إليه وهي تركض بجنون، لاحظها أنجلو ونادها لكنها لم تقف.

صعد خلفها يركض وجدها تقف على أعتاب باب غرفة فرانسيين، سألها بحدة منزعجة:
_أنتي يا آنسه، بتهببي إيه عندك هنا؟

نظرت له بعينان تضجان شرأً وسألته بأمر:
_هي فرانسيين فين؟

نظر لها بتعجب لكنه قال ببرود:
_راحت الحفلة مع ماركوس، الكل في الحفلة من بدري اصلاً، وأنا هسافر حالاً، بس بتسألي ليه؟

أغتاظت ساره بشده وقالت له وهي تقترب منه:
_دا أنا هسود عيشتهم هما الأتنين، خدني معاك يا أنجلو، أنا كمان هروح الحفلة.

"مع إيزابيلا في غرفتها"

بدأت تتساءل بغضب:
_يعني إيه العروسة تظهر وتختفي كده، أنا فعلاً مبقتش فاهمة حاجه، بس بكرا هشوف قصتها ايه بنت الصرمه دي كمان.

نامت بيلا بعد جهد جهيد بسبب تفكيرها في هذه الـ سونا وتصرفاتها الغريبة، فتحت بيلا عيناها على صرخات مدوية لم تفهم هل لاتزال تحلم؟ أم أنه بالفعل هناك صرخات تملأ الحي بأكمله.

أنتفضت جالسة وهي ترمش عدة مرات كي تتيقن بأنها لا تحلم، وبالفعل كانت هناك صرخات عاليه جداً وقريبه.

أنتفضت بيلا مذعورة وركضت إلى الخارج، وجدت روني تهرول للخارج هي أيضاً وهي تضع الروب على قميصها.

سألتها بيلا بذعر:
_هو في إيه؟ إيه الصريخ دا كله؟ جاي منين رون؟

_مش عارفه يا بيلا، تعالي نطلع نشوف كده.

فتحت بيلا باب المنزل ورأت تجمهر الجيران عند منزل صديقتها وجارتها أرجين.

ركضت بيلا مع والدتها إلى هناك وسمعت أن أرجين قتلت في غرفتها من الناس.

صرخت بيلا بفزع وقالت لوالدة أرجين:
_الناس بتقول إيه يا أرينا؟ أرجين ماتت، ماتت، إزاي؟

أنهارت المرأة من البكاء ولم تستطع الرد على بيلا.

تركتها بيلا وصعدت راكضة إلى غرفة الفتاة، فتحت الباب وهي تتمنى أن يكون هذا مقلباً كما تعودوا أن يفعلوا مع بعضهم.

لكنها كتمت صرختها وهي ترى ارجين ملقاة أرضاً، وجهها كان أزرق منتفخ، فمها مشقوق كأن أحدهم حاول فتحه بعنف شديد لدرجة أن خديها تشققا، وجدت بطنها ممزق كأن مسخ بمخالبه موق لها بطنها كلها.

كان مشهد مقزز مرعب غير منطقي، صرخت بيلا وسقطت على قدمها أرضاً وهي تنظر لجثة أرجين المشوهة كلياً.

لكن بيلا حملقت غير مصدقة في الأرض، رأت بعض الخصلات الذهبية بجوار جثمان أرجين.

تابع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي