15، ماذا فعلت له؟

"مع سام وألكسندرا"

حملق فيها سام بصدمة كبيرة جداً، نظر لها وقال بعدم تصديق:
_إزاي عرفتي عننا كل ده يا بت أنتي؟ أنتي مين بالظبط؟

أخرجت ألكسندرا وثيقة من جيبها وفتحتها في وجهه وقالت له بثقة كبيرة وتحدي:
_أنا مراتك يا حبيبي.

"مع ساره وماركوس في القصر".

بدا الجميع يثرثر وهم يشربون القهوة في ردهة مخصصة لهذا الأمر بعد تناول الطعام عادة.

ساره شعرت بالضيق لأن الجميع يتجاهلها ويتحدثون معاً بلغتهم الإيطالية، ظنت أنهم لا يريدونها أن تسمع ما يقولون، لأنهم على حسب اعتقادهم أنها فتاة فاشلة لا تفهم لغتهم.

لم تحاول أن أن تظهر لهم أنها تفهم اللغة جيداً وتفقه حديثهم كله.

شعرت بالملل من حديثهم الجدي عن العمل، قررت ان تتركهم وتنهض لتسير قليلاً في الخارج.

بالفعل نهضت وخرجت من الردهة، لم يكترث لها أحدهم، توجهت للخارج بحذر شديد؛ فهي لم تعرف أي شئ عن هذا القصر بعد.

خشت أن تلتقي بالنمر بيترو في طريقها بالصدفة، لكنها أستطاعت الخروج من القصر، وقفت في الحديقة تتأمل جمالها تحت ضوء القمر الساطع.

تنهدت بضيق شديد وهي تشعر بأن الهواء خانق على عكس ما يوحي به الجو العام للمكان.

لكنها جفلت فجأة وهي تسمع صوت خلفها يقول بحدة غاضبة:
_أنتي عملتي إيه لـ أنجلو خلتيه يقوم منطور ويسيب العشا؟

ألتفتت ساره بذعر على صوت فرانسيين وتحقيقها لها، رمقتها بنظرات ساخرة وقالت لها:
_معملتش حاجه لحد،ما تروحي تسأليه، أنتي جايه تحققي معايا أنا ليه يا ست أنتي؟

حدقت فيها فرانسيين بنظرات صادمة، قالت لها بكل غرور وغطرسة:
_أنتي أتجننتي يا بتاعة أنتي؟ إزاي تنسي نفسك وتكلميني كده؟ انتي ماتعرفيش أنا مين وممكن أعمل فيكي إيه؟

_بصي يا مدام أنتي، أنا ملاحظة أنك قارشة ملحتي من ساعة ما دخلت هنا، بصي من الأخر كده، ياريت تفكك مني وتحلي عني، عندك مشكلة معايا ولا في وجودي هنا روحي اتخانقي مع ماركو بتاعكم ده، هو اللي هددني عشان يتجوزني، حد قالك إني كنت هموت وادخل الغابة بتاعتكم دي ولا اعرف ناس زيكم؟ أنا هنا بالإكراه يا قطقوطة، وياريت بقى تحلي عني عشان مش طالبه قرف على المسا، هو كان يوم نحس من أوله.

رمقتها ساره بنظرات باردة واستدارت للجهة الأخرى، ظلت تسير حتى شعرت بالإرهاق وأنها لم تعد تقوى على الوقوف على قدمها أكثر من هذا.

عادت لغرفتها بصعوبة، لكن لحسن حظها لم تواجه أحدهم في طريقها، دخلت الغرفة وألقت بنفسها على الفراش.

لكنها أنتفضت واقفه عندما سمعت صوت ماركوس عند الشرفة يقول لها بكل حده بارده:
_كنتي فين؟

وقفت تحملق به بصدمة، قالت له بلعثمة:
_أنت-- أنت هنا من أمتى؟ وماقولتليش ليه أول ما دخلت أنك هنا؟

أقترب منها بخطى ثابتة بطيئة وقال وهو يقف أمامها بكل شموخ:
_انا هنا اللي بسأل مش أنتي، كنتي فين؟

_اوف يا مستر ماركو، كنت بتمشى في الجنينة، زهقت من كلامكم اللي مش فاهمة منه حاجه وقمت أتمشى شويه، إيه ارتكبت جريمة أنا مثلاً؟

_أخرسي، أنتي فاكرة نفسك جايه هنا فسحه ولا سفاري، أنا قلت لك أنتي هنا مرافقة ليا أنا، فهمتك أنك هترافقيني زي ضلي، إيه مشكلتك أنتي؟ ما بتعرفيش تفهمي زي الناس على طول ليه؟

تنهدت بعصبية وقالت له بحدة:
_ودي بقى أعملها إزاي معلش؟ أما حضرتك من ساعة من العشا وأنت قاعد مع أهلك ترغوا بلغة غريبة، وحتى النوم قلت لي أنام بعيد عنك، يبقى الزق فيك أنا بالعافية والإكراه، ما تفهمني أنت عايز إيه بالظبط وأنا أعمله يا باشا.

تضايق من أسلوبها الفظ في الحديث معه، مسك ذرعها هزها بعنف وهو يقول لها بغضب:
_لو ما بطلتيش أسلوبك الزفت ده في الكلام اوعدك إني هحبسك بنفسي جوا القبو، ومش هتشوفي نور الشمس تاني غير لما انا آمر بكده، أنتي سامعه.

ساره طفح كيلها من تهديده الذي لا يتوقف، صرخت فيه غاضبة:
_ما كفاية بقى، أنا قرفت منك، كل شوية تهديد، كل شوية تحذير، كل شوية عنطظة عليا ليـــه؟ دي كانت ساعة سودا يوم ما فكرت أشتغل في شركتكم، انت هتفضل تبيع وتشتري فيا طول الوقت، أنا مش جارية عندك يا باشا، أنت اللي محتاج لي وعلى كلامك،

أنا ما جبرتكش تشغلني عندك ولا قلت لك أتجوزني بليز، أنت اللي عاوزني يا ماركوس بيه، بس أنا تعبت بقى، دا احنا ما بقلناش أتناشر ساعة مع بعض وزهقت اهلي، اومال هنكمل سوا سنه إزاي، أسمع يا ماركو بيه، لو معاملتك معايا هتفضل بالشكل ده يبقى تتصل بالشرطة وتجيبهم ياخدوني، أظلمني وأحبسني وأنت ضميرك مرتاح انك ظلمت بنت يتيمة غلبانه زيي، لكن انا مش هتحمل معاملتك دي أكتر من كده، هو في إيه بقى، هو اللعب باليشر عادي كده عندكم؟ هو أنا مش بني آدمه وعندي مشاعر بتتوجع؟

ولا انتوا كلكوا كده يا اغنيا؟ فاكرين أنكم أنتوا بس اللي بشر ومن حقكم كل حاجه وأمثالنا أحنا مصنوعين من خردة وبلاستيك مالهومش أي حقوق، أنا تعبت بجد، أسمع يا باشا، فكر كويس في كلامي وأبقى رد عليا، يا تعاملني زي الناس ويكون في بينا كل إحترام يا أما نفضها سيرة وشوف أنت عايز تظلمني وتتبلى عليا بإيه؟ ومن غير تصبح على خير.

تركته ودخلت المرحاض الملحق بغرفتها، اغلقت على نفسها الباب ووقفت تبكي بكل غضب وعصبية.

"مع إيزابيلا"
أستيقظت بيلا على صرخات والدتها المدوية، أنتفضت من على فراشها وركضت إلى الخارج، وجدت والدتها تصرخ وهي تمسك الهاتف وتصرخ بهستريا.

فهمت بيلا أن شقيقها مارتين قد أصيب في حادث بشع وهو عائد من عمله لمنزله.

ركضتا بيلا وروني إلى المشفى وهناك وجدتا زوجة مارتين فلورا، وبناته مانديلا، بنت مارتين الصغيرة،
أشوكا، البنت الأكبر منها، بريتني، البنت الكبيرة.

لحظات من الآهات والدموع، أحتضنت بيلا بنات شقيقها بشق الأنفس وهي تبكي بحزن وقهر على تؤامها الكبير.

شعرت بأن كل حياتها أنقلبت رأساً على عقب في لحظات، شقيقها كان لايزال على قيد الحياة، لكنه أصيب بجروح بالغة وكسور عديدة في أماكن متفرقة.

كم هو غريب ذاك الشبح المسمى بـ الموت، عندما يقترب ذاك الشبح مع احباءنا ويهددهم لـوقت طويل، كم نشعر بالخطر يطوف فوق رؤسنا، نشعر أننا لم نعد نقوى على التنفس، نشعر بأن كل حياتنا وأسلوبها وكل طرقها تغيرت تغير جذري.

لم نعد نحن أنفسنا بعدها، تجربة خطيرة تغير المرء كلياً وتسبب له جروحلا يشفيها الزمن.

مرت بضعة أيام على حادث مارتين، روني أخذت فلورا وبناتها إلى منزلهم ريثما يتعافى مارتين ولدها ويعود لمنزله.

بيلا أصرت أن تنام مانديلا الصغيرة معها في نفس غرفتها، فهمي تحبها كثيراً ومتعلقة بها.

مانديلا كانت طفلة، مجرد طفلة صغيرة حالمة، مثلها مثل أي طفلة في عمرها، تنظر الصغيرة للدمية سونا بأستمرار.

بيلا لمحت نظراتها وظنت أنها تريد الدمية لتحتضنها وتنام بجوارها، قالت لها بيلا بعطف:
_حبيبة عمتو، أنتي عايزة سونا؟ أجيبها لك تأخديها في حضنك وتنامي جمبها.

لكن فجأة، تمسكت مانديلا في بيلا بطريقة جنونية، أجهشت في البكاء وهي تقول لها بخوف شديد:
_لاء يا بيلا بليـز، متخليهاش تأخدني بليز يا بيلا، عمتو بليز وحياة بابي عندك.

نظرت بيلا للصغيرة بعدم فهم، سألتها بقلق:
_هي مين دي اللي تأخدك ماندي؟ مالك خايفة من إيه كده اوي كده؟

لم تجيب ماندي على بيلا، بل ضمتها واغلقت عيناها وراحت في سبات عميق، قبلتها بيلا من جبهتها ودثرتها جيداً بجوارها.

تجاهلت أمر خوف الفتاة ولم تفكر فيه كثيراً، مددت بجوارها وغطت في نوم مرهق مليئ بالكوابيس المؤلمة.

في اليوم التالي، ذهبت بيلا مع روني، فلورا، وبنات مارتين إلى المشفى، وجدت بيلا أريسو هناك مع فيتالي شقيقها الآخر.

شعرت بالغضب منه لأنه لم يأتي قبل الأن، أرادت الصياح في وجهه لكنها وجدته ينظر حوله بجنون وارتياب.

بدا الرعب على محياه كأنه يرى أشباح تحيط به من كل حدب وصوب.

تعجبت منه كثيراً، لكنها لم ولن تكترث لأمره الأن،

انتظرت منه أن يبرر غيابه، لكنه لم يحاول التحدث معها حتى.

انتهت الزيارة في المشفى وقرر الجميع المغادره على امل العوده في يوم التالي ليطمئنوا على صحه مارتين.

امام باب المشفى عندما كان الجميع يتأهب للذهاب، نظر أريسو إلى بيلا وقال لها وهو يرتعد بعنف:
_الدور جاي عليا.

نظرت له باستفهام ولم تفهم ماذا يعني؟ تركهم ورحل دون التفوه بأي كلمه أخرى.

لم تهتم بيلا لكلامه لكنها لم تستطع تجاهل رعبه وكلامه الغامض.

عادت إلى المنزل مع والدتها والجميع، في نفس اليوم اتصل الطبيب من المشفى.

أجاب فيتالي والكل مرتعب من سماع امر لن يتحمله احدهم لكن الطبيب ابشرهم حين قال ان مارتين أستفاق من غيبوبته واصبح بخير.

سعد الجميع جداً وقالت روني لــ بيلا ان تظل في المنزل مع الصغيره منديلا وتذهب لرؤية أخيها في الغد، وافقت بيلا على مضض.

تابع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي