الفصل الثالث صفعة قوية

وقف رائد مصدومًا بعد أن سمع حديث ريهام الذي تحدثت به وهي لا تزال تحت تأثير المخدر، نظر إلى الخاتم الذي بيدها وهمس قائلاً:
_إن لم تكن هذه الفتاة هي ليلى فمن تكون؟! ولماذا ترتدي خاتم الزواج الخاص بليلى؟!

إرتد رائد إلى الخلف بعد أن شعر بدوار شديد كاد أن يقفده وعيه، واضطر إلى الجلوس على المقعد، لم يمنعه ذلك الدوار من التفكير في كل كلمة تحدثت
بها ريهام.

تذكر رائد حديث مدير المشفى عندما كان يتصفح التقارير والفحوصات الخاصة بريهام وتحدث قائلاً:
-إن كل هذه التقارير والفحوصات خاصة بريهام وليست بليلى.

لقد أصبح رائد على يقين أن هذه الفتاة التي ترقد أمامه على الفراش هي ريهام وليست ليلى، ليس هذا فحسب بل هي المسئولة عن موت ليلى.

فجأة نهض رائد وقد تملكه الغضب، دنا من ريهام وتحدث إليها قائلاً:
-ريهام، هذا أسمك أليس كذلك؟

ردت ريهام بصوت خفيض وقالت:
-أجل سيدي إنني ريهام، ولكن من أنت؟

لم يخبر رائد ريهام بشخصيته وواصل حديثه إليها وقال:
-أنتِ المسئولة عن موت ليلى ولكن ما الذي حدث؟

انفجرت ريهام في البكاء وظل تردد وتقول:
-لقد تسببت أنانيتي في مقتل أختي، ليلى، أرجوا أن تسامحيني؛ فلم أكن أقصد ما حدث .

إشتعلت نيران الغضب داخل قلب رائد؛ فقد شعر أن هذه الفتاة التي أمامه حرمته من حبيبته وأميرة أحلامه، فأمسك بيدها ونزع الخاتم من يدها.

شعرت ريهام بأحد ينزع الخاتم الذي بيدها فتحدثت قائلة:
-من الذي قام بنزع الخاتم من يدي؟!

اقترب رائد من أذنها وهمس قائلاً:
-إنه أنا.

حاولت ريهام أن تعتدل في جلوسها ولكنها شعرت بألم شديد فلم يكن أمامها سوى الإستسلام للوضع الذي كانت عليه ثم تحدث قائلة:
-من أنت أشعر أنني أعرف هذا الصوت جيدًا؟!

وبمرارة العاشق الذي حرم من معشوقته، وبألم الحالم الذي حرم من الحلم الجميل الذي كان يراوده وبإصرار المنتقم الذي قرر الثأر من الشخص الذي حرمه من حبيبته تحدث رائد وقال:
-إنه أنا الشخص الذي سيجعلك تندمين على اليوم الذي ولدتي به، هل سمعتي عن ملك الموت؟

تعجبت ريهام وعلقت قائلة:
-سيدي، ما هذا الذي تتحدث به؟! ولماذا تسألني بهذا السؤال؟!

علق رائد قائلاً:
-لقد وكل الله ملك الموت ليقبض أرواح البشر، أما أنا فإنني سوف أقبض روحك أنتِ انتقامًا على ما فعليه بليلى.

تعجبت ريهام وظنت أن ما سمعته لم يكن حقيقيًا وأن السبب في ذلك قد يعود لتلك الضمادات التي وضعت على أذنها، فعلقت قائلة:
-أعتذر إليك سيدي، لم أستطيع سماعك بشكل جيد فكلما ترى هذه الأربطة والضمادات تمنعني من رؤيتك أو سماعك بشكل جيد.

حضر صفوان ثابت إلى المشفى؛ ليطمئن على ابنته وما إن رأى رائد حتى دنا منه وحدثه قائلاً:
-سيدي، إنني ممتن إليك للغاية، وسوف أحلك من أي اتفاق قد تم بيننا بشأن خطبتك على ابنتي ليلى.

نظر رائد إلى السيد صفوان وقد بدى عليه التعجب وحدث نفسه قائلاً:
_هل هذا الرجل لا يعلم حقًا أن هذه الفتاة هي ابنته ريهام وليست ليلى؟! أم إنه يقوم بخداعي، فحينها سوف أعلمه درسًا لن ينساه.

لاحظ صفوان شرود رائد فحدثه قائلاً:
-سيدي، أعلم أن ما حدث لإبنتي ليلى لم يكن شيئًا بسيطًا، وأن وجهها قد أصبح مشوهًا بفعل ذلك الحريق الذي تعرضت له نتيجة انفجار السيارة، لذلك فلست مضطر لإكمال هذه الخطبة.

نظر رائد إلى السيد صفوان وتجاهل حديثه قائلاً:
-وماذا عن ابنتك الأخرى؟

تعجب الأب من هذا السؤال وعلق قائلًا:
-سيدي، ما الذي تعنيه من سؤالك هذا؟!

علق رائد وقال:
-كنت أود أن أعرف هل قمت بتشيع جثمانها أم لا؟

تحدث الأب والدموع تملأ حدقتيه وقال:
-لقد أنهيت للتوه الإجراءات وسوف يتم تشيع جنازتها في الغد.

أومأ رائد برأسه وعلق قائلًا:
-سيدي، هل يمكنني رؤيتها؟

نظر الأب إلى رائد وقد بدى عليه القلق والتردد ثم تحدث قائلاً:
-أعتذر إليك سيدي لا يمكنني السماح لك برؤيتها وهي بهذه البشاعة فربما يغضب هذا روح ريهام، ابنتي لم تكن تحب أن يراها أحد إلا على أفضل حال.

أومأ رائد برأسه وعلق قائلًا:
-سيدي، أحترم رغبتك وأستئذن منك كي أذهب إلى منزلي فأنا أحتاج إلى قسطًا من الراحة وتغيير الملابس؛ خاصة إنني هنا منذ الصباح.

ربت صفوان على كتف رائد وعلق قائلًا:
-بالطبع بني، إنني أعلم أنك منذ الحادث وأنت لم تذق طعم الراحة، يمكنك العودة إلى منزلك وأنا سأظل بجوار ريها...أقصد ليلى.

نظر رائد إلى صفوان وحاول أن يتظاهر أنه لم ينتبه للخطأ الذي إرتكبه صفوان ثابت ثم غادر المشفى.

ما إن غادر رائد المشفى، وقف صفوان يحدث نفسه ويقول:
-لم أكن لأجازف وأجعلك تشاهد جثمان ابنتي؛ فربما تكون على دراية كاملة بها وحينما تراه تستطيع التعرف عليها وتعلم أنها ليلى وليست ريهام.

استقل رائد سيارته وقد تملكه الغضب والضيق وتحدث قائلاً:
-ماذا تظن نفسك أيها الأبله كي تقوم بخداع رائد عز الدين؟! سوف أجعلك تندم ندمًا شديدًا أنت وابنتك على ما فعلتموه.

اتجه رائد إلى المشفى التي بها جثمان ليلى، تقابل مع شخص وتحدث معه ثم حدثه ذلك الشخص وقال:
-حسنًا سيدي، انتظرني لحظات قليلة وأعود إليك.

ذهب الرجل وبعد قليل عاد مرة أخرى ومعه شخصًا ٱخر، نظر إلى رائد وحدثه قائلاً:
-سيدي، هذا هو الشخص المسئول عن ثلاجة حفظ الموتى، لقد تحدثت معه وهو سوف يقوم باصطحابك إلى حيث تريد.

أومأ رائد برأسه وذهب مع الشخص المسئول عن ثلاجة حفظ الموتى، وأخرج له جثمان ليلى ثم حدثه قائلاً:
-سيدي، هذا هو جثمان الفتاة التي طلبت رؤيته.

نظر رائد إلى جثمان ليلى وبكى بشدة فالحريق قد إلتهم ملامح وجهها وأصبح من الصعب على أي شخص يعرفها أن يتعرف عليها.

وقف رائد ينظر إليها وهو يتذكرها في ٱخر لقاء بينهما، فتذكر حديثها له عندما دنت منه وحدثته قائلة:
-رائد، ما أجمل هذا المكان الذي لم أرى مثله من قبل.

ابتسم رائد وعلق قائلًا:
-لقد إعتدت على المجيء إلى هنا كثيرًا ولكنني اليوم أراه أجمل من ذي قبل؛ لعل السبب في ذلك هو وجودك هنا اليوم، فما تتمتعين به من جمال قد طغى على هذا المكان فجعله أكثر جمالاً من ذي قبل.

ابتسمت ليلى ودنا منه، ثم نظرت في عينه وقالت:
-أتمنى أن تراني جميلة هكذا دائمًا حتى بعد زواجنا فلا تمل مني ويظل حبك لي متوهجًا دائمًا.

ابتسم رائد ثم دنا منها إلى أن وصل إلى فمها فشعرت ليلى بالخجل وقامت بدفعه للخلف ثم قالت:
-رائد، على الرغم من عشقي لك إلا إنني لا أحب أن يدفعني هذا العشق لإقتراف أي خطأ.

ضحك رائد وعلق قائلًا:
-ليلى، لا تسيئي الظن بي فما دنوت منكِ سوى لأشم رائحتك التي أعشقها.

ابتسمت ليلى واحمرت وجنتيها خجلًا، فعلت الابتسامة وجه رائد وعلق قائلًا:
-تعلمين أنني كرجل أعمال أتعامل مع الكثير من النساء، ولم تستطيع أحداهن جذب إنتباهي، ولكنني منذ اللحظة الأولى التي رأيتك فيها تجلسين على الطريق وتقومين بتغيير إطار السيارة بنفسك أثرتي إعجابي.

شعرت بأنكِ فتاة مختلفة وتعجبت حينها من هذه الفتاة الجميلة التي تجلس على الأرض وتقوم بتغيير إطار السيارة بنفسها دون أن تطلب المساعدة من أحد.

ابتسمت ليلى وتحدث قائلة:
-حينها تعجبت من هذا الشاب الأنيق الذي وقف وطلب مني النهوض من الأرض ثم جلس ببذلته الأنيقة وقام بتغيير الإطار بدلًا مني دون أن يخاف أن تتسخ ملابسه، حينها شعرت بشيء يجذب قلبي إليك.

دنا رائد من ليلى وهمس إليها قائلاً:
-عندما غادرتي بسيارتك بعد ذلك شعرت بأنك لم تغادري بمفردك، لقد غادر قلبي معك، لم أندم على شيء في حياتي بقدر ندمي حينها إنني لم أتتبع سيارتك كي أعرف مكان المنزل الذي تسكنين به.

ابتسمت ليلى وعلقت قائلة:
-غادرت بسيارتي ثم نظرت إليك عبر مرٱة السيارة لأرى شابًا جذابًا وقف أمام سيارته ينظر إلى سيارتي تمنيت حينها لو تتعطل بي السيارة لأراك مرة أخرى.

تابع رائد حديثه وقال:
-كانت المفاجأة التي لم أكن أتوقعها أن يجمعني بك القدر مرة أخرى، فعندما انتقلت لمنزلي الجديد وأثناء عودتي من عملي رأيتك وأنتِ تدلفين إلى الفيلا المجاورة لي فأرسلت أحد أفراد الأمن لدي ليجمع بعض المعلومات عنك، فإذا به يعود ويخبرني إنك ابنة صفوان ثابت صاحب الفيلا المجاورة لمنزلي.

أكملت ليلى الحديث وقالت:
-فوجئت وأنا أجلس داخل غرفتي ببالون طائر يسقط في شرفتي حاملًا معه وردة حمراء وقطعة من الشيكولاتة الرائعة ورسالة مكتوب بها أسمي رائد عز الدين وأود التعرف عليكي.

تعجبت حينها وتسائلت:
-ترى من يكون ذلك الشخص الذي أرسل لي هذا البالون؟! نظرت من الشرفة ولم أجد أحد ولكنني وجدتك تقف بجوار سيارتك وسمعت لحن أنشودة الحب الذي أفضله يصدر من الكاسيت الخاص بالسيارة، وإذا بك تشير لي لم أستطيع أن أسيطر على تلك الابتسامة التي علت وجهي من فرط سعادتي برؤيتك مرة أخري.

ابتسم رائد وعلق قائلًا:
-لم أرى أجمل من تلك الابتسامة التي أضاءت حياتي منذ ذلك الحين.

عودة.
خرج رائد من شروده على صوت عامل الثلاجة يحدثه ويقول:
-سيدي، مدير المشفى يمر على الأقسام عليك بالخروج من هنا.

ألقى رائد نظرة أخيرة على جثمان ليلى وترقرقت الدموع في عينيه، ثم غادر المشفى.

فيلا رائد عز الدين.

منذ أن وصل رائد إلى منزله وهو في حالة سيئة للغاية، لقد شعر أن الجميع يتٱمر ضده وأن ريهام ووالدها هما السبب في خسارته لحبيبته فقد تذكر مرة حينما كان يتحدث مع ليلى عبر الهاتف وكانت تشكو له تعند والدها وعدم اهتمامه بها للحد الذي جعله يفضل أختها عليها في كثير من المواقف.

دلف رائد إلى غرفة نومه وألقى بنفسه على فراشه ثم نظر إلى سقف الغرفة ثم تحدث قائلاً:
—ليلى، لن أجعل من فعل ذلك بك يحيا هاديء النفس مطمئن أعدك  بأنني سوف أنتقم لما حدث لكي أشد الأنتقام.

سمع رائد طرق على باب الغرفة فتحدث قائلًا:
—تفضل.

دلفت نغم إلى داخل الغرفة وتحدثت قائلة:
—أخي، أين أنت طوال اليوم لم تأتي على الغداء كعادتك؟! حتي عندما عدت إلى المنزل لم تتناول شيء وصعدت مباشرة إلى غرفتك.

اعتدل رائد جالسًا ثم تحدث إلى شقيقته وقال:
—حبيبتي، أعتذر إليك لقد كان لدي العديد من الأعمال التي قمت بها اليوم.

ابتسمت نغم وعلقت قائلة:
—حسنًا أخي، سوف أطلب من عم ابراهيم أن يعد لك شيئًا تأكله.

وبقلب مكسور علق رائد قائلاً:
—نغم، لا أريد أن أتناول شيء، إنني أحتاج لبعض النوم الراحة فقط.

وبابتسامة هادئة تحدثت نغم وقالت:
—حسنًا أخي سوف أتركك لترتاح، وسأذهب أنا إلى غرفتي لأستذكر دروسي.

غادرت نغم الغرفة وعاد رائد مرة أخرى ليفترش فراشه ويتذكر حبيبته حتى غلبه النوم فذهب في نومٍ عميق.

ذهبت نغم إلى غرفتها وقبل أن تدلف إلى الغرفة تذكرت الشخص الذي يشغل تفكيرها وقلبها، علت الابتسامة وجهها وتحدثت قائلة:
—سوف أذهب لألقي نظرة على جاسر، أعلم أنه لن يتقبل أحد الوضع ولكنه الشخص الوحيد الذي استطاع الٱسنتحواذ على قلبي.

أسرعت نغم للخروج من الفيلا والبحث عن جاسر في حديقة المنزل.

نظرت نغم إلى المكان المخصص لأفراد الأمن فإذا به جالسًا يتناول كوبًا من الشاي الذي قام بإعداده لنفسه.

ابتسمت نغم ابنة الثامنة عشر عامًا، وأسرعت إلى غرفة الأمن.

نظر جاسر إليها وقد بدى عليه التعجب ثم تحدث قائلاً:
—ٱنسة نغم! ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟!

ابتسمت نغم وعلقت قائلة:
—لقد جئت لأطمئن عليك ما الذي تفعله؟!

نظر جاسر إليها بتعجب وعلق قائلًا:
—إنني في فترة استراحة وأقوم بتناول كوبًا من الشاي.

أمسكت نغم بكوب الشاي وقامت بالبحث عن الموضع الذي احتسى منه جسر الشاي، فوضعت شفتيها وارتشفت بعض رشقات من الشاي.

أعطت نغم الشاي لجاسر وحدثته قائلة:
—لقد تناولت من موضع فمك فقم أنت أيضًا بتناول الشاي من موضع فمي.

شعر جاسر بالتعجب والذهول من جراءة هذه الفتاة ، فأمسك بكوب الشاي وقام بوضعه على المنضدة ثم قال:
—لم يعد لي رغبة في تناوله.

نغم بذهول علقت قائلة:
—جاسر ألم تفهم بعد ما أريد أن أخبرك به؟!

نظر جاسر إليها وتحدث قائلاً:
—إن كان هناك شيئًا تودي إخباري به فأخبريني وإلا فهودي إلى داخل المنزل وانتبهي لدروسك .

نظرت نغم بغضب وقالت :
_حسنًا سوف أخبرك بما أريده وبعدها سوف أدلف إلى داخل المنزل، جاسر أنا أحبك.

نظر إليها جاسر بتعجب وذهول وقبل أن يعلق بكلمة واحدة، إزداد تعجبه عندما قامت نغم بوضع قبلة على وجنته.

شعر جاسر بالغضب وقام بتوجيه صفعة قوية على وجه نغم أوقعتها أرضًا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي