الفصل الثاني والعشرون أنشودة الحب

وقفت ديانا تتطلع من خلف زجاج النافذة إلى الثلوج التي تتساقط بشكل كثيف وأصبحت تغطي الشوارع والمنازل وتكسبها اللون الأبيض الناصع.

ظلت ديانا واقفة تتطلع إلى السماء التي لا تكف عن إسقاط الثلوج بكثافة وتحدثت قائلة:
-ترى هل هذه مجرد ثلوج أم إنها السماء تبكي على ما تعانيه من أحزان؟!

كل ما حولي يوحي بالحزن والشجن، لا أعلم إلى متى سوف يظل هذا الحزن يسيطر على قلوبنا، متى ستشرق شمس السعادة لتزيب أحزان قلوبنا، كما تذيب الشمس بشروقها هذه الثلوج المتراكمة.

رائد بعد أن غادرت الممرضة جلس يمشط خصلات شعر ريهام وهو يتحدث إليها ويقول:
-لا تعلمين إلى أي مدى أحب هذا الشعر وأعشق رائحته، ريهام لقد اشتقت إلى أن أسمع صوتك ورنين ضحكاتك التي كانت تعلو في كل مكان.

داخل غرفة ديانا.

جلست ديانا حزينة، تفكر في طريقة لإخراج رائد من هذه الحالة التي أصبح عليها منذ دخول ريهام في غيبوبتها، لم تجد أمامها سوى نغم فحدثت نفسها قائلة:
-ربما تستطيع نغم فعل ما عجزت عن فعله فهي شقيقته وأكثر شخص قريب إلى قلبه.

اتجهت ديانا إلى غرفة نغم وما إن دلفت إلى داخل الغرفة، نظرت إلى نغم وحدثتها قائلة:
-نغم،هل سيظل الوضع هكذا؟!

نظرت نغم إلى والدتها وقد بدى عليها التعجب وعلقت قائلة:
-أي وضع هذا الذي تتحدثين عنه ديانا؟

ديانا بصوت حزين وعيون قد تلألات الدموع بمقلتيها تحدثت قائلة:
-هل سنقف مكتوفين الأيدي ونترك رائد هكذا؟!

نظرت نغم إلى والدتها ثم دنت منها وحدثتها قائلة:
-أعلم كم أنتِ حزين لما يعاني منه أخي، ولكن لم يعد أمامي شيء لم أفعله؛ حتى أخرجه من هذه الحالة وكل محاولاتي قد بائت بالفشل.

صمتت ديانا قليلًا ثم تحدثت قائلة:
-ماذا عن مازن؟

نظرت نغم إلى ديانا وشعرت بالحزن الشديد لما تعاني منه ديانا من حزن وأسى وأنها تحاول البحث عن أي طريقة لإخراج رائد من عزلته، فعلقت قائلة:
-أمي، لقد غادر مازن إلى أمريكا؛ فهو لم يستطيع تحمل أن يرى رائد بهذه الحالة الي عليها الٱن، حاولي أنتِ أن تتحدثي معه فربما يجدي حديثك نفعًا.

أومأت ديانا برأسها وعلقت قائلة:
-هذا بالفعل ما فعلته اليوم، ليتني لم اتحدث معه.

تعجبت نغم وعلقت قائلة:
-هل حقًا تحدثتي معه، ولكن ما الذي جعلك تندمين على التحدث إليه؟!

نظرت ديانا إلى نغم وتحدثت قائلة:
-تحدثت معه وأخبرته بأنه يكفي هذا القدر وأن عليه أن يرفع أجهزة التنفس الصناعي عن ريهام، فما كان منه إلا أنه ثار وحذرني من فعل ذلك.

تعجبت نغم وعلقت قائلة:
-كيف استطاعتي التحدث في هذا الشأن وأنتي تعلمين أنه لن يوافق على هذا الأمر؟!

أغمضت ديانا عينيها وأخذت نفسًا عميقًا؛ فهي عادتًا تقوم بعمل هذا الأمر عندما تكون غاضبة أو تعاني من بعض التوتر، ثم نظرت إلى نغم وحدثتها قائلة:
-لم أكن أعلم أنه سيعتقد أننا نريد أن نتخلص من ريهام، ومنذ ذلك الحين وهو لم يفارق غرفتها، ولم يكتفي بذلك بل قام بأعطاء الممرضة أجازة.

شعرت نغم بالأسف وعلقت قائلة:
-امي، لابد من عرض أخي على طبيب نفسي، أخشى أن يصيبه الجنون ولو عرف يومًا أن ريهام فارقت الحياة.

نظرت ديانا إلى نغم ثم قامت بالإمساك بيدها و تحدثت قائلة:
-نغم، لنحاول مجددًا هيا معي إلى غرفة ريهام لعل قلبه يرق لحديثنا عندما يرانا معًا.

اصطحبت ديانا نغم إلى غرفة ريهام، وما إن دلفت إلى داخل الغرفة حتى انتفض رائد من مكانه وأسرع بالوقوف أمامهم وحدثهم بإسلوب حاد قائلاً:
-ما الذي جاء بكم إلى هنا؟!هل جئتما لتقوما بقتل ريهام أليس كذلك؟! لن أسمح لكما بالإقتراب منها.

انهمرت الدموع من عين نغم فدنت منه وربتت على كتفه وقالت:
-أخي، لم نأتي إلى هنا لنقتل ريهام ولن نستطيع فعل ذلك، ولكننا جئنا لنتحدث إليك قليلًا، أخي لقد اشتقت اليك كثيرًا، اشتقت للجلوس معك، اشتقت لحديثنا معًا، اشتقت للحظات كنا نقضيها سويًا في سماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام المفضلة سويًا.

أمسكت ديانا بيد رائد وحدثته قائلة:
-بني، سوزانا قد قامت بإعداد الطعام المفضل لديك، ما رأيك في أن تشاركنا الجلوس على المائدة وتناول الطعام معًا؟

ابتسم رائد ابتسامة ساخرة وعلق قائلًا:
-هل تريدين أن أذهب لأتناول الطعام معكما أليس كذلك؟!
ابتسمت ديانا وعلقت قائلة:
-أجل، سوف نكون في غاية السعادة إن وافقت على الذهاب معنا، بني لقد نحن نفتقدك كثيرًا.

أومأ رائد برأسه وعلق قائلًا:
-أذهب أتناول الطعام وعندما أعود سوف أجد من رفع الأجهزة عن ريهام أليس كذلك؟! أليس هذا ما تخططين له؟

ما إن سمعت نغم هذا الحديث الحاد، وقفت في ذهول وقد وضعت يدها على فمها، بينما تلألات الدموع في عيني ديانا ولم تستطيع التحدث فغادرت الغرفة دون أن تتحدث بكلمة واحدة.

نظرت نغم إلى شقيقها وتحدثت قائلة:
-أخي، ما الذي تقوله؟! أنت لا تعلم مدى الحزن الذي تعاني منه ديانا من أجلك، أنت لا تعلم مدى خوفها عليك، كل ما تريده أمي هو أن تطمئن عليك وإن تشعر أنك سعيد.

شعر رائد بالأسف فدنا من نغم وعلق قائلًا:
-نغم، أعلم ما تشعرين به من حزن لما حدث، ولكن أريد أن أخبرك أن سعادتي متعلقة بهذه الفتاة فهي السعادة بالنسبة لي.

أومأت نغم برأسها ثم أمسكت بيد شقيقها ووضعت على يده قبلة حانية ثم علقت قائلة:
-أخي، أتمنى لك السعادة من كل قلبي.

ثم نظرت نغم إلى ريهام وقالت:
-زوجة أخي كما سمعتي فسعادة أخي متعلقة بوجودك، فلا تحرمينا من وجودك معنا.

أنهت نغم حديثها وغادرت الغرفة وهي على يقين أن رائد لن يكون سعيدًا سوى ببقاء ريهام بجواره، في مصدر السعادة بالنسبة له.

ظل رائد يهتم بريهام ويقوم بتغيير المحاليل الخاصة بها بنفسه ويمشط شعرها ويبدل ملابسها، كان شديد الإهتمام بها للحد الذي جعله كان يهتم بوضع العطر التي كانت تفضله.

داخل شركة الرائد بالقاهرة(أحدى شركات رائد عز الدين)

دلف عزام إلى مكتب مدير عام الشركة الموكل؛ والذي تم توكيله من قبل رائد عز الدين لإدارة الشركة حتى يعود رائد من لندن، نظر عزام إلى المدير العام وحديثه قائلاً:
-هذه الأوراق في غاية الأهمية؛ فهي خاصة بمناقصة كان يخطط رائد الفوز بها، فرجاءً قم بالتوقيع عليها حتى نستطيع إرسالها قبل غلق باب القبول.

نظر المدير العام إلى الملف الخاص بأوراق المناقصة وقام بتصفحه ثم قام بالتوقيع عليه وهو يقول:
-أتمنى أن يعود السيد رائد فيجد العطاء وقد رسى على شركته.

نظر إليه عزام وعلق قائلًا:
-لقد طلبت منه العودة كثيرًا، ولكنه يصر على عدم العودة بدون زوجته.

نظر المدير العام إلى عزام وعلق قائلًا:
-وما الذي يمنع عودته مع زوجته؟!

تعجب عزام وعلق قائلًا:
-هل نسيت أن زوجته أصيبت بغيبوبة منذ أربعون يومًا قريبًا؟!

أومأ المدير برأسه وعلق قائلًا:

-عزام، أعلم ذلك ولكن كان يمكنه أن يقوم بنقلها داخل طائرة خاصة؛ حتى يستطيع إدارة أعماله، كما ترى ل ترك كل شيء كأن الحياة قد توقفت.

نظر عزام إليه وحدثه قائلًا:
-أعلم إنك ربما تكون محقًا بعض الشيء، ولكن علاقة رائد بزوجته شيئًا آخر، كأن الحظ يعاند تلك الفتاة، كلما ظنت أنها في طريقها لنيل السعادة التي تتمناها، ينتهي بها الطريق إلى مزيد من الٱلام والأحزان.

نظر المدير إلى عزام وحدثه قائلاً:
—ولكن ماذا عن ذلك المجرم صفوان ثابت هل ستتم محاكمته هناك أم إنه سوف يرحل إلى مصر؟!

علق عزام بصوت يملؤه الشجن وقال:
—تتم محاكمته الٱن في لندن، والجريمة وقعت على الأراضي البريطانية؛ لذلك سوف تتم محاكمته هناك أتمنى أن ينال العقاب الذي يستحقه، لقد دمر هذا المجرم حياة بناته وخاصة ريهام.

داخل منزل رائد عز الدين بلندن.
ديانا تتحدث إلى نغم وتقول:
—نغم، لقد تم استدعائك للمثول أمام القاضي للشهادة.

نظرت نغم وقد بدى عليها التعجب وعلقت قائلة:
—ديانا، ما الداعي لإستدعائي أمام القاضي؟!

علقت ديانا وقالت:
—هذا الأمر لا بد منه، لقد شاهدتِ ما حدث بعينك وعليكي أن تقصي كل ما رأيتيه للقاضي.

نظرت نغم إلى والدتها وتحدثت قائلة:
—أمي، هذا الرجل قد قام بقتل ابنته بيده وهذا الأمر صعب للغاية.

علقت ديانا وقالت:
—أتمنى أن ينال أقصى درجات العقوبة، على ما فعله بإبنته وبرائد أيضًا، لقد حطمه وجعل منه انسانًا يشك في أقرب الناس إليه.

ربتت نغم على كتف والدتها ثم علقت قائلة:
—ديانا، كوني على يقين أن كل ما يعاني منه أخي سوف يتخلص منه قريبًا لدي شعور قوي بذلك.

أومأت ديانا برأسها وعلقت قائلة:
—اتمنى أن يأتي اليوم الذي تعود فيه البسمة إلى ثغر رائد مرة أخرى، ويعود ويستأنف حياته كسابق عهده، رائد عز الدين رجل الأعمال الناجح.

داخل غرفة ريهام.

وقف رائد ينظر إلى ريهام ويحدثها قائلاً:
—لقد اشتقت إلى سماع صوتك ألا تشتاقين  أنتِ أيضًا للتحدث إلي؟ ألم تشتاقي لتلك اللحظات التي كانت تجمعنا سويًا ونحن نسمع فيها أنشودة الحب .

ابتسم رائد ثم تحدث قائلاً:
—لقد مضى وقتٍ طويل ولم نسمع سويًا أنشودة الحب هذه الإنشودة التي شهدت على ميلاد حبنا.

أسرع رائد وقام بإحضار الإسطوانة الخاصة بإنشودة الحب وقام بتشغيلها، ثم تحدث قائلاً:
—لدي شعور قوي أنك تستمتعين إليها معي.

دنا رائد من ريهام وأمسك بيدها ثم وضع على يدها قبلة حانية، وحدثها قائلاً :
—ريهام إنني أحبك كثيرًا.

فجأة شعر رائد بأنامل ريهام تتحرك.

لم يصدق رائد ما حدث وظن أن عقله الباطن يخيل إليه أن أصابعها تتحرك، تعرق وجه رائد بشدة وتحدث بلهفة المشتاق وقال:
—ريهام، لا اصدق ما رأيته أنتِ حقًا تشعرين بي وتستمعين إلي؟!

أمسك رائد بيدها وقال:
—حبيبتي، رحماك بقلبي الذي فطره الحزن والألم.

نظر إليها مرة أخرى ليجدها وقد فتحت عيناها، كاد قلبه أن يطير من السعادة، فأمسك بيدها وحدثها قائلاً:
—حبيبتي، هل تستطيعين التحدث؟

أومأت ريهام برأسها ببطيء، نظر رائد إلى جهاز التنفس الصناعي أعلى وجهها وتحدث قائلاً:
—هل تريدين مني أن أزيل هذا الجهاز؟

اومأت ريهام برأسها، فأسرع رائد بإزالة القناع الخاص بجهاز التنفس الصناعي، ثم تحدث إليها وقال:
—ها قد أزلته، هل تستطيعين التحدث الٱن؟

قبضت ريهام على يده، فنظر إليها وعلق قائلًا:
—حبيبتي، لا أريد أن اثقل عليكِ، حسنًا لا داعي لأن تتحدثي الٱن استريحي فسعادتي اليوم لا توصف سوف اذهب لأخبر ديانا ونغم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي