الفصل السادس والعشرون سعادة ولكنها ليست بسعيدة

نظر رائد إلى والدته وشقيقته نغم وهو ينتظر الإجابة عن سؤاله:"من الذي جرح قلب نغم وجعلها تقرر السفر إلى لندن بشكل مفاجيء؟!".

نغم بضيق تحدثت قائلة:
—أخي، لم يكن الأمر كما تتخيل، أمي تعطي الأمر أكبر من حجمه، لقد كان مجرد إعجاب بزميل لي وانتهى.

ابتسمت ريهام وعلقت قائلة:
—نغم، أنتِ فتاة رقيقة ورائعة ولكن من ذلك الشاب الذي يمكنه أن يتسبب في الحزن والألم لفراشة العائلة.

ابتسمت نغم لقد حاز لقب الفراشة على إعجابها، ثم علقت قائلة:
—أخي، اطمئن لم أعد تلك الفتاة التي تنجرح مشاعرها بسهولة، سوف أتي معك ولن أعبء بأحد، ولكن أرجوا ألا تعطي الأمر أكبر من حجمه، خاصة أن مازن قادم ليتناول أفطاره.

على الرغم من أن رائد لم يبدي رد فعل كالمعتاد عنه إلا إنه كان بداخله العديد من التساؤلات حول ذلك الشاب الذي تسبب في رحيل نغم عن منزله واتخاذها قرار العودة إلى لندن.

لاحظت ريهام شرود رائد الذي بدى عليه الإنزعاج فهمست إليه قائلة:
_حبيبي، ماذا بك؟! نغم فتاة جميلة ولبقة وأي فتاة في مقتبل عمرها قد تمر بهذه المشاعر المتضاربة، فلا داعي للقلق.

نظر رائد إلى ريهام وحدثها قائلاً:
—هل حقًا ما تقولينه؟!هل مررتي بمثل هذه المشاعر مع أحد من قبل؟

ابتسمت ريهام وعلقت قائلة:
—بالطبع مررت بها، فما أجملها من مشاعر عندما يرتبط قلبك وعقلك وكل وجدانك بشخص ولكن بشرط أن يستحق هذا الأمر.

تعجب رائد وقد بدت عليه الغيرة فتحدث قائلًا:
—ترى ومن يكون هذا الشخص الذي ارتبط به قلبك وعقلك وكل وجدانك؟!

ابتسمت ريهام وعلقت قائلة:
—رائد، ويحك ماذا دهاك إنني أتحدث عنك أنت حبيبي.

علت الابتسامة وجه رائد وعلق قائلًا:
—أجل اعتقد أنه كان هناك شخصًا ٱخر في حياتك قبل أن أقابلك.

دنت ريهام من زوجها وعلقت قائلة:
—رائد، اطمئن فأنت أول وٱخر شخص يمتلك قلبي وعقلي وكل كياني.

شعر رائد بالسعادة والإرتياح ثم نظر إلى نغم وحدث نفسه قائلاً:
—اتمنى أن تكوني مثل ريهام وألا يتلاعب أحد بمشاعرك، وأن تكوني قوية لا يؤثر فيكي شيء ولا تنجرح مشاعرك بسهولة.

حضر مازن نظر إلى الجميع فشعر أن هناك خطب ما
فعلق قائلًا:
—أسعد الله صباحكم يبدو على وجوهكم أن هناك أمر ما قد حدث.

نظرت نغم إلى مازن وعلقت قائلة:
—كل ما في الأمر أن رائد قرر العودة إلى مصر وأخبرته إنني لدي الرغبة الشديدة في العودة إلى هناك أنا أيضًا.

تعجب مازن وجلس بجوار نغم ثم همس لها قائلاً:
—كيف تأخذين قرارًا كهذا دون أن تخبريني؟!

علقت نغم قائلة:
—مازن، يمكنك أن تأتي معي.

نظر مازن بغضب وعلق قائلًا:
— لا لن أتي معك، لست بأليفك المدلل الذي تقومين بإصطحابه معك في كل مكان تذهبين إليه.

ثم نهض من على المائدة وتحدث قائلاً:
—أعتذر إليكم ولكن علي أن أغادر فلدي موعد عمل .

ثم نظر إلى ريهام خاصة وحدثها قائلًا:
—ريهام، سعيد برؤيتك مجددًا حمدًا لله على سلامتك.

علت الابتسامة وجه ريهام وعلقت قائلة:
—سلمك الله مازن يمكنك أن تتناول إفطارك ثم تذهب بعدها حيث تشاء.

ابتسم مازن وحاول أن يتظاهر أنه بخير فتحدث قائلًا:
—شكرًا لإهتمامك ولكنني سوف أتناول أي شيء وأنا في طريقي؛ فهذه مقابلة عمل ولا أود أن أتأخر عليهم.

أومأت ريهام برأسها بينما إلتزمت نغم الصمت وعلق رائد قائلاً:
—مازن أتمنى لك التوفيق.

ابتسم مازن وغادر المنزل دون أن ينظر لنغم، لاحظت ريهام أن العلاقة بين نغم ومازن متوترة بعض الشيء؛ وذلك بسبب قرار نغم العودة إلى مصر دون أن تخبره، دنت ريهام من نغم وحدتتها قائلة:
—نغم، كان عليكِ أن تخبريه قبل أن يتفاجيء بقرار سفرك كالغرباء.

نظرت نغم إلى ريهام وقالت:
—لديكِ الحق فيما تقولينه ولكنني فوجئت بقرار سفركم وعبرت عن رغبتي في العودة أنا أيضًا.

بعد أن انهى الجميع تناولهم لفطورهم غادرت ديانا إلى عملها بينما أسرعت نغم بالاتصال على مازن ولكنه فوجئت به لا يجيب على الهاتف، شعرت بالضيق ثم علقت قائلة:
—حسنًا، ولكنني سوف أعود إلى مصر، ولا أحب أن تتحكم فيما أريدك وما لا أريده لست بقاصرًا ولن أسمح لعلاقتي بك أن تجعلك تتحكم بي هكذا.

دلف رائد وريهام إلى الجناح الخاص بهما، أسرعت ريهام إلى خزانة الملابس؛ وقامت بتحضير الحقائب للسفر.

أسرع رائد إليه وجذبها نحوه، دنا منها حتى تلامست أنوفهم ثم تحدث قائلاً:
—لماذا هذا التسرع انتظري حتى تتعافين بشكل كامل؟!

ابتسمت ريهام وعلقت قائلة:
—رائد، أنتظر اللحظة التي أصل بها إلى منزلنا بفارغ الصبر، لقد اشتقت إلى الجميع، نوجا وولاء والعم عزام أيضًا.

نظر رائد إلى ريهام وهو يعلم أنها تريد مغادرة لندن التي لم تعيش بها يومًا واحدًا سعيدًا فعلق قائلًا:
—حسنًا، ما رأيك أن نخرج معًا اليوم، ألا تريدين أن تشاهدي أجمل الأماكن في لندن؟!

تركت ريهام العنان الشرود كي يسافر بعقلها وذاكرتها، لنتذكر ما حدث منذ أن خطت بقدميها أرض هذه المدينة، فتحدثت قائلة:
—رائد، أعتذر إليك ولكنني لا أريد الخروج من المنزل كل ما أريده هو العودة إلى مصر.

لم يجد رائد أمامه سوى أن قام بمعانقتها ثم حدثها قائلاً:
—سوف نسافر في صباح الغد، ولكن لا يمكن أن نرحل هكذا دون أن يكون لنا ذكرة طيبة هنا، سوف نخرج ولن يحدث أي شيء، فلا تقلقي بشأن ذلك، فقد ما عليكِ سوى أن تعدي نفسك لقضاء سهرة سعيدة مع أكثر شخص يحبك على وجه الأرض.

بعد أن اجتاز مازن الأختبارات التي وضعت للقبول في الوظيف في البنك الذي ذهب مازن للعمل به، أخبره المدير قائلاً:
—أردت أن أبلغ أنك إجتزت جميع الأختبارات الخاصة بالحصول على الوظيفة ولكن هذه الوظيفة ليست هنا في لندن.
نظر مازن إليه وقد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
—سيدي، ليس لدي مانع، ولكن في أي مدينة هل سيتم تعيين في ليفربول أم ليدز أم برمنجهام؟

جلس المدير على المقعد الخاص به ثم تحدث إليه قائلاً:
— ليس في أي مدينة من هذه المدن، إنها في فرع البنك الخاص بنا في مدينة القاهرة.

نظر مازن إلى المدير وقد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
—القاهرة؟! سيدي لم يخبرني أحد من قبل بهذا الأمر.

ابتسم المدير وعلق قائلًا:
—إنني أرى أن عملك في ذلك البنك سوف يجعلك تكتسب خبرات تؤهلك للعمل في البنك الرئيسي هنا، أعتبرها فترة تدريب وبعدها سيتم إعادتك إلى هنا للعمل في الفرع الرئيسي للبنك.

شعر مازن ببعض الحيرة والتردد ثم تحدث قائلاً:
—حسنًا سيدي موافق.
ابتسم مدير البنك ثم تحدث قائلاً:
—حسنّا سوف أصدر قرارًا بتعينك في الفرع الخاص بالبنك في القاهرة، أما أنت فعليك أن تعد نفسك وتتوجه إلى هنا في موعد أقصاه أسبوع.

غادر مازن مكتب مدير البنك بينما أسرع مدير البنك بالأتصال على دياناوحدثها قائلًا:
—صديقتي العزيزة لقد فعلت ما طلبتيه مني.

ابتسمت ديانا وعلقت قائلة:
—شكرًا لك دان كم أشعر بإمتنان نحو ما فعلته.

ابتسم دان وعلق قائلًا:
—لا داعي للإمتنان يمكنك قبول دعوتي الليلة على العشاء.

ابتسمت ديانا وعلقت قائلة:
—أمم، حسنًا موافقة فأنت شخص عزيز على قلبي، ولا يمكنني أن أرفض لك طلبك هذا.

أنهت ديانا حديثها مع دان ثم قالت:
—لن أدع نغم تذهب إلى القاهرة دون أن يرافقها مازن; أعلم أنها مرهفة المشاعر ولن أسمح لأحد أن يستغل ذلك أو أن يجرح مشاعرها.

استقل مازن سيارته وهو شاردًا يحدث نفسه وقد بدى متعجبًا مما حدث:
—ما الذي يحدث معي، منذ عدة ساعات رفضت الذهاب إلى مصر برفقة نغم، لأجدني الٱن مجبر على الذهاب إلى هناك للعمل يا إلهي إنها ترتيبات القدر.

وأثناء قيادة مازن لسيارته لفت انتباهه شيء جعله يتوقف بشكل مفاجيء.

لقد شاهد مازن فتاة قامت بالقفز من الطابق الثاني بٱحدى المباني، توقف مازن بسيارته وأسرع إليها ليطمئن عليها.

دنا مازن من الفتاة فوجدها تمسك بقدمها وتتألم بشدة، فحدثها بالإنجليزية  قائلاً:
—سيدتي، هل أنتِ بخير؟!

نظرت الفتاة إلى مازن بخوف شديد ثم علقت قائلة:
—سيدي، إنني لا أجيد الإنجليزية؛ فأنا لا أجيد سوى اللغة العربية.

ابتسم مازن وتحدث إليها باللغة العربية وقال:
—يبدو عليكِ أنك مصرية أليس كذلك؟

تعجبت الفتاة وعلقت قائلة:
—أجل سيدي، ولكن هل يمكنك مساعدتي للإبتعاد عن هنا رجاءً.

أمسك مازن بيد الفتاة وساعدها على الوقف ولكنها كانت تتألم بشدة وحدثته قائلة:
—يبدو أن كاحلي قد كسر؛ إنني لا أستطيع السير على قدمي.

تحدث مازن وقال:
—سيدتي، لدي سيارة ويمكنني أن أقوم بإيصالك للمشفى.

نظرت الفتاة إلى مازن ثم قالت:
—حسنًا سيدي، ولكن من فضلك على أن أغادر المكان بأقصى سرعة.

تملق مازن الفتاة بنظرة فاحصة؛ لقد شعر ببعضٍ من الشك والريبة تجاهها، فما الذي يجعل فتاة تقفز من أحد الطوابق هكذا؟!

تملق مازن الفتاة ولكنه لم يجدها تحمل شيء فسمح لها بالركوب داخل السيارة وأسرع بها إلى المشفى.

داخل منزل رائد عزالدين بلندن.
تستعد ديانا أبهى استعداد لتلبية دعوة صديقها دان للعشاء معًا.
دلفت نغم إلى غرفة والدتها، فوجئت بأناقة ديانا الملفتة للنظر فحدثتها قائلة:
—ديانا، تبدين أنيقة للغاية، هل يمكنني أن أعرف السبب في ذلك ؟!

نظرت ديانا إلى نغم بعد أن أكملت استعدادها وقالت:
—لدي صديق قديم تقابلنا منذ عدة أيام واليوم قام بدعوتي على العشاء فقبلت.

ابتسمت نغم وعلقت قائلة:
—يبدو أن هذا الرجل له مكانة لدى ديانا؛ فهذه هي المرة الأولى منذ وقت طويل التي تقبلين فيها دعوة أحد على العشاء.

ابتسمت ديانا وعلقت قائلة:
—أجل هو كذلك لقد كنا أصدقاء رفقاء قبل أن أتزوج بوالدك، ولكن بعد زواجي سافر هو إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ عدة أيام تقابلنا عن طريق الصدفة.

لاحظت نغم وجه ديانا وهي تتحدث عن ذلك الشخص وعيناها التي إزداد بريقها وهي تتحدث عنه فعلقت قائلة:
—ديانا، ما أسم هذا الرجل؟
تعجبت ديانا وعلقت قائلة:
—وما الداعي لتعرفين أسمه؟! ولكنني سوف أجيبك أسمه دان.

رفعت نغم حاجبيها لأعلى ودنت من ديانا ثم قالت:
—أليس هذا الشخص هو نفسه الذي تحافظين بخطاباته القديمة؟

شعرت ديانا بالحرج وعلقت قائلة:
—أجل هو ولكن هذا الخطاب كان منذ وقت طويل، لقد كان يجمع بيننا الكثير من المشاعر الرقيقة، ولكن الٱن فالامر قد تغير، لقد مضى العديد من السنوات على هذا وتغيرت مشاعرنا كما تغيرت ملامحها.

ابتسمت نغم وتحدثت بمكر وقالت:
—ولكن يبدو أن مشاعره لم تتغير تجاهك يا أمي، والدليل على ذلك هو دعوته لكي اليوم.

نظرت ديانا إلى نغم وعلقت قائلة:
—هذه مجرد دعوة عشاء من صديق لصديقته، ليست سوى ذلك أيتها الفتاة الماكرة، ولكن هل اتخذتي قرارك بشأن السفر إلى مصر؟

ابتسمت نغم وعلقت قائلة:
—أمي، إنه قرار نهائي ولكن هذا لا يعني إنني سوف أبتعد عنكِ، ما إن تشتاقين إلي ستجدينني أمامك.

ابتسمت ديانا وعلقت قائلة:
—حسنًا، كل ما يهمني هو راحتك النفسية، فلا تعودين إلى هنا محطمة المشاعر كما حدث من قبل.

ابتسمت نغم وعلقت قائلة:
—اطمئني لست كسابق عهدي، لم أعد هذه الفتاة الساذجة التي تتصرف بعفوية مع من ينجذب إليه قلبها.

قامت ديانا بمعانقة نغم وهي تحدثها قائلة:
—حبيبتي أنتِ أغلى ما لدي فانتبهي جيدًا على نفسك.
تلألأت الدموع في عين ديانا فتحدثت قائلة:
— سوف أذهب الٱن، أراكي بعد عودتي.

غادرت ديانا المنزل، بينما شعرت نغم ببعض الملل، نظرت حولها فإذا بالمنزل خاويًا ليس به سوى الخدم وسوزانا مديرة المنزل، خاصة بعد ذهاب رائد وريهام لقضاء سهرة جميلة يعوضان بها شهر العسل الذي قضته ريهام في غيبوبتها.

دلفت نغم إلى غرفة مازن ولكنها لم تجده فتحدثت قائلة:
—ترى ما الذي جعله يتأخر هكذا في عودته للمنزل، فهذا ليس من عاداته، هل يمكن أن يكون السبب في ذلك هو غضبه مني لقراري المفاجيء بالسفر إلى مصر؟

مازن وصل إلى المشفى، وبعد عمل الفحوصات الطبية والأشعة تبين وجود كسر في كاحل الفتاة وتم وضعه في الجبيرة.

وقف مازن يفكر فيما فعلته هذه الفتاة، فدفعه الفضول إلى الإقتراب منها والتحدث معها:
—إلى الٱن لم أتعرف على أسمك، أسمي مازن وأنتِ.

نظر الفتاة إلى مازن وعلقت قائلة:
—أسمي سعادة ولكنني لم اتذوقها في حياتي، يقولون أن لكل شخص منا نصيبًا في أسمه، ولكنني أقسم لك سيدي لم أرى سوى التعاسة والعذاب في حياتي.

نظر مازن إليها وعلق قائلًا:
—ألهذا الأمر كنت تريدن التخلص من حياتك حين ألقيتي بنفسك من الطابق الثاني؟!

نظرت سعادة إلى مازن والدموع تنهمر من عينيها وقالت:
— ألقيت بنفسي قبل أن يتم افتراسي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي